ردود الفعل على القرار 1-عبر السكرتير العام للأمم المتحدة عن ترحيبه بإنشاء مجلس حقوق الإنسان باعتبار أنه يمنح الأمم المتحدة فرصة جديدة لبدء عمل جاد في مجال حقوق الإنسان. ووصف القرار بأنه حافظ على الجوانب الإيجابية في عمل لجنة حقوق الإنسان المنتهي عملها خاصة في مجال إجراءاتها الخاصة، واستمرار مشاركة المنظمات غير الحكومية في أعمال المجلس الجديد، وفى الوقت نفسه يعالج القرار نواحي النقص التي ظهرت في أعمال لجنة حقوق الإنسان. وأضاف "كوفي عنان" أن مجلس حقوق الإنسان سوف ينظر في سجل حقوق الإنسان للدول الأعضاء في الجمعية العامة، ومدى التزامها بهذه الحقوق بصورة عادلة ومتساوية دون اتخاذ مواقف اختيارية أو الكيل بمكيالين، وعبر "السكرتير العام عن أن الوقت قد حان لبدء التطبيق الفعلي لحقوق الإنسان من أجل ملايين البشر في العالم. 2- ومن ناحيتها ذكرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن مجلس حقوق الإنسان يستحق دعم الدول والمنظمات غير الحكومية؛ لأنه سيتيح التعامل بموضوعية ومصداقية أكبر مع انتهاكات حقوق الإنسان في العالم أجمع. وأكدت "لويز أربور" أن المجلس على عكس اللجنة السابقة سيراجع بصفة دورية سجل حقوق الإنسان لجميع الدول بما فيها أعضاء المجلس، ولن يستثني أية دوله من هذه المراجعة والتدقيق، ولن تستطيع أية دولة أن تحتمي لكونها عضوا في المجلس وتتهرب من النقد أو المراقبة.
نظره تحليلية 1 -يأتي قرار الجمعية العامة بإنشاء مجلس حقوق الإنسان تنفيذاً للقرار الصادر عن قمة زعماء العالم التي عقدت في عام 2005 بالأمم المتحدة، والتي دعت إلى تدعيم آلية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وكذلك تدعيم مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، وكان السكرتير العام تنفيذاً لهذا القرار قد كلف الباحث السويسري "فالتر كيلين" أن يتقدم باقتراحات حول تشكيل المجلس، وقد تقدم الباحث السويسري بثلاثة مقترحات أولها: تشكيل مجلس يتراوح أعضاؤه ما بين 25 إلى 30 عضواً، أو مجلس تتراوح أعضاؤه ما بين 55 إلى 60 عضواً، وأخيراً اقتراح بأن يشكل المجلس من كافة أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة أي 191 عضواً. وتبنى "كوفي أنان" فكرة تشكيل مجلس مصغر، وأحال الموضوع إلى رئيس الجمعية العامة "يان الياسون" لإجراء مشاورات والتقدم بمشروع إلى الجمعية العامة بأسرع وقت ممكن وخلال دورة انعقادها الحالية. 2 -أوضحت المشاورات التي أجراها رئيس الجمعية العامة مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية -والتي شاركت فيها المنظمة العربية لحقوق الإنسان- تباين المواقف بين أغلبية كانت تطالب بأن يكون مجلس حقوق الإنسان هيئة فرعية للجمعية العامة، وخاضعاً لإجراءاتها، وأقلية منها الولايات المتحدة التي كانت تطالب بأن يكون المجلس الجديد هيئة رئيسية يرقى لمستوى مجلس الأمن الدولي، كما طالبت غالبية بأن يرفع المجلس تقاريره إلى الجمعية العامة بينما طالبت الأقلية ومنها أيضاً الولايات المتحدة برفع التقارير إلى مجلس الأمن، وبالنسبة لعدد أعضاء مجلس حقوق الإنسان فكانت هناك مطالبة بأن يكون العدد 53 عضواً أو أكثر بينما كانت هناك مطالبه بقصر العضوية على 30 عضواً فقط. وبالنسبة للتصويت لانتخاب أعضاء المجلس اتجهت الأغلبية إلى انتخاب الأعضاء في المجلس الجديد بالأغلبية البسيطة داخل الجمعية العامة، بينما نادت الأقلية بأن يتم الانتخاب عن طريق ثلثي أعضاء الجمعية العامة. وبعد مشاورات دامت خمسة شهور توصل رئيس الجمعية العامة إلى حل وسط وتقدم بمشروع قرار تم اعتماده. 3 - وبتحليل نص القرار بإنشاء مجلس حقوق الإنسان يتضح ما يلي: أ- تضمنت ديباجه القرار إشارات هامة منها على سبيل المثال: * أن جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة. * بينما ينبغي أن يوضع في الاعتبار الخصوصيات الوطنية والإقليمية والعديد من الخلفيات التاريخية والدينية فإن من واجب جميع الحكومات بغض النظر عن أنظمتها السياسية والاقتصادية والثقافية، تشجيع وحماية جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية. * أن التنمية والسلام والأمن وحقوق الإنسان هي عناصر مترابطة ويعزز بعضها بعضاً. * يجب أن تواصل كافة الدول الجهود الدولية لتعزيز الحوار وتوسيع مساحة التفاهم بين الحضارات والثقافات والهيئات الدينية وتشجيع التسامح وحرية الدين والعقيدة. * الاعتراف بأن المنظمات غير الحكومية تضطلع بدور هام على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي في تعزيز وحماية حقوق الإنسان. ب- بالنسبة للفقرات التنفيذية من القرار فيلاحظ أنه أناط بالمجلس بالإضافة إلى تعزيز الاحترام العالمي لحقوق الإنسان ومواجهة الانتهاكات ما يلي: * الفقرات التنفيذية من البند (2) إلى البند (6) تحدد مسئوليات مجلس حقوق الإنسان ومن أهمها: - أن يقوم المجلس بالنهوض بالتثقيف والتعليم في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن الخدمات الاستشارية والمساعدة التقنية وبناء القدرات بالتشاور مع الدول وبموافقتها. - الاضطلاع بدور منتدى للحوار بشأن القضايا المتعلقة بجميع حقوق الإنسان. - تقديم توصيات إلى الجمعية العامة تهدف إلى مواصلة تطوير القانون الدولي في مجال حقوق الإنسان. - إجراء استعراض دوري وشامل يستند إلى معلومات موضوعية وموثقة لمدى وفاء الدول بالتزاماتها وتعهداتها في مجال حقوق الإنسان. - العمل بتعاون وثيق مع الحكومات والمنظمات الإقليمية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمجتمع المدني. - تقديم تقرير سنوي إلى الجمعية العامة. جـ- تقرر أن يستعرض المجلس أعماله وطريقة عمله بعد خمس سنوات من إنشائه، وأن يقدم تقريراً عن ذلك إلى الجمعية العامة. 4-لا شك أن إنشاء مجلس حقوق الإنسان سيدعم عمل الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، ويقلل من التدخل الأجنبي، إلا أن التدخل الإنساني من جانب الأمم المتحدة يحتاج إلى وضع عدة ضوابط مازالت غير متوافرة ويمكن عن طريق الحوار مع المجلس الجديد التوصل إلى وضع معايير وضوابط محدده لهذا التدخل الإنساني. 5 - رغم أن قرار إنشاء مجلس حقوق الإنسان لا يرقى إلى مستوى ما كانت تطمح إليه العديد من المنظمات غير الحكومية إلا أنه يمثل خطوة نحو الطريق الصحيح، ويمكن القول إنه إذا توفرت الإرادة السياسية والالتزام التام بمبادئ حقوق الإنسان من قبل المجتمع الدولي وتفعيل عمل المجلس الجديد فإن النظام الدولي يمكن أن يشهد بداية لدبلوماسية حقوق الإنسان تهدف إلى نشر وتدعيم وحماية هذه الحقوق. 6 -رغم أن الولايات المتحدة اعترضت على قرار إنشاء مجلس حقوق الإنسان إلا أن عجزها عن منع صدور قرار الجمعية العامة أمام التأييد الجارف الذي حصل عليه القرار، سوف يدفعها إلى التعامل مع المجلس الجديد وهو ما عبر عنه المندوب الأمريكي في شرحه لتصويت بلاده ضد القرار. 7- إذا نجح مجلس حقوق الإنسان بعد بداية أعماله في 19 يونيو/حزيران القادم في أن يكون فعالاً وجاداً فإنه سيضع كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أمام اختيار صعب سيحتم عليها أن يكون سجلها في مجال حقوق الإنسان متمشياً مع المعايير الدولية، وأن تراجع نفسها قبل ارتكاب انتهاكات قد تعرضها للمحاسبة الدولية.