خاص: تطبيع قبل السلام وتفاوض للتفاوض خطة سولانا لإعلان الدولة الفلسطينية وخيارات واشنطن
ناصر قنديل
تحث إدارة الرئيس باراك أوباما الخطى لرسم خارطة طريق لتسوية ملفات العالم الموروثة من حقبة الرئيس جورج بوش الابن ، ويبدو واضحا أن النجاحات المحققة على هذا الصعيد ليست قليلة، فالعلاقات الأميركية الأوروبية من حسن إلى أحسن، تحت تأثير الأزمة المالية العالمية والتورط المشترك في حربي أفغانستان والعراق، والقناعة بالفشل في محاصرة روسيا بالدرع الصاروخي والجدار الجيورجي الأوكراني ، بعدما عادت واشنطن إلى رشدها، وأدركت أن أوروبا نفسها شريك لا غنى عنه في مواجهة تحديات السياسة والاقتصاد ، كما يبدو واضحا أن العلاقات مع روسيا قد استعادت الكثير من دفء فقدته طوال السنوات الماضية ، وبرزت النتائج جلية في تفاهمات الأسلحة الإستراتيجية ، وجاءت الترجمة سريعة في إعلان تبني روسيا لخط إمداد قوات حلف الأطلسي في أفغانستان .
وفقا لهنري كيسنجر نجح أوباما في رسم خارطة طريق إعادة بناء النواة الصلبة للنظام العالمي، الذي انهار مع أحادية بوش وفريق المحافظين الجدد ، وتتبلور تدريجا خطة إدارة الأزمة والتنافس والتعاون المعقد مع الصين وفقا لنظرية بريجنسكي، والاحتواء المزدوج على خطوط تفعيل التأزم الداخلي العرقي والإتني واستثماره وراء السور العظيم ، وإدارة الحوار حول كوريا الشمالية، وتنمية الاستثمار على العلاقة مع الهند واليابان وكوريا الجنوبية .
في الشرق الأوسط نجح أوباما في كسر الجليد في العلاقة مع سوريا ، ويسير نحو تطبيع العلاقة معها وصولا إلى زيارة تاريخية لدمشق يلتقي خلالها الرئيس بشار الأسد، بعد استعادة الدفء للقنوات الديبلوماسية ، وكله على قاعدة أن ما لا يحله الحوار يحله المزيد من الحوار، بدلا من المعادلة البائسة كصاحبها ديك تشيني، بأن ما لا تحله القوة يحله المزيد من القوة ، وعلى خلفية هذا التطبيع المتدرج للعلاقات مع سوريا انفرجت مسارات في العلاقات الإقليمية و ترسخت مسارات أخرى، فتسهل مسار العلاقة السورية السعودية وترسخ مسار العلاقة السورية التركية ، أما على الضفة الإيرانية فقد خاض اوباما اختبارا قاسيا لبلورة معادلة الاحتواء المزدوج الصينية ، أي تبني الضغط بأوراق الاستقرار الداخلي الإيراني من جهة ومن الجهة المقابلة إقامة قنوات التعاون الخاصة بالعراق وأفغانستان ، وفتح الحوار حول البرنامج النووي الإيراني ، و يبدو أن المزيد من الوقت يجب أن يمر حتى ينجلي الغبار عن صيغة أوباما لتجاوز آثار الرهانات على تغيير داخلي في إيران، وبناء جسور الثقة اللازمة لاستئناف التعاون والحوار .
من الواضح لإدارة الرئيس أوباما أن استبدال الحروب العسكرية بحروب الإنتخابات رغم نجاحه بتحقيق إنجازات تكتيكية في لبنان وإيران ، إلا أنها أقرب إلى النجاحات الإعلامية من القدرة على خلق وقائع تغير الموازين الإستراتيجية ، التي أسفرت عنها سنوات الحرب العالمية التي شهدتها المنطقة .
تبدو واقعية إدارة أوباما مؤهلة لاستيعاب الدروس في ميدان الاعتراف بالحاجة لنظام إقليمي يوفر الاستقرار للمنطقة الأشد أهمية وتعقيدا في العالم في آن واحد ، وفي اكتشاف القوى المؤهلة للعب دور مركزي في هذا النظام ، وخصوصا تركيا وسوريا وإيران ، والسعودية ومصر ، ويبدو أن نتائج هذا الاعتراف لجهة مستقبل ملفات العراق وأفغانستان وأمن الطاقة والملف النووي الإيراني، باتت شبه متبلورة على مستوى واشنطن .
عقدة العقد التي تواجه الرئيس الأميركي وإدارته هي كيفية إدخال إسرائيل عضوا في هذا النظام الإقليمي الجديد ،رغم تمسك شريك عربي فاعل بشبك الأيدي مع الإسرائيلي تحت شعار ندخل معا أو نعطل قيام النظام والمصالحات التي يقتضيها ، لكن مشكلة إدخال إسرائيل أكبر بكثير من هذا التفصيل الصغير، فدونه حل شامل للصراع العربي الإسرائيلي ، وهنا عودة لإشكالية تنعكس على العلاقة مع سوريا وإيران من جهة ، و تبدأ من ملف العلاقة مع قوى المقاومة ومستقبل الجولان ولكن خصوصا مستقبل النظرة للقضية الفلسطينية .
مشكلة إدارة الرئيس أوباما هنا ابعد مدى من مجرد تركة بوش الابن إلى تركة الإدارات الأميركية المتعاقبة ، والإصرار على اعتبار إسرائيل مفوضا برعاية المصالح الأميركية في المنطقة ، وجعلها دولة فوق القانون، من حماية جرائمها بحق شعوب المنطقة، إلى إعادة ترسيم حدود القرارات الدولية على حدود الرضا الإسرائيلي ، وإمداد إسرائيل بكل أنواع السلاح ،ووصولا إلى حماية ترسانتها النووية المعلنة من أي متابعة أو تفتيش دوليين .
المشكلة الراهنة التي تواجه مقاربة إدارة الرئيس أوباما هي في محاولة تقديم أفكار جديدة لتحريك الجمود في مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي ،وهو جمود غير قابل للحياة، تدرك أي إدارة أميركية أن ما لا تحركه السياسة تملأه مشاريع الحروب ، وهي حروب لا يملك احد منع الانزلاق نحوها بدون ملء الفراغ بالسياسة .
يبدو أن المستشار الأقرب لصياغة الأفكار الجديدة لإدارة أوباما ،هو مفوض السياسة الأوروبية الخارجية خافيير سولانا، سواء من موقع تأكيد الشراكة الأوروبية الأميركية أو من موقع الدور المفترض للجنة الرباعية في مقاربة الحلول الخاصة بالمنطقة .
خارطة الطريق الجديدة التي يطرحها سولانا ستسبب لأوباما الكثير من الإرباكات برغم ما تبشر به من النجاحات ، فهي كناية عن حلقتين ، تقومان على فلسفة المقايضة بين العقد ، حلقتها الأولى تنطلق من التسليم باستحالة إنهاء المقاومة، مقابل التسليم باستحالة تفكيك الاستيطان، باعتبار أنه إذا كان ممكنا تفكيك الاستيطان تصبح الطريق سالكة نحو الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة العام 67 ، وبالتالي المبادرة العربية للسلام ، سواء في الجولان السوري أو في الضفة الغربية ومحيط القدس، وإذا كان تفكيك المقاومة ممكنا تصبح الطريق سالكة نحو الخطة الإسرائيلية للسلام ، ومعنى الاستحالتين بصدد تفكيك كل من المقاومة والمستوطنات يوصل إلى مشروع المقايضة بين وقف المقاومة ووقف الاستيطان ، ويبدو أن إدارة أوباما بدأت خطوات عملية على هذا الطريق، أما الحلقة الثانية فهي مقايضة من العيار الثقيل ، محورها استحالة تنازل العرب عن الأراضي المحتلة العام 67 ومستقبل القدس واللاجئين ، مقابل استحالة القبول الإسرائيلي بالشروط العربية، فتقوم المقايضة على نقطة يعتبرها سولانا وسطا ،قوامها مقايضة إعلان الدولة الفلسطينية بالتطبيع بين العرب وإسرائيل ، وإبقاء قضايا الصراع وكأنها مجرد واحدة من مشكلات النزاع الحدودي ومتعلقاتها أي القدس واللاجئين وبالتالي فلتكن ميدان تفاوض طويل .
مشكلة نصائح سولانا رغم ما تضمنه من شكليات التوازن وتظهير مراعاتها، أنها تشل عناصر القوة العربية أي المقاومة والامتناع عن التطبيع، وما يعنيه من قبول إسرائيل عضوا طبيعيا في النظام الإقليمي ، مقابل جعل الحقوق العربية موضع تفاوض تنظر إليه إسرائيل كتفاوض من أجل التفاوض .
المهم أن تنتبه إدارة أوباما إلى أن مرور الحلقة الأولى من مشروع سولانا دون ضجيج عربي بسبب تظهير الرفض الإسرائيلي لوقف الاستيطان، لا يعني أن وقف المقاومة أصبح مضمونا في الجيب ، ولكنه لا يجوز أن يعني بصورة خاصة إمكانية مرور الحلقة الثانية التي تعني حتى لو صدر إعلان الدولة الفلسطينية بقرار من مجلس الأمن، أن تمييع الحقوق تمهيدا لتضييعها يمكن أن يقبل عربيا، ولو بدا أن إسرائيل ستبذل ما بوسعها لتفادي ذلك، لأن ليس كل ما ترفضه إسرائيل يجب أن يقبله العرب، حتى لو كان دون مستوى الحد الأدنى من الحقوق الأساسية، التي يتوقف على استعادتها كاملة وفقا لنص المبادرة العربية للسلام ،قبول مبدأ العلاقات الطبيعية مع إسرائيل .
فمن يستطيع أن يقبل التطبيع قبل السلام ومن يستطيع أن يرضى بالتفاوض لأجل التفاوض ؟