في 26 يونيو 1945 في سان فرانسيسكو: جاء ميثاق الأمم المتحدة ليتوج ثمرة الجهود الدولية المبذولة ويؤكد في ديباجته مسئولية أعضاء المنظمة الدولية علي "إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت علي الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف" كما أكد ميثاق الأمم المتحدة علي إيمان شعوب الأمم المتحدة "بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية" وعلي بيان "الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي" وذلك بغرض الدفع "بالرقي الاجتماعي قدماً" ورفع "مستوي الحياة في جو من الحرية أفسح" ولتحقيق هذه الغايات عزموا علي "أن نأخذ علي أنفسنا بالتسامح وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار" . ولإعطاء مسألة حقوق الإنسان المزيد من الأهمية في الميثاق ومن باب أولي التأكيد علي ذلك من مقاصد الهيئة الدولية ومبادئها نصت الفقرة الثانية من المادة الأولي علي "تعزيز واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع علي ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين النساء والرجال". وفي إطار تحديد الميثاق لصلاحيات الجمعية العامة ودورها في إعداد دراسات وتوصيات تقضي الفقرة "ب" من المادة 13/1 "إنماء التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والإعانة علي تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس واللغة والدين ولا تفريق بين الرجال والنساء".
وأكد الميثاق في مجال التعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي بموجب الفقرة "ج" من المادة 55 ضرورة "أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين النساء والرجال ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً. وبديهي أن التعاون الدولي لن يكون له أدني تأثير بدون تعهد الدول علي ذلك بموجب المادة 56 "يتعهد جميع الأعضاء أن يقوموا منفردين أو مشتركين بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة الخامسة والخمسين". وعهد الميثاق لأحد الأجهزة الرئيسية بالهيئة الدولية. وهو المجلس الاقتصادي والاجتماعي بمتابعة تنفيذ كل ما يتعلق بحقوق الإنسان وحدد اختصاصاته بموجب الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 62 "2 – وله أن يقدم توصيات فيما يختص بإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها. 3 – وله أن يعقد مشروعات اتفاقات لتعرض علي الجمعية العامة عن المسائل التي تدخل في دائرة اختصاصاته. ومن ضمن صلاحيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المادة 68 إنشاء "لجاناً للشئون الاقتصادية والاجتماعية ولتعزيز حقوق الإنسان ، كما ينشئ غير ذلك من اللجان التي قد يحتاج إليها لتأدية وظائفه " . (انشأ لاحقا لجنة حقوق الإنسان عام 1946) ولتحسين أداء المجلس الاقتصادي والاجتماعي لدوره له التنسيق مع المنظمات غير الحكومية بموجب المادة 71 "للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يجري الترتيبات المناسبة للتشاور مع الهيئة غير الحكومية التي تعني بالمسائل الداخلة في اختصاصاته وهذه الترتيبات قد يجريها المجلس مع هيئات دولية كما أنه قد يجريها إذا رأي ذلك ملائماً مع هيئات أهلية وبعد التشاور مع عضو الأمم المتحدة ذي الشأن .(وهو ما يعرف بمنح الصفة الاستشارية للمنظمات غير الحكومية) الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : أوصت اللجنة التحضيرية للأمم المتحدة في الجلسة الختامية للمؤتمر بأن ينشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي في دورته الأولي لجنة لتعزيز حقوق الإنسان علي النحو المتوخي في المادة 68 من الميثاق وعهد بهذه التوصية إنشاء المجلس للجنة حقوق الإنسان في 16 فبراير 1946، ونظرت الجمعية العامة في الجزء الأول من دورتها الأولي المنعقدة في لندن يناير 1946 في مشروع إعلان لحقوق وحريات الإنسان الأساسية أحالته إلي المجلس الاقتصادي والاجتماعي لأحالته إلي لجنة حقوق الإنسان لتعد لشرعة دولية لحقوق الإنسان وأذنت للجنة في دورتها الأولي المنعقدة في أوائل عام 47 بصياغة ما أسمته مشروع أولي لشرعة دولية لحقوق الإنسان وبعد ذلك تشكلت لجنة لصياغة الإعلان وتألفت من ممثلي دول روعي في اختيارهم التوزيع الجغرافي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة وتشكلت اللجنة من:
1 – إليانور روزفلت "رئيس اللجنة" مندوب وم ا
2 – شارل مالك "مقرر اللجنة" مندوب لبنان
3 – رينيه كاسان "نائب الرئيس" مندوب فرنسا .
4 – بنج شونج تشانج "نائب الرئيس" مندوب الصين 5 – جون ب . هنفري "عضو" مندوب كندا .
6 – هيرنان سانتا كروز "عضو" مندوب تشيلي.
7 – إلكس بافلون "عضو" مندوب الاتحاد السوفيتي. 8 – جوفري ويلسون "عضو" مندوب بريطانيا .
9 – ويليم هود جيسون "عضو" مندوب إستراليا .
وعقدت اللجنة خلال فترة وجيزة 85 اجتماعا صاخباً تميزت بالضبابية والمزايدات السياسية حول قضية وجب أن تكون منزهة عن السياسة إلا أن المناقشات حول المسودة الأولي للشرعة بلغت درجة عالية من تضارب الآراء والمواقف وقد تميزت الخلافات العقائدية بين الماركسيين والليبراليين بدرجة أعلي من العنف والتحدي وكانت بمثابة المؤشر الواضح علي قرب اندلاع الحرب الباردة. وفي 10 ديسمبر 1948 أذيع في قصر شايو بباريس موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي خضع لـ (1233)إجراء تصويت وذلك بموافقة 48 دولة وبدون أي معارضة وتغيب دولتين وامتناع 8 دول عن التصويت وهم:- المملكة العربية السعودية " رفضاً للمادة 18". - وجنوب أفريقيا "بررت رفضها لافتقاد الإعلان للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الضرورية الحقيقية هذا السبب لإخفاء السبب الحقيقي للرفض وهو تضمن الإعلان حظر التمييز. - وست دول هم: "الإتحاد السوفيتي – روسيا البيضاء – أوكرانيا – تشيكوسلوفاكيا – بولندا – يوغسلافيا" مبررين امتناعهم عن التصويت بأن الإعلان يساهم في تدخل المنظمة في شئون الدول الداخلية ، إضافة إلي أن الحريات الواردة في الإعلان شكلية ولا تؤمن الوسائل العملية لممارستها.
القيمة القانونية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان: ويعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مثالاً مشتركاً ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم قد أصبح معياراً تقاس به درجة احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان والتقييد بأحكامها. والإعلان العالمي يعد قاعدة عرفية دولية تحترمها الدول وتعمل بموجبها ومن ثم فهو لا يتمتع بقوة قانونية وهو يمثل مركزاً أخلاقيا وأدبياً مرموقاً في تاريخ تطور الحريات العامة عبر الأجيال وهو أول وثيقة تتضافر فيها إرادة دول العالم بغية تحقيق كرامة الإنسان أينما كان. وللإعلان قوة معنوية اعتبارية فبالرغم من الاختلافات الحضارية والأيدلوجية والدينية واللغوية الموجودة في العالم استطاع الإعلان أن يشكل مرجعاً يستطيع الرأي العام أن يحكم انطلاقا منه علي تصرف ما بمدي احترامه لحقوق الإنسان الأساسية. وللإعلان سلطة أدبية لتنديد بالدول التي لا تحترم حقوق الإنسان. وقد قصد في الإعلان في بداية الأمر أن يكون بياناً بالأهداف التي ينبغي للحكومات أن تحققها ومن ثم فلم يكن الإعلان جزءاً من القانون الدولي الملزم بيد أن قبول هذا الإعلان من جانب عدد ضخم من الدول قد أضفي عليه وزناً معنوياً فأصبحت أحكامه يستشهد بها بوصفها المبرر للعديد من إجراءات الأمم المتحدة كما أن هذه لأحكام كانت بمثابة مصدر للإلهام لدي وضع الاتفاقيات الدولية وأصبح مثالاً يحتذي عند وضع الدساتير الوطنية قد تضمنت ديباجة العديد من الدساتير الوطنية الإشارة إلي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومنها مثلا فرنسا – الجابون – ساحل العاج – الجزائر ... الخ). وتزداد مساندة مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قوة في الدساتير التي اشتركت في أعدادها منظمة الأمم المتحدة مثل دستور إريتريا. والقيمة الأهم للإعلان إنه صيغ بحيث يصبح أسرع السبل لإمداد أعضاء منظمة الأمم المتحدة بالأسس الصالحة لعمل فردي أو مشترك من أجل تعزيز احترام العالم كله لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والالتزام بها. ومما يؤكد أهمية وقيمة الإعلان باعتباره هادياً ومرشداً في صياغة علاقتها الدولية، ففي الاتفاق بين إيطاليا ويوغسلافيا عام (ستعمل السلطات الايطالية واليوغسلافية كل في المنظمة التابعة لها وفقاً لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث يتمتع سكان المنطقتين كاملا وبدون أدني تمييز بالحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان. وفي الاتفاقية المبرمة بين تونس وفرنسا 1955 تعهدت تونس باحترام حقوق الإنسان.