الصهيونية ومحاولات اغتيال التاريخ الفلسطيني
[ 26/12/2007 - 10:28 م ]
عبد الله الحسن
ترفض الصهيونية، شأنها في ذلك شأن أي حركة عنصرية التسليم بمنطق العلم وحقائقه، لا بل وتخوض معهً حرباً واسعة، مكشوفة حيناً ومستترة في معظم الأحايين، وبالتحديد ضد حوامله وتستخدم في تلك الحرب أساليب متنوعة.
من أبرز هذه الأساليب القتل المعنوي من خلال إشهار تهمة معاداة السامية أو تعبير "اليهودي الكاره لذاته" حين يكون العالم يهودياً، كما هو حال عالم النفس النمساوي مؤسس مدرسة التحليل النفسي سيغموند فرويد إثر صدور كتابه "موسى والتوحيد".
القتل المادي
إضافة إلى القتل المعنوي، هناك القتل والتصفية الجسدية، كما حصل مع عالم الآثار الأميركي بول لاب الذي ترأس بعثة تنقيب في فلسطين العام 1962 بالقرب من نابلس.
ففتح بعمله الطريق لنقد علم الآثار التوراتي وساهم في تعزيزه. ومع العام 1967 بعد استكمال احتلال فلسطين، احتج لاب علناً على الحفريات التي بدأها الجيش الصهيوني وفريق علماء آثاره.
وكان لاحتجاجه أثر بالغ في اتخاذ منظمة اليونسكو قرار طرد الكيان الصهيوني من عضويتها، بعد أن أدانته لقيامه بحفريات غير مشروعة في أرض محتلة، وتدميره المتعمد للآثار الفلسطينية مثل إزالة حي المغاربة في مدينة القدس، وقد تم إغراق د. بول لاب على شاطئ قبرص الشمالي -وهو السباح الماهر- عمداً كعقاب له على مواقفه هذه.
وتم أيضاً اغتيال عالم الآثار الأميركي د. ألبرت جلوك في بير زيت عام 1992، والمذكور ترأس قسم علم الآثار في جامعة بير زيت، وأسس معهد الآثار الفلسطينية، وهو الأول من نوعه في الوطن العربي.
الكاتب والصحفي الأميركي إدوارد فوكس في كتابه الموسوم "فجر فلسطين.. مقتل د. ألبرت جلوك وعلم آثار الأرض المقدسة" اتهم الجيش الصهيوني في عملية الاغتيال.
رصاصة ومائة عصفور
عميد جامعة بير زيت د. برامكي شبه عملية الاغتيال المذكورة كما نقل عنه المؤلف بقتل مائة عصفور برصاصة واحدة. فقد استهدفت عملية القتل بث الرعب في نفوس الأساتذة الأجانب العاملين في جامعة بير زيت، وضرب مشروع استكشاف التاريخ الفلسطيني، وعرقلة تنمية قدرات فلسطينية في هذا الحقل المعرفي.
بالإضافة إلى معاقبة جلوك على مواقفه المنحازة إلى الحقوق الفلسطينية، والقضاء على مشروعه الذي كان يعمل عليه وهو نشر نتائج أبحاثه القائمة على التنقيب الميداني في المواقع الفلسطينية.
والأوسع من كل هذا، هو أن اغتيال جلوك جاء في سياق حرب خفية أحياناً ومعلنة في أحيان أخرى على جبهة خطاب الاستشراق التوراتي، وفي خضم هذه الحرب قامت سلطات الاحتلال الصهيوني 1967 بطرد عالمة الآثار البريطانية كاثلين كينو بعد أن أعلنت نتائج تنقيباتها عن واقع تدحض مزاعم الخطاب التوراتي حول مدينة أريحا الفلسطينية.
أشكال أخرى
يقع في مقدمة هذه الأشكال تزييف الحقائق التاريخية والمكتشفات الأثرية باستخدام أدوات العلم لتطويع المادة التاريخية لخدمة أغراض أبعد ما تكون عن العلمية.
وخير دليل هو فليكوفسكي في كتابه "عصور في فوضى" إذ يعمد إلى تزييف الحقائق التاريخية لتأكيد الأساطير اليهودية انطلاقاً من فرضية تذهب إلى أن ثمة خطأ وقع في تأريخ التاريخ المصري القديم، حيث توقف تاريخ مصرعند لحظة محددة مع نهاية الأسرة الثانية عشرة في الدولة الوسطى بدخول الهكسوس إلى مصر، ولأن هؤلاء الغزاة كانوا بدواً برابرة لا يحترمون الحضارة ولا يعرفون حتى الكتابة فقد حطموا حضارة مصر ولم يحاولوا أن يتعلموا شيئاً من المصريين.
لذلك لم يتم تدوين شيء ذي بال طوال فترة احتلال الهكسوس، بينما كان بنو إسرائيل وقت دخول الهكسوس إلى مصر في طريق الخروج لشبه جزيرة سيناء، ووقت فوران أحداث جسام لم تسمح بتدوين واضح كامل لتلك الأحداث.
بالطبع كما هو واضح الهدف من هذا التزوير هو تبرير لماذا لم تسجل المدونات المصرية عملية "خروج بني إسرائيل" من مصر؟
أما فيما يتعلق بتزييف المكتشفات الأثرية فنشير إلى إقدام فليكوفسكي على تزييف قراءة اللقى الأثرية التالية:
- بردية ليدن، أو بردية إيبور
- حجر العريش
- بردية الأرميتاج
سرقة الوثائق
وهناك أسلوب آخر يضاف إلى ما تقدم هو سرقة الوثائق التاريخية وإخفاؤها، ولعل أكبر عملية سطو شهدناها هي السطو على المحفوظات العراقية وتحديداً تلك التي تخص اليهودية.
فقد نشرت الصحف كثيراً من الأخبار عن سرقة المتحف العراقي من أجل الحصول على التلمود البابلي الذي لم يكن في استطاعة الصهيونية الحصول عليه في العهود السابقة، فانتهزت فرصة الاحتلال الأميركي لسرقة ما يهمها من المتحف العراقي.
بل إن الصحف نشرت أن الاحتلال الأميركي وأذنابه حين دخلوا إلى دائرة المخابرات العراقية أخرجوا منها حمولة (25) صندوقاً من الوثائق والكتب أرسلت جميعاً إلى واشنطن لدراستها والاستفادة منها، وربما إخفاء بعضها حسب المصلحة الصهيونية.
صحيفة الدستور الأردنية الصادرة يوم 17/8/2004 في مقالة للدكتور خالد الناشف تحت عنوان "المخطوطات اليهودية والاخترق الصهيوني" أوردت الآتي "أثناء مداهمة مبنى المخابرات العراقية في بداية مايو/أيار سنة 2003 عثر على كتب ووثائق قيل إنها تخص الطائفة اليهودية العراقية نقلت إلى واشنطن لترميمها، وتنظيم معارض لاحقة لها".
وجاء في المقال أيضاً "إن جيف كاي مدير الموارد المالية التابع للوكالة اليهودية كان يتحرك في بغداد بحرية بدعوى تفقد أوضاع الجالية اليهودية بالعراق" كما يذكر أن كاي قد كلف من شارون "بمهام أخرى منها جلب هذه المحفوظات اليهودية إلى الكيان الصهيوني".
الوثائق بين تأخير النشر والتدمير
لا يتوقف الكيان الصهيوني في حربه على التاريخ وحقائقه عند ما سلف من أساليب، فجعبته حافلة بأساليب أخرى تتمثل في الاستيلاء على اللقى الأثرية، أو استخدام سطوة الحركة الصهيونية من أجل تأخير نشرها وما تحمله من حقائق، كما هو حال مخطوطات البحر الميت المعروفة باسم مخطوطات قمران، حيث أخرت الحركة الصهيونية نشرها قرابة الخمسين عاماً وذلك لإيهام الرأي العام بأن المخطوطات تحتوي على ألغام دينية.
بالمقابل حاول اليهود جاهدين التركيز على أن هذه المخطوطات جاءت لتؤكد أصالتهم في المنطقة. وهذا بالطبع زيف.
فالحقيقة المكتشفة من الدراسة المتعمقة لهذه المخطوطات تبين أن اليهودية نفسها قامت على إضافات وتأليفات مستمرة عبر قرون كثيرة، في محاولة لبناء دين يكون أساساً لبناء قومية لم يكن لها مقومات الوجود والاستمرار أصلاً.
لكن الصهاينة كما سبق وأسلفنا ليس ممن يسلم بالحقائق العلمية، لذلك نحوا منحى آخر في المواجهة مع مخطوطات قمران وهو تدمير أسورة قمران.
وفي التفاصيل: علماء آثار صهاينة يزعمون أن الموقع الذي حظي باسم الدير الأقدم في العالم الغربي لم يكن سوى قرية عادية، ويستدلون على ذلك بنتائج الحفريات التي قاموا بها في السنوات الأخيرة، في خربة قمران الواقعة شمال غرب البحر الميت والمعروفة في العالم كله كمكان وموطئ مؤلفي أسفار البحر الميت وهم من أبناء طائفة الأسانيين.
وفي هذا الصدد تقول صحيفة هآرتس في تقرير مطول لها "إن المعطيات تثبت -في زعمهم- أن سكان قمران عاشوا حياة مريحة بعيدة عن حياة الرهبنة، ولم يعملوا قط في كتابة الأسفار".