الأسلحة الإسرائيلية المحرمة دوليا في لبنان
إذا كان العالم يظن ان القتال قد توقف في لبنان فهو مخطئ اذ ان العدوان الإسرائيلي ضد الشعب اللبناني لايزال قائما في الواقع, فإلي جانب التدمير الهائل الذي ألحقه هذا العدوان, فإن الجيش الإسرائيلي أقدم علي ارتكاب أفظع جريمة ضد المدنيين شهدتها أي حرب في العقود الأخيرة.
لقد ركز الطيران الإسرائيلي علي استخدام قنابل أمريكا
الذكية ضد المساكن وهي التي يمكن ان تهدم مباني بأكملها, الي جانب القنابل العنقودية التي تحدث دمارا هائلا ضد المدنيين بصفة خاصة, هذه الأسلحة التي يطالب المجتمع الدولي بتحريمها يطلق عليها اسمM26 وهي عبارة عن صواريخ ضد الأفراد يحتوي كل منها علي مئات من القنبل الصغيرة التي تصيب المدنيين عند انفجارها وتلحق اضرارا بكل أجزاء جسم الإنسان وتقطع الأيدي والأرجل وتشوه الوجوه, وقد حدد خبراء الألغام التابعون للأمم المتحدة في جنوب لبنان عشرة مواقع توجد فيها بقايا هذه القنابل العنقودية التي ألقتها إسرائيل ولم تنفجر.
واذكر انه خلال عهد الرئيس الأمريكي ريجان عندما قامت إسرائيل بغزو لبنان في يوليو1982 أثناء حصار بيروت ان استخدمت اسرائيل هذه القنابل ضد المدنين بالمخالفة للاتفاق الذي وقعته مع الولايات المتحدة نفسها وكذلك اتفاق الدفاع المشترك بين البلدين لعام1952 مما اضطر الرئيس ريجان الي وقف وحظر تزويد اسرائيل بها, ولكن هذا الحظر ألغي تدريجيا وبهدوء ودون إعلان عام1988 من قبل الخارجية الأمريكية وتزايد التعاون بينهما خاصة في عهد الرئيس بوش بالذات الذي أقام جسرا جويا لتزويد إسرائيل بهذه الأسلحة الفتاكة بعد عدوانها علي لبنان ضاربا بالقانون الأمريكي نفسه عرض الحائط, بل وقام بتزويد إسرائيل بالقنابل الضخمة التي يزن كل منها أكثر من خمسة آلاف رطل والتي استخدمتها ضد مباني الضاحية الجنوبية في بيروت بالذات, كل هذه الأسلحة, بالاضافة الي ماقيمته220 مليون دولار من وقود الطائرات الحربية.
ومن الجدير بالذكر ان الولايات المتحدة وقعت عقدا مع إسرائيل خلال عام2005 لتزويدها بـ1300 صاروخ من القنابل العنقودية.
ماعلينا الآن فإن هذه الأسلحة المدمرة ضد المدمنيين وخاصة القنابل العنقودية الأمريكية في الحرب علي لبنان, جزء مهم منها لم ينفجر وترك دون أن تخبر إسرائيل الأمم المتحدة أو منظمات الإغاثة بمواقعها, بل ورفض متحدث بلسان الجيش الإسرائيلي ذلك وقامت الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية بتحذير المواطنين من الاقتراب من بقايا هذه الأسلحة الفتاكة وغيرها التي يطلق عليها الخبراء اسم بقايا متفجرات الحرب والتي تحصد ضحاياها المدنيين الأبرياء لسنوات عديدة حتي بعد انتهاء أي حرب.
هناك مؤسسة دولية تسمي الائتلاف ضد القنابل العنقودية تجمع المؤسسات المدنية بالاضافة الي الصليب الأحمر ومؤسسات حقوق الإنسان( ومن ضمنها مؤسسات أمريكية) اعتبرت أيضا ان استخدام هذه القنابل هو انتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني.
ويري هؤلاء الخبراء أنه اذا لم يقم اجتماع مراجعة اتفاقية معاهدة الأسلحة التقليدية بمعالجة هذا الموضوع خلال عام2006 الحالي كموضوع حيوي وعاجل فان المستقبل يحمل مخاطر متزايدة للمدنيين في أي حروب قادمة تستخدم فيه هذه القنابل, وهناك للأسف سبعون دولة تمتلك قنابل عنقودية من نوع ما, أما تصنعها أو حصلت عليها من الولايات المتحدة علي رأسها بالطبع إسرائيل.
الدول المنتجة لهذه القنابل وخاصة تلك التي استخدمتها بالفعل لاتريد فرض أي قيود عليها بل وتبرر فوائدها وان كانت تدعي انها حريصة علي أرواح المدنيين!! ولكن في الوقت نفسه هناك بعض الخطوات المتواضعة من جانب عدة دول في اتجاه تقييد استخدامها, فقد أقر مجلس الشيوخ البلجيكي قانونا يمنع استخدامها وهناك مشروعات قوانين مماثلة أمام برلمانات النمسا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ولكسمبورج والسويد وسويسرا, ولكن لايتوقع اقرار مثل هذه القوانين في غالبية هذه الدول قريبا, أما الفاتيكان فقد صرح في العام الماضي بأنه يدعو الي وقف فوري لمثل هذه الأسلحة بل وتدمير المخزون منها كلية وشاركه في ذلك البرلمان الأوروبي في أكتوبر,2004 مطالبا بالتوصل الي اتفاق دولي ملزم بذلك.
ومن الغريب ان اتفاقية عام1997 الخاصة بالألغام المضادة للأفراد لم تتضمن أي اشارة الي هذه القنابل بناء علي اعتراضات أمريكية واسرائيلية بالذات, وبعد مرور ستة أعوام علي هذه الاتفاقية تم اعداد بروتوكول يتضمن نصوصا حول الاجراءات التي يتوجب اتخاذها بعد انتهاء المعارك حيث تلزم الأطراف المسئولة العمل علي تطهير المناطق التي سقطت فيها هذه المخلفات, بالرغم من أن اسرائيل عضو في اتفاقية الأسلحة التقليدية الخاصة الا انها رفضت وأمريكا الانضمام الي البروتوكول المشار اليه, ولكن في رأي بعض الخبراء فإنها ملزمة به ولو أدبيا بالرغم من عدم توقيعها عليه, وذلك بالرجوع الي المادتين7 و8 من البروتوكول اللتين تنصان علي أن كل طرف مسئول عليه تقديم المساعدة الي الدولة المتضررة وهو أمر يتوجب علي لبنان والدول العربية الاستفادة منه دوليا, كذلك يجب ان نسعي لأن تقوم لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان الأخير التابع للأمم المتحدة للتحقيق في الممارسات الإسرائيلية ضد لبنان ببحث هذا الموضوع, كما يمكن النظر في اقتراح تقديم بند علي جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة من دول عدم الانحياز ـ وعلي رأسها الدولة المتضررة لبنان ـ
والدول المنضمة للبروتوكول المشار إليه يستند علي هذا التقرير الدولي لتكوين لجنة من الخبراء تعكف علي وضع اتفاقية دولية ملزمة لتحريم مثل هذه الأسلحة وفرض عقوبات علي من يصنعها أو يستخدمها طبعا الولايات المتحدة وإسرائيل ستعارضان ذلك, ولكن الهدف هو إبقاء الموضوع مثارا باستمرار خاصة إننا الدول العربية والإسلامية أساسا هي المستهدفة بمثل هذه الأسلحة والتي تم بالفعل استخدامها ـ وغالبا أيضا في المستقبل ـ ضد المدنيين العزل.
كلمة أخيرة, لقد آن الأوان لكي تدخل الدول العربية ميدان انتاج هذه الأسلحة التي أزعم انها يمكن ان تشكل بعض الردع أمام أسلحة الدمار الشامل التي في حوزة إسرائيل وذلك بسبب طبيعة العمليات العسكرية في المنطقة وحتي نقوي من موقفنا في أي مفاوضات قادمة بخصوصها علي المستوي الدولي, واذا كان مسموحا لي بطرق باب التمني, فإنني أتمني إعادة احياء صناعة الانتاج العسكري العربي المشترك حتي ولو بين بضع دول فقط ونخصص له جزءا من مليارات الدولارات التي تنفق سنويا علي استيراد الأسلحة من الدول الغربية, ولايقل أهمية عن ذلك اعداد كوادر عربية عسكرية وعلمية وقانونية تستطيع المشاركة بكفاءة في المباحثات والمفاوضات التي تجري حاليا إما في اطار الاتفاقيات القائمة بخصوص هذه النوعية من الأسلحة, أو تلك التي يمكن ان تجري في المستقبل, وكذلك بحث إمكان اتخاذ مواقف مشتركة مع الدول النامية أو حتي تلك الغربية التي قررت الاستغناء عنه هذه الأسلحة المدمرة, كما يحتاج الأمر الي توثيق ما حدث من استخدام إسرائيل للقنابل العنقودية في لبنان ضد المدنيين ومانقلته وسائل الإعلام الأجنبية والعربية في أفلام وكتيبات وتوزعها علي أكبر نطاق وأنصح هنا بالاطلاع علي التقارير الممتازة التي أصدرتها مؤسسة هيومان رايتس واتش( الأمريكية).