برنامج الأسلحة النوويّة (الإسرائيلية)
Israel's Nuclear Weapons Program
د. مؤيد الحسيني العابد
أكتب موضوعي هذا بمناسبة قراءتي لمقال للسّيد وفيق السامرائي((التهديد الرئيسي للعرب..إيران أم (إسرائيل)؟الوارد في صحيفة الشرق الأوسط، السعودية)) القائد العسكريّ العراقي السّابق ومسؤول الملف الإيرانيّ في الإستخبارات العسكريّة في زمن النظام السّابق(نظام صدام حسين) أرغب بتذكرته إلى خطورة ما طرحه حول كيان (إسرائيل) وأشاراته إلى أنّ هذا الكيان أصبح في وضع، أن لا رغبة له في التوسّع ورغبته في التخليّ عن برنامجه التوسعيّ على حساب العرب والمسلمين!! أرجو له التوفيق في التطرّق إلى مواضيع أخرى تخصّ تحليلاته العسكريّة حول عدوان هذا الكيان على غزة الجريحة والمقاومة واستمرار تحرشاته بجنوب لبنان الصابر المجاهد، بالإضافة إلى وجود هذه الترسانة المريبة من الأسلحة النوويّة التي لا يجهلها الفريق السامرائي! حسب ما أعتقد. وأقول:
إنّ عمليّة إمتلاك السّلاح النوويّ أو كلّ تفاصيل الترسانة النوويّة أو جزء منها إنّما يعدّ أمراً يسيراً لمن يمتلك القدرة العلميّة والقرار السياسيّ. فقد بات التوجّه النوويّ(عموماً!) أمراً مهمّاً لإثبات الوجود السيادي والإقتصاديّ بل وحتى الأمنيّ. فعدد من دول صغيرة لا إمكانيّات عالية لها، تراها تتسابق لإمتلاك القدرة النوويّة بمعظم أشكالها. فهذه الدول التي تعدّ من الدول النامية والتي تمتلك إمكانيّات متوسّطة في جميع التفاصيل المذكورة، أصدرت قراراتها لإنتاج العديد من خطوط العمليّة النوويّة.
ودليلنا على هذا تلك التسريبات التي تظهر كلّ حين وتشير إلى أنّ تلك الدول باتت تطمح وتعمل في هذا المجال، وتمكّنت بالفعل من الحصول على الوقود النوويّ وبعضها قامت بعمليّة تخصيبه إلى إعادة معالجته والإستفادة من الوقود المسترجع من جديد. لا بل حتى في طرق التّخصيب المتطورة التي كانت حكراً على دول معينة.
إنّ من الأمور المهم توضيحها هو أنّ النّظريّات والقوانين التي تستخدم في المفاعلات للغرض السلمي هي نفس القوانين والنّظريّات التي تستخدم للغرض العسكريّ. أي أنّ الإنشطار النوويّ الذي يحدث في المفاعل النوويّ هو نفس الإنشطار النوويّ الذي يحدث في التفجير النوويّ. فالدول التي تمتلك أيّ مفاعل من أيّ نوع أو من أيّ قدرة سيكون لديها قدر كاف من المعلومات والتطبيق على تفعيل برنامج نوويّ للأغراض العسكريّة.
تعدّ (إسرائيل) من الكيانات أو (الدول!) التي لها الإمكانيّة في الحصول على القدرة في هذا المجال في منطقتنا وبهذا القدر والكيف. وعندما نتكلّم عن موضوع الإمتلاك النوويّ فإنّ ذلك ليس بالضرورة دليل على إستخدام تلك الدولة الحتميّ لهذا السلاح أو تلك الترسانة لإعتبارات سنذكرها لاحقاً(أقصد بالسلاح حصراً القنابل والقذائف المنطلقة من الطائرات والمدافع لضرب الأهداف وتدميرها وليس المقصود النفايات النوويّة التي تستخدم بين الفينة والأخرى لنشر الإشعاعات النوويّة وتدمير الأجيال القادمة، كما قامت به فعليّاً دويلة (إسرائيل) في ضرب أهداف في حرب تشرين مع مصر وفي جنوب لبنان وفي ضرب المفاعل العراقي في بداية الثمانينيّات حيث إستخدمت في كلّ هذه العمليّات نفايات اليورانيوم المنضّب).
منذ تأسيس هذه (الدويلة) في عام 1948 والعقل الإسرائيلي يفكّر ويخطّط لإمتلاك التكنولوجيا النوويّة بل وكلّ تفاصيل هذا البرنامج لتحقيق الإكتفاء الذاتي قدر الإمكان. وسأحاول هنا تسليط الضوء على البرنامج النوويّ (الإسرائيليّ) (وقد قمت بعمل من هذا القبيل في مقالات سابقة وأرفد القرّاء الأكارم بمعلومات أخرى!) من خلال التحليلات العلميّة والتي باتت واضحة لم تعدّ سرّية كما كانت سابقاً وسأترك التحليلات السياسية في هذا المجال والتي أصبحت ممجوجة لضحالتها والتي لم تأت على الامّة إلاّ بالمشاكل والنكوص. وربّما هذا الذي أدّى بقائد عسكريّ له خبرته في المجال العسكريّ أن يحلّل بهذا الشكل!
إنّ لدى (إسرائيل) منشأة متخصّصة لفصل البلوتونيوم والذي تمتلكه لغرض الإستخدام العسكريّ وحصراً في صنع القنابل النوويّة التي تنطلق من الطائرات ومن المدفعية البعيدة المدى وغير ذلك سنأتي عليه لاحقاً. والدليل في هذا المجال هو الذي ذكرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية (نشرة الوكالة المجلد 19, رقم5: كما ذكره د.تيسير الناشف في كتابه الأسلحة النوويّة في (إسرائيل)) وهو خير دليل على ذلك ولو أنّ البرنامج (الإسرائيلي) بات لا يحتاج إلى جهد كبير لمعرفته.
لقد حصلت (إسرائيل) على المنشأة النوويّة الأولى من فرنسا التي ساعدت أيضاً على عمليّة إنشائها كذلك. إلاّ أنّ هذه المنشأة قد أخفيت من قبل السلطات (الإسرائيلية) (كما قال فعنونو نفسه في تسريباته التي نشرت في العديد من الصحف) خلال عقد الستينيات تحت مبنى عتيق صغير.
تصل كمية البلوتونيوم الذي ينتج في (إسرائيل) الى عشرة كيلوغرامات بنسبة إغناء 70%، والدراسات التي سرّبها فعنونو تشير الى أنّ (إسرائيل) مستمرّة في إنتاج البلوتونيوم، علماً أنها تمتلك إلى عام 1980 ما يصل إلى 100 كيلوغرام من هذا العنصر(البلوتونيوم).
إنّ ما قامت به (إسرائيل) من عمليّات مهمّة في إخفاء برنامجها النوويّ أدّى إلى إندفاعها أكثر وأكثر بعيداً عن الرقيب الدولي (وطبعاً بعيداً عن عيون العرب والمسلمين والذين إتّجهت عيونهم إلى أعداء وهميّين صنعوهم بأنفسهم بعيداً عن حالة الإستعداء لمن هو عدوّ بالتطبيق الفعلي والتنفيذ المستمرّ لمشاريعه بهذا الإتّجاه لا كما يتصوّر الفريق السامرائي!) فقامت بالإتّصال بعدّة دول وبالعديد من الشركات لتزويدها بما تحتاجه من تفاصيل لإتمام هذا البرنامج. فدول مثل الأرجنتين وجنوب أفريقيا( في فترة الحكم العنصري لها) وبلجيكا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية.
لقد عملت (إسرائيل) منذ آذار عام 1993 على تحويل 225 طناً مترياً من اليورانيوم من الأسلحة الى وقود لمحطات القدرة النوويّة. وهذا الرقم يكافيء 9000 من تجهيزات الأسلحة النوويّة أي أنّها حوّلت هذا الكمّ من قدرات الإنتاج الفعلية الى الإتّجاه المدني! هذا الكم فقط الذي تمّ تحويله فكمّ من القدرة التدميريّة لديها قيد الإستخدام الفعليّ والتي تتوفّر في مخازن الجيش الخاصّة؟! وأنّ هذه الكميّة هي ما يعادل ما ستطرحه الولايات المتحدة الأمريكية(بالإضافة إلى نفس الكمّ من قبل روسيا الإتحادية) وفق الإتفاقيّة التي وقّعت ما بين الدولتين المذكورتين على طرح 500 طن متري من اليورانيوم المخصّب.
إنّ (إسرائيل) لها الثقة المتناهية في أنّ لها الحق في حيازة السلاح النوويّ الأقوى والأكثر من جهة الكمّ والنّوع. إلاّ أنّها لم تصرّح منذ عملها وتصنيعها لكلّ فئات السلاح النوويّ عن أيّ قدرة أو أيّ شيء عن قدرتها النوويّة. بل تحاول جهد إمكانها أن تزيل الشّكوك في هذا المجال من قبل كلّ الدول التي توجّه لها أصابع الإتّهام!! في إمتلاكها للسلاح النوويّ.