السلوك الإيجابي للقائم بالتوجيه

السلوك الإيجابي للقائم بالتوجيه

تمت الإضافة بتاريخ : 19/02/2009م
الموافق :
24/02/1430 هـ

الجزء الثاني

أ.محمد
عبده ... خاص ينابيع تربوية

الخطأ سلوك بشري لابد أن نقع فيه ، حكماء كنا
أو جهلاء ، صالحين كنا أم طالحين ، وليس من المعقول أن يكون الخطأ صغيراً
فنكبره بمعالجتنا الخاطئة ، أو كبيراً فنضخمه أكثر مما هو ونؤدي إلى تأصيله
في نفس المخطئ ، بل لابد من معالجته بواقعية وروِّية ، وأياً كان الأمر
فإننا نحتاج بين الحين والآخر إلى مراجعة أساليبنا في معالجة الأخطاء.

فمما لاشك فيه أن الخطأ الواقع يحتاج إلى
معالجة ، خاصة إذا كان الخطأ يتعلق بالآخرين ، حتى إن كان الخطأ لا يتعدى
ضرره حدود المخطئ فإن واجب النصح لكل مسلم يفرض علينا أن نتقدم لتصحيح هذا
الخطأ.

والسؤال الذي يفرض نفسه هو كيف أصحح الخطأ مع
المحافظة على المخطئ؟ ودون أن يؤدي إلى خطأَ أكبر منه.

وإليك أخي القائم بالتوجيه والحريص على تصحيح
الخطأ ونصح المخطئ بعضاً من السلوك الإيجابي الذي إن مارسته في نهجك ستصل
إلى هدفك المنشود بإذن الله.

إرادة
الخير للمخطئ

السلوك الإيجابي للقائم بالتوجيه Tageeeh-afkar1

السلوك الإيجابي للقائم بالتوجيه Tageeeh-afkar1

والشخص القائم بالتوجيه
ونصح المخطئ عليه أن يعيَ جيداً أنه يريد الخير لمن ينصحه ، فهو لا يريد
أبداً النيل منه أو تجريحه ، لذا فهو يلتمس أفضل الأساليب وأرقها ، وأحسن
الألفاظ وألينها ، ويترقب أنسب الظروف وأفضلها ، حتى يجد القبول ممن ينصحه.

ألَّـا
يُعنف المخطئ

وعلى القائم بالتوجيه ونصح المخطئ ألا يأخذ
من أداء هذا المعروف وسيلة للنيل من شخص المخطئ ، أو الإساءة إليه ، والشدة
عليه ، والغلظة معه.

وألا يظن أنه بهذا الأسلوب سيحمله على اتباع
الحق وإلزامه به ، وليعلم أن دوره هو الدلالة على الخير لا الإلزام به.

أما التغليظ والتعنيف والتعزير فذلك مسئولية
الحاكم على رعيته ، يقول بن حزم "ولا تنصح
على شرط القبول منك ، فإن تعديت هذه الوجوه فأنت ظالم لا ناصح ، وطالب طاعة
وملك لا مؤدي حق أمانة وأخوة ، وليس هذا حكم الصداقة ولكن حكم الأمير على
رعيته ، والسيد على عبده"1

الإسرار

يجب على الشخص القائم بالتوجيه وتصحيح الخطأ
أن يُراعي عدم التشهير بالمخطئ وفضحه على الملأ.

يقول الإمام أحمد المقدسي رحمه الله : " والفرق بين التوبيخ والنصيحة الإعلان
والإسرار"

ويقول ابن رجب رحمه الله :"كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه
سراً "

ويقول الشافعي رحمه الله :" من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه،ومن وعظه علانية فقد
فضحه وشانه"

وفي ذلك مراعاة لنفسية المخطئ ، وأدعى
لاستجابته.

لا تُغلق
باب العودة في وجهه

وعلى القائم بالتوجيه والتصحيح ألا يُغلق باب
العودة في وجه المخطئ ، بل عليه أن يفتح له باب الأمل في العودة والرجوع.

كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك
ثم تندم فأرسل إلى قومه سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل له من توبة ،
فجاء قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : "إن فلانا قد ندم وإنه أمرنا أن نسألك هل له من توبة؟
" وهنا أريدك أخي القارئ أن تتخيل حجم الخطأ إنها الردة ولا شيء غيرها ،
فانظر أي جرم قد ارتكب ، وأي خطأ قد لحق به ، ولنكمل الحديث معاً أخي
القاري يقول بن عباس : فنزلت (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم . . إلى قوله غفور
رحيم ) فأرسل إليه [ قومه ] فأسلم2 .

والذي قتل تسعة وتسعون نفساً ثم أكملهم
المائة بمن أغلق في وجهه باب العودة ، حتى سخَّر الله له من فتح له أبواب
الأمل فمات الرجل على الإيمان.

هل يُذبح
المخطئ؟

السلوك الإيجابي للقائم بالتوجيه Al-twgeeh---

السلوك الإيجابي للقائم بالتوجيه Al-twgeeh---

يتباين الناس في ردود أفعالهم تجاه
المخطئ ، وقد تصل هذه الردود في بعض الأحيان إلى حد القتل ، رغم أن القتل
على حد علمي لا يكون إلا بإحدى ثلاث كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَحِلُّ
دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي
رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ
وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ
لِلْجَمَاعَةِ"3

وفي رواية أخرى عند أبي داود أيضاً عن عائشة "
وَرَجُلٌ خَرَجَ مُحَارِبًا
لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنْ
الْأَرْضِ"4

لا تتعجب أخي القاري فأنا أقصد الموت الذي
تعرفه وأعرفه ، أعرف رجلاً قتل إبنته لأنها ارتكبت الفاحشة ( مع شناعة
الجُرم وفظاعة الفعل ) ، ألم يقتل رجل مسلم أخاه المسلم لأنه أخطأ في حقه
أو تطاول عليه.

ورغم أن هذا أمر وارد الحدوث في بيئتنا للأسف
الشديد إلا أننا قد نقع في الذبح المعنوي للمخطئين حين نوجههم بشيء من
القسوة.

وتأكيداً على ضرورة المعالجة بعيداً عن
التعصب أو التشدد ، إليك أخي القارئ هذه الحادثة ، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي
أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ
مَا شِئْتَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ
نَفْسَكَ. قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا دَعَاهُ وَتَلَا عَلَيْهِ
هَذِهِ الْآيَةَ " أَقِمْ
الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ
الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ
"

فَقَالَ
رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً. قَالَ : بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً"5

لعله من
المقبولين :

يظن البعض بالمخطئ
سوءاً في غالب الأمر ، وقد يدفعهم ذلك للتحامل عليه ، والغلظة معه ، وكأنه
لن يعود للصواب ثانية ، بل يجب على القائم بالتوجيه أن يعلم أن المخطئ قد
يعود لرشده ، ويُصحح خطأه ، وحينئذ سيبقى في الصدر وغر الغلظة
، وألم التحامل ، وقسوة التشدد.

ولا يشترط أبداً أن يكون القائم بالتوجيه هو
السبب المباشر في عودة المخطئ ،بل على القائم بالتوجيه أن يعلم أن حدوده
تنتهي عند تقديم النصح والتوجيه ، خاصة عند توجيه من ليس لنا عليهم أي
ولاية ، وقد يفتح الله للمخطئ باباً يعود إليه منه عندما تخلص النوايا.

جاء في الحديث عن جابر مرفوعاً : "مر رجل ممن كان قبلكم بجمجمة فنظر إليها ،
فحدث نفسه بشيء ، فقال : يا رب ! أنت أنت ، وأنا أنا ، أنت العواد
بالمغفرة وأنا العواد بالذنوب وخر لله ساجداً ، قيل له ارفع رأسك ، فأنت
العواد بالذنوب وأنا العواد بالمغفرة [فرفع رأسه] فغفر له"6

ليس هناك معصوم :

ومن أسباب ضرورة التأني والتروي مع المخطئ
وعدم التعجل في التشديد عليه أو الغلظة معه في القول أو الفعل،أن الخطأ
وارد الحدوث من أي شخص أياً كانت مكانته.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال" لو لم تذنبوا
لذهب الله بكم ولجاء بقوم يُذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم "7

أو كما قال سيدنا المسيح عيسى ابن مريم
لأصحابه: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.. وهو يشير إلى أحد المعاني
الإسلامية الجميلة، وهي الرحمة والشفقة بالمذنب التائب..

لا تكثر
اللوم :

والقائم بالتوجيه والتصحيح كي يتمكن من أداء
عمله مع المخطئ يجب أن يبتعد عن اللوم المبالغ فيه ، ذلك أن اللوم المبالغ
فيه يؤدي إلى نتائج عكسية في غالب الأحيان.

ورغم أننا في حديثنا مع المخطئ أوصيناه بأن
يتحمل نتائج خطئه ، وأن الملامة والعتاب من الآخرين هو أول هذه النتائج ،
إلا أننا نوصي القائم بالتوجيه بألا يُكثر من اللوم لأنه يُولد العناد ، وقد رأينا أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتدح
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خدمه عشر سنوات يقول أنه لم يلمه فيها
قط ، حتى عندما كان يُعاتبه بعض أهل بيته كان يقول لهم:دعوه فلو قضاه الله
لكان.

قال أنس : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم
عشر سنين فما قال لشيء فعلته لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله لم لا فعلته ؟
وكان بعض أهله إذا أعتبني على شيء يقول: دعوه دعوه فلو قضي شيء لكان8.

الإحتواء :

ويجب على القائم بالتوجيه ، أو من يتصدر لمثل
هذه المهمة أن يحرص على احتواء المخطئ أياً كان خطأه ، وأن يتجنب اللوم
المباشر كما ذكرنا سابقاً ، ذلك أن هناك احتمال بعودة المخطئ ، خاصة إذا
كان المخطئ قد ارتكب خطأه وهو يظن أنه يفعل صواباً ، أو أن ظروفاً خارجة عن
إرادته أدت لارتكابه مثل هذا الخطأ.

لذا كان من الضروري الصبر على المخطئ وإزالة
الغشاوة التي على عينيه ، والتي جعلته لا يرى الحقيقة كاملة أمام ناظريه.

هل سمعتم قصة الشاب الذي جاء النبي صلى الله
عليه وسلم يستأذنه في الزنا ، أرأيتم كيف استطاع احتواءه في رفق وحنان.

سلطان
الحب :

يتباين الموجِّهون فيما بينهم ، ويختلفون في
طريقة المعالجة وأساليب التوجيه ، فالأسلوب المُتبع مع الابن أو الإبنة أو
الزوجة يختلف عن الأسلوب المُتبع مع الأخ أو الأخت ، مختلف عن ذلك المتبع
مع الأب أو الأم ، مختلف تماماً عن الأسلوب المتبع مع رفقاء الدرب وأصدقاء
العمر.

غير أن الأسلوب المبني على علاقة الحب ،
ورسائل المودة المتصلة مع كل هؤلاء هي الأسلوب الأمثل والمتفق عليه مع كل
هؤلاء جميعاً ، فسهام الحب ورسائل الود قلما تُخطئ طريقها إلى قلوب الآخرين
وعقولهم ، وتزيد من سرعة استجابتهم حتى وإن كانوا مُخطئين.

الهداية
من عند الله :

على القائم بالتوجيه أن يسعى إلى تصحيح الخطأ
وتوجيه المُخطئ دون أن يربط ذلك بالنتائج ، صحيح أن الهدف نبيل وشريف غير
أن ربط الجهد المبذول بالنتائج المرجوة قد يُسبب اضطراباً للقائم بالتوجيه ،
وتوتراً إذا تأخر الوصول إلى الهدف ، أو الشعور باليأس والإحباط من
التعامل مع المخطئ ، فقد تضيق نفسه عندما يُوجِّه ولا يُستجاب لتوجيهه ، أو
ينصح ولا يُسمع لنصحه ، وقد يؤدي ذلك إلى توتر العلاقة بينه وبين المُخطئ ،
وعليه أن يتيقن أن أجره يقع بمجرد التبليغ.

الرسول صلى الله عليه وسلم وهو السبب الأول
في هداية البشر ، ومع ذلك لم يتمكن من إقناع عمه أبي طالب بالدخول في
الإسلام رغم حرصه على ذلك ومحاولاته التي لم تنقطع حتى الرمق الأخير من عمر
عمه الذي مات على الكفر "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي يشاء"

الصبر على
المخطئ :

البعض ممن يقومون بالتوجيه والنصح قد
يستعجلون نتائج نصحهم ، ويسعون إلى حصد ثمرة جهدهم في أقرب وقت ممكن ، وقد
يحملهم هذا إلى الضيق بعض الشيء أو الغضب من المخطئ خاصة إذا صدرت منه بعض
التصرفات التي لا تتفق مع خط سير التوجيه الذي وضعه القائم بالتوجيه.

وقد يدفع كل هذا إلى توجيه بعض كلمات العتاب
الشديدة ، أو التعصب عليه ، مما يكون له أثره السلبي على العلاقة القائمة
بينهما ، ومن ثم عرقلة مسيرة التوجيه معه.

الستر على
المخطئ:

هناك أخطاء تقع من البعض لو كُشف أمرها ، أو
ذيع خبرها لكانت سبباً في خراب بيوت مطمئنة ، وتشريد أسر مستقرة ، لذا فإنه
ليس من الحكمة مطلقاً أن ينشر القائم بالتوجيه أبعاد المشكلة التي يسعى
لحلها أو يذيع الخطأ الذي وقع فيه من ينصحه ، فبالإضافة إلى تأثير ذلك على
مسيرته الإصلاحية التربوية ، فإننا مأمورون شرعاً بالستر على عورات الناس ،
وبخاصة تلك التي اؤتمنا عليها من الآخرين.

ولكي تدرك أخي القارئ الكريم أهمية الستر في
مثل هذا المواقف ، وحاجة الناس إليه ، وضرورة التحلي به ، وجُرم من انتهك
حرمة أحد فكشف ستره أو أذاع أمره فاقرأ معي هذا الحادثة والتي إن دلَّت على
شيء فإنما تدل على أهمية ستر العورات ، وحفظ خصوصيات البيوت ، والنصح لهم
لا نشر عوراتهم ، عَنْ دُخَيْنٍ كَاتِبِ
عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قُلْتُ لِعُقْبَةَ إِنَّ لَنَا جِيرَانًا
يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَأَنَا دَاعٍ لَهُمْ الشُّرَطَ فَيَأْخُذُوهُمْ ،
فَقَالَ : لَا تَفْعَلْ وَلَكِنْ عِظْهُمْ وَتَهَدَّدْهُمْ ، قَالَ :
فَفَعَلَ فَلَمْ يَنْتَهُوا ، قَالَ : فَجَاءَهُ دُخَيْنٌ فَقَالَ : إِنِّي
نَهَيْتُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا وَأَنَا دَاعٍ لَهُمْ الشُّرَطَ، فَقَالَ :
عُقْبَةُ وَيْحَكَ لَا تَفْعَلْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ مُؤْمِنٍ
فَكَأَنَّمَا اسْتَحْيَا مَوْءُودَةً مِنْ قَبْرِهَا"9

وفي الحديث "..... وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "10

فوائد من
وراء الستر :

والستر على المخطئ له فوائد عدة خاصة إذا كان
الخطأ أخلاقي.، يأتي في مقدمتها عدم إشاعة الفاحشة.

وألِّا نُثير مباعث الانتقام في نفس المخطئ
والذي قد يشعر بالحقد والضيق كونه يشعر بأنه مُلوث والآخرين أطهار ، لذا
فقد يسعى إلى تلويث من حوله حتى يكونوا في الخطيئة سواء.

والمخطئ عندما ينتشر خطأه ويُذاع جُرمه، قد
يزداد إصراره على الخطأ بل ودفاعه عنه ، ورفضه العودة من جديد ، ولِمَ يعود
وقد هُتك ستره ، وافتضح أمره ، وكيف سيواجه الآخرين ، وبأي وجه.

أخي القارئ هل تعلم ما الفارق بين الزانية
والبغي؟ إنه الستر وكشف الستر ، فالزانية امرأة وقعت بالفاحشة ولا خلاف على
أن ذلك كبيرة من الكبائر التي تستوجب الحد،"إن غير محصنة فلها الجلد وإن
كانت محصنة فلها الرجم حتى الموت" ، نعود ونقول أن الزانية قد يُستر عليها ،
ولا يُفتضح أمرها ، وتكون توبتها مرجوة في أي وقت وقد تتوب وتحسن سيرتها
ولا يعلم أحد ماضيها.

أما البغي التي اكتشف أمرها ، وهتك سترها ،
وعلم القاصي والداني بجريمتها أصبحت مطمعاً لكل ذي قلب مريض ، فتتعرض
للمساومة من هذا ، والمراودة من ذاك ، وقد تستجيب لأحدهما وحينئذ يزداد
الطمع فيها ، وقد تعتاد على ذلك ، وتجعل من فعلتها مصدراً لجمع الأموال ،
كل ذلك لأن أمرها قد افتضح.

الرفق
بالمخطئ :

ولعلك تتعجب أخي القارئ من طلبي هذا!! كيف
أرفق به وقد اجتمعت الأدلة لإدانته.

لا تتعجب أخي القارئ فمحاصرة المخطئ والغلظة
معه قد يجعله يُصر على ما هو عليه من الخطأ أو على الأقل سينفر من أسلوب
القائم بالتوجيه ويرفض نصائحه.

واسمع لقصة الأعرابي الذي بال في المسجد ،
وكيف هم الصحابة أن ينهروه غير أن نبي الرحمة تركه حتى قضى بولته ثم نصحهه
ووجّهه،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَصَلَّى
قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي
وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا ثُمَّ لَمْ
يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَأَسْرَعَ النَّاسُ
إِلَيْهِ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ
صُبُّوا عَلَيْهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ قَالَ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ "11

لا تفتش
عن الأخطاء المخفية:

البعض ممن يتعاملون مع المخطئ ويسعون لتصحيح
خطئه غالباً ما يسعون إلى محاصرته من كل جانب ، ومُبررهم في ذلك حتى يجمعوا
أدلة الإدانة كاملة كي لا يُنكر خطأه عند مواجهته ، ظناً منهم أن ذلك
سيسرع من مراحل العلاج والتصحيح.

والأسوأ من ذلك أن يُعمِل القائم بالتوجيه
عقله فيتعمق في تحليل الأحداث والوقائع فيدفعه فضوله إلى البحث عن الثغرات
في تلك الأحداث ، فيُعطي لنفسه الحق في التجسس أو التصنت على المخطئ وقد
يضعه تحت المراقبة المشددة ، بحثاً عن المعلومات وتثبيت الاتهام، وبدلاً من
أن يقوم بتصحيح الخطأ إذا به يرتكب أخطاءً ، وهو بذلك قد أسقط دوره كموجه
ومربٍ .

والأشد إيلاماً أن يحتج هؤلاء بما وقعت عليه
أعينهم من أخطاء ، والتي قد تكون بعيدة عن صلب المشكلة الرئيسية التي
يُحاولون حلها.

والأولى بهؤلاء جميعاً أن يوفروا جهدهم
ووقتهم في إصلاح الخطأ القائم والبعد عن التجسس وتتبع عورات الآخرين لِمَ
فيه من مخالفات شرعية عظيمة. قال صلى الله عليه وسلم " يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ
الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا
تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ
عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ
تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ"12

أخي
القائم بالتوجيه : لا تنس مهمتك ... فأنت مربٍ
... والمربي يهتم بتصحيح الخطأ لا بإثباته

التوسعة على المخطئ لا التضييق عليه:/SPAN>

أخي القارئ قرأ معي هذا الحديث حتى تعلم أن
التعاطف الوجداني هام جداً في طريقة التعامل مع المخطئ ، فهو يجب أن يشعر
أننا نسعى لإيجاد حل له لا التضييق عليه ، عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ
جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ
جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ مَا لَكَ قَالَ
وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ
لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
قَالَ لَا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا
قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا
نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ
فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى
أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا
يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي
فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ
أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ"13

لقد قال الرجل لقومه وقد رفضوا أن يذهبوا
لرسول الله يسألونه نيابة عنه : لقد وجدت عند رسول الله صلى الله عليه
السعة ووجدت عندكم الضيق.

لا تكن
وصياً :

أخي القائم بالتوجيه لا تُشعر المخطئ بأنك
وصياً عليه أو أنك أكثر منه خبرة ودراية ، أو أن يشعر من خلال توجيهاتك أنه
القاصر وأنت ولي أمره ، أو أنه تلميذ وأنت الأستاذ ، كن طبيعياً وأشعره
بالقرب أكثر من ذي قبل ، ودعه يشعر بأنك صديقه تتألم لألمه ، وتشعر بمحنته.

فمن الأسباب التي تجعل المخطئ يرفض الرجوع
إلى الحق ، ويتمسك بالباطل الذي عليه ، أو الخطأ الذي ارتكبه أن يشعر أن
القائم بالتوجيه متسلطاً عليه ، أو وصياً على تصرفاته ، أو أن يفرض عليه
سلوكاً معيناً لا يقبله، وحينئذ يتبدل موقف المخطئ من الحوار المتبادل
والنقاش الهادئ إلى الجدال العقيم ، ويُصبح هو - أي المخطئ- في وضع
المُدافع عن كرامته لا الراغب في التصحيح.

وبإمكانك أخي القائم بالتوجيه أن تستخدم
أسلوباً يُشعره بعدم الوصاية عليه ، كأن تستخدم العبارات اللطيفة لا الجافة
، فتقول مثلاً (لو فعلت كذا لكان أفضل لك ) أو (ما رأيك لو تفعل كذا ... )
أو (أنا أقترح كذا ... ما وجهة نظرك في ذلك ) أليست هذه العبارات في حوارك
معه أفضل من قولك مثلاً (أنت قليل التهذيب والأدب) أو (أنت لا تسمع ... لا
فائدة مرجوة منك) أو (أمجنون أنت ) (لقد نصحتك كثيراً ولكن يبدو أنه لا
فائدة)

استشر حكيماً :

القائم بالتوجيه يجب ألا يفترض في قراراته
المتخذة أو الخطة التي وضعها لتصحيح الخطأ الدقة والصواب ، بل عليه أن يسعى
إلى تأكيد صحتها من خلال مشورة المقربين من أهل الثقة والدراية ، وألا
يستنكف عن طلب النصيحة من الآخرين في طريقة وأسلوب العلاج.

وعلى القائم بالتوجيه أن يعتقد بأن استشارته
الحكماء وأهل الخبرة لا تُقلل من شأنه مطلقاً ، ولا تُلحق به أي نقيصة ، بل
إن مشاورته الآخرين ستبرز له أوجه النقص في برنامجه الموضوع للعلاج ،
يقولون أنه من أعطي أربعاً لم يُمنع أربعاً ، من أعطى الشكر لم يمنع المزيد
، ومن أُعطى التوبة لم يُمنع القبول ، ومن أعطى الاستخارة لم يُمنع الخيرة
، ومن أعطى المشورة لم يُمنع الصواب.

ابتعد عن
المؤثرات :

وأقصد بذلك المؤثرات السلبية سواء من ناحية
الأجواء المحيطة بأطراف الخطأ المراد تصحيحه ، أو الأفراد الذين يؤثرون
سلباً على طريقة وأسلوب المعالجة.

وتوفير الأجواء المناسبة في غاية الأهمية ،
فالكلام الكثير والاتهامات المتبادلة بين أطراف النزاع يجب أن تتوقف حتى لا
يترتب على الخطأ الرئيسي أخطاء فرعية ننشغل بها على حساب الخطأ الرئيسي.

والقائم بالتوجيه يجب أن يُوقف سماعه من
الأفراد المحيطين ولا يسمح بتداول الكلام أو السماح لهم بالتدخل بأي شكل من
الأشكال ، ذلك أن هناك نفوس قد تكون مريضة ، لها مصالح معينة ، وأغراض
دنيئة ، تسعى لإفساد العلاج ، أو تؤجج الفتنة فتكثر الأخطاء.

يحضرني الآن مشكلة حدثت مع النبي صلى الله
عليه وسلم بعد غزوة المريسيع حيث اقتتلا جهجاه الغفاري أجير عند عمر بن
الخطاب رضي الله عنه ، وسنان بن وبر الجهني على الماء ، فصرخ الجهني : يا
معشر الأنصار وصرخ جهجاه يا معشر المهاجرين وكادت أن تحدث مقتلة عظيمة ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟
دعوها فإنها منتنة ، وبلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول فغضب وعنده رهط من
قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حدث وقال : أوَ قد فعلوها ، قد نافرونا
وكاثرونا في بلادنا والله ما نحن ولا هم إلا كما قال الأول : سمن كلبك
يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل..."

فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وقد
بلغه ما قال بن سلول إلا أن أمر بالناس أم يستعدوا للرحيل فمشى بالناس
يومهم ذلك حتى أمسوا ، وليلتهم حتى أصبحوا ، وصدر يومهم حتى آذتهم الشمس ،
ثم أنزل بالناس ، فلم يلبسوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياماً ، فعل ذلك
ليشغل الناس عن الحديث14.

خطوات على
طريق الإصلاح :

لا شك أن الإصلاح لن يأتِ بقرار واجب التنفيذ
من القائم بالتوجيه للمخطئ ، لا بل لابد من خطوات يتبعها القائم بالتوجيه
قد تطول وقد تقصر حسب قدرات المعالج وتقبل المخطئ ، وتوفيق الله أولاً
وآخراً.

الحوار العقلي : والحوار العقلي مع المخطئ هو
أُولى خطوات الطريق الصحيح ، فهي خطوة أوليه لكسب ثقته وإشعاره أنك بجانبه
لمشاركته وجدانياً والتخفيف عنه ، لا لزيادة الضغوط عليه.

لذا فالتدرج هام جدا لتحقيق التواصل مع
المخطئ والسعي لحدوث الاستجابة منه.

وأول خطوة في هذا الطريق هي محاولة إقناع
المخطئ بان ما يفعله خطأ وإزالة الشبهات والغموض كما ذكرنا مُسبقاً.

خطورة وعواقب الخطأ : ويجب التأكيد على أن المخطئ قد يقر بخطئه لكنه لا يشعر
بخطورة وعواقب ذلك الخطأ ، لذا فإنه من الضروري أن نبرز له مكامن الخطر
المترتبة على فعلته ، على أن تكون هذه المخاطر ملموسة ويشعر بخطورتها متى
أظهرتها له ، لا أن تكون مخاطر متوهمة أو صعبة الحدوث.

القدرة على تجاوز المشكلة : بعد أن نصل
بالمخطئ إلى هذه الدرجة من الدراية بالمشكلة وخطورتها لابد من الصبر بعض
الشيء لعله يصل للقرار الصائب بنفسه بدلاً من أن يُملى عليه وذلك أدعى لقوة
العودة ، كما أنه من الأهمية بمكان ألا نقرع أذنه ونجرح مشاعره ، بأن نكرر
على مسامعه كلمة أنت خاطئ ، بل يجب إقناعه بأنه قادر على تجاوز أزمته.

الحلول العملية : تقديم الحلول والبدائل التي تُساعده على تجاوز خطئه ، حتى
لا يستسلم للخطأ ، أو يستمرئه، فالملاحظ أن المعالجين يعطون أوامر لا حلول ،
فمثلاً الإنسان الذي وقع في خطيئة الإدمان ماذا يُقال له؟ يُقال : الإدمان
خطر على صحتك ومستقبلك ... لابد من الإقلاع عن الإدمان فوراً ؟ لابد أن
تترك رفقاء السوء؟ ... لابد أن تشغل وقت فراغك ؟ لكن أحداً لم يقل له كيف
يُقلع عن الإدمان ، وكيف يشغل وقت فراغه وكف يتخلص من رفقاء السوء؟

وأخيراً صحح خطأ واحد
فقط :

القائم بالتوجيه عندما يتدخل لتوجيه المخطئ
قد يُفاجأ بعدد من الأخطاء الكثيرة والمتعددة ، وقد يُحاول إصلاح كل هذه الأخطاء دفعة واحدة ، فيفاتحه في خطأ تلو
الاخر،مما قد يؤثر على تلقي المخطئ واستقباله لكل هذه التوجيهات ، ويستصعب
تنفيذها في آن واحد، وقد يُحاول أن يجد مبرراً لكل خطأ أو بعضها على الأقل ،
وحينئذ قد يتعذر إصلاح الخطأ الرئيسي الذي يُريد القائم بالتوجيه إصلاحه.

لذا ينبغي على القائم بالتوجيه أن يُركز في
إصلاح خطأ واحداً فقط حتى ينتهي منه.

» الجزء الأول : السلوك الإيجابي للمخطئ
» مقالة فلسفية 11: السلوك الطبيعي و السلوك الثقافي أكتب مقالة فلسفية في هذا الموضوع
» ما هي ضوابط التفكير الإيجابي ؟
» تحميل كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك