من الذين عايشوا الثورة المظفرة وعانوا ويلاتها وشاهد على همجية الإستعمار الفرنسي والذي ظل متشبتا بمبادئه من أجل أن تحي الجزائر حرة مستقلة المجاهد سي الصالح زيداني الذي يروي مسيرته وشهاداته من سنة 1944 إلى 1962 وقوفا عند مثل هذه العينات من المجاهدين وفي الذكرى 52 لاندلاع الثورة التحريرية " المساء" تستحضر نشاط المجاهد على وقع الإحتفالات الرسمية التي انطلقت لتتقفى اثاره بعدما ظل صامتا يبوح في مكنوناته صدق الوطنية من خلال هذا التقديم الذي يضع القارىء الكريم في صورة الأبطال مثله الأحياء منهم والشهداء الأبرار .
في بدايات الثورة المباركة ظل المجاهد سي الصالح في ربوع الأوراس منهمكا في الدفاع عن الوطن، في ظل الأوضاع التي ميزت المشهد السياسي بعد اتساع رقعة المشاركة فيها القوية للمواطنين خلال المرحلة الأولى في مسيرة أمة ضد الطغيان وبروز جبهة التحرير الوطني في واجهة الأحداث السياسية وميلاد فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا في ديسمبر 1954والإتحاد العام للطلبة الجزائريين في جويلية 1955 والإنتصارات التي سجلتها القضية الجزائرية على الصعيد الخارجي بحضورها الرسمي في مؤتمر باندونغ في أبريل 1955. وهي المحلة التي اسست لعهد جديد بتحضير هجومات الشمال القسنطيني التي كان من جملة أهدافها رفع الحصار على الولاية التاريخية الأولى
ا يزال المجاهد سي الصالح متأثرا للرد الوحشي على كفاح أمة انتفظت رافظة الرضوخ والعيش تحت مظلة المستعمر ويتدكر انتقام السلطات الإستعمارية من المواطنين العزل و حملات التوقيف الواسعة والقمع الذي استهدف الآلاف من المدنيين الجزائريين وقصف القرى . والإنتقام من المدنيين الأبرياء في حملة انتقامية راح ضحيتها في عدة مجازر منها 12000 جزائري في حوادث 08 ماي 1945.
ولد المجاهد زيداني محمد المدعو سي الصالح بتاريخ 1928 بجبل قرون معافة بدشرة الفتاتشة بلدية عين التوتة المعروفة باسم ماك ماهون في العهد الإستعماري ابن لخضر زيداني المدعو عيسى ( المسبل) وزيدة ثوف ( مسبلة) فقد سي الصالح أخوين له في ميدان الشرف عمار قتل يد الاستعمار سنة 1959 بإيزموران والسعيد استشهد سنة 1961 بأكندور وله أخ أخر أصيب كمين
حفظ سي الصالح القرآن الكريم عن ظهر قلب القرآن الكريم في زاوية الشيخ السعيد بن بوزة في مشتة الفتاتشة التي تقع على بضع كيلومترات من معافة بالمدرسة القرآنية. واضطر لمغادرة مسقط رأسه لمواصلة تعليمه ليلتحق بزاوية الشيخ بن عبد الصمد بعدما وفر مصاريف السفر من خلال بيع بعض كتبه. وتقع هذه الزاوية التي انتقل إليها في هذه الظروف على بضع كيلومترات شمال شرق باتنة والتي تحتضن عددا معتبرا من الطلبة القادمون من المناطق المجاورة والتي تسير بأموال الزكاة التي توظف لتوفير لإطعام وإيواء حفظة القرآن الذين يقصدونها.ولأجل التحصيل العلمي وتنويع معارفه انتقل المجاهد الصالح زيداني إلى مدينة قسنطينة للالتحاق بزاوية الشيخ بلحملاوي الواقعة بالقرب من مدينة تلاغمة حاليا التي سجل بها بالقسم الداخلي وقد وضع نصب أعينه الذهاب بعيدا في قرآنية زاوية الشيخ يحي أوموسى بأعالي جبال سيدي عيش يشرف عليها شيوخ ممتازين ليقضي 06 اشهر كاملة هناك تمكن خلالها من حفظ القرآن وختمه لينتقل بعد ذلك لزواية الشيخ الطاهر آيت أوجري لمراجعة القرآن الذي حفظه على يد هذا العلامة المعروف بالمنطقةفي خلال 06 أشهر. قبل أنيتنقل فيما بعد لزاوية تيزي العرش دائما بسيدي عيش التي يشرف عليها إمام مدرس للغة العربية وعلم الفقه .
عرف المجاهد سي الصالح خلال إقامته بمنطقة القبائل بطيبة الخاطر وحسن السلوك وبمهاراته الفكرية مما جعله محل احترام وتقدير من قبل الجميع بهذه القرية وطلب منه لتعليم تلاميذ المنطقة ودون تردد قبل المهمة التي أسندت إليه خصوصا وأن الأغلبية الساحقة من التلاميذ الجزائريين المتمدرسين بالمدرسة الفرنسية التي عمدت مناهجها التربوية على تغريب الشعب الجزائري وتزوير تاريخه وأمام هذه الوضعية كان سي الصالح في المستوى مدركا درجة الخطورة التي تسعى من خلالها الإدارة الفرنسية طمس الشخصية الجزائرية حيث ركز في مهامه النبيلة على تعليم اللغة العربية ومباديء الدين الإسلامي للأطفال.وفضلا عن تعليم القرآن الكريم عين سي الصالح عضو في مجلس الجماعة بالقرية قبل أن يصبح أمينا تودع عنده الهبات والصدقات التي يدونها في كراسته وهذه الهبات توظفها الزاوية لدفع مصاريف إقامة التلاميذ القادمين من المناطق البعيدة.
ونظرا للسمعة الطيبة التي يتمتع بها على غرار الأخلاق الكريمة أثار انتباه أحدأثرياءالقرية الذي يعيش رفقة زوجته وابنته الوحيدة هذه الأخيرة التي اقترحها عليه للزواج على سنة الله ورسوله وهومشغول في هذه الفترة بالواجب المقدس اتجاه الوطن رفض بطريقةمهذبة الاقتراح ليعود مجددا للأوراس لإعالة عائلته.
وفي سنة 1951 انتقل إلى فرنسا بحثا عن العمل وقد وظف بمصنع ((بفوي)) بالقرب من مدينة مارث وموزال وهناك أقام علاقات صداقة مع مناضلين في حزب الشعب الجزائري قبل أن يصبح عضوا مهما وبارزا في هذا التنظيم الذي انخرط في صفوفه وكان محل ثقة عندما كلف بمهام رئيس مجموعة بمكتب التحسيس وتندرج أهداف هذا المكتب في سياق شرح أهداف الحركة الوطنية لمصالي الحاج.
وبمعية زملاءه ناضل كثيرا وقام بعدة حملات لمحاربة الآفات الاجتماعية التي تسيء للدين الإسلامي في وسط العائلات المغتربة في فرنسا وكان ينادي لتحريم الخمور وتحسيس المواطنين بأهمية الاقتصاد وعدم التبذير وكان بالمقابل يتولى جمع أموال المنخرطين بالتنظيم ويوزع المناشير في المقاهي وينظم اجتماعات سرية.
وبمرور سنتين من النضال وفي وقت يصر فيه أغلبية الأعضاء على النشاط السياسي حمل سي الصالح القضية الوطنية مأخذ الجدية لينفذ أقواله بالعمل وفي يوم من الأيام وهو منهمك بتوزيع المناشير بإحدى المقاهي وقع في قبضة دركيين يرتديان الزي المدني كانا يترصدان تحركاته حيث تم اقتياده لكتيبة الدرك أين تم استجوابه وقد نفى كل ما ألصق به من تهم لأسباب ذات علاقة بجهله للغة الفرنسية وبالتالي يجهل محتوى المنشور وبعدما أقنع الدركيين بضرورة إطلاق سراحه ومتابعة العنصرين المجهولين الهوية الذين كلفوه المهمة . في نفس اليوم ومع الظهيرة استدعي من قبل رب العمل وحذره من مغبة المشاركة في الأنشطة السياسية ودعاه للإبتعادعن كل الشبهات إن كان فعلا يقصد توفير لقمة العيش. ليواصل بعد ذلك نشاطه في سرية تامة دون المغامرة وكان يحسن اختيار أماكن إقامة الاجتماعات بالجبال المجاورة بعيدا عن كل المخاطر والشكوك.
وكانت تربطه علاقات وطيدة بالشهيد مصطفى بن بولعيد بفرنسا حيث كانا يخططان معا لتفجير المقاومة في سرية تامة والغاية من وراء هذا النشاط خلال هذه الفترة هي تجنيد الوطنيين وإقحامهم في عمليات التحضير وجمع أكبر عدد منهم من أجل الواجب المقدس من خلال تحديد الأدوار حسب القدرات العلمية والفكرية لكل مناضل وتوظيف الإمكانيات المادية و تشخيص الأولويات و توزيع المسؤوليات التي كانت غاية ليست بالأمر الهين في بلاد المهجر التي تتطلب الصبر والجدية إيمانا بالمسؤولية الكبيرة اتجاه الوطن.