شكل تقرير الجنرال ماكريستال قائد القوات الأميركية و الأطلسية في أفغانستان محطة مهمة في النقاش حول مسار المأزق الأميركي الاستراتيجي الخطير الذي يبدو معه الرئيس باراك أوباما عالقا في وحول بات شائعا في الصحافة الأميركية أن يجري تشبيهها بالوحول الفيتنامية .
الجنرال الأميركي قدم محاكمة لخطة " غبية " قادت الحرب لثماني سنوات ، نسب إليها الفشل و الإخفاق بينما اعترف بأن زيادة القوات الأميركية التي أقرها الرئيس أوباما لم تغير مسار الحرب و لم تفتح أي ثغرة في جدار الفشل المسدود .
الخطة الجديدة المقترحة في التقرير تقوم على الدمج بين زيادة جديدة للتعزيزات العسكرية الأميركية و الأطلسية و سلة من الإجراءات الاقتصادية و الاجتماعية و بشعارات براقة و كبيرة من نوع محاربة الفقر .
يسجل التقرير تحولات مهمة في نوعية أداء مقاتلي طالبان و هو يرصد مجموعة من الظواهر التي يتداولها الصحافيون بمزيد من الاهتمام عن فساد الحكم الذي نصبه الأميركيون منذ احتلال أفغانستان بزعامة حامد قرضاي و عن حجم نمو و انتشار اقتصاد الأفيون زراعة و تجارة يقدرهما خبراء الأمم المتحدة بمليارات الدولارات سنويا في الدولة التي باتت تتصدر قائمة الدول المنتجة للمخدرات في العالم .
في خلفية الفشل الأفغاني عوامل عديدة و متشابكة لكن أبرزها :
أولا البنية العشائرية الراسخة و المشبعة بروح التمرد و الاستقلال عبر العصور مكنت الأفغان من صد الحملات العسكرية والغزوات الاستعمارية التي تعاقبت على بلادهم منذ قرون و باستثناء الفتح الإسلامي الذي اتخذ صفة التنوير و التمدين كان الفشل مصير جميع الجيوش التي دقت أبواب أفغانستان و قد نجح الأفغان بتحويل تضاريس أرضهم الصعبة إلى فخ مستمر للجيوش التي تعاقبت على اختبار قدراتها و آخر المطاف كان الجيش الأحمر السوفييتي و أي مقارنة تاريخية تظهر أن الجيش الأميركي لا يمتلك ما يجعله متفوقا على القوات الروسية في التعامل مع التعقيدات الأفغانية كما تظهر تجربة السنوات الثماني المنصرمة .
أي حكم خارجي تنصبه القوات الغازية يعامل من قبل السكان على أنه واجهة للسيطرة على بلدهم كما هو شأن الحكومات العميلة في جميع البلدان المستعمرة و الانحياز الطبيعي للقوى المحلية التي تقاوم الاحتلال هو ما يقوم به الأفغان كنتيجة لهذا القانون الطبيعي الذي تعينهم على ممارسته ميدانيا طبيعة بلادهم الوعرة و العصية على السيطرة العسكرية النظامية .
ثانيا المشكلة التي تحكم النظام العميل الذي أقامه الأميركيون و فرضوه بالقوة في البلاد هي اكبر و أدهى مما واجه النظام الذي فرصته المخابرات الروسية عبر الانقلابات العسكرية المتلاحقة .
فالنخبة المرتبطة بالشركات الميركية و البريطانية و بالقيم الغربية رقيقة جدا و ضيقة الحضور و النفوذ اجتماعيا في أفغانستان و تلك هي القاعدة الفعلية التي يستند إليها حكم حامد قرضاي الذي انقلبت التقارير الأميركية إلى نعته بالفساد و تحميله مسؤولية الفشل في الحرب ، و مشكلة الأميركيين القاتلة هي أنهم لا يقيمون سلطة عميلة تستند لقوة اجتماعية محلية بل يستقطبون بقوة الاحتلال مجموعات من الأفراد المرتزقة و الطامحين الذين يشكل الفساد مضمون سلوكهم الاجتماعي و الثقافي و المالي في إدارة الشؤون العامة لكونهم مجرد واجهة سياسية للمحتل الأجنبي .
ثالثا تعاملت الولايات المتحدة و الغرب مع المجتمع الأفغاني طيلة عشرين عاما منذ السبعينات حتى انهيار الاتحاد السوفييتي من خلال القوة التي تقودها طالبان و التي قدمت لها الرعاية المالية و السياسية و العسكرية بالشراكة مع باكستان و المملكة السعودية تحت عنوان محاربة الشيوعية ، و لذلك عندما اتخذ جورج بوش قرار شن الحرب عام 2001 اشتغلت المخابرات الأميركية على التنقيب عن عملاء في الجاليات الأفغانية يمكن اعتمادهم و هذا ما يختلف و لو جزئيا عن الحالة العراقية مثلا حيث كانت القوى المناوئة للنظام السابق موجودة بالفعل و تمثل تعبيرات سياسية تمثل قطاعات حقيقية من الشعب العراقي مهما اختلف على حجمها أو وزنها ضمن النسيج العراقي.
حتى الاحتلال السوفييتي لأفغانستان الذي هزم و فشل ، استند إلى قاعدة اجتماعية محلية أقوى و أمتن من قاعدة الاحتلال الأميركي ، فقد استند الروس إلى الجيش و بيروقراطية الدولة التي انهارت تحت وطأة البنية العشائرية و المغامرات العقائدية الطائشة للشيوعيين الروس و الأفغان في مجتمع محافظ و متدين .
رابعا التوازن العسكري في الحرب يشمل العمق الباكستاني الذي يمثل حقل الألغام الأخطر بالنسبة للمؤسسة العسكرية الأميركية التي تخشى من تفاعلات المأزق و تداعياته التي قد تقود لتفكك دولة نووية يدور الحديث كثيرا عن مصير قنبلتها .
مشكلة أوباما هي انه و بعد ثمانية أشهر على إعلانه أن حربه ستكون في أفغانستان بوصفها حرب الضرورة لم يستطع أن يقدم إنجازا واحدا و هو يواصل التخبط في الوحول التي ورثها عن بوش و لا شيء يدل على أنه قادر على اكتشاف طريق الخروج على الرغم من طرحه للشعار منذ الأشهر الأولى لولايته الرئاسية ، و حتى الهدف الأدنى المتمثل باعتقال قادة القاعدة و العودة بهم لمعاقبتهم لا يبدو سهل المنال مهما ضاعفت هيئة الأركان المشتركة من عديد قواتها على الأرض حسب الخبراء ، توقيت الهروب من المستنقع قد يكون بعيدا ، و هو سيأتي نتيجة لهزائم عسكرية ترفع من نسبة النقمة داخل الولايات المتحدة أو كحصيلة لانفجار الأزمة في باكستان و دخولها حقبة من الفوضى أم تتمة لفصل جديد و مفاجئ من فصول الأزمة الاقتصادية الخانقة داخل الولايات المتحدة ، في ذلك كله شيء من فيتنام التي لم تكسب فيها الولايات المتحدة الحرب على الرغم من أوامر توزيع الحلوى على الأطفال و عيادات المعاينة المجانية .