الهدي النبوي في منع وقوع الغضب
سبع قواعد نبوية نورانية
إن من فضل الله تعالى على المسلمين أن جعل لهم قدوة يقتدون بها؛ تتمثل فيها مكارم الأخلاق التامة؛ التي أخذت من مشكاة النبوة وذلك هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أثنى عليه ربه عز وجل فقال" :وإنك لعلي خلق عظيم” ( القلم -4)
ومن مكارم الأخلاق التي عنيت بها السنة وأمر بها القرآن العظيم مجاهدة نوازع الغضب والحلم؛ وكظم الغيظ؛ والعفو عند المقدرة حتى في مواجهة المتطاولين والجهلاء وفي ذلك منهج رباني أمرنا كمسلمين بالأخذ به وهدي نبوي يحقق لنا النجاح في الدنيا والنجاة في الآخرة .
وقد جاءت السنة النبوية المطهرة بخطة فعالة لمنع وقوع الغضب ومن ثم تفادي تأثيره على الفرد والمجتمع.
وقد أوتي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كما نعلم من سيرته المباركة ـ أوفى قدر من الحلم وضبط النفس عند الغضب.
1- الأمر المباشر "لا تغضب"
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :"قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة" قال: "لا تغضب" (البخاري 6116 صحيح الجامع 7374 الفتح 4/465) .
وعن أبي هريرة رضي الله " أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني فقال: "لا تغضب" فردد مراراً : "لا تغضب " (رواه البخاري وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو يَعْلَى ) .
وخرج الترمذي هذا الحـديث ـ في رواية له ـ ولفظه : عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ لِي قَوْلاً وَأَقْلِلْ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ، قَالَ : ”لا تَغْضَبْ“، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ كُلُّ ذَلِكَ يُرَجِّعُ إلَيَّ ”لا تَغْضَبْ“
وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال : قلت يا رسول الله ما يمنعني من غضب الله قال :"لا تغضب" . (أخرجه الطبراني في مكارم الأخلاق وابن عبد البر في التمهيد بإسناد حسن وهو عند أحمد)
فالجزاء من جنس العمل ومن ترك شيئاً لله عوضه الله تعالي خيراً منه.
وقد أحصى أحد العلماء -هو الشيخ سليمان العلوان 19 جزاه الله خيراً-
ثلاثاً وخمسين فائدة لهذا الحديث قليل المبنى عظيم الأثر والمعنى.
وفي ذلك أيضاً إعجاز بياني بلاغي لسيد البشر وخاتم المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم الذي أوتي جوامع الكلم
و اختصر له الكلام اختصاراً.
2- الترغيب برضا الله و حب الله
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : ”ما من جرعة أعظم أجرا ثم الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله“
صحيح الترغيب: 2752، وصحيح ابن ماجه: 2/407/4179و أحمد 2/128 والبخاري في الأدب (1318) قال البوصيري -رحمه الله تعالى- " هذا إسناد صحيح رجاله ثقات " المصباح (1496) .
وعن أنس رضي الله عنه قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ”مَنْ ذَكَرَنِي حِينَ يَغْضَبُ ذَكَرْتُهُ حِينَ أَغْضَبُ وَلا أَمْحَقُهُ فِيمَنْ أَمْحَقُ“ (رواه الديلمي و ابن شاهين)
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم
”..ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة“ (رواه الطبراني 12/453 وهو في صحيح الجامع 176)
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشج - أشج عبد القيس- قائلاً له : " إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة " (رواه مسلم 2318 )
3- الترغيب بالجنة
عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين فيزوجه منها ما شاء ".
(مسند أحمد 1566، سنن أبي داود 4147،الترمذي 2417، ابن ماجة 4176)
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :"قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة" قال : "لا تغضب و لك الجنة" (البخاري 6116 )
4. ترغيب العرب ببيان الشدة والشجاعة في حجز النفس عن الغضب (و هو ما يحبونه)
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يصطرعون فقال : " ما هذا ؟"
قالوا فلان لا يصارع أحداً إلا صرعه فقال: النبي صلى الله عليه وسلم:
" أفلا أدلكم على من هو أشد منه ؟ رجل كلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه". (رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن . الفتح 10/519)
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" رواه البخاري ومسلم.
5- الترهيب من فساد الإيمان وغضب الله
وعن أبي مسعود البدري قال: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط فسمعت صوتاً من خلفي "اعلم أبا مسعود" فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: "اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود" قال: فألقيت السوط من يدي. وفي رواية فسقط من يدي السوط من هيبته فقال: "اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام" ، قال: فقلت لا أضرب مملوكاً بعده أبداً. وفي رواية فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال "أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار" (رواه مسلم)
وعن ابن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معاوية إياك والغضب، فإن الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل".
(أخرجه ََابْنُ عَسَاكِرَو الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب )
عن عبدالرحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبي (وكتبت له) إلى عبيد الله بن أبي بكرة وهو قاض بسجستان: أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان.
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان“. رواه البخاري (6739) ومسلم (1717)
6- القدوة بالمثال: هديه صلى الله عليه وسلم في التحلم والتبسم في مواطن الغيظ والغضب للنفس
وهذه السمة من أخلاقه صلى الله عليه وسلم، واضحة في عدة أحاديث من أبرزها: عن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم ( ما بين العنق والكتف ) وقد أثرت بها حاشية البرد، ثم قال: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فضحك ، ثم أمر له بعطاء. (متفق عليه فتح الباري 10/375 ).
ومثل ذلك الموقف الذي حدث مع الحبر اليهودي زيد بن سعنة والذي انتهى بإسلام هذا اليهودي لتيقنه من أن التحلم في مواطن الغضب للنفس من سمات النبوة ليكون في ذلك درس عملي نبوي لكل مسلم أراد أن يكون داعية، أن التحلم في مواطن الغضب للنفس من الأدوات العملية للداعية الناجح.