ضرب "إسرائيل" البرنامج النووي الإيراني: الاحتمالات والتداعيات تقدير استراتيجي (13)
[ 21/06/2009 - 04:35 م ]
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
ملخص
يختلف قادة الكيان حول طريقة التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، بين من يدعون إلى إعداد العدّة لشن هجوم عسكري، وبين من يقرّون بأن "إسرائيل" غير قادرة على القيام بضربة بمفردها، وبين آخرين يرون أن الحل مع إيران ليس عسكرياً.
وفضلاً عن تأثيراتها المختلفة، فإن الضربة الإسرائيلية ستؤثر على القضية الفلسطينية والأوضاع الإقليمية، حيث إن فشل إيران في القيام برد عسكري مناسب، سيؤدي إلى تعرض حركات المقاومة الفلسطينية إلى مزيد من الضغط كي تخضع لشروط الرباعية و"تلتزم" بالمبادرة العربية. أما إذا نجحت في القيام برد قوي، فقد يعزز ذلك من دورها الإقليمي، ويدعم خط المقاومة، وقد يرغم "إسرائيل" على تخفيض شروطها فيما يتعلق بحل الدولتين.
أما إن اختارت حكومة نتنياهو سيناريو انتظار نتائج الحوار الأمريكي – الإيراني، فإنها في الغالب ستسعى لوضع سقف زمني لهذا الحوار، وسوف تتعامل مع المسار الفلسطيني وفق إستراتيجية "الانتظار والتأجيل".
مقدمة
للمرة الأولى في تاريخ الجيش الإسرائيلي يتم الإعلان رسمياً أن إيران هي العدو الاستراتيجي الرقم واحد، وأن السلاح النووي الإيراني يشكل خطراً وجودياً، وأن مشكلة القضاء على التهديد النووي الإيراني هي من أخطر القضايا الأمنية التي تواجه القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية منذ قيام الدولة العبرية. وقد جاء هذا الإعلان في المؤتمر السنوي للقيادة العسكرية الإسرائيلية الذي يضم كبار الضباط في 18/2/2009.
أولاً: الموقف الإسرائيلي
ظهرت ثلاثة مستويات من المواقف الإسرائيلية تجاه كيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني كالتالي:
المستوى الأول: عبّر عنه قادة سياسيون وعسكريون (باراك، أشكينازي، أولمرت، نتنياهو، ليبرمان...) ومفاده أن على الدولة العبرية الاستعداد للخيار العسكري، وإعداد العدّة لشن هجوم في أي لحظة مناسبة على المنشآت النووية الإيرانية. مع تأكيدات لرئيس هيئة أركان الجيش غابي أشكينازي قال فيها إن المعلومات المتوفرة لدى "إسرائيل" هي أن إيران ستتمكن بحلول نهاية العام الحالي 2009 من إنتاج قنبلة نووية. وهذه هي استراتيجية نتنياهو التي يسميها: إيران أولاً. أي مواجهة التهديد النووي الإيراني قبل أي ملف آخر فلسطيني أو سوري أو لبناني. ويعتبر ليبرمان إيران المشكلة الرئيسة في الشرق الأوسط.
المستوى الثاني: عبّر عنه رئيس شعبة الاستخبارات السابق واللواء الاحتياطي أهرون زئيفي فركش الذي قال إن "إسرائيل" غير قادرة على مواجهة التهديد النووي بقواها الذاتية، وإنها في حاجة ماسة إلى مساعدة الولايات المتحدة. وأضاف أنه في حال وجهت ضربة عسكرية إلى إيران فعلى "إسرائيل" أن تكون مشاركة ليس أكثر، داعياً الجانب الإسرائيلي إلى "القليل من التواضع". وقد ترافق تصريح فركش الذي أذهلت صراحته الكثيرين، مع تأكيدات من أوساط أخرى سياسية وعسكرية "تحذر من خطر الإحساس الهائل بالغرور الذي تعرقله حقائق عدم تحقيق الانتصار المقنع في الحروب: حرب الاستنزاف وحرب الغفران وحروب لبنان الأولى والثانية..."، ومن خطر اتخاذ قرارات متهورة في ظل قيادات لا تتمتع بالكفاءة. كما قدمت في الوقت نفسه مجموعة من كبار المسئولين السابقين في جهاز الأمن الإسرائيلي توصيات متعددة الأبعاد للتصدي للتهديد النووي الإيراني تتداخل فيها العقوبات مع التأثير على الرأي العام الإيراني مع الاستعدادات لعملية عسكرية ومقاضاة الرئيس أحمدي نجاد، أي أن التوصيات تحاول أن تنأى بحكومة نتنياهو عن التهور العسكري.
المستوى الثالث: يمكن ملاحظته في موقف رئيس الدولة شيمون بيريز الذي قال للمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل، في 17/4/2009، أن لا نية لجيشه بمهاجمة إيران، وأن من الواجب خلق تعاون دولي واسع في المسألة الإيرانية، وأن كل الأحاديث عن هجوم إسرائيلي محتمل على إيران ليست صحيحة، فالحل في إيران ليس عسكرياً.
هذا وقد شهدت الصحف الإسرائيلية أيضاً تعليقات واسعة حول "الخطر الإيراني"، وذهبت بعض تعليقاتها وافتتاحياتها إلى الاستنتاج: "أن الهجوم الإسرائيلي لا يمكن أن يضمن إحباط البرنامج النووي الإيراني... وهل تعرف إسرائيل ماذا وأين يجب عليها أن تهاجم؟..."(هآرتس)، و"تصفية القوة النووية الإيرانية كبير علينا" (يوئيل ماركوس)...
بموازاة هذه الاتجاهات الثلاثة، استمر الجيش الإسرائيلي في القيام بالمناورات والتدريبات، واستقدام السلاح، وشراء المزيد من الطائرات الحربية والاستخبارية الأكثر تطوراً في العالم، وإجراء تجارب على منظومة صواريخ "حيتس" الاعتراضية، وصولاً إلى "رضا" نتنياهو عن الاستعدادات الإسرائيلية للخيار العسكري ضد إيران.
لا تعني هذه المستويات الثلاثة من المواقف والاتجاهات - التي قد تتداخل في ما بينها - أن هناك اختلافاً في توصيف "الخطر الإيراني" على الدولة العبرية، بل يقع الاختلاف والتباين حول أولويات التعامل مع هذا الخطر؛ بين من يريد تأجيل العمل العسكري، ومن يلوح به مبكراً، ومن يفضل مشاركة أو دفع آخرين مثل الولايات المتحدة إلى توجيه ضربة عسكرية إلى إيران.