مقد مـــــــــة
بعد حوالي ما يقارب من 40 سنة منذ حصولها على الاستقلال, حققت الجزائر تقدما مهما في بنيتها التحتية البشرية والمادية, وثم التقليل من فوارق الدخل, وعدم المساواة بين الجنسين, وتم التوصل إلى درجة عالية من التلاحم الاجتماعي. غير أن التدفق السنوي لعائدات النفط والحماية التجارية ساعدتا على أن تحجب عن الاقتصاد الجزائري أوجه القصور الكامنة في التخطيط المركزي للموارد. و هكذا فإن الاستثمارات الضخمة في التنمية الصناعية لم تدقق الكثير فيما يتعلق بإنشاء قاعدة صناعية تتسم بالتنوع والتنافس, في الوقت الذي تجاهلت فيه احتياجات السكان الملحة التي وصلت حد الأزمة. ولعل أبرز مشكل وجدت نفسها تتخبط فيه هو مشكل المديونية.
المديونية إن هذه الكلمة التي دخلت التاريخ الاقتصادي من أوسع أبواب لتكن شبحا مرعبا للدول النامية, فثبطت عزائمها وحالت دون إرادتها في تحقيق تنمية حقيقية, ودون سعيها المتواصل للخروج من دائرة التخلف والتبعية الاقتصادية. و أزمة المديونية الخارجية التي تعيشها الجزائر ليست كحالة معزولة خاصة ببلادنا, وإنما أصابت الكثير من الدول فقد فضلت الحكومات الجزائرية المتعاقبة الاستدانة على الفقر و لكن الذي أصبح واضحا أننا سوف نعيش فقراء و مدنين في نفس الوقت. و الغريب في الأمر أننا في بلد كالجزائر يزخر بثرواته الطبيعية و البشرية, فالسياسة الاقتصادية لم تبنى على استراتيجية تنموية صحية. و هكذا برزت أزمة المديونية سنة 1986 بعد تدهور أسعار النفط.
و لخطورة الأزمة التي أصبحت تهدد حاضر و مستقبل التنمية في الجزائر, و ترهن السيادة الوطنية لدى المؤسسات المالية الدولية و رغبة منا في الاحاطة بخيوط الأزمة, و مسبباتها و أهم انعكاساتها على الاقتصاد الوطني انطلاقا من التساؤلات التالية:
- ماهي جذور هذه الأزمة و أهم أسبابها؟
- ما هي أهم الآثار التي خلفتها على كافة الأصعدة؟
- ما الطرق التي لجئت إليها الجزائر لمعالجة الأزمة؟ و ما آفاق نجاحها؟
و للإجابة على هذه التساؤلات, و الإطلاع على الموضوع بنوع من التفصيل ارتئينا تقسيم الدراسة إلى ثلاثة فصول:
خصصنا أولها لجذور الأزمة, و انفجارها, لمعرفة الأسباب و طبيعة هذه الأزمة, و أهم المراحل التي مرت بها.
ثم جئنا في الفصل الثاني لتبيان الآثار و الانعكاسات التي خلفتها المديونية على الصعيد الاقتصادي, و الاجتماعي و السياسي.
أما الفصل الثالث و الأخير فتطرقنا فيه لأهم المحاولات التي قامت بها الجزائر للخروج من هذه الأزمة قبل و في إطار التعامل مع صندوق النقد الدولي, منوهين بأهم نتائج هذا التعامل.
و ختمنا البحث بحوصلة خاصة بالجزائر بعد سنة 2000.