المقدمة: إذا كان السلوك الطبيعي للإنسان سلوكا فطريا، و السلوك الثقافي سلوكا مكتسبا، هل هذا يعني أنهما مختلفان ؟ و هل هذا الاختلاف يفصل بينهما فصلا تاما أم لا، بحيث رغم الاختلاف توجد بينهما علاقة ؟ إذا وجدت ففيم تتمثل ؟
التحليل:
أوجه التشابه: السلوك طبيعيا كان أم ثقافيا هو رد فعل يقوم به الإنسان لمواجهة المنبهات المباشرة و الغير مباشرة الواردة في البيئة فهو بذل يحدد طريقة تعامله مع الطبيعة و علاقته مع غيره من الناس
أوجه الاختلاف: غير أن السلوك الطبيعي ليس كالسلوك الثقافي فالأول فطري يولد الإنسان مزودا به ليتمكن من العيش و البقاء على قيد الحياة و تكون وظيفته بذلك حفظ البقاء مثل غريزة الأكل و النوم و الغريزة الجنسية في حين يكتسب الثاني من المجتمع الذي يعيش فيه ووظيفته إقامة علاقات بينه و بين غيره من الناس و بينه و بين الطبيعة التى يحاول فهمها لتحويلها و التأثير عليها و يكون السلوك الثقافي بذلك نتيجة من نتائج من نتائج استعمال العقل و التفكير و الاستجابة للوسط الذي يعيش فيه مثل الكتابة و الرسم و العلوم و كل المعارف هكذا يكون السلوك الثقافي ميزة خاصة بالإنسان في حين يشاركه الحيوان في السلوك الطبيعي يقول لوسيان مالصون في كتابه “الأطفال المتوحشون” < إن منظومة الحاجات و الوظائف البيولوجية، المتأتية من النمط الجيني عند الولادة تجل الإنسان شبيها بأي كائن حي دون أن تميزه و دون أن تعينه كفرد من النوع البشري > يحدد السلوك الطبيعي طبيعة الإنسان بوصفه كائن حي مما يضفي عليه صفة العمومية بينما يكون السلوك الثقافي الذي يكتسبه من مجتمعه خاصا، يختلف من مجتمع إلى آخر يقول كلود لفي ستروس:” إن كل ما هو عام لدى الإنسان يعود إلى الطبيعة و يتميز بالتلقائية و كل ما هو خاضع لقاعدة يعود إلى الثقافة و يتسم بصفتي النسبية و الخصوصية ” و يقول ميشيل ليريس في كتابه ” العرق و الحضارة “
فالواقع إن الاختلافات بين الثقافات موجودة و من الممكن تحدد في الزمان و المكان فكل منها سماتها الخاصة >.
كذلك فان الثقافة قابلة للتعديل و التغيير إذ يلجأ كل إنسان و كل مجتمع إلى تغيير نماذج حياته و أساليبه و فق ما تقتضيه الظروف عكس الطبيعة التى تتسم بالثبات، وأخيرا إذا كان السلوك الطبيعي ضروريا لبقاء الإنسان ككائن حي فان السلوك الثقافي ليس ضروريا فإذا كان لا يمكننا أن نعيش بدون الأكل و الشرب أو النوم كما لا يمكن للجنس البشري أن يستمر بدون الغريزة الجنسية فانه يمكننا أن نعيش بدون القراءة و الكتابة أو الجلوس على الكرسي أو النوم على السرير
العلاقة: غير أن التمييز بين السلوك الثقافي على أنه سلوك ينتقل عن طريق التربية و بين السلوك الطبيعي على أنه سلوك يورث بيولوجيا لا يتعدى هذا الحد ذلك لأن التداخل الذي يربط بينهما يجعل إمكانية الفصل بينهما أمرا مستحيلا فلا نستطيع أن نقول هنا تنتهي الطبيعة و هنا تبدأ الثقافة و إذا كنا نأكل و هذه طبيعة فينا فإننا نأكل بطريقة معينة و باستعمال أداة معينة و هذه ثقافة و كذلك بالنسبة للمشي و غيره من السلوكات يقول موس ” انه لا توجد كيفية طبيعية في الوقوف ” كما أن الثقافة ليست سوى نتيجة من نتائج الطبيعة الإنسانية ذاتها فلم يتميز الإنسان عن الحيوان و لم ينتقل من نمط حياة بدائية طبيعية و ميله الفطري إلى العيش مع غيره من الناس و إذا استعمل الإنسان الأدوات في بناء حضارته فان أول أداة استعملها و ما زال يستعملها هي يده يقول مارسيل موس “: إن الجسم أول أدوات الإنسان و أكثرها طبيعة ثم بتعبير أدق و دون أن نتكلم عن الأداة فان الموضوع التقني الأول و الأكثر طبيعة لدى الإنسان هو جسمه و تقنيات الجسم تتصدر مجموع التقنيات الأداتية “. و لا ننسى أن نذكر مع لوسيان مالصون:”أهمية دور المحيط في استكمال النضج الغريزي يقول:” إن الأطفال الذين حرموا في سن مبكر جدا من كل اتصال اجتماعي هؤلاء الأطفال الذين نسميهم متوحشين يبقون أثناء وحدتهم في حالة من العوز إلى درجة يبدون معها و كأنهم حيوانات تافهة بل دون مرتبة الحيوانات ” كذلك يرى العالم كلود فيلو ” إن الحياة قبل الولادة هي في بعض أجزائها نتيجة في الربط الأمومي ” فالحالة النفسية للأم و ما تتغذى به يؤثر على جنينها و على حالته النفسية و الصحية بعد الولادة و قد يظن البعض أن ذلك راجع للطبيعة و الوراثة
الخاتمة:هكذا نستنتج إن الاختلاف بين السلوك الطبيعي و السلوك الثقافي لا يعني الفصل بينهما فليس السلوك الثقافي إلا نتيجة من نتائج السلوك الطبيعي الذي يتداخل معه إلى درجة يصعب علينا الفصل بينهما.