لمَ اختار الموساد مشعل هدفاً للاغتيال؟
كانت إسرائيل تتّهمه بتدبير موجة جديدة من التفجيرات فيها. «في مقرّ الموساد في تل أبيب، كان يُنظَر إليه على أنّه الأول في صنف جديد خطير من القادة المتشدّدين.
ومع أنّه كان متشدّداً بالفعل، لم يكن ذا لحية، ولم يكن يلبس الأردية الخاصة». كان مشعل يرتدي البذلة، و «كان بحسب المعايير المحلية منتظماً في ظهوره على التلفزيون. أما من وجهة النظر الإسرائيلية فكان يتمتّع بالصدقية كزعيم صاعد لحماس، ولأن شخصيته مقنعة كان لا بد من التخلّص منه».
كذلك يتطرّق ماكغوف إلى الأثر الذي تركته محاولة الاغتيال في مشعل. «لقد خرج مشعل رجلاً متبدّلاً بعد نجاته من الموت الوشيك. نظر إلى نفسه من زاوية مختلفة، وكذلك فعل أعضاء الحركة. ثم بين ليلة وضحاها ذاع صيته في أوساط الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي العالم العربي بأسره». أما الحسابات الخاطئة العامة لنتانياهو وياتوم «فكرّست مشعل قائداً للمستقبل».
ويتناول الكتاب التنافس بين مشعل ومنافسه القديم موسى أبو مرزوق الذي يشغل اليوم منصب نائب له في دمشق. وأبو مرزوق ولد في مخيّم للاجئين في غزة، وأصبح منذ سنّ مبكرة ناشطاً إسلامياً وأحد أتباع الشيخ أحمد ياسين. اضطلع بدور أساسي في جمع الأموال الأميركية، في شكل خاص لمؤسسة الأرض المقدسة في تكساس.
ويميّز ماكغوف الفريق المحيط بمشعل، والمعروف محلياً بـ«الكويتيين»، عن الفريق المحيط بأبو مرزوق الذي يتألّف في معظمه من غزاويين. يقول مشعل إنّه فيما كان يعيش في الكويت، وضع أسس حركة حماس، «بموازاة الضفة الغربية وغزة».
وبعد اجتياح العراق الكويت في 2 آب (أغسطس) 1990، عاد مشعل من عطلة كان يمضيها في عمّان إلى الكويت، ذلك أنّه لم يرد أن يقع العراقيون على مقرّ «حماس»، فأتلف بعض الملفّات، وأخذ بعضها الآخر إلى عمّان التي سرعان ما تحوّلت إلى مركز نابض لـ «حماس».
وينظر ماكغوف في الروايات المختلفة عن ولادة «حماس»، والطريقة التي شجّعت بها إسرائيل نشاطات «حماس» في غزة أثناء السنوات التي شكّلت فيها الحركة قوةً موازيةً لـ «فتح».
في فصل من الكتاب يحمل عنوان «المهندس الملتحي في زنزانة في نيويورك»، يروي ماكغوف كيفية القبض على أبو مرزوق في مطار جون كينيدي الدولي في نيويورك، في تموز (يوليو) 1995. إثر ذلك، سعت إسرائيل إلى نفي أبو مرزوق، إلا أنّه أُطلِق بوساطة من الملك حسين، ورحِّل إلى الأردن في شباط (فبراير) من العام 1997. وكان مشعل انتُخِب في غياب أبو مرزوق رئيساً للمكتب السياسي، ولم يتنحَّ عند عودة أبو مرزوق.
في السياق ذاته، قالت الصحافية العاملة في عمّان، رانيا قادري، ل ماكغوف «اليوم الذي حاولوا فيه اغتيال مشعل، كان يوم ولادة مشعل القائد. أما الرجل الذي مات يومذاك فكان أبو مرزوق. لم يرد أحد التكلّم مع أبو مرزوق بعد ذلك، بل مع مشعل، ومشعل وحده».
يذكر أنّ مشعل ولد في الضفة الغربية، (قرية سلواد)، في العام 1956. وعندما اندلعت حرب حزيران (يونيو) 1967، فرّ وعائلته إلى الأردن. آنذاك كان والد مشعل يعمل في الكويت التي سبق أن أرسل إليها زوجته الثانية الأصغر سناً، فانضمّ إليه خالد هناك.
ومن بين الأشخاص الذين قابلهم ماكغوف لدى تأليفه الكتاب، أسعد عبدالرحمن، الأكاديمي، والشخصية البارزة في منظمة التحرير الفلسطينية، الذي سبق أن عمل مستشاراً للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. كان عبدالرحمن يدرّس في جامعة الكويت حين قصد مشعل هذه الأخيرة لدراسة الفيزياء في العام 1974. فانضمّ مشعل إلى صفّ التاريخ الفلسطيني الذي كان يدرّسه عبد الرحمن. وإذ كان مشعل كثّ اللحية، أصاب عبدالرحمن باستنتاجه أنّه ينتمي إلى جماعة الأخوان المسلمين.
على رغم اختلافات الرجلين السياسية العميقة، ترك مشعل أثراً كبيراً في عبدالرحمن الذي صنّفه على أنّه أذكى طلابه على الإطلاق. «يسجّل الطلاب في العلوم الاجتماعية الكثير من علامات «جيد جداً» و «جيد»، وهو كان الطالب الوحيد الذي سجّل علامات ممتازةً خلال 19 عاماً درّست فيها».
بعد مرور أعوام، وأثناء زيارة عبدالرحمن دمشق، حذّر هذا الأخير مشعل قائلاً له: «لا يمكنك أن تكون مسلماً متطرّفاً وسياسياً في الوقت عينه... خصوصاً في عالم عصري يسيطر عليه عدوان جبّاران، أي الولايات المتحدة عالمياً، وإسرائيل إقليمياً!». ففي رأى عبدالرحمن أنّ الوقت قد حان ليتقبّل الإسلاميون علناً وجود دولة إسرائيل. «لك القرار. فلا يمكن أن تكون نصف حامل. إما الانخراط في عملية السلام، وإما عدمه. وإذا لم ترِد ذلك، فلا بد من ثمن تدفعه».
وخصص ماكغوف الفصل الأخير من كتابه للقاءات مع مشعل نفسه، أجراها في ظلّ تدابير أمنية مشدّدة، في مقرّ مشعل في دمشق.
وتجدر الإشارة إلى أنّ ماكغوف، مذ أنجز الكتاب، التقى مشعل. وتطرّق إلى اللقاء في مقال نشره في صحيفة «نيويورك تايمز»، وحمل العنوان «حماس تخرج من مخبئها»، فذكر أنّ الجو كان أخفّ بكثير في مخبأ «حماس» مما كان عليه في لقائه الأول مع مشعل قبل 18 شهراً.
«جدول أعمال مشعل حافل الى درجة أنّه قد يحتاج قريباً إلى موقف لسيارات الوفود الأجنبية الزائرة». وتمّ تأجيل زيارة ماكغوف إلى مشعل «حتى وقت متأخّر من الليل لأنّ مشعل كان منشغلاً بالترحيب بمجموعة من المشرّعين اليونانيين، أعقبهم وفد إيطالي». وفي الأيام التالية، التقى زعيم «حماس» زوّاراً من البرلمانين البريطاني والأوروبي.
عندما سأل ماكغوف مشعل عن التغيرات في السياسة التي قد تدخلها «حماس» كبادرة تجاه أيّ نظام جديد يلي سياسة أوباما الجديدة، أكّد مشعل أنها سبق أن بدّلت سياستها في ما تعلّق ببعض النقاط الأساسية: «سبق لحماس أن تبدّلت، فلقد قبلنا الاتفاقات الوطنية الآيلة إلى إقامة دولة فلسطينية وفقاً لحدود العام 1967. كما شاركنا في الانتخابات الفلسطينية في العام 2006». لكن حينما سأل ماكغوف مشعل عن إعادة صوغ ميثاق «حماس» الذي يدعو إلى تدمير إسرائيل، كان حازماً وقال هذا «محال».
كتب ماكغوف قائلاً: «في حين من المستحيل على كثيرين أن يفهموا استراتيجية حماس، برهنت الحركة عن انضباط في وقف إطلاق النار، كما فعلت في صيف وخريف 2008. وأثبتت قدرتها على التفاوض مع إسرائيل، وإن من خلال طرف ثالث».
الحياة، 18/5/2009