3-3 التدخل الإسباني في تلمسان و القضاء على عرو
لم ينظر الإسبان بعين الارتياح إلى النجاحات التي حققها الإخوة بربروس و الخطوات الكبيرة التي خطوها في طريق توحيد أجزاء الجزائر تحت سلطتهم، لأن خطرهم المتزايد سوف لا يتوقف عند تهديد مراكزهم على ساحل المغرب الكبير و على شواطئ إسبانيا نفسها و لذلك فقد كان رد فعلهم التدخل السريع الى جانب السلطان المخلوع أبي حمو الثالث، فقطعوا أولا خط الرجعة إلى الجزائر، بقضائهم على حامية قلعة بني راشد بما في ذلك إسحاق شقيق عروج وخيرالدين، ثم حاصروا عروج في تلمسان. و كان هذا الأخير يأمل في وصول المدد إليه من حليفه السلطان الوطاسي، و لما طال انتظاره حاول الفرار في اتجاه الغرب مع القليل من الأتراك الذين بقوا و الإسبان أدركوا بعد معركة عنيفة من القضاء عليه و على رفاقه في ماي 1518 وفي بني يزناسن. و أعاد الإسبان الملك في تلمسان إلى أبي حمو الثالث الذي قبل أن يدفع ضريبة سنوية لهم مقدارها 12000 دوكاتو 12 من الخيل و 6 من إناث الصقور، كعلامة عن التبعية . وبمقتل عروج وأخيه إسحاق و القوات التي كانت معهما، تعرض الوجود العثماني إلى هزة قوية كادت تقضي عليه ، و تقلصت من جديد أرجاء الدولة التي أخد عروج في إنشائها بعودة ابي حمو إلى مملكة تلمسان و حميدة العبد إلى تنس .
3-4 إنطواء الجزائر تحت لواء الدولة العثمانية
بويع خير الدين في مدينة الجزائر، خلفا لأخيه عروج، فشرع فورا في الإستعداد لمواجهة حملة إسبانية متوقعة، قد يشترك فيها حليفهم ملك تلمسان. و لم تكن توقعاته وهمية، إذ تحركت في صيف سنة 1518م/924، أي بعد شهور قليلة من مقتل أخويه عروج واسحاق، بقيادة نائب ملك صقلية، هيجو دومنكاد للقضاء على البقية من مدينة الجزائر، و أعوز قائد الحملة إلى سلطان تلمسان للتحرك بقواته إلى مدينة الجزائر، و لكن الجزائريين بقيادة خير الدين تمكنوا من القضاء على الحملة الإسبانية قبل أن يصل هذا الأخير، و لم يسلم من القتل أو الأسر أو الغرق في البحر إلا العدد القليل و في أعقاب هذا النصر الباهر، عزم خير الدين الرحيل إلى إقليم الروم، و ترك مدينة الجزائر للجزائريين و من ينتخبونهم منهم. و جمع أهل الجزائر كلهم وأعيانها من العلماء الصلحاء و المشايخ ليخبرهم بعزمه. و لكن هؤلاء أصروا على إقامته في الجزائر، ووافقوا على اقتراحه بصرف الخطبة إلى السلطان سليم العثماني، و ضرب السكة باسمه حتى يضمنون مساعدته، و تزويده لهم بما يلزمهم من الرجال وآلات الجهاد لحماية مدينتهم.
و كتبوا كما أمرهم خير الدين كتابا على لسانهم إلى حضرة السلطان العثماني المذكور يخبرونه بصرف طاعتهم إليه، و أنهم من جملة من تنفذيهم أحكامه، ويقع فيهم نقضة .وهو بتاريخ أوائل ذى الحجة سنة 925ه/أواخر أكتوبر أو أوائل نوفمبر 1519م. وكتب هو كتابا آخر إلى السلطان سليم، الذي رحب بطلب أهالي الجزائر و خير الدين الانضمام تلقائيا تحت لوائه، و سر به كثيرا، لأنه كان متجاورا مع رغباتهم و مطامحه في مد نفوذه ليشمل كل العالم الإسلامي، و العربي، مشرقه و مغربه، حتى يكون أكثر قوة في صراعه مع أوروبا المسيحية، عسكريا و إستراتيجيا و اقتصاديا.
و يبدو أن السلطان سليم كان يخطط أصلا لبسط نفوذه على كامل شمال إفريقيا و الحوض الغربي للمتوسط، فقد نسب إليه قوله لأحد كتمة سره ...أن البحر الأبيض المتوسط هو عبارة عن خليج واحد يمتد إلى بوغاز سبتة، فكيف يليق أن تجتمع فيه مدن مختلفة، ثم أنهم لا يكونون تحت حكم الدولة العلية، فعدم الإجتهاد في بلوغ هذه الغاية المقصودة هو من قصور الهمة المزري بشأن الدولة…إني آليت على نفسي و عاهدتها إن مد الله في عمرى،أني أحرمها الراحة و السكون، مالم أنشئ الأساطيل الكافية لنيل المرغوب ، و أستولى على ثغور البحر البيض المتوسط ...
و تذكر المراجع أن السلطان سليم بذل فعلا جهودا كبيرة لترقية البحرية العثمانية، لتحقيق فرصة ذاك. و تشير المراجع من جهة أخرى إلى تقديمه العون للأخوة بربروس، الذين كانوا يعملون في الحوض الغربي للمتوسط قبل انضمام الجزائر بشكل رسمي إلى الدولة العثمانية، و إلى اعتزامه المسير بنفسه إلى الغرب و لكن الأجل لم يمهله.
شيوخ القبائ
وقد أرسل السلطان سليم صحبة مبعوثي الجزائر إليه سنجقا، و كتابا إلى أهل الجزائر و خير الدين بقبول ما كتبه إليه، و أنهم ممن تشمله عنايته و تحرسهم رعايته، و بذلك غدت الجزائر تابعة للدولة العثمانية، وأصبح خير الدين حاكما لها تابعا للسلطان العثماني . و قد أمد السلطان سليم خير الدين بالمساعدة العسكرية التي كان بحاجة ماسة إليها حيث أرسل إليه 2000 جندي و سمح بالذهاب إلى الجزائر لكل من يريد ذلك من الأتراك، ووافق أن يكون للإنكشاريين في الجزائر نفس الإمتيازات التي كان يتمتع به الإنكشاريون في عاصمة الدولة. فقصدها عدد آخر ، مما سمح لخير الدين أن يقيم حاميات عديدة في الغرب الجزائري منها مستغانم، و تنس، و مليانة و غيرها
4- أطوار الحكم العثماني في الجزائر
لقد مر الحكم العثماني في الجزائر بأربعة أطوار رئيسة أولها عهد البايلربايات 1519-1587، و ثانيها عهد الباشاوات 1587- 1659، و ثالثها عهد الآغاوات 1659-1671، و رابعها عهد الدايات1671-1830.
4-1 الجزائر في عهد البايلربايات
1519-1587 غدت مدينة الجزائر و توابعها منذ أواخر سنة 925ه/1519 تابعة للدولة العثمانية مرتبطة بها، دون أن تتجشم هذه الأخيرة عناء غزوها، كما حدث بالنسبة لبلاد الشام و مصر، و العراق و غيرها و تونس أيضا كما سنرى، و غدا خير الدين حاكما تابعا للسلطان العثماني ،إلا أنه كان في واقع الأمر يتمتع بسلطات واسعة في الجزائر ،لا تقل عن سلطات الملوك، و إن كان في واقع الأمر يتمتع بسلطات واسعة في الجزائر، لا تقل عن سلطات الملوك، وإن لم يكن رسميا إلا بايلربايا، أو أميرا للأمراء فيها و هو اللقب الذي حمله هو، و عدد من الحكام الأساسيين الذين خلفوه في حكم الجزائر في الفترة 1519-1587 م، التي تعرف بعهد البايلرباي. و قد كان السلطان العثماني يعين هؤلاء لحكمها لفترة غير محدودة بزمن و يختارهم غالبا من أكفاء الرجال الذين خدموا في الجزائر .