وحشية الاستعمار الفرنسي :مجازر 8 ماي 1945
- الوضع في الجزائر قبل مجازر 8 ماي 1945
كانتالجهود مبذولة بين أعضاء أحباب البيان والحرية لتنسيق العمل وتكوينجبهة موحدة، وكانت هناك موجة من الدعاية انطلقت منذ جانفي 1945 تدعواالناس إلى التحمس لمطالب البيان. وقد انعقد مؤتمر لأحباب البيانأسفرت عنه المطالبة بإلغاء نظام البلديات المختلطة والحكم العسكريفي الجنوب وجعل اللغة العربية لغة رسمية، ثم المطالبة بإطلاق سراحمصالي الحاج.وقد أدى هذا النشاط الوطني إلى تخوف الفرنسيين وحاولواتوقيفه عن طريق اللجان التي تنظر إلى الإصلاح، وكان انشغالهم بتحريربلدهم قد أدى إلى كتمان غضبهم وظلوا يتحينون الفرص بالجزائريين وكانوايؤمنون بضرورة القضاء على الحركة الوطنية
2-مظاهر الاحتفال بنهاية الحرب الثانية
كانزعماء الحركة الوطنية يحضرون إلى الاحتفال بانتصار الحلفاء علىالنازية، عن طريق تنظيم مظاهرات تكون وسيلة ضغط على الفرنسيينبإظهار قوة الحركة الوطنية ووعي الشعب الجزائري بمطالبه، وعمتالمظاهرات كل القطر الجزائري في أول ماي 1945، ونادى الجزائريونبإطلاق سراح مصالي الحاج، واستقلال الجزائر واستنكروا الاضطهادورفعوا العلم الوطني، وكانت المظاهرات سلمية.وادعى الفرنسيون انهماكتشفوا (مشروع ثورة) في بجاية خاصة لما قتل شرطيان في الجزائرالعاصمة، وبدأت الإعتقالات والضرب وجرح الكثير من الجزائريين.
ولما أعلن عن الاحتفال الرسمي يوم 7 ماي، شرع المعمرون في تنظيممهرجان الأفراح، ونظم الجزائريون مهرجانا خاصا بهم ونادوا بالحريةوالاستقلال بعد أن تلقوا إذنا من الإدارة الفرنسية للمشاركة فياحتفال انتصار الحلفاء
3- المظاهرات
خرجالجزائريون في مظاهرات 8 ماي 1945ليعبروا عن فرحتهم بانتصار الحلفاء،وهو انتصار الديمقراطية على الدكتاتورية، وعبروا عن شعورهم بالفرحةوطالبوا باستقلال بلادهم وتطبيق مبادئ الحرية التي رفع شعارهاالحلفاء طيلة الحرب الثانية، وكانت مظاهرات عبر الوطن كله وتكثفتفي مدينة سطيف التي هي المقر الرئيسي لأحباب البيان والحرية، ونادوافي هذه المظاهرات بحرية الجزائر واستقلالها
4 -المجازر
كانرد الفرنسيين على المظاهرات السلمية التي نظمها الجزائريون هوارتكاب مجازر 8 ماي 1945، وذلك بأسلوب القمع والتقتيل الجماعيواستعملوا فيه القوات البرية والجوية والبحرية، ودمروا قرى ومداشرودواوير بأكملها.ودام القمع قرابة سنة كاملة نتج عنه قتل كثر من 45000 جزائري، دمرت قراهم وأملاكهم عن آخرها. ووصلت الإحصاءاتالأجنبية إلى تقديرات أفضع بين 50000و 70000 قتيل من المدنيينالعزل فكانت مجزرة بشعة على يد الفرنسيين الذين كثيرا ما تباهوابالتحضر والحرية والإنسانية
الدكتور الفرنسي جون بيار بيرولو لـ ''الخبر''
مجازر 8 ماي في قُّالمة تشبه مجازر منظمة الجيش السري في المدن
يتحدث المؤرخ الفرنسي، جون بيار بيرولو، في حوار خاص لـ ''الخبر'' عن نتائج البحث الذي قام به خلال السبع سنوات الأخيرة والذي خصصه لأحداث 8 ماي 1945 بشرق الجزائر. وفي مذكرته التي عرضها في سبتمبر الماضي بمدرسة الدراسات العليا في علم الاجتماع والتاريخ بباريس تحت عنوان ''ُّالمة 8ماي 1945 '' قمع أوروبي في المقاطعة القسنطينية إبان الجزائر فرنسية''، السياسة الاستعمارية في مواجهة الإصلاحات الوطنية، حاول بيرولو في هذه الدراسة الكشف عن الهوية الحقيقية لمن كان وراء هذه المجازر استنادا للوثائق الأرشيفية.
أولا هل لنا أن نعرف ما الذي دفعك للبحث المكثف في مجازر 8 ماي 45 التي شهدها الشرق الجزائري؟
قبل سبع سنوات كنت بصدد القيام ببحث حول الدور الذي لعبته الشرطة في الجزائر إبان الحقبة الاستعمارية، ولكنني عثرت على عدة وثائق من الأرشيف حول مجازر 8 ماي وهو ما حمّسني لمواصلة العمل الذي قام به قبلي عدد كبير من المؤرخين، وذلك بهدف الكشف عن حقائق أخرى من شأنها إزالة الشكوك حول عدة قضايا تخص هذه المجازر.
عكس الدراسات الأخرى، فإن الهدف من وراء دراستك كان الكشف عن المسؤول الحقيقي عن هذه الأحداث، أليس كذلك؟
نعم، فقد حاولت من خلال هذه الدراسة التعرف عن المسؤول الرئيسي الذي قمع الحركة الوطنية الجزائرية التي كان حزب الشعب الجزائري يعد لها. صحيح أن الجزائريين دافعوا عن أنفسهم بطريقة عنيفة، حيث سقط 12 ضحية من الأوروبيين، لكن لا يمكننا المقارنة بين ذلك وبين ما قام به الأوروبيون. الحقيقة كانت أن الأوروبيين في ُّالمة، وهي المنطقة التي ركزت عليها في دراستي، أرادوا قمع الحركة الوطنية الجزائرية من جهة، ومن جهة أخرى أرادوا الانتفاضة ضد الإصلاحات التي كانت الحكومة الفرنسية المؤقتة قد باشرتها بداية من1944 والمتعلقة أصلا بقانون منح الجنسية الفرنسية للمسلمين الجزائريين. وأنا أقول أن هذه الأحداث جاءت ردا على كل هذا ولكن كان الرد عنيفا إن لم نقل قمعيا. ويمكن القول أن هذا القمع المدني للجزائريين بدأ في التاسع من ماي واستمر إلى غاية الـ27 من شهر جوان وهو تاريخ الزيارة التي قام بها وزير داخلية فرنسا الاشتراكي أدريان تيكسيي. وقد توصلت من خلال دراستي هذه إلى أن رد فعل الجزائريين كان عفويا على وفاة أول ضحية جزائرية خلال مظاهرات الثامن ماي، لكن القمع الذي قام به الجيش الفرنسي استمر لعدة أيام وبدايته كانت في المنطقة التي تفصل مدينة سطيف وبجاية.
و لكن من كان وراء هذه المجزرة حسب الدراسة التي قمت بها؟
أنا ركزت في دراستي على مدينة ُّالمة، حيث قامت رئاسة المقاطعة بالنيابة بتشكيل مجموعات من الميليشيات المسلحة مكوّنة من عشرات الأوروبيين. هذه الميليشيات كانت وراء المجزرة، ومسؤولية الحكومة الفرنسية تبقى كبيرة أيضا، لأنها لم تقم بمعاقبة مصالحها الإدارية في الجزائر التي كانت وراء كل ما حدث وقتلت آلاف الضحايا من المدنيين الأبرياء ولكن لها مسؤولية أخرى على مستوى الجيش. وأقول أن ما حدث في ماي45 يشبه كثيرا ما قامت به منظمة الجيش السري في الفترة ما بين 1961و1962 حين قامت بقتل عدد كبير، والاختلاف الوحيد هو أن منظمة الجيش السري كانت تنشط في أكبر المدن الجزائرية كالعاصمة وعنابة ووهران، أما مجازر الثامن ماي كانت ضد قرى معزولة كل سكانها جزائريين.
السفير الفرنسي في الجزائر اعترف أخيرا ببشاعة أحداث الثامن ماي واصفا إياها ''بالمجزرة''، لكن هذا الاعتراف نُعت بـ''الخجول'' من طرف المؤرخين الجزائريين الذين لم يفهموا سر تفادي نيكولا ساركوزي الاعتراف شخصيا، فما هو رأيك؟
لم أطلع على هذا التصريح، لكن تبقى هذه القضية سياسية بحتة وتتعلق بعلاقات دولة بدولة أخرى، ولكن إن قال السفير بأن ما حدث في ماي 45 هو مجزرة، فأنا أشاطره الرأي وهذا أكيد، وإن كان هذا التصريح على لسان سفير فرنسا بالجزائر فهو رسمي، لأنه الممثل الأعلى لفرنسا في الجزائر. أنا جد متفهم لعائلات الضحايا التي تبقى هذه الأحداث ذكرى سوداء بالنسبة لهم، لكن على الجميع الآن أن يطوي الصفحة دون النسيان وأن يفكروا أكثر في المستقبل. وليعلم الجميع أن الشعب الجزائري بتعرّضه لعدة مجازر قبل ماي 45 وبعده ولهذا فدورنا كمؤرخين هو تجنّب الصراعات السياسية.
مجازر 8 مايو 1945.. الأسباب والنتائج
شهادة الرئيس فرحات عباس
تناول الرئيس فرحات عباس في كتابه ''ليل الاستعمار''(*) مجازر 8 مايو 1945 بسطيف والجزائر عامة، مؤكدا على طابعها المبيّت، كما يبدو ذلك من التآمر السابق لها والاستفزاز الذي فجرها، وكان التآمر يستهدف حركة ''أحباب البيان والحرية'' التي ألّفت لأول مرة بين الوطنيين والإصلاحيين ضمن آفاق استعادة السيادة والاستقلال.
وفيما يلي شهادة الرئيس عباس:
''بينما كانت حركة أحباب البيان والحرية تنظم صفوفها وتوسع قواعدها، كان المستوطنون يتآمرون عليها، ويحضرون في الخفاء عملية الاستفزاز التي تسمح بضربها. فلا ينبغي للحركة في نظر هؤلاء أن تشارك في الانتخابات البلدية التي جرت بفرنسا في موعدها، في حين تأجلت بالجزائر تجنبا لفوز القوى الشعبية بالذات.
وفي أبريل 1945 اعترف عامل قسنطينة ليستراد كربونال ـ حاكم بلدية مختلطة سابق ـ للدكتور سعدان ''بأن اضطرابات ستحدث وستؤدي إلى حل حزب كبير''، وكان ''أبو''(1) من جهته يردد في نفس السياق بأن اضطرابات ستندلع، ومن شأنها أن تجعل الجنرال دوغول يتراجع مضطرا عن إصلاحاته بدءا بالأمر الصادر عنه في 7 مارس .1944
وبعد أقل من أسبوعين من اعتراف عامل قسنطينة، كانت سطيف مسرحا لاضطرابات خطيرة. ترى لماذا سطيف؟
كان من الضروري أن تنفجر تلك الاضطرابات بهذه المدينة بالذات، لأنها شهدت ميلاد بيان الشعب الجزائري ثم أحباب البيان والحرية.
فقد وجدت السلطات العمومية في ذلك الذريعة المناسبة لضرب هذه الحركة في الرأس. لكن المشكلة أن ''الاضطرابات المحدودة'' المبرمجة حسب سيناريو معلوم لتبرير حل أحباب البيان والحرية، انفلتت لتتحول إلى انتفاضة عارمة.. هذا باختصار ما حدث في 8 مايو 1945 الذي كان يوم ثلاثاء، وهو يوم السوق الأسبوعي الذي يتوافد خلاله على مدينة سطيف ما بين 5 إلى 15 ألف فلاح وتاجر من مختلف المناطق المجاورة.
عشية هذا اليوم سمحت دائرة سطيف بالتظاهر، بعد أن يكون بعض المسلمين (الجزائريين) أعربوا عن رغبتهم بمناسبة إعلان الهدنة، في وضع إكليل من الزهور أمام نصب ذكرى الأموات. ترى لمن سلمت الرخصة؟ رئيس الدائرة لا يدري، أو لا يريد الإجابة عن ذلك.
لقد تقدم شخص إلى الدائرة وطلب الترخيص شفويا. ويعتقد رئيس الدائرة أن صاحب الطلب مسؤول في حركة أحباب البيان والحرية.. لكن لا أحد طلب منه بطاقة التعريف أو طلبا مكتوبا حسب القانون الجاري. وحتى رئيس البلدية لم يشعر بهذا المسعى الغريب. وعلى عكس ذلك تم إشعار عامل قسنطينة الذي وافق على الترخيص بالمظاهرة، لكن أمر في نفس الوقت بإطلاق النار على المتظاهرين في حالة رفع العلم الجزائري.
وهناك ظرف مثقل على السلطات: قبل أسبوع نظم حزب الشعب الجزائري المحظور بمناسبة فاتح مايو مسيرات احتجاج، طالبت برفع حالة الإقامة الجبرية عن الحاج مصالي.
وقد سقط بالعاصمة قتلى وجرحى.. وشهدت سطيف مسيرة مماثلة سار فيها نحو 4 آلاف فلاح. مثل هذه التظاهرات كانت إنذارا جديا بأن الجو مشحون بالإعصار، غير أن المسؤولين على الأمن العام لم يولوا أدنى اعتبار لذلك.
المهم أن السلطات رخصت بتظاهرة أهم في 8 مايو.. وهكذا كانت المصيدة. لقد تشكل الموكب انطلاقا من محطة القطار قرب المسجد الجديد ليتجه نحو المدينة. كانت الشرطة تحيط بالمسيرة التي تقدمت حوالي ألف متر رافعة العلم الجزائري، لكن بمجرد أن وصلت قبالة ''مقهى فرنسا الكبير'' وسط المدينة، داهم محافظ شرطة الصف الأمامي وحاول افتكاك العلم من أحد المتظاهرين. لكن المناضل قاومة، فأطلق الشرطي النار، متسببا في سقوط قتيل وعدد من الجرحى.. وهكذا اندلعت الانتفاضة..
أخذ المتظاهرون يطاردون الأوربيين، بينما راحت الشرطة تطلق النار عليهم، مما أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى.. وعند مغادرة المتسوقين راحوا ينشرون أنباء ما حدث بكثير من التهويل.. مما ساعد على انتشار الانتفاضة عبر القرى والبوادي...
كانت الاضطرابات دامية بعمالة قسنطينة خاصة، وقد سقط فيها من الأوربيين 102 مقابل عشرات الآلاف من الضحايا الجزائريين.
فتحت أوامر الجنرال دوفال والعقيد بودريلا، داهم اللفيف الأجنبي والجنود السنغاليون والطابور المغربي قرانا ودواويرنا، ولم تنج من فظائعهم لا النساء ولا الأطفال. وقام المستوطنون المعززون بالشرطة والجيش بارتكاب مجازر لا يمكن وصفها، مجازر لا تليق بالعالم المتحضر الذي يدعونه.
وقد دفع الشباب من إطارات أحباب البيان والحرية ضريبة ثقيلة، بعد أن صب المستوطنون المنتظمون في عدد من الميلشيات جام حقدهم على سطيف والعين الكبيرة وخراطة ووادي المرسى وفالمة وعنابة، حيث أعدموا الآلاف من الشباب بعد أن أذاقوهم أبشع أشكال التعذيب.
فقد عادت مطاردة العربي مثلما كانت في عهد أمثال روفيفو وسانتارنو.. وأصبحت ميليشيات المستوطنين تنتحل حق المحاكمة والإعدام، وظلت كل هذه التجاوزات بدون عقاب.. بعد أن رفضت الحكومة القائمة يومئذ(حكومة الجنرال دوغول) لرعاياها العدل والحقيقة كما جاء في تقرير الجنرال توبار.
وتم حل أحباب البيان والحرية، وأعلنت الأحكام العرفية في البلاد، وقصف الطراد'' دوفي- تروين'' دواوير بلديتي تاكينونت ووادي المرسى المختلطتين، وقامت الإدارة باعتقالات جماعية، وقيد مسؤولو ومناضلو أحباب البيان وحزب الشعب والنقابات وقدماء المحاربين إلى المحتشدات، ومنهم من مثل أمام المحاكم العسكرية، ونفي مصالي إلى إفريقيا الوسطى، وتم تطبيق عدالة عرفية بلاتحفظ، ونقلت جثث الفلاحين المعدومين إلى مقبرة قسنطينة وتركت هناك بدون دفن.
وكتبت صحيفة'' ليكو دالجي'' أن الساعة ساعة الدركي بشمال إفريقيا، بينما راح المستوطنون يطالبون الحكومة بتأجيل النظر مؤقتا في أي حل لمشاكل الهياكل السياسية والإدارية والاجتماعية..
وبمقر الولاية العامة- مشتلة أبناء الغلاة حيث لا يوجد سوى8 موظفين جزائريين من مجموع 2000 موظف- تم توزيع منشور من قبل المتهربين من الحرب الأخيرة الذين أعرف جيدا عواطفهم، استعادوا خلاله شجاعتهم ليعلنوا أمام شعب أعزل بنبرة حربية: ''كفى! كفى! فالرأي العام الفرنسي يطالب بإعدام المحرضين وفي مقدمتهم فرحات عباس، وبعزل الوالي العام وتعيين حاكم مدني من فرنسيي الجزائر''.
وفي8 مايو على العاشرة والنصف تم اعتقالي رفقة الدكتور سعدان بقاعة الانتظار في الولاية العامة. وقد ذهبنا باسم أحباب البيان والحرية لتقديم التهاني بانتصار الحلفاء لممثل فرنسا.
وضعت أول وهلة رهن العزل، حتى أنني لم أعلم بحوادث عمالة قسنطينة إلا بعد أسبوعين، وقبل ذلك أبلغني قاضي التحقيق العسكري بأنني متهم ''بالمس بالسيادة الفرنسية''(مرسوم رينيي) قبل أن تتلوها ثانية وهي ''المس بالسيادة الداخلية لفرنسا''، فثالثة وهي ''المس بالسيادة الخارجية لفرنسا''!
المصدر جريدة الخبر الجزائرية
http://www.elkhabar.com/dossiersp/?ida=108840&idc=89القلم أمانه .... والكلمه سلاح ...