الحمد لله رب العالمين القائل في محكم كتابه المبين ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)) [الحجرات : 10]
أيها الشعب الجزائري الأبي الشهم ..أيها الشعب المصري الشريف المحب
إنّ في الجَعبة لكثيرا ممّا يقال في مثل هذا الحال.. ولكن حسبي أن أنادي عقولكم.. أناديها بهذه الكلمات .. بل بهذه الجراحات ..
إنه لمن العار أن يرتفع طيش السفهاء على حكمة العقلاء.
وأن تعلوَ راية الجاهلية والشحناء على سماحة الإسلام ورحابة الإخاء.
إنه لمن الشنار أن لا يتحرك في الساحة هذه الأيام إلا دعاة السوء، وتجار الوشايات والوقيعة، ولا يُسمع إلا صوت المبطلين والقتّاتين..والمشّائين بنميم.
يا إخواني في جزائر الإباء والجهاد والتضحية والكرم ..ويا أحبابي في مصر الإسلام والعروبة والعلم
صحيح أن أي محاولة للتهدئة قد تذهب أدراج الرياح وسْط هذه العاصفة الهوجاء، وأن أي صوت للتعقل سيوسم بالعمالة ويرمى بالخيانة، ويشكك في وطنيته.. ويُسْتَعْدى عليه الرعاع والغوغاء، ولكن الحق أبلج والباطل لجلج .
يا أحبتنا في الجزائر ويا إخواننا في مصر
لا تسمحوا لأنفسكم ..أن تقودكم "شلة" من سفهاء البلدين ممن يستثمر رأس ماله في "الفتن" ويمد الحقد والبغضاء بجرعات قوية ليطيل عمر الأزمة..لما له فيها من المصالح والمطامح..
إن الذين أثاروا هذا اللعان، وأشعلوا فتيل الشنآن، بين شعبينا العزيزين الجزائري والمصري ما هم إلا أخلاط من الناس لا فؤاد لهم ولا عقل، وأحداث ورعاع همج ..لا يمثلون الأحرار والشرفاء والعقلاء في كلا البلدين .
أيها الأحبة في الجزائر الأبية ومصر السخية
لا ينبغي لعاقل أن يجاري السفهاء في أخلاقهم، ولا أن يُصغيَ للرعاع في دعاويهم، فالحكمة تقتضي والعقل يوجب أن نُعرض عن مثل هؤلاء. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ لاَ يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلاَ مَفْصِلٌ إِلاَّ دَخَلَهُ).
ألم يقل ربنا سبحانه وتعالى وهو يصف أهل الإيمان بصفات السمو والتحضر والرقي ((وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)) [الفرقان : 63]
وقال عز وجل مخاطبا نبيه الكريم آمرا له بهذه السجايا الجميلة والخلال البديعة ((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)) [الأعراف: 199]
فأمر اللّه تعالى أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه وعدم مقابلته بجهله، ولم يأمرنا بمجاراته.
وقال ربنا
( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)) [المؤمنون: 3]
وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن أمثال هؤلاء السفهاء قد يكون لهم في آخر الزمان كلمة، ونفوذ وسلطة على الشعوب فقال صلى الله عليه وسلم
ِإنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنِينَ خَوَادِعًا، يُتَّهَمُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ النَّاسِ الرُّوَيْبِضَةُ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: "السَّفِيهُ يَنْطِقُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ") [رواه أحمد وغيره عن أبي هريرة] .
فهل رأينا "رويبضة" في أقبح صوره ..مثل ما رأيناه في هذه الأحداث.. ولهذا فإن الأحرار والشرفاء والعقلاء في الجزائر وفي مصر ليتبرؤون من هذا "الرويبضة" الذي كَثُر ضجيجه وارتفع صوته بالفجور.
أيها الشعب الجزائري الحبيب ويا شعب مصر العزيز
إنني لا أقصد بهذه الكلمات أن أذُبَّ عن فلان أو علان..
إنني أدافع عن الشهامة والمروءة..التي انفرط عقدها في خضم هذه الأحداث..
أدافع عن وشائج الرحم التي تجمع بين الشعبين عبر الأزمنة والقرون.
أدافع عن الآصرة المقدسة التي بيننا وبين المسلمين جميعا في كل الأقطار والأمصار وهي رابطة "الأخوة الإسلامية" الغالية الثمينة، والتي هي أعز عند أصحاب المروءات.. وأهل الشرف والعقل، من "كرة منفوخة" تُقتل في ساحاتها الفضيلة، وتُقطع من أجلها الرحم، وتستباح في سبيلها كل الجرائم.. فحسبنا الله ونعم الوكيل
الجزائريون ضيوفكم في مصر.. والمصريون ضيوفنا في الجزائر
إنه ليس من الشهامة الاعتداء على الأملاك والأرزاق، فإذا كانت أملاك "الكفار" في بلاد المسلمين مصانة فكيف بأملاك أخيك "المسلم" .. بأي حق تستباح المحلات وتُرَوَّع البيوتات ، وتُفجر المؤسسات، وتطارد العائلات .. أين حق الضيافة.. أين الذمام والأمان.. وأين العهد والضمان.. وإكرام الضيفان..أمن أجل بعبعة سفيه، تُعمى الأبصار وتُخطف الأنظار ..
هل غاب عن أولئك الهائجين من الغوغاء ..أن ديننا العظيم جعل إكرام الضيف علامة على الإيمان والتقوى والإحسان، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ) [رواه البخاري ]
أليس فيكم رجل رشيد ..ينادي بأعلى صوته : تعقلوا أيها الناس..
إن الذي حصل في مباراة السبت لا يستفيد منه إلا "أصحاب السبت"
ولا يجني حصاده إلا العدو المشترك الذي يُمَرِّر مخططاته الرهيبة في مثل هذه الظروف، وهاهو العدو يشمت بنا ويضحك على ذهاب عقولنا، ويطمئن على مشاريعه في أرضنا، ويقطف ثمارا يانعةًَ لم يكن يحلم بها لولا سوء فعالنا.
هاهو العدو المتربص بنا يطير فرحا وينتشي طربا، لأننا فعلنا بأنفسنا مالا يفعله العدو بنا.
أيتها الشعوب المسلمة احذري وسائل الإعلام
التي أوقدت نار الفتن وأثارت الإحن.. وحدثت الناس بـ:"قيل" و"أنَّ" و"عن" .. واستباحت الكذب واستحلَّت البهتان والإفك، فكانت أكذب من سراب..وأزهى من غراب.
لقد بان لكل من عنده مُسْكَة من عقل أن الإعلام أضحى يتاجر بالأحداث من أجل المليون ونصف المليون
لقد أدركتم أن الإعلام في "بلداننا" ليس ذلك الإعلام الذي نستأمنه على أمننا وسلامة أوطاننا، ليس ذلك الإعلام الذي نطمع فيه أن يكون الناصح الأمين لشبابنا.. إلا من رحم الله وما أقلهم في مثل هذه الأيام.
ليس ذلك الإعلام الذي نأمل فيه أن يكون وسيلة لكبح جماح الطائشين والهائجين..
ليس ذلك الإعلام الذي يحافظ على الاستقرار والتسكين..
لقد ظهر جليا بلا قناع أن الإعلام يبحث فقط عن المليون والنصف مليون .. يبحث عن تحطيم الأرقام القياسية ولو على حساب الأمن والاستقرار .
لقد أدركتم أن رسالة أكثر الإعلامين في هذا العصر لم تعد إلا كقصيدة الشاعر في الجاهلية التي يمَدح فيها أو يَذُم، لا من أجل الأخلاق والسجايا، ولكن من أجل المال والعطايا.. فلا مدحُه يُحقُّ حقا، ولا ذمُّه يُبطل باطلا، لأن الشعراء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون، وهم في كل واد يهيمون, ويقولون ما لا يفعلون، وكذلكم أحفادهم الإعلاميون ، إلا من آمن وعمل صالحا، ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ))
نداء وختام
أيها الحكام والزعماء
أيها العلماء والأئمة الفضلاء
أيها الإعلاميون الشرفاء
أيها السياسيون الأذكياء
أيها المثقفون العقلاء
أيها الرياضيون النبهاء
أيها الشباب الفطناء
في الجزائر الحبيبة وفي مصر الغالية..
قفوا في وجه المتاجرين بالأحداث، وليعلو صوتُكم فوق أصوات السفهاء.. وليرتفع نداؤكم للتعقل والرشد.. على طنطنة التهَيُّش والانتقام ..
أجمعوا صفكم ومُدوا أيديكم للكثير من أمثالكم ممن ساءه هذا الوضع وأبكاه هذا الحال..
اكتبوا في وسائل الإعلام "الحرة الشريفة النظيفة" ..التي لم تتلطخ أيديها بدماء الأبرياء.. ولم تتلوث "صحائفها" و"استديوهاتها" بروائح الكراهية والحقد والبغضاء .. اكتبوا ألفاظ المحبة وكلمات المودة ودعوات الأخوة لتفوتوا الفرصة على الذين يضربون طبول الحرب.. لحاجة في أنفسهم..
أنا يا صحاب من الجراح معذّب في كـلّ أرضٍ جرحـنا يتمـدّد
في كلّ أرضٍ تستباح دماؤنـا في كـلّ أرض يستباح المسـجد
هل هذه كشمير ضـاع نحيبها بين اللّظى وبها الكلاب استأسدوا
أم هذه الشّيشان ظلام موحش صمـت يقطّعه الأنيـن الأسـود
أم هذه القدس الجريحة تشتكي ممّـا سـطّـره الـذين تهـوّدوا
أم هذه أفغان تلعقُ جـرحها وتبيت تبحـث عن صـديق يُنجد
وهذه العـراق اليوم معـرّة وبكاء أحبابي هنـاك استنجـدوا
دعاء وابتهال
فاللّهم إنّا نشكو إليك ضعف قوّتنا، وقلّة حيلتنا، وهواننا على النّاس يا أرحم الرّاحمين، إلى من تكلنا ؟ إلى بعيد يتجهّمنا؟ أم إلى قريب ملّكته أمرنا ؟ فإن لم يكن بك سخطا علينا فلا نبالي ..غير أنّ عافيتك أوسع لنا ..نعوذ بوجهك الكريم الّذي أضاءت له السّموات، وأشرقت له الظّلمات، وصلح عليه أمر الدّنيا والآخرة، أن ينزل علينا غضبك، أو يحلّ علينا سخطك .. لك العتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلاّ بك..
اللهمّ اجمع شمل المسلمين .. اللهمّ وحّد صفوفهم، وألّف على الخير قلوبهم ..
اللهمّ إنّا توجّهنا إليك بضعفنا وفقرنا وحالنا، فارحمنا برحمتك يا أرحم الرّاحمين
وثبّت اللهمّ حجّتنا، واهدِ قلوبنا، وسدّد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا ..
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد