حصيلة الاستعمار الفرنسي في الجزائر :
مست السياسة الاستعمارية في الجزائر الإنسان من حيث الوجود ، من خلال تلك التشريعات التي عكست فلسفة وقيم الأوروبي لضرب الهوية الجماعية للفرد ، ويقول جورج هاردي George Hardy :" في كتابه عناصر التاريخ الاستعماري :" من أجل ان يصبح المرء استعماريا .. أن يكون راهبا ، أستاذا ، أو جنديا ، لابد من حد أدنى من الموهبة . " ص112 مركز الدراسات العربي.
سخرت فرنسا كل إمكانياتها العسكرية والفكرية من رحالة ومستكشفين وقساوسة ومؤرخين وجنود وأطباء ورجالات قانون وعلماء اجتماع من اجل السيطرة على الجزائر أرضا وشعبا .
أما عن رسالة فرنسا الحضارية في الجزائر فيمكن ان نراها في الصور التالية سجلها أحد الضباط الفرنسيين :" تسألني في فقرة من رسالتك ، عما نفعله بالنساء اللواتي نأسرهن ، فأقول إننا نحتفظ ببغضهن بمثابة رهائن ، ونبيع لقاء الجياد ، او نبيعه بالمزاد العلني كما رد وكنت أحيانا أفرج همومي بقطع الرؤوس ، لا رؤوس الأراضي ، بل رؤوس الرجال " العقيد دي مونتانياك.
" لقد كان الزوج في آذان الوطنيين يساوي عشر فرنكات ، وكانت نساؤهم طرائد فاخرة في نظرنا ، والواقع اننا عدنا ومعنا برميل مليء بالاذان التي جمعناها ، زوجا فزوجا ، من الاسرى
كتب أهم مساعدي بيجو وهو saint Arnaund يقول : لقد كانت حملتنا تدميرا أكثر منها عملا عسكريا... ونحن اليوم في وسط جبال مليانة لا نطلق إلا قليل من الرصاص وإنما نمضي وقتنا في حرق جميع القرى والأكواخ ، وان العدو يفر أمامنا سائقا قطعان غنمه " ويضيف القول :" ان بلاد بن مناصرة بعيد جدا لقد أحرقناها كلها ، آه أيتها الحرب كم من نساء وأطفال اعتموا بجبال الأطلس المغطاة بالثلج فماتوا هناك من الجوع والبرد وليس في جيشنا سوى خمسة من القتلى وأربعين من الجرحى " .
ورد في كتاب اوليفي لوكورغرانميزون بعنوان الاستعمار والإبادة التالي :" عندما ينجزون طريقا أو يبنون جسرا لا يتردد المهندسون في تدنيس تلك الأماكن التي تحترم في أوروبا ، احتراما لروح موتاهم وأحفادهم اما بالبلاد المستعمرة إذا استلزم الأمر يستعمل التراب الذي دفن فيه الموتى لردم الطرق التي تسطر دون أدنى احترام لمقابر تقليدية حين توجد . وفي بعض الأحيان تستعمل الشواهد لبناء مباني جديدة كما يطلعنا احد المؤرخين الذي لاحظ ان الحكومة أنجزت ستة مطاحن هوائية قرب العاصمة باستعمال مواد اخدت من مقابر مختلفة " . ويؤكد الكاتب قوله :" مايفاجئنا أكثر هو أن بقايا بشرية استعملت في تصنيع الفحم الحيواني كما يقر بذلك الدكتور سيغو في صفحات جريدة ،في مدينة مرسيليا .. فأراد التحقق فذهب إلى الميناء وصعد في الباخرة القادمة من الجزائر ، وتعرف على العديد من العظام البشرية .. وأعطى تفاصيل أدق بقوله : رأيت الجماجم وعظام الزند والفخذ لجثت أشخاص بالغين اخرجوا من مقابرهم مؤخرا ، حتى إنني وجدت بعض بقايا مازال فيها اللحم . لا يجب أن نسمح بمثل هذه الأشياء.." ويواصل الكاتب قوله بان مسئول تلك الهيئة تأسف لكون الدكتور سيغو فضح تلك التجارة وهدد ازدهار معامل التصفية الفرنسية " ص 214-215 وبالطبع كانت تلك البقايا التي استخدمت كفحم بقايا الموتى الجزائريين ؟؟؟؟؟؟
وهذا توكفيل الذي طالما دافع عن الاحتلال حتى سمي بنبي الليبرالية يقول : " المجتمع المسلم أكثر حرمانا وأكثر وحشية مما كان عليه قبل ان يعرفنا " .
ما زالت أثار الاستعمار الفرنسي إلى يومنا هذا مجسدة في ذلك المجتمع المبعد إلى كاليد ونيا حيث يعيش أحفاده وفي مقابر غران كايو GRAND CAILLOU فلقد أجبرت القبائل التي انتفضت 1871 على دفع 70% من رأسمالها وما يقارب 500000 هكتار ليختفي المجتمع كلية بزوال العائلات الكبرى ونزع ملكياتها فكان التشريد والتفقير لينخفض عدد السكان في هذه الفترة من 3 مليون نسمة سنة 1830 إلى 2.1 مليون سنة 1871 م بسبب الحرب والمجاعات والأوبئة خاصة تلك التي انتشرت سنة 1867-1868 وأودت بحياة 300000 فرد . فلقد كان الجزائريون وفي ظل القوانين الفرنسية لأهم جزائريون ولا فرنسيون ولا مواطنين بل هم لا شيء . فلقد اقدم الاستعمار على حرق 8000 قرية بأهلها وحيواناتها خلال الحقبة الاستعمارية .
ونلاحظ في هذا السياق أن ضباط الحالة المدنية عند إلزام الجزائريين بالتسجيل في دفاتر الحالة المدنية بموجب قانون 23-03-1882 كانوا يرفضون اللقب العائلي الجزائري المتعارف عليه الذي يبدأ ب ابن أو أبو او ولد ويذكر الباحث جمال يحياوي في مقابلة مع "العربية نت" أن الألقاب الجزائرية قبل هذا القانون، كانت ثلاثية التركيب (الابن والأب والجد)، وفي حالات أخرى خماسية التركيب، بحيث تضاف لها المهنة والمنطقة: مثال أحمد بن أحمد بن موسى البنّاي الوهراني ... ويفرضون على الناس أسماء حيوانات للتحقير وقد ينسبون الناس إلى الشتائم والقاذورات ورغم استقلال الجزائرو 127 سنة على سن هذا القانون، ما تزال المحررات والوثائق الرسمية تشهد على "مجزرة" في حق الهوية الجزائرية، ناهيك عن الشعور بالمهانة اليومية وخلص الباحث في تصريح له إلى الكشف عن واحدة من أبشع الجرائم الثقافية في حق الهوية الجزائرية، معتبرا أن تلك الجريمة ربما تتجاوز بذلك خطر التجارب النووية التي خضع لها الجزائريون قسرا على يد الاستعمار الفرنسي،وبالنسبة ليحياوي، فإن هناك 7 أهداف جهنمية وراء استبدال ألقاب الجزائريين الثلاثية وتعويضها بألقاب مشينة ولا ترتبط بالنسب، وتتلخص هذه الأهداف في "الاستيلاء على الأراضي، وتفكيك نظام القبيلة، وإبراز الفرد كعنصر معزول لإرساء دعائم الملكية الفردية، وتغيير أساس الملكية إلى أساس النسب بدلا من أساس القبيلة، والقضاء على الشخصية الإسلامية من خلال تغيير الأسماء ذات الدلالة الدينية، وإحلال الفرد في المعاملات الإدارية والوثائق مكان الجماعة، وأخيرا تطبيق النمط الفرنسي الذي يخاطب الشخص بلقبه وليس باسمه".
إلى جانب استخدام فرنسا ل 42 ألف جزائري كفئران تجارب نووية في 13 أكتوبر 1960و27 ديسمبر من العام نفسه من السكان المحليين وأسرى جيش التحرير الجزائري والتي كانت تهدف معرفة طبيعة ردود فعل جسم الإنسان لمناخ تنتشر فيه المواد المشعة ، وأوضح الباحث الفرنسي في التجارب النووية برينو باريلو إن الفرنسيون تعمدوا الإكثار من ضحايا التجريب وتنويع الألبسة للوقوف على مستوى مقاومة الإشعاعات النووية على مسافات مختلفة وقال إن معظم الصحراء الجزائرية متضررة من الإشعاعات النووية المنتشرة عبر الرياح وان سكان تلك المناطق يبقون مهددون بفعل ما تفرزه شظايا البلوتونيوم .
إلى جانب حمالات التعذيب التي ميزت فترة الثورة التحريرية فلقد اعترف اوساريس الذي كان يشغل منصب مسئول جهاز الاستخبارات العسكرية الفرنسية بالجزائر خلال الثورة التحريرية لقناه التلفزة الفرنسية الثالثة في إحدى نشرات أخبارها في ديسمبر 2000 انه قتل وبكل برودة دم وعلى دفعة واحدة 24 سجينا جزائريا وهذا بعد ان مارس عليهم شتى وأقسى أنواع التعذيب ولم يتوقف عند هذا الحد بل ذهب إلى حد التفاخر والتباهي إلى الاعتراف صراحة في كتابه المصالح الفرنسية الخاصة في الجزائر 1955 -1957 كما اعترف الجنرال ماسو بدوره بان التعذيب كانت من الممارسات العادية والمعلنة في حرب الجزائر . وما مراكز التعذيب المنشرة في كافة القطر الجزائري إلا دليلا واضحا على تلك المعاملات الاانسانية التي كانت تدور في أقبية هذه السجون .
ورثث الجزائر عن الحقبة الاستعمارية 10 ملايين لغم مضاد للإفراد والجماعات زرعها العسكريون الفرنسيون بكثافة وإتقان على طول الحدود الشرقية والغربية ، بالتوازي مع خطي شل وموريس ونهاية الثورة التحريرية لم تنه مأساة سكان المناطق الحدودية مع ان الألغام نائمة . مما ادى إلى وفاة 40الف جزائري وإصابة 80الف جزائري وذلك منذ الحصول على الاستقلال . ما يمثل معدل 3، 1 لغم لكل مواطن جزائري، وأن الجيش الاستعماري قام بزرع 11 مليون لغم على حدود الجزائر الشرقية. وقد تمكن جيش التحرير في شهر فبراير الماضي من نزع 5 ألاف و500 لغم ارضي تم اكتشافها على طول الحدود الشرقية والغربية.
قانون 23 فيفري 2005 وتمجيد الاستعمار:
صادق البرلمان الفرنسي في 23 فيفري 2005 على قانون يمجد الاستعمار، وقع عليه 125 نائب من مختلف التشكيلات السياسية الممثلة في الغرفة للسفلى ، مكون من20 مادة في بنوده الأول اعتراف الأمة الفرنسية بالاستعمار ، أما الذي أثار الإشكال المادة 04 : "البرامج المدرسية تعترف بشكل خاص بالدور الايجابي للتواجد الفرنسي فيما وراء البحار خاصة في إفريقيا الشمالية " ¹
وعليه فإن هذا القانون " يعتبر على حسب كلود ليوزو تحديا لحرية المؤرخ لأنه يملئ نظرة جزئية وغير محايدة للتاريخ فيما تظل فرنسا تعاني من عبء صفات الاستعمار العالقة بتاريخها وهذا ما خلق عدة مشاكل للمواطنين الفرنسيين المنحدرين من الشعوب التي عايشت الاستعمار " .
يعتبر هذا القانون نتاج اللوبي النافد في الأوساط الفرنسية من الإقدام السوداء ممثلا في الجمعيات الخاصة بهم والقريبة من اليمين الفرنسي، التي لم تهضم بعد فكرة استقلال الجزائر والتي ما زال يشدها إلى الحنين ومرتبطة وجدانيا بالجزائر، من بين هذه الجمعيات جمعية الصداقة للدفاع عن المصالح المعنوية والمادية لقدامى المساجين المنفيين من الجزائر الفرنسية amidad والتي تشكلت في نوفمبر 1967 تحت موافقة الجنرال راؤؤل صالان والتي تسعى لإعادة الاعتبار للمدافعين عن الجزائر فرنسية ، وجمعية شباب الأقدام السوداء وجمعية anfanoma و ranfran .
وتندرج أهداف هذه الجمعيات فـــــــــي :
- التعويض عن الممتلكات المفقودة في الجزائر، وتكاليف العودة للوطن، والعفو الشامل للمدافعين عن الجزائر فرنسية
وضباط الانقلاب وأعضاء المنظمة الخاصة السرية المسلحة.
وترى هذه الجمعيات : وهذا حسب ما ورد على لسان احد أعضائها :" لقد أصبحت الجزائر مقاطعة فرنسية ، بفضل المدرسين الذين علموا الأهالي فضائل الجمهورية ، والأطباء الذين تغلبوا على الأوبئة خاصة حمى المستنقعات ، والفلاحين الذين حولوا بسواعدهم المستنقعات إلى أراضي صالحة للزراعة وغرسوا الحمضيات ، والمهندسين الذين شيدوا الطرقات والسكك الحديدية ، والسدود ، والتنقيب و الذين استصلحوا الصحراء باكتشاف البترول والغاز ، فهل هذه الحقائق تزعج أعداء فرنسا ؟ " ²
وقد ورد في عرض أسباب إصدار القانون بالنسبة للجانب الفرنسي في :" أن إعداد عمل يتعلق بالذاكرة لبق ومتوازن ، ولا يعد شتما للمستقبل ... فمنافع الاستعمار لا تحصى ولا تعد على شتى الأصعدة... فقد جاءت عائلات من آفاق مختلفة وأسسوا عائلات فيما كان يسمى بالمقاطعات الفرنسية ".
وقد وصف الرئيس بوتفليقة القانون بقوله :" الاختلال العقلي المندس في الجحودية والتحريفية " ، كما جاء الرد من بعض الدول الإفريقية وبعض الشخصيات الفاعلة :" منها ماورد بتاريخ 27-09-2005 :" إزالة الاستعمار بدون إزالة ذاتية لاستعمار " كما نقرا في الصحف الإفريقية التالي : " توجد اليوم لدى الكثير وحتى في فرنسا بالذات ، محاولة لإعادة كتابة تاريخ الاستعمار قصد نعته بتاريخ المسالمة واستصلاح الأراضي الشاغرة التي كانت بدون أسباب ، نشر التعليم ، إقامة الطب الحديث ، إنشاء المؤسسات الإدارية والقانونية ، البنيات التحتية للطرقات والسكك الحديدية ... إننا نجد اليوم هذه التلفيقات مرادفات قديمة إن الاستعمار انجاز إنساني يرمي إلى عصرنة المجتمعات البدائية القديمة المهترئة ، لو تركت لمصيرها ، لآلت للانتحار " .
وقد لقي هذا القانون معارضة داخل الأوساط الفرنسية خاصة من قبل الباحثين ومدرسي التاريخ والتي رفضت استخدام التاريخ لخدمة السياسة ، وهذا ماورد في بيان لجنة اليقظة لمواجهة الاستعمال المباح للتاريخ جوان 2005 :" بصفتنا باحثين ومدرسين للتاريخ ...فإننا لا نقبل الاستغلال المغرض للماضي ."
قانون تمجيد الاستعمار قانون العار كما تسميه بعض الأوساط الجزائرية متناسية ارتكاب ما يقارب 36 صنفا من الجرائم في الجزائر، مما يعني مطالبة فرنسا بتعويضات مادية، كون الجرائم التي ارتكبتها لا تسقط بالتقادم. هذا مادفع إلى طرح مشروع قانون تجريم الاستعمار . وإقامة محكمة جزائرية خاصة لمحاكمة مسؤولين فرنسيين في الحرب التي جرت على حساب شعب اعزل وتجارب نووية أقيمت على أشلاء جزائريين لم يكونوا على علم بأنهم سيستخدمون لتلك الفظاعة كفئران تجارب. وأكد الباحث الفرنسي المتخصص في التجارب النووية الفرنسية،" برينو باريلو، نقلا عم جريدة أخر ساعة أن سلطات الاستعمار الفرنسية استخدمت 42 ألف جزائري ''فئران تجارب'' في تفجيرها أولى قنابلها النووية في صحراء الجزائر في 13 أكتوبر 1960 و27 ديسمبر من العام نفسه."أخر ساعة 08مارس 2010. وتواصل الجريدة :" الجزائريين، الذين يطالبون اليوم باحترام واجب الذاكرة قبل الاندراج في أي مخطط صداقة، ولكن السلطات الفرنسية ترفض الحديث في هذه المواضيع التاريخية وتتعامل بحساسية مفرطة مع كل المطالب المتعلقة بالاعتذار، بل سنت السلطات الفرنسية في 23 فيفري 2005 قانونا يكلف الباحثين والمؤرخين بإظهار الجوانب الإيجابية للاستعمار، ورغم أن الإدارة الفرنسية ألغت البند الرابع من القانون الذي ينص على تمجيد الاستعمار، إلا أنها لا تزال تحمل شعار ''عدم الشعور بالذنب تجاه الماضي''، وهي إشارة من السلطات إلى أنها غير مستعدة لتحمل نتائج وأفعال ارتكبها الفرنسيون في الجزائر إبان الفترة الاستعمارية."