ابتداءً من اليوم الرابع والعشرين في الأسبوع الرابع وحتى الأسبوع السادس تظهر على جانبي مبادئ العمود الفقري للجنين نتوءات..ويتقوس الشكل الخارجي للجنين بسبب حدوث انثناءات في جسم الجنين (Somites)نظراً لاختلاف معدل نموأجزائه المختلفة. ويكون أفضل وصف للجنين في هذه المرحلة هووصف المضغة نظراً للشكل المنثني المميز ولوجود النتوءات التي تشبه مواضع الأسنان على قطعة صغيرة من اللحم الممضوغ ويكون طول الجنين في هذه المرحلة حوالي 1-2 سم مما يجعله في حجم ما يمضغ، وصدق الله العظيم إذ يقول ( ثم خلقنا النطفة علقة...) (المؤمنون: 14)
11- مخَلٌَََقَة وغير مخلقة
إن الجنين في مرحلة المضغة يحتوي علي أصول جميع أجهزة الجسم ( الجهاز الدوري – التنفسي – الهضمي – البولي ) فأوليات جميع الأجهزة قد إكتمل تشكيلها ولكن تفاصيل هذه الأجهزة لم تكتمل بعد..وأيضاً فإن بعض الخلايا قد تخصصت
(Differentiated) ولكن بعضها ما زال غير متخصص في صور خلايا غير متميزة Undifferentiated والعجيب أن القرآن الكريم يصف المضغة بهذا الوصف (مخلقةٍ وغير مخلقة ) ولاحظ إستعمال القرآن الكرسم للفظ (مخلقة ) ولم يستعمل لفظ (مخلوقة) فكل الخلايا في هذه المرحلة (مخلوقة ) ولكن بعضاً منها ما زالت غيرُ مُخلقة وغير مُخلقة تعنى عدم إحكام الصنعة فهى ما زالت غير محكمة الصنعة حيث بعض الخلايا لم تتخصص في وظيفتها كما أن الأجهزة ما زالت في صورة أولية، فجمع الجنين في هذه المرحلة بين وصف ( مُخلقة ) من حيث إكتمال تشكيل المضغة في ذاتها على أحسن هيئة وتخصص بعض خلاياها وبين وصف ( غير مخلقة ) من حيث عدم إكتمال صفة الأجهزة وعدم تخصص كثير من الخلايا والله تعالى أعلم. قال تعالى(....ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم....) (سورة الحج:5).
12- جمع الخلق
صورة لجنين في اليوم الثاني والأربعين من عمره وقد ظهر الرأس وبدايات تكون العينين والأذنين وأصابع اليدين
Moore and Persaud، 1998، Before we are born، 5th ed.، p:94
يصف الرسول صلى الله عليه وسلم الجنين في هذه المرحلة بلفظة معبرة فيقول صلى الله عليه وسلم: ( إن أَحَدكم يُجْمَعُ خَلْقه في بطن أُمه أربعين يوماً.ثم يكون فى ذلك علقة مثل ّذلك ثم يكون فى ذلك مضغة مثل ّذلك.....الحديث) (صحيح مسلم). إن طور المضغة في أواخر الأسبوع السادس (40-42 يوم ) يتميز بعدة خصائص:
1-يكون طوله في حدود 1 سم.أي في حيز صغير جداً
2- يكون على هيئة مقوسة وبذلك يكون طرفاه مجموع أحدهما الي الآخر
3- تجتمع بداخله بدايات جميع أجهزة الجسم.
فحق لنا أن نقول أنه قد تم (جمع خلقه) في هذه المرحلة وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم
جاء الحديث الشريف بثلاثة روايات لأئمة الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه:
رواية البخارى الصحيحة- رواية مسلم الصحيحة – رواية أبوعوانة ( وهى ضعيفة السند رغم شهرة النص)
رواية أبوعوانة لواعتبرناها لفسد المعنى حيث لفظها عنده: (إن أَحَدكم يُجْمَعُ خَلْقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ) وهذا معناه أن النطفة تستمر الي اليوم الأربعين ولكن الرواية الصحيحة هي رواية الإمام البخاري: حدثنا أبوالوليد هشام بن عبد الملك حدثنا شعبة أنبأني سليمان الأعمش قال سمعت زيد بن وهب عن عبد الله قال :حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهوالصادق المصدوق قال: ( إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع برزقه وأجله وشقي أوسعيد فوالله إن أحدكم أوالرجل يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أوذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أوذراعين فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) (صحيح البخاري/كتاب القدر/في القدر).
ولكن هناك أيضاً زيادة هامة عند الإمام مسلم، والنص عنده هو: حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا أبومعاوية ووكيع ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني واللفظ له حدثنا أبي وأبومعاوية ووكيع قالوا حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهوالصادق المصدوق
إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أوسعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)( صحيح الإمام مسلم / كتاب القدر / كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله).
والزيادة في نص الحديث عند الإمام مسلم هي قوله صلي الله عليه وسلم (في ذلك علقة مثل ذلك ) و( في ذلك مضغة مثل ذلك) فلفظ في ذلك أي خلال نفس المدة مما يعني أن المراحل الثلاث تتم جميعاً في الأربعين الأولى.
والزيادة التى في صحيح مسلم هى زيادة ثقة ويجب إضافتها الي النص لإكتمال المعنى حسب مبادئى علم مصطلح الحديث وبذلك يكون المعنى: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم إنه يكون في هذه الأربعين أيضاً علقة تامة الخلق مكتملة التكوين ثم إنه يكون في هذه الأربعين أيضاً مضغة تامة الخلق مكتملة التكوين..وبذلك يكون في هذا الحديث دروس عظيمة من دروس علم مصطلح الحديث:
1- حسن التثبت من صحة الحديث، فإن رواية أبوعوانه الضعيفة تفسد المعنى.
2- أهمية دراسة جميع طرق الحديث ونصوصه المختلفة.
3- أهمية إعتبار الزيادة في حديث الثقة عند دراسة النص حتى يكتمل المعنى مثلما إعتبرنا لفظ ( في ذلك ) للإمام مسلم عند دراسة نص الإمام البخارى وبذلك كانت صيغة الإمام مسلم لهذا الحديث هى أقرب وأكمل صيغة له.
13- العظام
ينتهي تكون النموذج الغضروفي لعظام الأطراف في الأسبوع السادس وتتحول أغلب النماذج الغضروفية إلى عظام
خلال الأسبوع السابع وما بعده.
Moore and Persaud، 1998، Before we are born، 5th ed.، p: 394
إذا كان انتهاء المضغة في نهايه الأسبوع السادس كما يوضح ذلك نص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فى البخارى ومسلم والنص لمسلم.( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً..... ) وكما أكد ذلك أيضاً العلم الحديث من أن هذه المضغة في الجنين من حيث جمعها وشكلها ورسمها التى تشبه قطعة اللحم تستمر في الأسبوع الخامس والسادس.. فإن خلق العظام يبدأ في الأسبوع السابع حيث أن النموذج الغضروفي للعظام يتكون غالبا خلال الأسبوعين الخامس والسادس ومن المعجز أن القرآن الكريم يعبر عن هذا التتابع بحرف ( ف) الذى يدل على الترتيب مع التعقيب فيقول الله تعالى ( فخلقنا المضغة عظاماً) (المؤمنون: 14).
إن خلق العظام يبدأ من نقاط تعظم موجودة في النموذج الغشائى أوالنموذج الغضرفي الذى يتحول تدريجياً الي عظام. حيث يبدأ التعظم من نقطة محددة وينشز في حلقات دائرية حتى تكتمل المهمة والقرآن الكريم قد أوضح هذه الحقيقة بإشارة لطيفة.. حيث استعمل لفظ ( نشز ) الذىيدل على الإنتشار في موضعين، الأول في قوله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل لكم انشزوا فانشزوا.... ) (سورة المجادلة: 11). حيث يكون نشز الجمع من الناس إستيعاباً للزيادة من القادمين الجدد وذلك بالتراص في دوائر مع التوسعة من المنتصف فتنتظم الحلقات ويتم إستيعاب الزيادة. وجاء إستعمال نفس اللفظ في تخليق العظام، قال تعالى (....وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما...) (سورة البقرة: 259) حيث تتسع حلقات العظام الصلبة وتنتشر من المنتصف الى الأطراف. وعلى هذا يكون اللفظ المعجز للدلالة على بدايات تكوين العظام ثم انشازها هولفظ (ننشزها) الذى استعمله القرآن لبكريم.
14- فكسونا العظام لحماً
كقاعدة اساسية: يسبق انتشار الخلايا الأولية المكونة للعظام (Sclerotome) انتشار الخلايا الأولية المكونة للحم (Myotome)، حيث تنتشر الخلايا الأولية المكونة للحم لتغطي الخلايا الأولية المكونة لعظام
Sadler، Langman's Medical Embryology 10th ed.، 2006، p: 75
الشكل يوضح مصدر الخلايا الأولية المكونة للعضلات من القطع الجسدية خلال الأسبوع السادس
والشكل يوضح الإنتشار الفعلي للأنسجة العضلية في الأسبوع الثامن
Moore and Persaud، 1998، Before we are born، 5th ed.، p: 402
إذا كان خلق العظام يكون في الأسبوع السابع فإن تغطيتها باللحم يتبع ذلك في الأسبوع الثامن مباشرة وقد عبر القرآن الكريم عن تطور الجنين في هذه المرحلة بتعبير معجز مع قلة عدد كلماته وعظيم معانيه..قال تعالى (.... فكسونا العظام لحماً...) (المؤمنون: 14). وأبسط الاستنتاجات من الآية وفقاً لأصول اللغة العربية تنطبق على أحدث المعارف العلمية حيث أنها:
أولاً تدل على أن خلق العظام يتم قبل خلق اللحم وهذا قمة الدقة في الصدق،فالعظام تنشأ في الأسبوع السابع وتكسى باللحم في الأسبوع الثامن
ثانياً: تدل على التعاقب بين الخلقين وذلك مستنتج من حرف(ف) الذى يدل على التعقيب مع السرعة.
ثالثاً: لفظ الكساء باللحم هوأفضل وصف بين العظام واللحم حيث تكسى العظام باللحم كما يكسى الرجل الثوب فكلاً من اللحم والعظام يبدأ في التخلق من البروزات الموجودة على جانبى بدايات العمود الفقرى في مرحلة المضغة ثم تنتشر الخلايا الأولية المكونة للعظام ويتبعها الخلايا الأولية المكونة للحم ويكون كساء اللحم للعظام تالياً لتشكل العظام.