هشام مصطفى عبد العزيز
إن القيادة مَثلها مثل القلادة لا يرتديها إلا من يحمل صفاتها, ولذا؛ فإذا سلمنا أن هناك شخصًا لديه قدرة على القيادة، ويحمل المقومات التي تؤهله؛ لكي يكون في موضع القيادة, فلابد أن تتوافر في هذا الشخص بعض الصفات التي تجعله أهلًا لهذا المكان الحساس, فهل نحن حقًا نحمل صفات القيادة؟ ولذا؛ سنحاول أن نذكر أهم الصفات التي يجب أن يتصف بها القائد حتى يكون فعالًا في مكانه.
أولًا ـ الرؤية المرشدة:
يظن البعض أنه تبدأ عملية تحديد الرؤية بالتركيز على المنظمة التي ستقودها, ونحسب أن ذلك خطأ, إذ كيف تستطيع أن تطور رؤية مرشدة لمنظمتك إذالم يكن لديك رؤية مرشدة لحياتك نفسها, وفهم أفضل لقيمك واحتياجاتك وتوقعاتك وآمالك وأحلامك, إن الوصول لرؤية مرشدة تتطلب أن تكون أمينًا جدًّا في فهمك لنفسك، ومن تريد أن تكون وإليك بعض الخطوات المقترحة لذلك:
1. البيئة الهادئة:
البحث عن البيئة الهادئة المنعزلة, والبعد عن أي نشاط يومي؛ لتتمكن من التأمل الجاد, فتذهب إلى المسجد, أو شاطئ البحر, وتكون محاطًا بصوت العصافير والنباتات والأصوات الهادئة.
2. التأمل في المراحل الأولى لحياتك:
تأمل في طفولتك المبكرة, وكيف شُكلت حياتك, ابحث عن السلوكيات المتكررة والدوافع والقيم التي لديك والناتجة عن الطريقة التي تربيت بها.
3. التأمل في سير أنشطتك:
فكِّر في سير حياتك وأهم نشاطاتك ووظائفك بترتيب زمني، وأدرج المهارات والمواهب التي اكتسبتها خلال انتقالك في الحياة.
4. سماع الضمير الداخلي:
فكِّر بلحظات حياتك التي قمت فيها باتخاذ قرارت لم تبدو منطقية أو ملائمة في ذلك الوقت.
5. الأثر المتروك:
اسأل نفسك ما الذي سأفعله حتى لو لم أكن أحصل على مقابل؟ ما الذي أحلم بعمله؟ وما هي رغباتي؟
ثانياً ـ التوازن:
هناك أربع طاقات هي: الإيمان، العقل، الجسد، العاطفة.
1- الإيمان: هي الشريان الحيوي الذي يمد الجسم بالمبادئ والقيم اللازمة لاستمرار الحياة, وتنبع من خلال المحافظة على:
أ. المحافظة على الصلوات الخمس وقراءة القرآن.
ب. المحافظة على الأوراد والأذكار.
ت. المحاسبة المستمرة.
2- العقل: ويمكنك تنشيط عقلك عن طريق الخطوات التالية:
أ. اقرأ أهدافك صباحاً ومساءً.
ب. نمِّ عقلك بالقراءة والاطلاع.
3- الجسد: هو البدن الذي نعيش من خلاله, والمحافظة عليه تنبع من:
أ. اتباع نظام غذائي سليم.
ب. المحافظة على تمارين رياضية.
ت. الاهتمام بساعات محددة للنوم.
4- العاطفة: وهي العاطفة الصادقة التي تُشعرك بأهمية الآخرين, تنميتها تكمن في:
أ. المحافظة المستمرة على رصيد من العوطف والأحاسيس لدى الآخرين بخدمتهم وتقديم النفع لهم.
ب. تقوية العلاقة بكل فرد من أسرتك.
ت. التسامح والبذل في العطاء.
ثالثاً ـ الاتصال مع الآخرين:
يجب أن يكون لدى قائد الفريق إلمام كامل بالعلاقات الإنسانية، وعلاقات العمل وكيفية تكوينها، كما يجب أن يكون لديه القدرة على الإقناع، والتأثير في الآخرين، وفهم نفسياتهم؛ لأن دوره الرئيسي هو صنع فريق متماسك متكاتف، وتحريك هذا الفريق نحو الهدف، ولا يمكن أداء هذا الدور بدون قدرة عالية على الاتصال الفعال.
يمكن القول إن الاتصال من أهم الصفات التي يجب أن تتوافر في القائد, والاتصال له صور عديدة, ويعتبر الاستماع والتحدث من أهم أسياسيات فن الاتصال ومن أهم صوره, وفيما يلي بعض النصائح لكي تكون مستمعًا عظيمًا ومتحدثًا بارعًا:
1. كيف تكون مستمعًا جيدًا؟
إن الاستماع هو السر الأعظم في التعامل مع الناس, ولهذا يمكنك أن تجعل من الاستماع وسيلة للتأثير في الآخرين, فها هو توني بوزان يحكي لنا قصته مع الاستماع للآخرين فيقول: (عندما وصلت إلى أقصى درجات قوتي العضلية والتعبيرية في مرحلة نمو ذكائي الاجتماعي، كنت أميل إلى التحكم في دفة الحديث، والسبب في ذلك أنني كنت أعتقد أنه كلما اتسم كلامي بالذكاء؛ زاد بالتالي مستوى المحادثة، ولقد كانت هذه نظرة قاصرة ومحدودة، ولكن الأحداث علمتني درسًا لن أنساه.
ففي يوم من الأيام أصبت بعدوى حادة في الحلق قبل إحدى المناسبات الاجتماعية، ولشدة إحباطي لم أستطع النطق ولو بكلمة واحدة إلا بصعوبة بالغة، وقابلت في الحفل شخصًا كان متحمسًا لعدة أشياء، واسترسلنا في محادثة مفعمة بالحيوية، ولكن دوري في المحادثة اقتصر على الإيماء بالرأس؛ بسب ضعف صوتي، وكنت أوصل ما أريد قوله عن طريق الهمهمة، وقلما كنت أطرح عليه أسئلة، مما أتاح الفرصة لصاحبي للخوض في محادثة أخرى لمدة خمس دقائق بحماس منقطع النظير.
عندما افترقنا في النهاية، كنت أعتقد أنه قد يظنني شخصًا مملًا في الحديث، حيث أنني قد أسهمت بنسبة أقل من خمسة بالمئة في المحادثة، بينما وصلت نسبته فيها إلى أكثر من خمس وتسعين بالمئة، وكان من دواعي دهشتي، أنني سمعت فيما بعد أنه اعتبرني محاورًا مدهشًا! كيف هذا؟
لقد بدأت خيوط الحقيقة تتراءى لي: فقد كان حوارنا رائعًا، وكان يسليني بحكاياته الممتعة وأفكاره المثيرة، لقد كان جسدي يرد عليه بدلًا من صوتي، مما كان يشير إلى اهتمامي وحضوري الدائم معه، واستطعت أن أجعله يبوح لي بأفكاره الخاصة عن الصحبة الجيدة، وبذلك يكون قد تحدث إلى نفسه أيضًا، وليس إلي أنا فقط).
إن توني مع أنه لا يستطيع الكلام؛ لأنه كان متعبًا إلا أن استماعه الجيد للشخص وتفاعله معه, جعل الشخص بعد ذلك يقول عنه إنه متحدث بارع.
إنك ـ أيها القارئ ـ عندما تستمع للشخص أكثر وأكثر، فأنت بذلك تعرف المزيد عنه؛ وبالتالي تكون أكثر فهمًا له، وبالتالي تستطيع إنشاء صلات أقوى معه، ولذا؛ فما أجمل الحكمة التي قالها بعض السلف: (الصمت يجمع للرجل فضيلتين: السلامة في دينه، والفهم عن صاحبه) [إحياء علوم الدين، الغزالي، (2/311)].
إن الله تبارك وتعالى أمرنا بالعدل والإنصاف في كل شيء, وهو عزَّ وجل خلق للإنسان فمًا واحدًا وأذنان, ولهذا كان من الواجب الإنصاف بينهما, وقد ورد في الأثر عن أبي الدرداء t قال: (أنصف أذنيك من فيك، فإنما جعل لك أذنان وفم واحد، لتسمع أكثر مما تتكلم) [مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة، (3/24)].