منتدى التربية و التعليم تلمسان
اهلا بالزائر الكريم يرجى التسجيل للافادة و الاستفادة
سجل لتتمكن من تصفح المنتدى
منتدى التربية و التعليم تلمسان
اهلا بالزائر الكريم يرجى التسجيل للافادة و الاستفادة
سجل لتتمكن من تصفح المنتدى
منتدى التربية و التعليم تلمسان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى التربية و التعليم تلمسان

لتحضير جيد للامتحانات و الاختبارات لجميع المستويات
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  العاب فلاشالعاب فلاش  
تعلم ادارة المنتدى انه تم فتح مؤسسة رياض باروتجي لبيع ادوات الحاسوب و الشبكة باسعار جد مناسبة على الرغبين في التواصل و تقديم اللطلبات ترك رسالة خاصة لمدير المنتدى
تعلم ادارة المنتدى انه تم فتح مؤسسة رياض باروتجي لبيع ادوات الحاسوب و الشبكة باسعار جد مناسبة على الرغبين في التواصل و تقديم اللطلبات ترك رسالة خاصة لمدير المنتدى
Awesome Hot Pink
Sharp Pointer
المواضيع الأخيرة
» حصرى تحويل رائع لirissat6800 hd الى جهاز AB CryptoBox 400HD وFerguson Ariva 102E-202E-52E HD
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالجمعة ديسمبر 06 2019, 00:54 من طرف saad sa

» أسطوانة الاعلام الآلي سنة أولى ثانوي علمي
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالجمعة أبريل 07 2017, 13:09 من طرف mhamedseray

» مذكرات تخرج في التاريخ
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالأحد يناير 08 2017, 23:30 من طرف hawarkmirza

» _ كــيفــيــة ادخــال شفرة الجزائر الارضية الجديدة على مختلف الاجهزة
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالسبت يناير 07 2017, 01:29 من طرف bobaker1992

» قرص خاص بالتدريس عن طريق المقاربة بالكفاءات
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالخميس نوفمبر 24 2016, 22:48 من طرف حسان عبدالله

» شروط و طلبات الاشراف للاعضاء
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالسبت سبتمبر 10 2016, 21:37 من طرف محمد عصام خليل

» فروض واختبارات لمادة العلوم الطبيعية ثانية ثانوي
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالجمعة فبراير 26 2016, 10:19 من طرف mhamedseray

» مواضيع مقترحة للسنة الخامسة ابتدائي لمادة دراسة النص
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالجمعة يناير 22 2016, 00:32 من طرف ouassila-2012

» قرص اللغة العربية
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالجمعة نوفمبر 27 2015, 13:57 من طرف بنت القالة

» القانون الأساسي لجمعية أولياء التلاميذ
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالأربعاء نوفمبر 25 2015, 13:40 من طرف belounis

» فروض واختبارات مقترحة في العلوم الطبيعية 4 متوسط
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالخميس نوفمبر 12 2015, 14:09 من طرف بدر الصافي

» مذكرة الانتقال من المخطط المحاسبي الوطني الى النظام المحاسبي المالي الجديد
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالأربعاء نوفمبر 11 2015, 00:29 من طرف rachid s

» كتاب رائع جدا فيزياء وكيمياء يشمل كل دروس 4 متوسط
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالسبت أغسطس 29 2015, 14:59 من طرف abbaz29

» لأساتذة الفيزياء...قرص شامل لكل ما تحتاجه لسنوات التعليم المتوسط الأربع
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالخميس أغسطس 27 2015, 01:49 من طرف abbaz29

» قرص في مادة الفيزياء حسب المنهاج
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالأربعاء أغسطس 26 2015, 20:02 من طرف mhamedseray

» قرص السبيل في العلوم الفيزيائية (دروس شاملة صوت و صورة)
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالسبت أغسطس 15 2015, 05:00 من طرف mhamedseray

» ملخص دروس الفيزياء في الفيزياء
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالأحد أغسطس 09 2015, 00:29 من طرف mhamedseray

» جميع دروس وتمارين محلولة فيزياء وكيمياء أولى ثانوي
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالسبت أغسطس 08 2015, 17:33 من طرف mhamedseray

» شاهد كيف تحصل ببساطة على "إنترنت مجاني" من القمر الأصطناعي؟
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالثلاثاء مايو 19 2015, 19:40 من طرف ocean

» قرص رائع في الفيزياء للسنة الرابعة
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالأحد مارس 22 2015, 22:06 من طرف sbaa

ساعة 258
عدد مساهماتك: 105
الملف البيانات الشخصية تفضيلات التوقيع الصورة الشخصية البيانات الأصدقاء و المنبوذين المواضيع المراقبة معلومات المفضلة الورقة الشخصية المواضيع والرسائل الرسائل الخاصة أفضل المواضيع لهذا اليوم مُساهماتك استعراض المواضيع التي لم يتم الرد عليها استعرض المواضيع الجديدة منذ آخر زيارة لي
سحابة الكلمات الدلالية
جهاز سريع متصفح تحويل
عدد مساهماتك: 105
الملف البيانات الشخصية تفضيلات التوقيع الصورة الشخصية البيانات الأصدقاء و المنبوذين المواضيع المراقبة معلومات المفضلة الورقة الشخصية المواضيع والرسائل الرسائل الخاصة أفضل المواضيع لهذا اليوم مُساهماتك استعراض المواضيع التي لم يتم الرد عليها استعرض المواضيع الجديدة منذ آخر زيارة لي
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم

اهلا بك يا
عدد مساهماتك 105 وننتظر المزيد

المواضيع الأكثر نشاطاً
الدولة العباسية
اكلات مغربية شهية
قرص خاص بالتدريس عن طريق المقاربة بالكفاءات
موسوعة الطب لتعميم الفائدة
Informatique
موسوعة الطب لتعميم الفائدة2
للتعليم الجامعي بحوث مذكرات مواقع هامة جدا
هل تعلم ’?
كلمة مدير المنتدى
اسطوانات تعليمية من الابتدائي الى الثانوي - موقع مهم -
pirate
United Kingdom Pointer

 

 إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ocean
Admin
ocean


مزاجي *: : عادي
الجنسيه *: : جزائر
عدد المساهمات : 16284
تاريخ التسجيل : 21/07/2009

إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Empty
مُساهمةموضوع: إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي   إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي Emptyالخميس نوفمبر 05 2009, 00:52

الحلقة الرابعة من أزمة التطور الثانية من التراث والحداثة

إشكالية التراث والحداثة وأثرها في تفاقم
أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي

علاء الدين الأعرجي

تحدثنا في الحلقة السابقة عن إشكالية التراث والحداثة باعتبارها واحدة من تجليات أزمة التطور
الحضاري، التي حاولنا معالجتها في حلقتين سبقتاها. واستعرضنا مختلف الاتجاهات السائدة بشأن تلك الإشكالية، ابتداء من الاتجاه السلفي المعارض تماما للحداثة، إلى السلفي المعتدل الذي يوافق على الأخذ ببعض جوانب الحداثة التي لا تتعارض مع قيمنا ومعتقداتنا، ولا تؤثر على هويتنا المتميزة، إلى الحداثي الذي يرى أن التراث يشكل عبئا على الأمة ينبغي وضعه في المتاحف لمجرد (الفرجة)، إلى الحداثي المعتدل الذي يرى أن نأخذ من التراث مالا يتعارض مع الحداثة.
ومن خلال العرض والتحليل، أعربنا عن بعض آرائنا بشان تلك الإشكالية وخاصة حين أشرنا إلى أننا أصبحنا حداثيين مستهلكين غير منتجين، بعد أن أمعنا في استخدام منتجات الحداثة، دون أن يكون لنا أي دور في صنعها، الأمر الذي ضاعف تبعيتنا للآخر. ومع ذلك مازلنا، منذ قرابة قرنين، نتنابز ونكابر ونتشاجر على التفاضل بين التراث والحداثة، ونتزايد على شعارات أصبحت فارغة، بحكم التطورات الحديثة. وخلال ذلك الوقت الثمين الضائع، قطع الآخر أشواطا هائلة في سلم التطور والتقدم خاصة في المجالين العلمي والتقاني، فتضاعفت الفجوة الحضارية بين الوطن العربي وبين الآخر، من عشرات إلى آلاف المرات. وهكذا تضاعفت تبعية الأمة العربية له بنفس القدر. فأصبحت أراضيها منهوبة، ومواردها مستنزفة، وثقافتها مخترقة، وعقيدتها مهددة، اكثر من أي وقت مضى.

كما أشرت إلى أنني أحمل موقفا معينا، يعارض كلا من موقف الرافضين للتراث، وموقف الرافضين للحداثة، على النحو الذي سأفصله فيما بعد. ومع ذلك أرجو أن لا يتوقع القارئ أنني سوف أقدم له حلولا جاهزة، بل سأكتفي بمحاولة التقرب نحو النهج الذي أجده ملائما لمعالجة هذا الموضوع، من خلا ل طرح وتطبيق فرضيتين: "فرضية العقل المجتمعي" وفرضية العقل الفاعل والعقل المنفعل"، وذلك بعد أن أشرح وجهة نظري في أهم الأسباب التي أدت إلى أن تصبح قضية التراث إشكالية مستعصية.

أولا:لماذا أصبح التراث إشكالية مستعصية؟
تعليل تقييمي
1- قد لا أكون مبالغا إن قلت إنني لا أعرف أمة، لها تراث عريق، ذو تاريخ حضاري متميز ومعترف به، أضر بها تراثها، بقدر ما أضر بالأمة العربية، الذي أصبح وبالا عليها. فنحن ننشأ على تمجيد وتعظيم ذلك التراث منذ نعومة أظفارنا: في البيت وفي المدرسة وفي وسائط الإعلام وفي كتب التاريخ والأناشيد Sad بغداد يا بلد الرشيد ومنارة المجد التليد . . .إلخ). هذا التأكيد على التراث والاعتزاز بالأمجاد العظيمة والحضارة الغابرة، وفضل الحضارة العربية الإسلامية على الحضارة الغربية، لم يؤدِ إلى ما كان المقصود منه: شحذ الهمم وحشد الطاقات، وبعث القدرات الكامنة في أذهان ونفوس الشعب العربي، بل أدى إلى عكس ذلك تماما. فقد أسفرت هذه العملية، التي ما برحت مستمرة ومتزايدة، عن ركود وهمود بل زيادة تخلف، بسبب مقاومة التغيير والتطوير، واجترار الماضي والتقوت على فتاته، والاتكاء على منجزاته وأمجاده، في حين يتحدانا الحاضر والمستقبل، كما يقول بحق جمال الدين الأفغاني" العربي يعجب بماضيه وأسلافه، وهو في أشد الغفلة عن حاضره ومستقبله".
ذلك لأننا نظرنا إلى تاريخنا لا باعتباره نقاط انطلاق، بل خطوط انتهاء. فقد ظلت نظرة العربي خاصة والمسلم عامة، إلى تاريخه، نظرة أحادية الجانب، أي باعتباره نهاية وليس بداية، تنتظر من يرفعها إلى بدايات أخرى جديدة أفضل. أي أننا اعتبرنا السلف في إنجازاته وسلوكه هو القدوة والأمل والمثل الأعلى. أما نحن اليوم فظلال ومسخ لذلك السلف، أي صورة مشوهة له. وتصورنا أنه لن يمكننا أن ننقذ هذه الأمة إلا بالعودة إلى الأصول، إلى الماضي نستعيده ونحيـيه من تحت أكوام التراب والركام. بينما لم ندرك أن للتاريخ صيرورة وللزمن سيرورة وللظروف أحكام، يجب أن تتغير بتغيرها، وأن تتطور بتطورها. لذلك فمن العبث محاولة إعادة عجلة التاريخ إلى الخلف. ونتساءل: هل تمكنت أية أمة من استعادة حضارتها التليدة على ما كانت عليه!؟ الشيء الذي حدث بالفعل أن أمة مثل اليابان تمكنت من تجديد حضارتها بالتعلم والاقتباس من الحضارة الغربية، فأتقنتها وتفوقت عليها أحيانا، كما أنها احتفظت بتقاليدها وثقافتها، فنالت احترام العالم، بعلمها وتقدمها، لا بسلاحها، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.
وهكذا فنحن لا ندعو إلى تجاهل التراث ونبذه، بل على العكس، نسعى إلى إحيائه من خلال استثماره وتحيينه لمقتضيات العصر وضروراته. وليكن بمثابة الغذاء الجيد الذي يعيش عليه الإنسان ويتحول إلى أنسجة ودماغ يفرز العقل وينتج الفكر المبدع. فنحن نرى أن التاريخ يمثل كلا متكاملا، إي أن اللاحق يتجاوز السابق، مع أن السابق يظل كامنا في اللاحق، كبقاء الكثير من صفات الآباء في الأبناء، مع أن الأبناء يختلفون عن الآباء، بل يتميزون عنهم، عادة. ويمكن التعبير عن هذه الحالة أيضا، بالصيرورة التاريخية، كعملية ديالكتيكية متواصلة، يظهر فيها صراع الأضداد الطبيعي للوصول إلى تركيبة جديدة، تتألف من نتائج تفاعل النقيضين، ثم تصبح نقيضا جديدا آخر، يعيد الدورة الديالكتيكية.(1) هذه النظرة اللاتاريخية أو السكونية للتاريخ، المتفشية في بعض الأوساط العربية والإسلامية، التي قد تعود إلى جذور بدوية ثم إسلامية، يمكن أن ترتبط بعصر التدوين في القرن الثاني للهجرة، حين تم تقعيد اللغة والنحو وتدوين الحديث والسُنة، وظهرت المذاهب الفقهية العظيمة، التي لم تـتجدد منذ ذلك الحين، مع أن هناك قاعدة فـقهية تقضي بـ " تغير الأحكام بتغير الأحوال والأزمان ". ويقول الحديث الشريف " إن الله يبعث لهذه الأمة، على رأس كل مائة سنة، من يجدد لها دينها"( أو أمر دينها).
بل يذهب الجابري إلى أبعد كثيرا من ذلك، حين يشير إلى أننا لا نزال نعيش العصر الجاهلي في ثقافتنا الحاضرة، فيقول:" هناك، إذن، أشياء كثيرة لم تتغير في الثقافة العربية منذ الجاهلية إلى اليوم تشكل في مجموعها ثوابت هذه الثقافة وتؤسس بالتالي بنية العقل الذي ينتمي إليها" (2).
ويقول حسن حنفي إن:"التراث مازال حيا في قلوب الناس. يؤثر فيهم سلبا وإيجابا. يلجأون إليه في وقت الأزمات. ويحتمون به إذا اشتدت بهم عوائد الدهر. يسمعونه في أجهزة الإعلام وفي المساجد ويتربون عليه في المدارس وفي الأسر. مطلق يضع لهم معايير السلوك، ويحدد لهم تصوراتهم للعالم، بل إنه أكثر حضورا من الحاضر نفسه، لأنه حضور معنوي وفعلي، ذهني ومادي، عقلي وحسي . . . والتراث ليس تراثا دينيا وحسب، بل يتداخل في الديني والشعبي، المقدس والدنيوي،. . . الكل يكون مخزونا نفسيا في اللاشعور التاريخي للأمة وفي ذاكرتها الجماعية". (3)
إذن، المهم أن تمجيد التراث وتعظيم السلف، أديا إلى عكس المطلوب، إلى نكوص وتخلف وبالتالي إلى كوارث. ويذهب جورج طرابيشي إلى أبعد من ذلك، فيعتبر أن التراث أصبح يشكل عصابا جماعيا. وهو يتفق في تعريف العصاب مع فيليب ريـيف، الذي يقول" العصاب هو عجز الإنسان عن الإفلات من قبضة الماضي ومن عبء تاريخه". ومع فرويد، الذي يرى أن"العصابي يشيح عن الواقع لأنه يجده لا يطاق، بتمامه أو في بعض أجزائه"(4).
2- كما أرى أن أحد الأسباب الأساسية لاهتمامنا المفرط بالتراث والحرص على حفظه واستذكاره وتكراره، إلى جانب فشلنا في تمحيصه ونقده، ووضعه في مكانه المناسب من التاريخ الماضي والحاضر، يرجع، على الأرجح، إلى ارتباطه بالمقدس، أو بالأحرى بالنص الديني، والعقيدة الإسلامية. فحينما حدثت الصدمة الأولى مع الغرب أو مع الحداثة، شعر العرب والمسلمون عامة، ورجال الدين خاصة، الذين كانوا يمثلون الطبقة المتعلمة أو المثقفة الوحيدة تقريبا، في مطلع القرن التاسع عشر، بالخطر الذي يهدد عقيدتهم أو هويتهم، بسبب هذه المفاهيم الجديدة الوافدة من "الآخر". لذلك انقسمت هذه الفئة الحريصة على العقيدة إلى قسمين. الفئة الأولى رفضت الحداثة وكل ما يتعلق بالغرب عامة، كما أسلفنا في الحلقة السابقة، بحجة صيانة العقيدة أو حمايتها، أو بالأحرى للمحافظة على نفوذها ومصالحها كطبقة لها مكانتها وامتيازاتها. والفئة الثانية تمثل فريقا متميزا من رجال الدين الذين نظروا إلى المسألة نظرة اكثر موضوعية وواقعية وتجردا. ومنهم مثلا شيخ الأزهر في زمن الحملة الفرنسية، الشيخ حسن العطار(1776-1835م)، الذي قال مثلا"إن بلادنا لابد أن تتغير، ويتجدد بها من العلوم ما ليس فيها". وتلميذه رفاعة الطهطاوي (1801-1873م)، الذي قال ، بعد أن حث على اكتساب العلوم والمعارف من"الإفرنج"، محذرا من" غفلة عوام المسلمين من مغبة معارضة مشروع التغيير بحجة عدم جواز الاقتداء بما تفعله الأمة الإفرنجية، إذ الواجب مجاراة الجار، ولو كان إفرنجيا غير مسلم، في كل ما هو مظنة لتقدمه، فذلك شرط الاستعداد الواجب شرعا لمواجهته ومقاومته".(5) كما لاحظنا في الحلقة السابقة، موقف الشيخ محمد عبده المعتدل من الحداثة، الأمر الذي أدى إلى تعرضه لهجمات المحافظين، ثم أوضحنا موقف الأفغاني المؤيد للحداثة في آخر حياته. كما ظهرت مجموعة من الكتاب العلمانيين الذين دعوا إلى التجديد أو التحديث، وقد تعرضنا إلى بعضهم في الحلقة السابقة.
ومع ذلك يبدو أن التيار السلفي المحافظ كان له الكلمة العليا، بدليل فشل مشروع النهضة الذي أجهز عليه ذلك التيار. فمثلا، يدين منير شفيق عصر النهضة باعتباره"عصر إحلال التغريب الفكري والحضاري محل الإسلام"(6). كما يقول أنور الجندي إن" صحف مصر كانت تحمل الدعوات والأفكار المختلفة، وعملاء الاستعمار الذين يكتبون باللغة العربية في المقطم والأهرام والهلال والمقتطف والجامعة وغيرها من صحف اللبنانيين المتآمرين، كانت تحمل لواء مخطط التغريب كاملا، هذه الصحف التي عاشت وامتد بها العمر ، بينما سقطت الصحف الوطنية". (7)
ولكنني أرى أن هذا الاتجاه، الذي يدعي الدفاع عن الإسلام، قد أضر بالإسلام نفسه، بدليل ما آلت إليه أوضاع المسلمين في أوطانهم من تدهور على جميع المستويات، وتزايد سعة الفجوة الحضارية بين الغرب المتقدم والعالم الإسلامي المتخلف، مئات الأضعاف، خاصة خلال المائة سنة الأخيرة. وقد أدى ذلك إلى اعتماد المسلمين عامة والعرب خاصة عل الغرب في سد احتياجاتهم الضرورية والكمالية، كما هو معروف. وليس هناك جدال اليوم في أن معظم الشعوب الإسلامية تعيش في حالة تخلف مزر وفقر مدقع. ولعل الاستثناء الوحيد على ذلك هو"ماليزيا"، التي بدأت تتسلق سلم التطور، خلال العقود الأخيرة، بسبب تبنيها مؤسسات الحداثة وخاصة في إرساء دعائم العلم والتقانة والصناعة والتطوير، على جميع المستويات. ولا يعني ذلك أنها قد تخلت عن دينها، بل ارتفعت الجوامع إلى جانب المصانع. في حين ظلت دول عربية كبيرة، تلتزم بشدة بأصول الإسلام، متخلفة علميا وتقانيا، تنمويا وإنتاجيا، على الرغم مما حصلت عليه من آلاف المليارات من عوائد النفط الريعية المتزايدة. بل أصبحت مدينة بمئات المليارات، من جهة، وخاضعة في اقتصاداتها وسياستها لأكبر البلدان الصناعية، من جهة أخرى. وهنا يصدق القول المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب(ر)،الذي يقول"العلم خير من المال، فالعلم يحرسك وأنت تحرس المال"، ويقول" إذا أرذل الله عبدا حظر عليه العلم". ويشير الكاتب الباكستاني الدكتور برويز هوودبهوي، إلى حقيقة تخلف العالم الإسلامي، بالمقارنة حتى مع بقية البلدان النامية، على مختلف المستويات وخاصة العلمية والاقتصادية، في كتابه "الإسلام والعلم".(Cool كما يكشف تقرير الأمم المتحدة عن أن جميع البلدان العربية الاثـنين والعشرين، التي تعتبر أغنى البلدان الإسلامية(لا بسبب إنتاجيتها العالية وجهودها الخاصة، بل بسبب تملك بعضها سلعة جاهزة هي النفط)، تحقق دخلا سنويا مقداره 531 مليار دولار فقط، بينما تحقق أسبانيا وحدها، وهي أقل بلدان الاتحاد الأوربي تقدما، أكثر من ذلك( 595 مليارا).(9) ويشير التقرير إلى حقائق وإحصاءات مذهلة عن مدى تخلف هذه المجموعة الإسلامية الكبيرة والغنية، في معظم الميادين الإنتاجية والاقتصادية والثقافية والعلمية، عن بقية مناطق العالم، بما فيها البلدان النامية التي كانت أكثر منها تخلفا قبل ثلاثة أو أربعة عقود فقط. وكمثال على ذلك نذكر أن نصف السكان تقريبا يعتبرون من الأميين والفقراء الذين يقل دخلهم عن دولارين في اليوم، كما بلغت نسبة الأمية فيها 43في المائة، وهي أعلى نسبة في العالم، بما فيها البلدان النامية الأخرى. وعلى صعيد الترجمة، التي تعكس مدى اهتمام الأمة بالمعرفة والثقافة، يشير التقرير إلى أن الكتب المترجمة إلى اللغة العربية منذ عصر المأمون وحتى اليوم تبلغ نحو مائة ألف كتاب، وهو ما يوازي تقريبا ما تترجمه أسبانيا في عام واحد.(10).
وإذا قيل أن الاستعمار والسيطرة الأجنبية، وحركات التغريب، هي التي أدت إلى هذه النتائج المؤسفة، فنقول بل أن الوطن العربي والإسلامي كان متخلفا أكثر بكثير قبل دخول الاستعمار الأجنبي، في القرن الثامن عشر، حين كان لا يزال يمر بالفترة المظلمة. ويشير إلى ذلك تاريخ الجبرتي الموسوم بـ"عجائب الآثار في التراجم والأخبار". وكانت الدولة العثمانية حاملة لواء الخلافة الإسلامية، قد استمرت في تخلفها الحضاري ، وخاصة اقتصاديا وعلميا وإداريا، فوصفت بالرجل المريض، فانهارت في الحرب العلمية الأولى.
وإذا عدنا إلى الحضارة العربية الإسلامية، في عصرها اللامع، فإننا سنلاحظ أنها ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار، لولا انفتاحها على الحضارات الأخرى، بما فيها اليونانية والبيزنطية والفارسية والهندية والصينية. والحديث الشريف يقول "اطلبوا العلم ولو في الصين" ويقول"خذوا الحكمة من أي وعاء خرجت". وينسب إلى الإمام عليّ (ر) قوله"الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق".
وخلاصة القول إننا لا نريد إهمال التراث أو الاكتفاء بعرضه في واجهات متاحف الآثار القديمة، بل نسعى إلى إحيائه عن طريق بعث حياة جديدة فيه، ليكون قادرا على العيش في ظروف مختلفة تماما عن تلك التي كان يتمتع بها قبل عشرة قرون تقريبا. وإلا سنحكم عليه بالموت إذا حاولنا استرجاعه كما كان، لأنه سوف لن يكون قادرا على البقاء على قيد الحياة في هذه البيئة الجديدة، كما لو زرعنا عضوا غريبا في الجسم، الذي سيرفضه. لذلك نحن نتوقع من التراث أن بصبح نقطة بداية لا خط نهاية.

* * *
في مناسبات سابقة طرحنا" فرضية العقل المجتمعي"(11)، وسنلاحظ اليوم أنها يمكن أن تساعد على تفسير وتنظير إشكالية التراث والحداثة، لذلك سنحاول تطبيقها في هذا المقام. كما سنسعى لتطبيق"فرضية العقل الفاعل والعقل المنفعل"، كأداة يمكن أن تكون مؤثرة، وربما ناجعة، في تحقيق بعض الحلول لتلك الإشكالية.
تحديد مفهوم الفرضيةHypothesis : يعرف المعجم الفلسفي الفرضية، في مفهومها العام، باعتبارها" فكرة أو قضية يأخذ بها الباحث في بداية برهانه على إحدى المسائل".(12) ولكنني أرى أننا يمكن أن نعرفها، في السياق الذي نحن بصدده، بأنها "استـنتاج"Deduction مستخلص من ملاحظات استقرائية متعددة، تتعلق بظواهر اجتماعية وتاريخية متواترة. ويعمل ذلك الاستنتاج (الفرضية) على تنظيم وتحليل تلك الظواهر لوضعها في سياق مفاهيمي معين، بغية عقلنتها وتنظيرها، أي يحولها من معطيات لا معقولة، أو غامضة، إلى ظواهر اجتماعية طبيعية معقولة، ناتجة عن أسباب محددة تكشف عنها الفرضية، كما تكشف عن الترابط أو التشابك والتكامل فيما بين أوجه تلك الظواهر، المحكومة بنفس الفرضية. ونرى أن "الفرضية" هي المرحلة الثانية التي تسبق "النظرية"( المرحلة الأولى هي "الاستقراء" Induction)، أي أنها نظرية في دور التكوين أو المخاض. ومع أننا طرحنا هاتين الفرضيتين منذ عدة سنوات، وطبقـناهما على عدد من الظواهر الاجتماعية والتاريخية، باعتبارهما تفسران وتنظران الإشكاليات المتمخضة عنها، بيد أننا لا نزال نعتبرهما فرضيتين مطروحتين للنقاش والنقد، لذلك نرحب بأي نقد أو تحفظ أو تعديل أو استكمال، قد يسهم في إغناء كل من الفرضيتين أو تعديلهما. تمهيدا لتحولهما إلى مرحلة" النظرية".
ثانيا:"العقل المجتمعي" وإشكالية التراث
1- كما يتكون اللاشعور عند الفرد العادي، استـنادا إلى مدرسة التحليل النفسي (نظرية فرويد وجماعته)، يتكون "اللاشعور الثقافي والتاريخي" لدى الجماعة، التي تعكسه على كل فرد فيها.(13) وفي ذات الوقت يعمل كل فرد من أفرادها على تغذية ذلك "اللاشعور الجماعي"، وبذلك يحصل نوع من التفاعل المتبادل والمعقد، بين الجانبين، يؤدي إلى تكوين "العقل المجتمعي". ولئن تطرقنا إلى بعض جوانب هذه الفرضية المتشعبة سابقا(14)، فإننا سنركّز على جوانب أخرى تتعلق بموضوعنا، بعد التذكير بمفهوم"العقل المجتمعي"، باعتباره يسري على جميع المجتمعات البشرية، في كافة الحقب التاريخية، ويختلف باختلافها، لأنه يحمل تاريخ كل مجتمع من تلك المجتمعات وتراثه، عند تشكله الأول، منذ أقدم العصور، وخلال تخلّـقه عبر الأزمان، وتفاعل أجزائه مع الظروف والأحداث، حتى اليوم. وكما يحمل عقل الإنسان اللاشعوري انطباعات ومكبوتات ورغبات الفرد العادي، يحمل "العقل المجتمعي" جميع تلك العناصر، بالإضافة إلى المعتقدات والقيم والأعراف والتقاليد والمعارف وقواعد السلوك، التي يفرضها ذلك العقل على أفراد المجتمع دون أن يشعروا بذلك، بل يعتقدون أن ذلك جزء من سلوكهم الاختياري وإرادتهم الحرة. لذلك طالما نلاحظ أن الفرد العادي يتبنى قيم "العقل المجتمعي"، فيدافع عنها بحماسة وتفانٍ، باعتبارها قيـّمه الذاتية التي اختارها بإرادته وبمحض اختياره، لا باعتبارها مفروضة من مؤسسة"العقل المجتمعي"، وبصرف النظر عما إذا كانت صحيحة أم لا، أو مناسبة أو صالحة، بل حتى لو كانت ضارة به و بمجتمعه. ومن جهة أخرى، قد يخضع الفرد العادي لقيمة معينة متـّبعة، امتثالا للعقل المجتمعي السائد ولو كان كارها أو مدركا لعبثيتها أو خطئها، إما نفاقا أو "تقية"، أو خوفا من العقاب الاجتماعي، أو خليطا من جميع هذه الأسباب. وقد تكون بعض تلك القيم بعيدة عن التعاليم الدينية، بل منافية لها تماما، ناهيك عن مخالفتها للقوانين الوضعية. ومع ذلك تكون سائدة وفاعلة ومحترمة، كما يظهر من هذه الحالة الواقعية ومؤشراتها التحليلية:
دراسة حالة واقعية: تشكل ظاهرة "القتل غسلا للعار" المعروفة والمألوفة في العراق وفي جميع البلدان العربية تقريبا، مثالا صارخا عن مدى سلطة "العقل المجتمعي" على الأفراد والجماعات، وعلى حكم القانون، بصرف النظر عن ضررها المباشر وغير المباشر. وعندما كنت طالبا في كلية الحقوق، في بغداد، أثارت اهتمامي هذه الجريمة البشعة التي ذهب ضحيتها الألوف من الفتيات البريئات لمجرد الشبهة، في الغالب، وتكاد ترفع فاعلها إلى مصاف الأبطال في ذلك المجتمع، ولاسيما في الأوساط الريفية والمدينية الفقيرة. خاصة عندما لاحظت أن القانون الجنائي العراقي كان يعاقب مرتكبها بالسجن البسيط لفترة تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات. وخلال بحثي الملح عن أبعاد هذه الظاهرة، علمت من أحد ضباط الشرطة، أن الجاني كان يسلم نفسه عادة، وهو يحمل السكين التي تقطر دما، فيستقبل بحفاوة من جانب أفراد مركز الشرطة، أو من السجانين، باعتباره قام بواجب "مقدس". لذلك قمت بزيارة بعض المسجونين بهذه الجريمة، وكنت أعرف أحدهم شخصيا. منذ كنت ألعب معه ومع أخته "الضحية"، في سن الطفولة في الشارع. فقال لي، بكل فخر وكبرياء، "قتلتها"، وكأنه أرضى ضميره، ويتوقع مني أن أحترمه. وعندما قلت له أن عمله هذا مخالف للشريعة الإسلامية، تميز غيظا وكاد يضربني، لولا حماية ضابط السجن. ثم عرفني الضابط على سجين آخر، نال قسطا من التعليم. فلاحظت مدى عذابه النفسي وشعوره العنيف بالذنب، منذ اللحظات الأولى من المقابلة. سألته: لماذا فعلتها إذاً ؟ قال ما معناه:" إنه المجتمع الذي دفعني إلى ذلك، وإلا فسأكون محتقرا ومنبوذا، وعرضة للتهكم والعار الدائم، أنا وجميع أفراد أسرتي. كما أن أبي وأمي دفعاني إلى ذلك باعتباري مسؤولا كأخ أكبر. ومع كل ذلك فقد طُلقت أختي من زوجها، لأن سُمْعته قد تلوثت، بسبب العار الذي لحق بسمعة أسرتها، سواء حقا أو باطلا".
مؤشرات تحليلية لهذه الحالة: نلاحظ من هذه الواقعة عدة أمور مهمة، منها: 1- السلطة التي تتمتع بها قيّم "العقل المجتمعي"الفاعلة، تشكل قوة طاغية لدى الجماعة والفرد. فهي تغسل دماغ الفرد العادي فيمتثل لها، بشكل لاشعوري، لا باعتبارها موجبات يفرضها ذلك المجتمع، بل باعتبارها إرادته الخاصة، واختياره الحر. خاصة إذا كان اتباع تلك القيم، تكسبه احترام وتقدير أفراد المجتمع، الخاضعين لنفس قيم "العقل المجتمعي". وهذا التحليل ينطبق على حالة السجين الأول. 2- أم حالة السجين الثاني ، فإن سلطة ذلك "العقل المجتمعي" الطاغية تنطبق عليه بشكل أكثر جلاء وقسوة. فمع أنه استطاع أن يحكـّم "عقله الفاعل"، فيكتشف أن ما يأمر به "العقل المجتمعي" المستبد، هو أمر غير مناسب، بل خاطئ، وضار، إلا أنه قرر، بعد معاناة نفسية وعقلية عنيفة، أن يخضع لأوامره مكرها، فيرتكب تلك الجريمة، للأسباب التي بيناها أعلاه. 3- تتجاوز بعض هذه القيم الدين والشرائع المعروفة، بل تتعارض معها. فهذه الجريمة التي اقترفها الأخ، بسبب الشبهة وكلام الناس، مثلا، مخالفة تماما للشريعة الإسلامية. ومعروف أن جريمة الزنا تتطلب شرعا أربعة شهود مباشرين. ولها عقوبة خاصة يوقعها أولو الأمر. 4- قد تنحدر بعض قيم "العقل المجتمعي" من عصور قديمة، مثل هذه القيمة التي قد تعود إلى العصر الجاهلي. 5- يسكت رجال الدين غالبا عن مثل هذه القيم ويتسامحون معها لأنهم خاضعون لسلطة "العقل المجتمعي" المتغلبة والسائدة، شأنهم شأن الآخرين. وقد سألت مرة أحد رجال الدين في كربلاء عن ظاهرة ضرب الجسد وتعذيبه،"، في ذكرى واقعة كربلاء حزنا على مقتل سيد الشهداء الحسين، بما فيه لطم الخدود والصدور وضرب النحور والظهور بالأيادي والسلاسل، و"التطبير"( أي تجريح الجباه بالسيوف، فتسيل الدماء ويفارق بعضهم الوعي أو الحياة)، وسكوتهم عن هذه العادة المخالفة لنص الشريعة وروحها، فأجاب بما معناه إنها عادة متوارثة لا يمكن منعها. وهذا مثال آخر على سلطة "العقل المجتمعي" القاهرة. ويمكن تفسير هذه العادة أيضا بمحاولة جلد الذات، نتيجة الشعور بالذنب، والتقصير في القيام بالواجب . 6- يسكت المثقفون والمفكرون، غالبا، عن معالجة أمثال هذه القيم لأنها من قبيل المحرمات، التي تعتبر، هي الأخرى، (أي المحرمات) من جملة مكونات "العقل المجتمعي". ومن جهة أخرى، فإن المفكرين أنفسهم، خاضعون لسلطة "العقل المجتمعي"، بشكل لاشعوري، لذلك يتجنبون الخوض فيها، بوعي أو بلا وعي. مثلا: لاحظنا أن كاتبا كبيرا وأستاذا جامعيا معروفا، عاش في أمريكا ودرّس في جامعاتها، لم يتعرض لهذه القيمة المعروفة والمنتشرة على نطاق واسع، في كتابه الهام الموسوم بـ" المجتمع العربي في القرن العشرين"، الذي يتجاوز ألف صفحة.(15) ويعبر العالم النفساني علي زيعور عن هذه القيم بأنها من قبيل "المستور والغرف المظلمة والذي لا يصح شهوده".(16) 7- تشكل هذه القيمة، في "العقل المجتمعي" السائد لدينا، بالإضافة إلى قيم أخرى كثيرة، مظهرا من مظاهر وضع المرأة في مركز أدنى من الرجل. فللرجل، مثلا، الحق في مجتمعنا أن يمارس الجنس بدون قيد تقريبا، قبل الزواج وبعد الزواج، أحيانا، وفي معظم الأوساط، باستثناء الطبقة المتدينة. ولا توجد أية عقوبة تقع على الرجل يفرضها المجتمع أو القانون، من جراء ذلك. ومع أن هذا الحق مخالف تماما للشريعة طبعا، غير أن الرجل الذي يمارسه، كان يعتبر، في مجتمعنا العراقي، الذي نشأت فيه، "سَبـِعْ"، أي أسدا. وهي كلمة تعبر عن الجرأة والشطارة والحذاقة والفحولة، وكلها قيم يحترمها العامة والخاصة، أي أنها تشكل جزءا من "العقل المجتمعي" السائد. 8- ظلت نظرة "العقل المجتمعي" للمرأة دونية، كما كانت في الجاهلية:" وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودا وهو كظيم"(17).وهذا الأمر لا يزال سائدا في مجتمعاتنا. فالحالات التي أعرفها كثيرة جدا، تصل إلى حد أن والدتي كانت تصرح أنها تذهب لمواساة المرأة التي تلد أنثى، ولتهنئة الأخرى التي تلد الذكر. وكم عرفت من حالات ضَرَبَ الزوج فيها الأم لأنها ولدت أنثى أخرى، أو طلقها بسبب ذلك. كما وصلت إلى حد أن بعض الآباء الذين يبلّغون بجنس الوليد قبل الولادة، كما هو معروف اليوم، يقدمون على دفع الزوجة، طوعا أو كرها، إلى الإجهاض، في حالة العلم بان الوليد سيكون أنثى، كما علمت من إحدى الطبيبات العراقيات مؤخرا، لذلك أصبحت تمتنع عن إبلاغ الزوجين بجنس الوليد. وقد أكد تقرير الأمم المتحدة الأخير على أن من أهم أسباب تخلف العرب هو وضع المرأة في المجتمع العربي.(18)
نخلص من كل ذلك إلى أن هناك عشرات بل ربما مئات من هذه القيم المشابهة التي تكمن في "العقل المجتمعي". ونحن نرى أنها، تشكل جزءاً مهما من التراث العربي الإسلامي. وقد انحدرت هذه القيم إلينا من عصور أو فترات تاريخية قديمة، وخاصة الفترات المظلمة. فنحن نتفق مع الجابري الذي يقول أن التراث هو "كل ما هو حاضر فينا أو معنا من الماضي".(19) كما نعيد إلى الذاكرة أن العقل المجتمعي يحتفظ في جزئه الباطن( اللاشعور) بـتجارب وانطباعات لأحداث أغفلها التاريخ أو نسيها. ومن جهة أخرى فأن الحكم عل مثل هذه القيم، أو تقييمها، يرتبط هو الآخر بـ"العقل المجتمعي". أي ينبغي أن لا نقيمها استنادا إلى أحكامنا الخاصة، بل في ضؤ الأوضاع والشروط التي يحددها العقل المجتمعي كذلك. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني الامتناع عن نقد تلك القيم وتحليلها وتأصيلها وتنظيرها، كما فعلنا في الحالة المدروسة أعلاه. ومن جهة ثانية، فإن دراسة قيمة معينة بارزة كالتي، قمنا ببحثها أعلاه ، لا يعني الحكم على جميع قيم "العقل المجتمعي" العربي بنفس المعيار الذي يوحي للقارئ بسلبية هذه القيمة، التي جئنا بها كمثال فقط. أي أن العقل المجتمعي العربي حافل بالقيم الإيجابية أو السلبية، كغيره من العقول المجتمعية لأية أمة أخرى.
2- "العقل المجتمعي" يحمل تاريخ الأمة، كما أسلفنا، كل تاريخها، بإخلاص وتفصيل. ولكنه كعقل الإنسان الفرد، الذي يحمل تاريخه الخاص، لا يتذكر كل جزئية فيه. فما عدى بعض الذكريات القليلة المتفرقة، تكاد فترة الطفولة المبكرة، لدى الفرد العادي، تكون معتمة. ولكن لا يعني ذلك أنها خالية من الآثار الحسنة أو السيئة، لذلك قد تظهر بعض آثارها في سلوكيات الفرد، دون وعي. ومن جهة أخرى فإنه يتذكر معظم الأحداث، فيما يلي تلك الفترة، بيد انه يتذكر بعضها أكثر من البعض الآخر، بل يطمر بعضها، ويحاول نسيانها أو إهمالها أو تجاهلها أو كبتها.
كذلك "العقل المجتمعي"، الذي يمثل سجلا لتاريخ ذلك المجتمع، فإن فترة طفولة المجتمع البشري المبكرة التي استمرت أكثر من مليوني عام، تكاد تكون معتمة تماما ( 99في المائة من تاريخ حياة الإنسان على هذا الكوكب، تكاد نكون مجهولة لأننا لا نملك إلا مؤشرات نادرة على شكلها وتفصيلها). ويمكن القول أن هذه الفترة تظل معتمة بالنسبة للجزء "الواعي من العقل المجتمعي"، وحسب. ولكنها ليست كذلك بالنسبة للجزء الباطن من ذلك العقل، إن صح التعبير. فكما هي الحال لدى الفرد العادي، تظل أحداث هذه الفترة كامنة في"العقل المجتمعي الباطن"، وتتكشف من خلال ظواهر معينة، تأخذ شكل معتقدات وتقاليد وعادات وأعراف متبعة. فبالإضافة إلى الحالة المذكورة في الفقرة السابقة، التي تكشف عن بعض مكامن العقل المجتمعي الباطن، نشير، على سبيل المثال فقط، إلى ظاهرة التبرك بقبور الأولياء والصالحين، و طلب شفاعتهم ومعونتهم، أوتقديم النذور لهم، وهي معتقدات منتشرة في العديد من المجتمعات الإسلامية والكاثوليكية. وكلها ظواهر نعتبرها جزءا من تعبير العقل المجتمعي الباطن عن بقايا مرحلة تاريخية قديمة ترتبط بعبادة الأجداد، وربما عبادة الأوثان، خاصة في حالة انتشار تقديس الصور والتماثيل لدى بعض المسيحيين (الكاثوليك والأورثودوكس). وقد شهدت الناس في الفاتيكان يقبلون قدم تمثال العذراء Pieta، وخاصة قدم السيد المسيح(ع). ويطول الحديث في الأمثلة التي تحضرني عن تجليات هذا العقل في العصر الحديث لا في المجتمعات العربية الإسلامية وحسب، بل لدى جميع المجتمعات البشرية .
"العقل المجتمعي الباطن"، تظل مؤثرة وفاعلة في المجتمع والفرد غالبا. أما الجوانب المكشوفة أو المعروفة من تاريخ المجتمع، كالأحداث والوقائع المسجلة أو المتداولة، فإنها تتبلور في "العقل المجتمعي الواعي"، وتظهر، من خلال معتقدات وتقاليد وأعراف أخرى، ترتبط بالحدث أو السابقة التاريخية أو النص المعروف. مثل قيام كل فئة من المسلمين باتباع أحد المذاهب الفقهية المعروفة، التي ترجع إلى تعاليم ونصوص معينة، وضعها فقهاء ، خلال فترة تاريخية معروفة.
وبهذه المناسبة، ينبغي أن نؤكد، بالإضافة إلى أن "العقل المجتمعي" ليس واحدا في جميع المجتمعات طبعا، على أنه يختلف و يتغير ضمن المجتمع الواحد، لوجود عقول اجتماعية فرعية أصغر فأصغر، تنضوي تحت خيمة العقل المجتمعي الأكبر، حتى نصل أحيانا إلى العقل المجتمعي، لفئات اجتماعية محدودة، مثل الفرق المذهبية أو الطائفية، نزولا إلى العقل المجتمعي للعشيرة أو الأسرة. كذلك يختلف العقل المجتمعي لدى المجتمع الواحد باختلاف الزمان، أي المرحلة التاريخية، التي يمر بها. فالعقل المجتمعي للمجتمع الأمريكي في بداية القرن العشرين، مثلا، يختلف عنه في نهايته، خاصة من حيث التفرقة العنصرية ضد السود، والحرية الجنسية، على سبيل المثال.
3- من المهم جدا أن نلاحظ أن"انطباعات" الأحداث التاريخية، هي التي تظهر في سلوك الفرد وآرائه، وليس ذات الأحداث، والفرق كبير ومهم بين الأمرين. بعبارة أخرى، فإن قيم ومفاهيم الفرد الذي يعيش في مجتمع معين تكون متأثرة بهذه "الانطباعات"، التي يسجلها"العقل المجتمعي" أكثر من غيرها. أي أن تلك القيم والمفاهيم لا تكون متأثرة بالوقائع ذاتها أو بالحقائق التي كانت تحدث على أرض الواقع، بقدر ما تكون متأثرة بالانطباعات الناتجة عنها. لأن تلك الوقائع أو الحقائق، تظل غامضة، إما بسبب غياب أو قصور السرد التاريخي، أو لاختلاف المؤرخين في النظرة إلى الحدث الواحد؛ ثم بسبب اختلاف نظرة الفرد اليوم، وباختلاف العصور، إلى نفس الواقعة المقروءة أو المسموعة، وتفسيره أو تأويله لها. ومن جانب آخر فإن هناك دائما فجوة معينة بين الواقع الموضوعي والانطباع الذي يحدثه ذلك الواقع في الفكر، بوجه عام، وبذهن كل فرد، بوجه خاص، ( وهذه نقطة فلسفية يطول فيها الحديث). وأرجو أن أؤكد على جوهرية هذه الجزئية الخاصة في موضوعنا، إذ تعني أن من الطبيعي أن تتعدد قراءة تفصيلات التراث، بل حتى كلياته، وبالتالي مفاهيم الأفراد له، ثمّ أحكامهم بشأنه. لذلك ليس من حق أية فئة أو جهة أن تفرض مفهومها للتراث على الآخرين، أو تفترض أنه الأصح.
4- وتشكل هذه النقطة الأخيرة عينها، سببا من أسباب كون تراثنا، حتى في جزئه المتميز، أصبح عبئا ثقيلا علينا، بدلا من أن يكون دافعا للتقدم والانطلاق. ذلك لأن" كل حزب بما لديهم فرحون". فكل فريق يرى أنه يحمل تراث الأمة و يمثل"عقلها المجتمعي"، وله الحق في فرض تفسيره ومفهومه للتراث والدين، بل أنه الوكيل الوحيد عن الله تعالى على وجه الأرض. وبصدد ذلك، يقول المفكر الإسلامي حسن حنفي" إن أشد ما أضرنا حديث "الفرقة الناجية"، المشكوك في صحته عند ابن حزم، والذي يكفر اجتهادات الأمة كلها، ولا يستبقي إلا واحدا هو اجتهاد الدولة القائمة".(20) وأقول ليس بالضرورة"اجتهاد الدولة القائمة"، بل كل فرقة دينية لها الحق أن تدعي أنها الفرقة الناجية، وأنها على حق، وما عداها باطل ومرفوض وكافر.(21) ولا ينطبق هذا على الإسلاميين فقط بل يسري على مختلف الفئات العلمانية الأخرى، التي ما أن وصلت إلى دست الحكم، بعد الاستقلال، حتى هَمّشت أو صَفّت الفئات الأخرى المعارضة، أو أودعتها السجون. ولهذا السبب أيضا نجد العالم العربي والإسلامي يعاني اليوم من التشرذم والتنافر، رغم كل الدعوات والشعارات التي رفعت منذ أكثر من قرن في سبيل وحدة العالم العربي أو الإسلامي. ذلك العالم الذي أصبح لا يفتقر فقط إلى أدنى حد من الوحدة أو التكامل، بل إلى أدنى حد من التوافق أو التفاهم على المصالح المشتركة وتبني استراتيجية واضحة ومستقلة، لمواجهة "الآخر". وكل هذه الظواهر وغيرها، يمكن تفسيرها بتخلف"العقل المجتمعي" المحكوم بنمط" الفهم التراثي للتراث"، كما يسميه الجابري. أي أخذه كمجموعة "ثوابت" ينبغي فهمها كما فهمها السلف الصالح. وهكذا يجب التمسك بها والدفاع عنها ضد كل من يحاول المسّ بها، خاصة أنها تمثل الخصوصية العربية والإسلامية، وبالتالي هوية تلك الحضارة. في حين أننا لا نحاول رفض التراث أو استبعاده، لأن ذلك غير صحيح وغير ممكن أصلا، بل نسعى إلى الارتفاع به إلى مستويات الفهم الإبستمولوجي( المعرفي)، بغية أن نحتويه بدل أن يحتوينا.(22)
5- قد يصح القول، إن فترة الحضارة العربية الإسلامية، وخاصة في عصورها المشرقة، تشكل جزءا كبيرا من محتوى العقل المجتمعي العربي الواعي والباطن، بوجه عام، إن صح التعبير، وبالتالي تشغل نفس القدر من العقل الفردي، أيضا. ولكنها لا تظهر في هذا العقل بحقيقتها الموضوعية الفعلية، بل بأجزائها التي يريد العقل المجتمعي أن يعيها، أو يـبثها أو يفصح عنها. أي أن العقل المجتمعي يعمل كما يعمل العقل البشري، كما أسلفنا، يتذكر بعض الأحداث، ويطمر البعض الآخر أو يكبتها في الجزء الباطن منه، إما لأنها مؤذية أو قاسية أو لا تخدم أغراضه. لذلك نلاحظ، مثلا، أن أكثر ما نتذكر ونكرر، بعد وفاة الرسول(ص)، أقوال وأفعال كبار الصحابة(ر) في مرحلة الخلافة الراشدة. وبوجه خاص أقوال وأفعال الخليفة عمر بن الخطاب(ر) والخليفة علي أبي طالب(ر) وأبي ذر الغفاري(ر). ولا نذكر مثلا عهود الاستبداد والظلم التي أعقبت الخلافة الراشدة، باستثناء حكم الخليفة عمر بن عبد العزيز، باعتباره يمثل فترة تتميز بالعدل والإنصاف والالتزام بتعاليم الشريعة. ونتذكر ونستعيد ونكرر، من جهة أخرى، ما وصلت إليه الحضارة العربية الإسلامية في عصر المأمون، من تقدم ونضج، ونفخر بدار الحكمة، مثلا. ومقابل ذلك، لا نتذكر أو لا نذكر كيف عاقب المأمون كل من خالفه الرأي، فقال بقدم القرآن الكريم، ومنهم الشيخ الفقيه أحمد ابن حنبل، الذي أتم المعتصم التنكيل به. وكيف قطع الخليفة المهدي رأس الشاعر بشار بن برد، لأن الخليفة أتهمه بالزندقة، من خلال شعره، مع أنه أعلن توبته. وكيف نكل بن عيسى الوزير بالحلاج الذي ناظره في مذهبه في الحلول فأفحمه، فضاق به الوزير قائلا " ما أحوجك إلى الأدب". فأمر بضربه ألف سوط، ثم قطّع يديه، وأحرقه حيا. وكيف عذب وقتل الأديب والمفكر الكبير ابن المقفع من جانب سفيان ابن معاوية، نائب الخليفة في البصرة، لأنه عاكسه فأغاظه، فقام بتقطيع أعضائه، قطعة بعد أخرى، وبحرقها أمام ناظريه، في تنور عظيم مستعر، حتى أتى عليها جميعا، قبل أن يحرق بقيه جسده، الذي كان لا يزال ينبض بالحياة، دفعة واحدة.(23) ونذكر للمنصور قيامه ببناء بغداد التي أصبحت فيما بعد أكبر وأرقى عاصمة في العالم في ذلك العهد، ولا نتذكر قيامه بضرب الإمام الكبير النعمان بن ثابت المعروف بأبي حنيفة(80-150 هـ)، بالسياط لأنه رفض طلبه في تولي منصب القضاء في بغداد، ثم سجنه حتى قيل انه مات في الحبس.(24) (نحن هنا لسنا بصدد تقييم التاريخ العربي الإسلامي، لأنه كغيره من تواريخ الأمم، فيه الأبيض وفيه الأسود. ولكننا بصدد التحليل و التنظير والتفهم فقط). وهناك عشرات بل مئات الأمثلة على متناقضات مشابهة.
6- وهكذا يمكن القول إن التراث لا يمثل تماما الموروث الثقافي والفكري والديني والأدبي والفني والعلمي، بل يمثل بالأحرى، ما بقي في "العقل المجتمعي" العربي من تلك الموروثات، أي ما يعتقده الفرد والجماعة أنه منها، بل ما كان يأمله منها. وهنا نعيد إلى الذاكرة قول الجابري، الوارد في الحلقة السابقة، الذي يرى أن التراث لا ينظر إليه باعتباره من بقايا ثقافة الماضي بل على أنه" تمام هذه الثقافة وكليتها". أي ليس ما كان كائنا فعلا، بل ما كان يجب أن يكون، أو بالأحرى المثل الأعلى الذي كان يجب أن يكونه. وتأكيدا لهذا المعنى يضيف " إن التراث في الوعي العربي المعاصر، لا يعني فقط حاصل الممكنات التي تحققت، بل يعني كذلك حاصل الممكنات التي لم تتحقق،وكان يمكن أن تتحقق". (25)

الخلاصة
تعمدنا الإسهاب في شرح بعض جوانب العقل المجتمعي البارزة لتبيان مدى علاقة ذلك العقل بإشكالية التراث والحداثة. لذلك فإن تفهم أبعاد تلك العلاقة من خلال تحليلها وسبرها قد يلقي الكثير من الضوء على تلك الإشكالية. فالتراث الذي كنا ولا نزال نجتره ونفخر به هو ليس إلا انطباعات معينة غير دقيقة خلفها التاريخ في عقلنا المجتمعي المحمل به كحصيلة ثابتة ومطلقة لا تتزحزح، لأنها ملاذنا، في وقت الشدة هذه الذي تعرض فيه
وخلاصة القول فإن هناك علاقة وثيقة، متبادلة ومتشابكة ومتفاعلة بين العقل المجتمعي والتراث، بل إن عقلنا المجتمعي وبالتالي عقلنا الفردي، الناطق باسمه، غارق بالتراث بسبب الشحنّ المتواصل بمفرداته الملائمة لتمجيده وتعظيمه، والابتعاد عن كل ما يعكر صفوه، بدلا من إعادة قراءته وفهمه ونقده، وسبر أركانه والكشف عن غـثـّه وسمينه، بنظرة موضوعية علمية، وبعقل فاعل لا منفعل. أي تحويله من عامل مثبط وكابح إلى عامل مشجع وحافز، ومن خط نهاية إلى خط بداية، على النحو الذي سأفصله في الحلقة القادمة.

المراجع والحواشي

1. عبد الرحمن بدوي:" شلنغ"(بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، 1981). انظر الصفحتين 46 و47 في مذهب فيختة بشان استباط المقولات، التي يمكن التعبير عنها بـ" الموضوع ، نقيض الموضوع ، ثم مركب الموضوع " ثم ابتداء من الصفحة 101، في مذهب هيغل، المطابق للأول تقريبا مع أختلاف التسميات: الوضع Thes ، النفي Antithese ، التوحيد والتأليف أو المركبSynthese . علما أن بدوي يعيد نفس المصطلحات الثلاثة الأولى لتفسير الثانية.
2. محمد عابد الجابري:" تكوين العقل العربي"،(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط5، 1991)، ص39.
3. حسن حنفي:" هموم الفكر والوطن، التراث والعصر والحداثة"،(القاهرة:دار القباء،ط2، 1998)، ص ص343و344.
4. جورج طرابيشي:"المثقفون العرب والتراث، التحليل النفسي لعصاب جماعي"،(لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1991)، ص13.
5. خير الدين التونسي:"أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك " تحقيق معن زيادة، (بيروت:دار المستقبل العربي، ط2،1983)، ص 149-154، عن جورج طرابيشي، المرجع الأخير، ص18.
6. منير شفيق،"الإسلام وتحديات الانحطاط المعاصر ، ص68-70) عن طرابيشي، المرجع السابق، ص52.
7. أنور الجندي ،" العالم الإسلامي"، ص400، عن طرابيشي، المرجع السابق، ص52.
8. P. Hoodbhoy, Islam and Scince(London: Zed Books), pp.28-49 . وتجدر الإشارة إلى أن البروفيسور محمد عبد السلام ، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، قد قدم لهذا الكتاب. علما بأن كاتب هذه السطور قد كتب عن منجزات هذا العالم الكبير، وأهمية نظريته في تفسير الكون والطاقة الكونية( نظرية المجال الموحد)، المكملة للنظرية النسبية، بغية تعريفه للجمهور العراقي، خاصة والعربي عامة، قبل حوالى 25عاما.
9. "تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002"، إصدار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي و الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي ، ص 81.
10. المرجع الأخير، ص76 .
11. علاء الدين الأعرجي:"من أجل تحرير العقل العربي لتحرير العقل العربي"، (نيويورك: مجلة" صوت داهش"،السنة السادسة، العدد الثاني، خريف 2000)، ص78 وما بعدها.
12. جميل صليبا، "المعجم الفلسفي"،(بيروت:دار الكتاب اللبناني، 1973)، المجلد الثاني، مادة "فرضية".
13. يقترب الباحث النفساني علي زيعور من هذا المفهوم حين يصف" اللاوعي الثقافي العربي" إذ يجعل "التحليل النفسي العربي" مشغولا "باللاوعي والمعيوش، بالمقموع والتجارب الدفينة، بالمستور والغرفة المظلمة، بالممنوع فتحه، والذي لا يصح شهوده أو النظر فيه. أنظر كتابه الهام" اللاوعي الثقافي ولغة الجسد والتواصل غير اللفظي في الذات العربية"،(بيروت: دار الطليعة،1991)، ص51.
14- علاء الدين الأعرجي، المرجع المذكور في الحاشية 11أعلاه، ص80.
15- حليم بركات:" المجتمع العربي في القرن العشرين"،(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2000). مع أن المؤلف قد تعرض للعديد من القيم المجتمعية، في الفصل الحادي عشر، المعنون"جدلية القيم الاجتماعية"(الصفحات من 637إلى 654)، إلا أنني لم أعثر على مثل هذا العرف أو القيمة المتفشية في معظم المجتمعات العربية.
16- علي زيعور، أنظر الحاشية 19.
17- سورة النحل، الآية 57.
18- أنظر:" تقرير التنمية الإنسانية العربية"، المشار إليه في الحاشية 4 أعلاه، خاصة ص26. ويؤكد التقرير أن" المنطقة العربية تأتي في المرتبة قبل الأخيرة بين مناطق العالم، حسب مقياس تمكين المرأة".
19- الجابري، "التراث والحداثة"،(بيروت : مركز دراسات الحدة العربية،1991)، ص45.
20- حسن حنفي ومحمد عابد الجابري، " حوار المشرق والمغرب"،(بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر،1990)، ص7. ويقضي نص الحديث بما يلي "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي".
21- وللجابري رأي آخر في هذا الحديث مضمونه أن النصوص التي تخالف حكمة الشريعة وروحها، وخاصة إذا كانت مخالفة للمصالح العامة، فيجب أن يعاد النظر في صحتها،لأنها تخالف مقاصد الشرع. ويستند في ذلك إلى اجتهادات الشاطبي والطرطوشي. أنظر ذلك في الصفحة 20 من المرجع الأخير.
22- الجابري، المرجع السابق،المذكور في الحاشية 19 أعلاه ،ص15.
23- زكي نجيب محمود،"تجديد الفكر العربي"، (بيروت: دار الشروق، 1971)، ص ص33- 46.
24- أحمد البغدادي،"تجديد الفكر الديني، دعوة لاستخدام العقل"دمشق: دار المدى، 1999)، ص97.
25- الجابري ، المرجع السابق، ص 24.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /نظرية العقل المجتمعي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي ؛ الصراع بين التراث والحداثة من تجليات العقل المجتمعي
» أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي ؛ تفجر الثورة العلمية والتكنولوجية، نعمة أم نقمة ؟
» التطور السياسي و الحضاري
» الحروب الصليبية في شمال إفريقيا وأثرها الحضاري
» النصوص:الحداثة:نحن والحداثة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى التربية و التعليم تلمسان :: المراجع والبحوث :: المراجع و البحوث-
انتقل الى: