ولكن ازداد الاضطهاد الروماني للمسيحيين في عهد الاباطره المسيحيين عما كان عليه زمن الاباطره الوثنيين وهذا بسبب ازدياد هوه التباعد في وجهتي النظر بين الاعتقاد الكنسي والفكر السياسي الروماني فراي رجال الدين المسيحيون في قيام امبراطوريه مسيحيه الفرصه التي يبحثون عنها ليحققوا من خلالها قيام مملكه الرب علي الارض حملته في الكنيسه الجامعه كانت الكنيسه قد رتبت امورها علي ان تصبح صاحبه السلطه الاعلي التشريعيه في ظل دوله مسيحيه يضطلع القيصر فيها فقط بالسلطه التنفيذيه .
فالامبراطور الذي كان في الوثنيه ( الكاهن الاعظم ) اصبح في المسيحيه ( الاسقف الاعلي ) .
الترحيب بالامبراطور في كل الاحتفالات يؤكد علي مركز الامبراطور باعتباره الممثل المباشر لله .
كما راح الاباطره الرومان المسيحيون يتدخلون في كل امور الكنيسه فهم الذين يعينون الاساقفه وبعزلونهم وهم الذين يدعون الي عقد المجامع الكنسيه المسكونيه ويفضونها ويتراسون جلساتها .
واقدم الاباطره الرومان المسيحيون علي ايقاع الاذي وانزال الاضطهاد العنيف بالمسيحيين الذين يخالفونهم المذهب وكان الامبراطور يؤمن انه وحده له الحق في اختيار المذهب الذي يراه مناسبا لايمان شعبه وعلي هذه الجموع ان تدين له بالولاء والطاعه العمياء دون تفكير فهو نائب المسيح علي الارض .
كان الاختلاف بين اباطره الرومان الوثنيين وقرنائهم من المسيحيين حول الوسيله فقط لكن الهدف كان واحدا ذلك ان الفكر السياسي الروماني وثنيا ام مسيحيا لم يكن يقبل مطلقا بوجود دوله داخل الدوله حتي لو كانت هذه هي الكنيسه المسيحيه في ظل امبراطور يعتبر نفسه نائب المسيح علي الارض .
الفصل الثاني
كنيسه القدس في دائره النزاع الاسقفي
كان علي المسيحيه ان تتخلي كارهه عن اسلوب التبشير الاميين بمعجزات المسيح وحياته علي الارض الي مخاطبه عقول اولاء البشر كعواطفهم حيث اصبحت الفلسفه ذاتها تمثل في المجتمع الروماني طرائق حياه حوالي القرن الثاني بل توقفت عن ان تصبح موضوعا دراسيا واصبحت اساسا علي وفاق مع الدين وكانت الرواقيه بما تنطوي عليه من اخلاق سياسيه وايمان بكل الالهه اساسا اخلاقيا للسلوك ومبدا راسخ لحياه فاضله فكانت الرواقيه عقيده اخلاقيه ولهذا كان لابد ان تتفلسف المسيحيه وان تتولي الي الظل طواعيه مدينه القدس تاركه الساحه لغيرها من مدائن نصف الامبراطوريه الرومانيه اليوناني بما حوته من مدارس فكريه ومذاهب فلسفيه بحيث لم يكن في مقدور القدس ان تباري تلك المدائن صيتها الذائع وشهرتها الواسعه في مجالات الجدل الفكري بعد ان ادت دورها الذي اتاحته امكانياتها وقدراتها في اطار المسيحيه اليهوديه
واقتسمت الساحه مدينتا الاسكندريه وانطاكيه فاحتفظت الاسكندريه بمدرستها اللاهوتيه الشهيره الفكر الافلاطوني ( اللاهوت العلمي الافلاطوني ) مع استخدام التفسير المجازي لتفسير الكتاب المقدس وارتضت انطاكيه النهج الارسطي واختطت اسلوب تفسير الكتاب المقدس تفسيرا عقليا اما القدس فقد سددت لها الحكومه لكمه قويه فقد فرض علي كل يهودي ان يحول الضريبه التي كان يدفعها للهيكل في القدس الي البانثيون الروماني وقد جري علي الكنيسه وشعبها في القدس ماجري علي الكنائس الاخري وعلي الرغم من ان القدس كانت تعلوها هاله كبري من التقديس الا ان اساقفتها لم يكن لهم دور معين في السياسه الكنسيه ولم يكن يشكلوا قوه ذات بال ولكن بمقدم القرن الرابع الميلادي دعيت القدس لتمارس حياه جديده وحظيت فلسطين بالنصيب الاكبر من جهود قسطنطين في اصلاح الكنائس وبنائها مثل كنيسه القيامه كما دخلت كنيسه القدس حلبه الصراع العقيدي في مطلع القرن الرابع وفي عام 335 اكتمل بناء الكنيسه التي اقامها قسطنطين في القدس واضحت تموج بالعديد من خدام الرب وعدد من موظفي القصر الامبراطوري للاشراف علي حفل تدشين الكنيسه وقد رفعت هذه الكنيسه قسطنطين الي عليين وجعلته الحواري الثالث عشر للمسيح .
وفي 335 رفضت الكنيسه الرضوخ لقرارات مجمع القدس واعلنت عدم قبولها اريوس وصحبه في كنيسه الاسكندريه ثانيه ونشط الفريق الاريوس ليونمر صدر الامبراطور علي اسقف الاسكندريه حتي اصدر قسطنطين قراره بنفي اثناسيوس الي ترير في نفس العام ورفض الموافقه علي تعيين اسقف جديد للاسكندريه .
استلم قسطنطيوس لقرارات مجمع سرديكا سنه 343 وقرر اعاده الاساقفه الذين عزلهم الي كراسيهم ثانيه ومن بينهم الاسقف اثناسيوس ( نفيه ثانيه ) فرجع اثناسيوس لمصر وعرج في طريقه علي كنيسه القدس واوحي لاسقفها ماكسيموس ان يدعو لعقد مجمع تحت رئاسته لتاكيد تبرئه اثناسيوس والتوكيد علي حقه في العوده لكرس اسقفيته وقد فعل ماكسيموس ورد عليه كرامته وشركته في الكنيسه وفي 399 شهدت كنيسه القدس مجمعا اخر دعت اليه الاراء التي دارت من حول فكر اوريجن اللاهوتي السكندري الذي اتهم بالهرطقه علي اعتبار انه يمزج المسيحيه بالفلسفه الوثنيه كما وجدت كنيسه القدس نفسها في بواكير القرن الخامس طرفا في نزاع لاهوتي قدم اليها من الغرب الامبراطوري وهو اشتغال كنائس النصف الغربي بالمسائل اللاهوتيه المعقده كما حدث صراع بين يوحنا واوروزيوس وساور الشك معظم حضور مجمع القدس في امكانيه التوصل لقرار ايدوا اقتراح اوروزيوس بان يترك القرار لتقدير اساقفه الكنيسه اللاتينيه وحدهم واعلن يوحنا انه سيلتزم بقرار اسقف روما ولكن تم تصعيد الخلاف الي اسقف قيساريه الذي دعا لعقد مجمع في اللد واعلن المجمع تبرئه ساحه بلاجيوس مما نسبه اليه يوحنا من هرطقه وقبوله في شركه الكنيسه .
لقد بنيت القسطنطينيه منذ اول يوم مسيحيه وصارت عاصمه للامبراطوريه الرومانيه وهي مستقر الاباطره وقلعه المسيحيه الارثوذكيه التي تصدت لهجمات الجرمان المعتنقين للمسيحيه الاريوسيه ولكن كانت كنيسه القسطنطينيه تشعر بقصر قامتها ازاء الاسقفيات الرسوليه الاخري التي ارسي قواعدها رسل المسيح بسبب نشاتها الحديثه ولكن لما كانت القسطنطينيه بنيت علي اطلال بيزنطه المدينه الاغريقيه القديمه وكنيستها امتدادا لها فانها تقفز للمرتبه الاولي بين الكنائس الرسوليه فهي الام الاولي لكل الكنائس ونقطه الانطلاق في التبشير بالمسيحيه ارسي المسيح بنفسه فيها كنيسته وكان طبيعيا ان تحرز كنيسه القدس قصب السباق في ميدان التنافس علي الزعامه .
ولكن القانونيين السادس والسابع تضمنا امرين هما : ان الكنيسه الجامعه ( المجمع المسكوني الاول ) اعترفت باسبقيه روما والاسكندريه وانطاكيه علي بقيه الكنائس ولم يرد للقسطنطينيه ذكر حيث لم يكن اكتمل بناؤها وايضا وضع المجمع كنيسه القدس واذن لها باحتلال المرتبه الرابعه .
وقد اخضع المجمع كنيسه القدس لاسقفيه قيساريه ولذلك اقتصر صراعها علي التحرر من سيطره قيساريه في القرنين الرابع والخامس وساد كثير من الصراعات في سبيل تحقيق ذلك .
وقد قنعت القدس بما حققته في منتصف القرن الخامس ورضيت بقدرها حتي عام 638 عندما فتح المسلمون فلسطين وسلمت القدس لامير المؤمنين عمر بن الخطاب لتبدا كنيسه القدس رحله جديده في تاريخها عبر العصور الوسطي .