الفصل السادس
ميخائيل بسللوس من خلال كتابه ( التاريخ الزمني )
كان البيزنطيون علي معرفة تامة بماضيهم البيعد وتاثيرتفكيرهم بهذه المعرفة عن الاستمرار التاريخي فقد برعوا في ميدان الكتابة التاريخية وخلال الامتداد الطويل للعصر البيزنطي المتقدم ( من الرابع الي السابع ) وجد واحدا او اكثر من المؤرخين او كتاب التاريخ الزمني الذين دونوا احداث هذه الحقبة التاريخية بقدر كبير من الدقة والموضوعية كما نجد عدد من المؤرخين بالصبغة الدينية في معالجة الامور السياسية وعالج اخرون مادتهم التاريخية بمنهاج موضوعي جاد في فترات الانحلال السياسي شهدت الي حد ليس بالقليل نهضات ثقافية في مجال الفكر والادب وكان هذا خلال الازمة الطاحنة التي احدقت بالامبراطورية ولم يبق منها سوي القسطنطينية وفي المقام الاول يعود هذا الاعتزاز البيزنطيين بتراثهم اليوناني الروماني والي ادراكهم الواعي للدور الحضاري الذي يؤدونة في عالم البحر المتوسط بالاضافة الي انهم يجدون في الابداع الفكري والادبي عوضا عن الضياع السياسي الذي يعانونه ابان تلك الفترات ومن هنا ندرك الاهمية الحقيقية لهذه الفترة في تاريخ الامبراطورية فمنذ وفاة باسل الثاني لم تستطع بيزنطة ان تعود ثانية لسابق قوتها وازدهارها ورغم ان الاسرة الكومنية قد اعادت اليها شيئا من الحياة الا ان ذلك كان بريقا خادعا سرعان ما راحت الامبراطورية بعده تستخدم الخطي كارهة الي الانحلال والسقوط وظاهرة الضعف العام الذي تردي فيها الاباطرة ارهاصا طبيعا بما حدث عام 124 ثم عام 1453 ومن ثم ندرك الاهمية الكبيرة لهذا الكتاب(التاريخ الزمني ) فهو يتناول احداث هذه الفترة من الناحية الداخلية ويضاعف الاهمية ان مؤلفه هو ميخائيل بسللوس الذي عاش هذه لاحداث بنفسة منذ بدايتها كما شارك بنفسه في صنع الكثير من احداث هذه الفترة فقد كان علي مقربة من القصر وعمل في خدمة تسعة من الاباطرة الذين عاصرهم وترقي في المناصب حتي اصبح الوزير الاول المسئول في الامبراطورية كان استمرار بسللوس في ممارسة العمل الاداري والسياسي وسط الاخطار التي كانت تهدد الدولة في الداخل ولخارج مع اختلاف الاهواء وتضارب المصالح وتنافر الطبائع لدي هذا العدد من الاباطرة الذين عمل في خدمتهم والذين يمتلكون السلطة الكاملة في ظل الموناريخية البيزنطية ليدل دلالة واضحة علي شخصية بسللوس وتفهمه لطبيعة العصر الذي يعيشة وادراكه الوعي لمدي امكانيات وقدرات هؤلاء الحكام ويفصح عن ذكائه
أية قراءة للتاريخ الزمني حتى لو كانت سريعة تعطينا صورة واضحة عن شخصية بللوس السياسية ودوره في الحياة العامة وفي تسيير أمور الدولة إلى حد التدخل فب بعض الأحيان في إختيار الأباطرة او إقصء آخريين عن الرش او تدبير المؤتمرات السياسية .
وقد شارك بسللوس الجموع ثورتها وسخطها بعد أن ايقن أن الأمور أفلتت من يدي ميخائيل خاصة وأنه يتهمه بالتسلط والإستبداد والإنصراف عن شئون الدولة ويحدثنا بسللوس في كتابه عن جوانب شخصية الإمبراطورة زوى المستهترة العابثة المزاوجة كما كان الإسراف والبزخ اللذين كانت تترفل فيهما زوي كانا يدخلان البهجة علي جموع القسطنطينية المحبة لهذه الحياة .
وقد وقف بسللوس الجزء الأكبر من مؤلفه وهو الكتاب السادس للحديث عن الإمبراطور قسطنطين التاسع وخلع عليه ايات التمجيد والإطراء وهو المفضل له وبطل تاريخه .
ويقارن بينه وبين باقي الأباطرة ويرفعه مكانه عليا ويتفوق به عليهم جميعا في كثير من النواحي وإن كان اقل منهم شجاعة وتحدث عن صفاته اخاصة دون الحديث عن منجزاته
تمكن قسطنطين التاسع من ان يضم ما تبقي من ارمينية بما فيها عاصكتها اني ولكن سرعان ما فقدتها الإمبراطورية كما تدفق البشفاق الي الداخل دون مقاومة حتي نزلو قرب ادرنه .
وفي الداخل ساءت الاحوال وتم استنفاذ الخزانة العامة علي يد قسطنطين وزرجه زوي .
وفي محاولة لمعالجة الأمور أقدم قسطنطين علي تخفيض قيمة العملة بصورة واضحة لمواجهة العجز المالي ونقص إيرادات الضرائب لإزدياد سطوة كبار الملاك وبذلك تم تخريب الإقتصاد البيزنطي .
ومن أهم الأمور التي أقدم عليها قسطنطين في عهدة هو اعادة تنظيم جامعة القسطنطينية عام 1054 ولكن مؤلف بسللوس يكاد يقتصر على معالجة السياسة الداخلية والأمور الخاصة بالبلاط فقط ولا يعرج على الشئون الخارجية إلا فيما ندر ولهذا كان متوقعا أن يمدنا بسللوس بوثيقة تاريخية تعد علي جانب كبير من الأهمية وهي قرار إعادة تنظيم الجامعة خاصة كلية الفلسفة التي كان رئيس لها وذلك راجع الي انه كان يريد أن يحتفظ لنفسه فقط بفضل علوها مثل الثقافية ومكانته الفكرية .
وقد ادعي المرض ورغبته في ترك الحياة الدنيا وعزمة علي سلوك الرهبانية كما يقوم بسللوس أن ذلك يعود لرغبة دفينة في نفسه لممارسة هذه الحياة ولانطواء نفسه علي الحب العميق للتأمل ولكنه لم يطق هذه الحياة وعاد لدينا الناس فور وفاة قسطنطين .
وبعد ذلك اوته الإمبراطورة ثيودورا ثقتها الكاملة و من بعدها ميخائيل السادس .
وقد ارتقى بسللوس مكانة سامية وحظي بلقب رئيس شرف مجلس السناتو وأصبح أشد المستشاريين قرباً للإمبراطور والأمبراطورة ولم يتخل بسلوس عن دوره القيادي في رفع قسطنطين العاشر إلي العرش وجا إعتلاء قسطنطين العاشر العرش إنتصاراً للإدارة المدنية البيوقراطية في العاصمة ضد الأرستقراطية العسكرية وصرف بسللوس همه في محاولة إعادة تنظيم الشئون المدنية والتشريعية
الواضح أن بسللوس بحديثه هذا يظهر نفسه بعيدا عن الأحداث الخاصة بتقلبات السياسة وثروات الحكم وهو هنا يعيد نفس الدور الذي رسمه لنفسه من قبل عند الثورة علي ميخائيل السادس .
إن التاريخ الزمن الذي وضعه بسللوس يحتل مكانا مرموقا وسط الكتابات التاريخية في العصور الوسطى كام أن قيمته الحقيقيه في حد ذاته بإعتبارة مذكرات شاهد عيان علي قدر كبير من الثقة والذكاء ونعتبره عملا فنيا رائعا ويتناول عمل بسلوس بين الإطناب وإلايجاز عهود أربعة عشر امبراطور يمتد حكمهم الي قرن كامل وكان لهذه الفترة التاريخية وبالتالي تزداد قيمة الكتاب لأن هذه الفترة تمثل منعطفا خطيرا في تاريخ الدولة البيزنطينية .
ويزيد من هذه الأهمية مشاركة بسللوس في الحياة السياسية ومعايشة البلاط البيزنطيعلى عهود تسعة من أباطرة هذه الفترة .
قسم بسللوس تاريخة الزمني الي كتب سبعة اختصت السنة الولي منها بالأباطرة إبتداء بباسل الثاني وإنتهاء بتيودورا ابنه قسطنطين التامن والكتاب السادس وحده يمثل الجزء الرئيسي في هذا المؤلف إذ يحتل وحده ثلث صفحات الكتاب بينما يشغل الكتاب السابع والاخير الثلث الثاني الذي يعد أباطرته مرحلة انتقال بين البيت المقدوني والأسرة المومننية والتاريخ الزمني لبسللوس بصورته هذه يختلف تماماً عما حبرت العادة بإتباعه في كتابه الواريخ الزمنية .
وأصدق ما يمكن أن يطلق علي عمل بسللوس هذا هو ( تاريخ البلاط ) فبسللوس وقد مكنته مناصبه من ذلك يتحدث في تفصيل دقيق في كثير من الأحيان عما يجري خلف استار القصر الأمبراطوري ورغم انه صرح ذات مرة انه سوف يتحدث عن الجيوش والمعسكرات والمناوشات والمعارك ولكنه قال سأتركها لكثير من الكتاب الأخرين الذين يرغبون في تدوين مثل هذه الامور