ديون اليونان.. هل تشعل ازمة اوروبية جديدة؟
*تحد جديد امام الحكومة الاشتراكية
*ازمة ديون اليونان نقمة علي الدول المرشحة للانضمام الي الاتحاد الاوروبي
استحوذت قضية الديون الحكومية علي اهتمام الاوساط المالية والاقتصادية الدولية طوال الاسبوع الماضي وسط مخاوف من ان تؤدي ازمة الديون في اليونان الي ازمة جديدة في الاسواق العالمية مع وجود قنبلة الديون السيادية الموقوتة في دول اخري مثل بريطانيا واسبانيا وايرلندا.. فبعد ازمة دبي وقبلها افلاس ايسلندا, لم يعد يفيد التقليل من خطورة الديون والمستثمرون الدوليون اصبحوا اكثر حذرا بشأن قدرة الدول علي التعامل مع ديونها المتصاعدة الامر الذي يؤدي الي ارتفاع تكاليف الاقتراض الحكومي ويقلص بالتالي من الموارد المتاحة للانفاق العام.
الشكوك حول مستقبل اليونان ومدي قدرتها علي الصمود في مواجهة شبح الانهيار المالي كان الموضوع الرئيس لمعظم الصحف العالمية منذ ان تم تخفيض تصنيف ديونها الي ادني مستوي في منطقة اليورو وهو ما ادي الي انهيار سوق السندات اليونانية.
وحسب البيانات الرسمية المعلنة فإن ديون اليونان تبلغ300 مليار يورو ومن المتوقع ان يصل الدين العام الي120% من اجمالي الناتج المحلي في العام المقبل وهو اعلي مستوي من الديون منذ عام1974 والمشكلة كما يوضح تقرير الهيرالدتريبيون في وجه الشبه مع ازمة دبي ليس حجم الدين بقدر ما هو ضعف مصداقيتها بالاضافة الي انه لا يمكن اعتبار ازمة ديون دبي واليونان وبقية الدول المثقلة بالديون ازمات محلية والبعض يذكر ان في بداية انهيار بنك ليمان برازرز اعتبر وزير مالية المانيا سابقا مسألة ازمة الرهن العقاري شأنا امريكيا فحسب وهو ما ادي الي تفاقم المشكلة وليس حلها. كما يحذر بعض المحللين من ان ارتفاع عجز الميزانيات باكثر من3% من اجمالي الناتج المحلي يعكس الفشل في التنسيق بين الدول الاعضاء في منطقة اليورو علي استراتيجية للخروج من الازمة وعدم التزام اليونان بالقواعد المالية للاتحاد الاوروبي ينطبق ايضا علي دول اوروبية اخري ومنها فرنسا.
ويشير التقرير الي انه منذ ان تم تخفيض تصنيف ديون اليونان تسعي الحكومة جاهدة الي وقف تراجع اسواقها المالية وتحسين صورتها بالتأكيد علي قدرتها علي سداد ديونها وانها ليست ايسلندا وليست دبي. كما تعهد رئيس الوزراء اليوناني جورة باباندريو بعمل كل ما في وسعه لتقليص العجز الكبير في الميزانية ووعد بالقضاء علي البيروقراطية الحكومية لجذب المزيد من الاستثمارات الاجنبية وكذلك اصلاح نظام للمعاشات وقال ان اكبر مشكلة تواجه حكومته هي الحفاظ علي مصداقيتها فالاسواق في رأيه في حاجة الي رؤية اجراءات فعالة لاصلاح الماليات العامة وليس مجرد سماع تصريحات.
واليونان في حاجة الي اجراء تغييرات مؤلمة لكن المناخ العام شديد العدائية للتغيير واعلن صراحة بانه لابد من الاتفاق علي صيغة اجتماعية جديدة.
وفي المقابل اعلن اعضاء نقابات العمال اليونانية احتجاجهم علي اجراءات تقليص عجز ميزانية الحكومية والتي تتضمن الغاء مكافآت موظفي القطاع العام وعدم رفع اجور الذين يتقاضون اكثر من الف يورو شهريا وغيرها من الاجراءات التي وصفها رئيس نقابات البناء بأنها ستؤدي الي زيادة معدلات البطالة وستؤثر علي الخدمات العامة من تعليم ورعاية صحية ولكن رئيس الوزراء طلب الدعم السياسي من بقية الاحزاب لمساندة خطته التي يعتبرها قاسية لكن ضرورية لتقليص العجز الحكومي الذي يعد الاكبر في منطقة اليورو محذرا من ترك اليونان تغرق في الديون.
وكان رئيس الوزراء اليوناني وهو من مؤيدي الطاقة النظيفة قد اعلن عند توليه منصبه ان الوزراء سيضطرون الي تبديل سياراتهم المرسيدس بسيارات كهربائية صغيرة وانه سيفرض ضرائب جديدة علي الاثرياء كما سيحارب الفساد وكشف عن مدي اسراف الحكومات السابقة الذي تسبب في الازمة الحالية لحكومته الاشتراكية التي تبلغ من العمر شهرين فقط لكنه اكد في نفس الوقت التزامه بالحفاظ علي مستوي الانفاق الاجتماعي.
التحدي الذي يواجه رئيس الوزراء اليوناني قوي وصعب مابين اقناع شركائه الاوروبيين في منطقة اليورو والذين ربما يندمون علي السماح لليونان بالانضمام اليهم وبين الحصول علي الدعم السياسي وتهدئة الاحتجاجات الشعبية التي قد تصل الي حد الاضرابات العمالية, مع الاخذ في الاعتبار ان البنك المركزي الاوروبي قد اكد انه لن يتدخل بصورة مباشرة لدعم اليونان في ازمتها ردا علي تصريحات المستشارة الالمانية انجيلا ميركل بتأكيد دعمها لليونان وان مستقبلها امر يهم جميع دول الاتحاد الاوروبي. وقالت ان مايحدث لعضو من اعضاء الاتحاد يؤثر علي البقية لاسيما ان لديهم عملة مشتركة وهو ما يعني مسئولية مشتركة ايضا.
ولكن بغض النظر عن موقف المانيا او البنك المركزي الاوروبي من عمليات الانقاذ المالي فان النظام المالي الاوروبي المتكامل سيسمح بالاستمرار في تزويد الشركات اليونانية بالائتمان والمشكلة الحقيقية تواجه الدول المرشحة للانضمام الي الاتحاد الاوروبي اذ ان ازمة اليونان سوف تؤدي منطقيا الي تطبيق معايير اعلي وتشديد القواعد بالنسبة للدول الراغبة في الانضمام.
---------
مأساة اليونان في ارقام:
300 مليار يورو.. حجم الدين المحلي.
30 مليار يورو.. تكاليف سنوية للتهرب الضريبي.
120 نسبة الدين العام من اجمالي الناتج المحلي في2010.
9.1% معدل البطالة..
*المصدر: تايمز للابحاث..
مخاوف من ظهور حالة افلاس جديدة في منطقة اليورو علي غرار ايسلندا
*اغلاق عشرات المدارس والمستشفيات في لاتفيا من أجل تقليص الانفاق العام
*الارجنتين نموذج حي علي الصمود الاقتصادي بدون الرضوخ لرغبات صندوق النقد الدولي
قدمت صحيفة هافينجتون بوست الالكترونية الامريكية رؤية مختلفة لمشاكل اليونان المالية اذ اعربت عن مخاوفها من ظهور ايسلندا جديدة في منطقة اليورو بمعني افلاس اليونان لكنها طرحت فكرة غير تقليدية بالعصيان والتمرد علي صندوق النقد الدولي من خلال عرض لتجربة الارجنتين في هذا الشأن للخروج من ازمتها الاقتصادية ونجاحها في ذلك حتي الان. واشارت في البداية الي انه لم تعد الانهيارات المالية من نصيب الدول النامية فقط لكنها باتت خطرا يهدد الدول الاوروبية المتقدمة ايضا, فمؤخرا وجه صندوق النقد الدولي تحذيرات شديدة اللهجة الي دول الاتحاد الاوروبي, وفي مقدمتها اليونان وايسلندا ولاتفيا بضرورة فرض التقشف, تجنبا لازمات مالية جديدة, وقالت الصحيفة ان عشرات الدول قد تعثرت عن سداد ديونها في العقود الاخيرة واخرها دبي التي اعلنت في26 نوفمبر الماضي عدم قدرتها علي سداد ديونها, وتساءلت اذا كانت الامارة الثرية غير قادرة علي السداد, فماذا تفعل اذا الدول الاقل ثراء؟
واضافت انه بالنسبة لليونان فقد بدأت مشاكلها المالية بانخفاض اسعار الفائدة قبل سنوات, واقتراضها لتمويل نفقاتها وتعد دورة الالعاب الاولمبية التي استضافتها اليونان في عام2004 مثالا واضحا علي البذخ المتسبب في تراكم الديون. وقد تكون اول دولة في دائرة الاتحاد الاوروبي تعترض علي توصيات صندوق النقد الدولي والمفوضية الاوروبية فحسب تصريحات رئيس الوزراء جورج باباندريو فان الموظفين الحكوميين لن يدفعوا ثمن الوضع الحالي ولن يتم المساس بالنظام الاشتراكي للبلاد. وحقيقة الوضع الحالي الذي يحول دون تعويم عملة اليونان وهي اليورو لانها عملة الدول الاعضاء في منطقة اليورو ويعني انه لا يوجد طريقة لتخفيض تكلفة الديون.
وعدوي العصيان لصندوق النقد الدولي قد تنتقل الي دول اخري مثل لاتفياو هي عضو في الاتحاد الاوروبي ومن المتوقع ان تعتمد اليورو لكنها لم تصل بعد الي تلك المرحلة وفي نفس الوقت فقد طالبها كل من الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي بالاقتراض بالعملة الاجنبية من اجل استقرار سعر صرف عملتها المحلية ومساعدة المقترضين علي سداد القروض العقارية المستحقة للبنوك الاجنبية وكشرط اساسي للحصول علي مساعدة صندوق النقد الدولي فان البلاد مطالبة باجراء التخفيضات المعتادة في الانفاق العام وفي الوقت الذي يتجه فيه العالم الي خطط التحفيز الاقتصادي والتي تتراوح بين10,1% من اجمالي الناتج المحلي فان لاتفيا مطالبة بتخفيض الانفاق العام بحوالي38% وبزيادة الضرائب من اجل التصدي لعجز الميزانية.
وبالفعل في شهر نوفمبر اقرت الحكومة تخفيضات حادة في ميزانيتها بلغت حوالي11% وفرضت زيادات ضريبية وقلصت الانفاق العام عن طريق اغلاق عشرات المدارس والمستشفيات ولكن النتيجة التي يتوقعها البنك الوطني انخفاض17.5% في النشاط الاقتصادي هذا العام في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد الي الازدهار الاقتصادي الامر الذي اثار الاحتجاجات والمظاهرات في الشوارع.
واحد الحلول المقترحة لعلاج مشاكل اليونان وايسلندا ولاتفيا هو السير علي خطي الارجنتين وعدم الرضوخ لرغبات صندوق النقد الدولي فالارجنتين تعد نموذجا رائعا للنجاح اعتمادا علي الذات وبدون تنازلات للحصول علي تدفقات نقدية اجنبية اذ استطاعت ان تحقق معدل نمو اقتصادي8% لمدة عامين متتاليين بعد ثلاث سنوات من تعثرها في سداد ديون باكثر من100 مليار دولار في2001 وبحلول عام2004 تمكنت من تحقيق الاستقرار النقدي وتخفيض البطالة وجذب المستثمرين.
وحسب دراسة لمركز الابحاث الاقتصادية والسياسية في واشنطون فان السياسات المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي والتي تشمل تخفيض الانفاق وتقييد السياسة النقدية كانت اكثر ضررا للاقتصادات كما توصلت دراسة لجامعة الشرق الاوسط التقنية في انقرة انه بمقارنة حالة تركيا بالارجنتين وكلاهما واجه ازمة اقتصادية حادة في2001 في حين تحررت الارجنتين من قبضة صندوق النقد الدولي ونجحت في التعافي الاقتصادي الا ان تركيا التي التزمت بنصائح الصندوق لاتزال تعاني من مشاكل مالية.
النصيحة المقدمة الي لاتفيا وغيرها من الدول للتخلص من ديونها في غضون اسبوع هي: اولا: عدم رد الحكومة علي تليفونات الدائنين الاجانب.
ثانيا: اعلان البنوك عدم قدرتها علي السداد وتحويل ديونها الخارجية الي حقوق ملكية بضمان العملة المحلية.
ثالثا: توفر فرص عمل وتأمين صحي كما فعلت الارجنتين.
وفي النهاية اصدار النقود حق سيادي للحكومات ومن الممكن ان تخسر الدول الاوروبية كثيرا بانضمامها الي الاتحاد الاوروبي ولكن اذا كانت الارجنتين وهي دولة كبيرة لديها موارد افضل من ايسلندا ولاتفيا او اليونان الا ان التكنولوجيات الجديدة المتاحة يمكن ان توفر حتي للدول الصغيرة قاعدة للاعتماد علي الذات.
هافينجتون بوست الالكترونية الامريكية