من مجمل التحليلات السايكو- سياسية التي رافقت ظهور الوزير موشيه يعلون أمام أعضاء حركة ''''القيادة اليهودية'''' برئاسة موشيه فايغلين، غاب احد الإبعاد الهامة جدا لهذا الحدث، يعلون وبنيامين نتنياهو ومن دون أن يعرفا وضعا خطوط المحظور والمسموح في الخطاب الإسرائيلي لعام 2009.
شرطة الأزياء السياسية قررت بصورة قاطعة أن من المحظور المس باليسار وبالنخب في هذا الموسم، وانه ما زالت هناك كلمات سلبية في القاموس اللغوي المستخدم.
من المسموح وأحيانا من المرغوب فيه توجيه الاهانات للجمهور العربي وتوجيه الشتائم لممثليه كما يفعل منتخبو إسرائيل بيتنا ومن يقف على رأس هذا الحزب، من المسموح بالتأكيد توجيه الضربات للجهاز القضائي كما يكثر ممثلو شاس ووزراؤها من فعله، من المسموح إبداء التفهم مع قضية تلاميذ المعاهد الدينية الذين يدوسون مهاجرين من إثيوبيا، من المسموح توجيه الانتقادات لممثلي الجمهور الناطق بالروسية والادعاء بأنهم ليسوا ممثلين لهذه الدولة بصورة كاملة.
كل هذه الأمور ليست سببا لتوجيه الدعوة لإجراء محادثة استيضاح في ديوان رئيس الوزراء، من الناحية الأخرى يعتبر توجيه الاهانات للنخب ـ إن كان هناك احد ما يعرف بالضبط كي يعرف هذا المخلوق العجيب ـ فهذا عمل يستحق صاحبه التقديم للمحاكمة، ليس بسبب الحفاظ على كرامة هؤلاء، وإنما بسبب المغزى الذي يوليه رئيس الوزراء لمنظومة العلاقات المعقدة بيننا وبينهم، نتنياهو يعرف أن النخب لا تستطيع تقديم فائدة كبيرة ربما، إلا أنها ما زالت قادرة على التسبب بضرر كبير.
بالفعل، هذه ظاهرة أزياء تتعلق بالمعايير مثل موضة الجينز الضيق التي تأتي وتذهب، ذلك لأن نتنياهو نفسه الذي يصرخ الآن بمساعديه بسبب الأقوال التي تفوه بها ضد اليسار ـ النخب، كان قد ضبط في أيام ولايته الأولى وهو يهمس في أذني الحاخام كدوري: ''''هؤلاء اليساريون قد نسوا ماذا يعني أن تكون يهوديا'''' صحيح أنه لم يستخدم مصطلح ''''جرثومة'''' ولكن النسيان هو أيضا مرض صعب، رأي اليسار أي النخب لم يكن مختلفا في ذلك الحين عن موقف يعلون الآن، وربما ليس هناك اختلاف اليوم أيضا.
ولكنّ أمرا جوهريا واحد قد تغير بالرغم من ذلك: نتنياهو تعلم الدرس، وأدرك أهمية النخب ليس فقط بالنسبة لصورته وإنما أيضا لبقائه، هذا هو أحد الاستنتاجات الأساسية التي استخلصها من ولايته السابقة، والجرثومة التي تحدث عنها يعلون عند فايغلين هددت بالمس برئيس الوزراء نفسه قبل أي شيء آخر، شعور يعلون بالجذرية يتيح له الاعتقاد بأنه قادر على الاختباء جيدا أيضا من وراء تأييد الأوساط التي كان قد هاجمها بقسوة، نتنياهو ما زال أسير صدمة النبذ وعلى قناعة بأنه لا يستطيع الاستمرار من دونهم. وبالأساس ليست لديه رغبة.
نتنياهو يدين بانتخابه في عام 1996 بقدراته على تشكيل ائتلاف أقليات يلتف على النخب، ونهايته جاءت من هذا المعسكر الذي تمخض عن ''''كراهية بيبي'''' الأسطورية المحاولة الاضطرارية التي تمت حينئذ في دائرة نتنياهو لبلورة نخبة محافظة جديدة بديلة من أجله وفقا للنموذج الأمريكي، لم تنجح كثيرا. هو سبق أوانه بكل بساطة.
في العقد الذي مضى منذ أن ظهرت في المجتمع الإسرائيلي شريحة عليا محافظة ـ جديدة يقطن فيها مستمتعا في نفس النزل القيمي كل من نتنياهو وايهود باراك وليبرمان.
ورغم ذلك يجد نتنياهو صعوبة في التخلص من صدمة فقدان النخب القديمة وهو يتابع الشكل الطبيعي الذي تستوعب فيه النخبة اليسارية رئيسة المعارضة تسيبي ليفني رغم أنها لم تأت من نفس القرية أيضا، الأمور الفظة التي تفوه بها يعلون بحق النخب واليسار تحولت إلى تهديد استراتيجي لنتنياهو وحثت رده لدرجة لا تقل عن التصريحات السياسية التي أطلقها نائبه.