بعد أن قام إمامنا المرتقب عبد الرحمن ومن معه ببناء دولتهم الإباضية الشامخة الذكر ، ازدهرت المدينة واشتهرت بحسن جمالها وامتياز موقعها ، مما جعل الكتاب والرحالة يشيدون بوصفها ، من ذلك وصف المقدسي لها حيث قال : (( .... هي بلخ العرب ، قد أحدقت بها الأنهار والتفت بها الأشجار وغابت في البساتين ونبعت حولها الأعين وجل بها الإقليم وانتعش فيها الغريب واستطابها اللبيب يفضلونها على دمشق وقد أخطو ، وعلى قرطبة وما أظنهم أصابوا ، هو بلد كبير كثير الخير رحب رقيق طيب رشيق الأسواق غزير الماء جيد الأهل قديم الوضع محكم الرصف عجيب الوصف .... )) . أنظر المقدسي : أحسن التقاسيم ، ص 228 .
وقد استمرت هذه الدولة الفتية في التطور والازدهار ، حتى اشتهرت في الآفاق وعرفت بـ ( عراق المغرب ) ، وفي عام 160 للهجرة استأنس الإباضية من أنفسهم قوة ووجدوا أنهم يملكون كل المقومات المادية والأدبية لإعلان إمامة الظهور ، فنظروا لمن يتولى الأمر فلم يجدوا أليق ولا أبرز من عبد الرحمن بن رستم رحمه الله لسابقته ودينه وعلمه ، وتمت البيعة له ، وهكذا يكون الإمام عبد الرحمن بن رستم رحمه الله أول إمام لأول دولة إسلامية إباضية في المغرب الأوسط (الجزائر ) عرفت في التاريخ بالدولة الرستمية .
وكانت الدولة الرستمية دولة إباضية تستظل بها جميع القبائل المعتنقة لهذا المذهب إضافة إلي غيرها من القبائل والمذاهب الداخلة ضمن حدودها ،وكان جميع سكانها من مختلف المذاهب يعيشون بحرية تامة ولهم منازلهم ومساجدهم الخاصة التي يتعبدون بها وفق ما يرونه صحيحا دون أن تمس حرياتهم أو تجرح مشاعرهم ، وكانت تجري بين العلماء من مختلف المذاهب المناظرات وكان يحضرها العام والخاص ، ولنستمع إلى ما قاله ابن الصغير في الدولة الرستمية ، وابن الصغير هذا من الشيعة وقد عاش في هذه الدولة وعني بكتابة تاريخها ، فكان من ضمن ما قاله عنها : (( ليس أحد ينزل بهم من الغرباء إلا استوطن معهم وابتنى بين أظهرهم لمل يرى من رخاء البلد وحسن سيرة إمامه وعدله في رعيته وأمانة على ماله ونفسه ، حتى لا ترى دارا إلا قيل هذه لفلان الكوفي ، وهذه لفلان البصري ، وهذه لفلان القروي ، وهذا مسجد القرويين ورحبتهم ، وهذا مسجد البصريين ،وهذا مسجد الكوفيين )) ، أنظر : أخبار الأئمة الرستميين لإبن الصغير ، ص36 .
هذه شهادة من رجل يعتنق مذهبا مخالفا لمذهب أهل الحق والاستقامة فما الذي دفعه لأن يثني عليهم ويصفهم بما وصف إلا ما رآه بأم عينيه من عدلهم وإنصافهم وإقامتهم لشرع الله وتطبيقهم لسنة رسول الله .
وهنا سؤال يطرح نفسه أين ملوك بني أمية ما خلا عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه ، وملوك بني العباس من هؤلاء الأئمة؟! وأين أفعالهم من أفعال هؤلاء؟! ، وأين دولهم من هذه الدولة؟! ، فإن المتأمل لدولة بني أمية وبني العباس يجد أنهم مارسوا أشد أنواع التعذيب والقهر والكبت لمن خالفهم في المعتقد فلم يتورعوا في قتله والتنكيل به وإهلاك ماله وذريته بل يصل الأمر ببعضهم إلى القتل بالظنة ، وكتب التاريخ مليئة بجرائمهم ولا داعي لذكرها فهي لا تخفى عن كل ذي لب ، حتى بيت الله الحرام لم يسلم منهم ، ونكتفي بذكر ما عاناه الإمام أبو عبيدة رحمه الله منهم مما اضطره أن يدرس طلابه في سرداب تحت الأرض وكانوا يتخفون بلباس الباعة والنساء حتى يصلوا إلى سردابهم فأي قهر أشد من هذا القهر وأي كبت لحرية العبادة أشد من هذا الكبت ، ثم يأتي من يلبسهم لقب خليفة المسلمين والإسلام من أفعالهم براء.
وكنت أتصفح مآثرهم التي خلفوها للأجيال الإسلامية لتتأسى بهم في كتاب العقد الفريد لأبن عبد ربه والذي يحضر في ذاكرتي الآن من مآثرهم الخالدة ، تحدث إبن عبد ربه عن خليفتهم الراشد هارون الرشيد فقال : " وكان رحمه الله له قينة يتردد عليها " أتعرفون ما معنا القينة يا أحفاد الفاروق والصديق ، إن اسم القينة يطلق على المرأة العاهرة . هذا هو الخليفة الراشد " رحمه الله " !!!!!!!!!!!!
وسأراجع الموضوع في كتاب العقد الفريد حتى أتي بنص كلام إبن عبد ربه ،
فمن هو الذي يستحق أن يوصف بالمذهبي الإباضية أم هؤلاء ومن هو الذي يستحق أن يلقب بالخوارج الإباضية أم هؤلاء، سبحانك ربي هذا بهتان عظيم.