مع استمرار الصراعات في إقليم دارفور المضطرب بين القبائل العربية والإفريقية، اتُّهمت الحكومة السودانية بدعم ميليشيات عربية قامت بأعمال قتل وجرائم أخرى في الإقليم. وفي عام 2005 طلب مجلس الأمن من محكمة الجنايات الدولية التحقيق في مزاعم قيام الحكومة السودانية بإبادة جماعية بحق قبائل الفور في الإقليم الواقع غرب السودان.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية اليوم الأربعاء قرارا باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، بزعم مسؤوليته عن ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في الإقليم.
ويأتي هذا القرار بعد مرور أكثر من سبعة أشهر من مذكرة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو التي وجهت للبشير التهمة السابقة.
وقال الادعاء في مذكرته إن "قوات وعملاء" تحت قيادة البشير قتلت ما لا يقل عن 35 ألف مدني كما تسببت بـ"موت بطيء" لما يتراوح بين ثمانين ألفا و265 ألفا شردهم القتال.
وزعم أوكامبو قد زعم أن لديه أدلة قوية تدعم قضية الإبادة الجماعية مضيفا أن لديه أكثر من 30 شاهداً سيدلون بشهاداتهم لإثبات أن البشير نظم حملة إبادة جماعية تهدف لمحو ثلاث قبائل إفريقية في إقليم دارفور.
وذكر أوكامبو أن البشير متهم بارتكاب "إبادة جماعية في معسكرات النازحين من أهالي دارفور عبر أسلوبي التجويع والاغتصاب، وأن 5 آلاف شخص يموتون شهريا"، على حد قوله، كما جاء في المذكرة أن "الأدلة تشير إلى أن البشير قد دبر ونفذ خطة لتدمير جزء كبير من مجموعات الفور، والمساليت والزغاوة، لأسباب إثنية".
وينفي السودان تلك المزاعم، مؤكدا أن أطراف خارجية مثل الولايات المتحدة والأمم المتحدة تسعى إلى تضخيم أعداد القتلى في الصراع.
تاريخ الصراع
ويرجع صراع دارفور إلى سنين طويلة مضت، فمنذ تولي البشير السلطة في السودان بعد انقلاب قام به عام 1989، والصراع في ذلك الإقليم المضطرب يمثل تحديا كبيرا بالنسبة إليه.
ففي عام 1989 شب نزاع عنيف بين الفور والعرب، وتمت المصالحة في مؤتمر عقد في الفاشر عاصمة الإقليم. لكن النزاعات استمرت وإن كانت أقل حدة ظاهريا. وتتأجج النزاعات في ذلك الإقليم أساسا بين الرعاة والمزارعين، كما تغذيها الانتماءات القبلية لكل طرف. وتعتبر الموارد الطبيعية هي أساس أغلب النزاعات، وغالبا ما يتم احتواؤها وتسويتها من خلال النظم والأعراف القبلية السائدة.
وحاولت الحكومة السودانية احتواء الصراع مع حركات أعلنت تمردها في الجنوب السوداني على رأسها الحركة الشعبية لتحرير السودان.
ونشب نزاع آخر بين قبائل العرب والمساليت غرب دارفور في عامي 1998 و2001، وتم احتواؤه باتفاقية سلام بين الطرفين وإن كان بعض المساليت آثر البقاء في تشاد.
وساهمت دول أخرى في تأجيج الصراع في دارفور، حيث قامت دول إفريقية بدعم المليشيات المتمردة المسلحة، إلى جانب الدور الأمريكي والضغوط التي مارستها الولايات المتحدة من أجل تحقيق مصالح متمردي دارفور.
ففي عام 2003 شنت ميليشيات مسلحة هجمات على مراكز للشرطة السودانية، ما أجج الصراع بين المتمردين والحكومة، كما هاجم عناصر من جيش تحرير السودان طائرات سودانية في مدينة الفاشر. وردت الحكومة على الهجمات في محاولة للتصدي للتمرد المسلح.
وأسفر الصراع عن مقتل نحو 9 آلاف شخص، لكن الجهات الدولية ترفع عدد القتلى إلى أكثر من ذلك بكثير. كما أدى إلى تشريد أكثر من مليوني مدني.
وفي سبتمبر 2003 بدأت مفاوضات بين الحكومة والمتمردين في تشاد، وأسفر عن أول اتفاق لوقف إطلاق النار، كما سمح للمنظمات الإنسانية بالدخول للمناطق التي شهدت صراعات دامية بين الجانبين.