حواضر الحجاز ثلاث مدن : مكة ، والمدينة ، والطائف المصيف .وكلها عرفت الكتابة قبل الإسلام .
فكيف وصلت الكتابة إليها ؟
لذا لا بد من التعرف على المراكز الحضارية التي تحيط بالحجاز . كي نتحسس طريقنا في هذا الموضوع .
كان في شمال الحجاز الأتباط وهم أصحاب حضارة ولهم كتابة خاصة بهم ,
وفي جنوب الحجاز كانت اليمن تعاقبت الحضارات في هذه المنطقة قرونا وقرونا فكان لهم كتابة ودونوا بها .
وفي شرق الحجاز كانت كندة وكانوا يعرفون الكتابة .
وقد انتقلت الكتابة إلى الشمال الشرقي من الحجاز وبالضبط إلى الحيرة والأنبار من العراق.
وأهل مكة - وكما تعلمون - يسكنون في واد غير ذي زرع . وسكناهم بجوار
أول بيت وضع للناس بنته الملائكة لعبادة الله وحده .
وتجدد بناؤه على يدي نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل _ عليهم السلام _ .
وبسبب قدسية ديارهم كان لزاما عليهم أن يوفروا لحجاج بيت الله ما يحتاجونه .
فامتهن أهل مكة التجارة . فموسم الحج لم يكن موسما دينيا فحسب ، بل كن موسم تجارة ؛ بيع وشراء .
وأقبلوا عليها أيما إقبال وتفننوا فيها . ونجحوا أيما نجاح .
فترتب عليهم أن يعرفوا الكتابة من أجل مصالحهم التجارية .
كي يدونوا العهود والمواثيق والعقود مع كل من يتعاملون معه في تجارتهم .
فقد أورد القالي في نوادره تحت عنوان :
( مطلب خروج بني عبد مناف إلى الشام واليمن والحبشة وبلاد فارس .
لأخذ العهود من ملوكها وتأمين السبل لتجار قريش ) .
وهذا تأكيد لمعرفتهم الكتابة
ولزيادة العلم أن لكل نوع من هذه المعاهدات اسم خاص به :
1- المهارق : نوع الكتب يخص كتب الدين أو كتب العهود والمواثيق .
2- الإيلاف وهو عهد الأمان من غير حلف ( إنما هو أمان الطريق ) .
كما أنهم كتبوا ووثقوا حلف الفضول لتشديد الخناق على بني هاشم ووضعوه في الكعبة .
ومن مدوناتهم الكتابية في الجاهلية :كتابة المعلقات بماء الذهب وتعليقها على الكعبة
وهناك خلاف على صحة هذا الخبر . وضمنته مقالي هذا للعلم .والكتابة لم تكن مقتصرة على الحواضر من البلاد وإنما تسربت إلى البادية .
وقد عرفها كثير من مشاهير العرب في الجاهلية أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر :
* أكثم بن صيفي حكيم تميم وخطيبها .. وابن أخيه حنضلة بن الربيع .
* المرقش الأكبر الشاعر .
* ولبيد بن ربيعة الشاعر المخضرم وأحد أصحاب المعلقات .
وقد شبه الشعراء في الجاهلية أطلالهم بالكتابة مما يدل على انتشارها ومعرفتهم بها .
يقول الأخنس بن شهاب التغلبي وهو شاعر جاهلي :
لابنة حطان بن عوف منازل كما رقش العنوان في الرق كاتب
ويقول المرقش الأكبر :
للدار قفر والرسوم كما رقش في ظهر الأديم قلم
وموطن الكتابة هو اليمن . منه انتقلت إلى كندة في شرق الجزيرة العربية .
والنبط في شمالها ، ثم انتقلت بعد ذلك إلى العراق لبلدتي الحيرة والأنبار .
ومن الحيرة والأنبار وصل الخط إلى الحجاز عن طريق عبدالله بن جدعان وبشر بن عبد الملك .
وكان ذلك أن ( حرب بن أمية بن عبد شمس ) أحد تجار مكة في إحدى سفراته التجارية إلى الأنبار ،
التقى بـ ( بشر بن عبد الملك ) وكان بشر يعرف الكتابة ويجيدها فعلمها حربا .
وفي السفرة الثانية اصطحب حرب يشرا إلى مكة وفيها زوجه ابنته الصهباء وأقام في مكة .
وبعد إقامة بشر في مكة أخذ بشر وحرب في تعليم الناس الكتابة وممن تعلم على يديهما :
( عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ،
وطلحة بن عبيد الله ، ومعاوية ويزيد ابنا أبي سفيان ، وأبو عبيدة عامر بن الجراح , وغيرهم )
كما تعلم الكتابة من النساء في مكة : ( الشفاء بنت عبدالله العدوية ) .
للموضوع بقية - إن شاء الله _ والقادم أحلى .
مع تحيات أبي زهدي