خامسا : آية سلخ النهار من الليل
ويقول فيها ربنا( تبارك وتعالي ) : وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون ( يس : 37 )
ومعني ذلك ان الله( تعالي ) ينزع نور النهار من أماكن الأرض التي يتغشاها الليل بالتدريج كما ينزع جلد الذبيحة عن كامل بدنها بالتدريج, ولا يكون ذلك إلا بدوران الأرض حول محورها امام الشمس, وفي هذا النص القرآني سبق بالإشارة إلى رقة طبقة النهار في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس, وهي حقيقة لم يدركها الانسان إلا بعد ريادة الفضاء في النصف الثاني من القرن العشرين حيث ثبت إن سمك طبقة النهار حول الأرض لايتعدي المائتي كيلو متر فوق سطح البحر, واذا نسب ذلك إلى المسافة التي تفصل بيننا وبين الشمس( والمقدرة بحوالي المائة والخمسين مليونا من الكيلو مترات ) فإنها لا تتجاوز الواحد الي سبعمائة وخمسين ألفا تقريبا, واذا نسب الي نصف قطر الجزء المدرك من الكون( والمقدر بأكثر من عشرة آلاف مليون من السنين الضوئية*9.5 مليون مليون كيلو متر ) اتضحت ضآلته, واتضحت كذلك لمحة الاعجاز القرآني في تشبيه انحسار طبقة النهار الرقيقة عن ظلمة الليل بسلخ جلد الذبيحة الرقيق عن كامل بدنها, وفي التأكيد علي ان الظلام هو الأصل في الكون, وان نور النهار ظاهرة رقيقة عارضة لاتظهر إلا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المواجه للشمس.
سادسا : آيتا سبح كل من الليل والنهار كناية عن سبح الأرض في مداراتها المختلفة
ويقول فيهما ربنا( تبارك وتعالي : )
( 1 ) وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ( الأنبياء : 33 )
( 2 ) لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون
( يس : 40 )
سابعا : آية مرور الجبال مر السحاب
وفيها يقول الخالق( سبحانه وتعالي ) :
وتري الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شئ إنه خبير بما تعملون( النمل : 88 )
ومرور الجبال مر السحاب هو كناية عن دوران الأرض حول محورها, وعن جريها وسبحها في مداراتها, وذلك لأن الغلاف الغازي للأرض الذي يتحرك فيه السحاب مرتبط بالأرض برباط الجاذبية, وحركته منضبطة مع حركة كل من الأرض, والسحاب المسخر فيه.
غشيان( تغشية ) الليل النهار :
جاء ذكر هذه الحقيقة الكونية في آيتين كريمتين من آيات القرآن العظيم يقول فيهما ربنا( تبارك وتعالي ) :
( 1 ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين* ) ( الأعراف : 54 )
( 2 ) وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون( الرعد3 )
كذلك جاء ذكر تجلية النهار للشمس, وتغشيتها بالليل في قول الحق( تبارك وتعالي ) : والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها( الشمس : 1 ـ4 )
وجاء ذكر تغشية الليل وتجلية النهار دون تفصيل في قول ربنا( تبارك وتعالي ) :
والليل إذا يغشي* والنهار إذا تجلي( الليل : 2,1 )
والفعل( يغشي ) مستمد من ( الغشاء ) وهو الغطاء, يقال غشي بمعني غطي وستر, ويقال( غشاه ) و ( تغشاه ) ( تغشية ) أي غطاه تغطية, و ( أغشاه ) إياه غيره, و( الغشوة ) بفتح الغين وضمها وكسرها و ( الغشاوة ) مايتغطي أو يغطي به الشيء, ويقال( غشية ) ( غشيانا ) و ( غشاوة ) و( غشاء ) أي جاءه مجيء ما قد غطاه وستره, و( استغشي ) بثوبه و ( تغشي ) به أي تغطي به, و( الغاشية ) كل ما يغطي الشيء كغاشية السرج, و( الغاشية ) تستخدم كناية عن القيامة التي ( تغشي ) الخلق بأهوالها وجمعها( غواش ) , و ( غاشية تغشاهم ) أي أمر يعمهم سواء كان شرا أم خيرا من مثل نائبة تجللهم أو فرح يعمهم.
من ذلك يتضح أن من معاني يغشي الليل النهار أن الله( تعالي ) يغطي بظلمة الليل مكان نور النهار علي الأرض بالتدريج فيصير ليلا, ويغطي بنور النهار مكان ظلمة الليل علي الأرض بالتدريج فيصير نهارا, وهي إشارة لطيفة إلي كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس دورة كاملة في كل يوم مدته24 ساعة, يتقاسمها ـ بتفاوت قليل ـ الليل والنهار, في تعاقب تدريجي ينطق بطلاقة القدرة الإلهية المبدعة, فلو لم تكن الأرض كروية الشكل مااستطاعت الدوران حول محورها, ولو لم تدر حول محورها أمام الشمس ماتبادل الليل والنهار.
والقرآن الكريم يستخدم تعبير الليل والنهار في مواضع كثيرة استخداما مجازيا للإشارة إلي كوكب الأرض, كما يشير بهما إلي كل من الظلمة والنور ـ علي التوالي ـ وإلي العديد من المظاهر المصاحبة لهما من مثل قوله( تعالي ) :
والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها
( الشمس : 1 ـ4 )
وفي هذه الآيات الكريمة يقسم ربنا تبارك وتعالي( وهو الغني عن القسم ) بالنهار الذي يجلي الشمس أي يظهرها واضحة جلية لسكان الأرض, وهي حقيقة لم يدركها العلماء إلا من بعد ريادة الفضاء في النصف الأخير من القرن العشرين, حين اكتشفوا أن نور النهار المبهج لا يتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس, وأن هذا الحزام الرقيق من الغلاف الغازي للأرض يصفو من الملوثات وتقل كثافته بالارتفاع علي سطح الأرض, بينما تزداد كثافته ونسب كل من بخار الماء وهباءات الغبار فيه كلما اقترب من سطح الأرض, ويقوم ذلك التركيز وتلك الهباءات من الغبار بالمساعدة علي تشتيت ضوء الشمس, وتكرار انعكاسه مرات عديدة حتى يظهر لنا باللون الأبيض المبهج الذي يميز النهار كظاهرة نورانية مقصورة علي النطاق الأسفل من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المواجه للشمس, بينما يعم الظلام الكون المدرك في غالبية أجزائه, وتبدو الشمس بعد تجاوز نطاق نور النهار قرصا أزرق في صفحة سوداء, ومن هنا فهمنا المعني المقصود من أن النهار يجلي الشمس, بينما ظل كل الناس إلي أواخر القرن العشرين وهم ينادون بأن الشمس هي التي تجلي النهار, فسبحان الذي أنزل تلك الحقيقة الكونية من قبل ألف وأربعمائة سنه, والتي لم يكتشفها العلم التجريبي إلا في النصف الأخير من القرن العشرين...!!!
كذلك يقسم ربنا( تبارك وتعالي ) في سورة الليل ـ وهو( تعالي ) غني عن القسم ـ بقوله عز من قائل : والليل إذا يغشي والنهارإذا تجلي( الليل : 2,1 ) وهو قسم بالليل ( أي ليل الأرض ) الذي يغشي أي يغطي نصف الكرة الأرضية البعيد عن الشمس بالظلام لعدم مواجهته للشمس, وقسم بالنهار( أي نهار الأرض ) الذي تشرق فيه الشمس علي نصف الكرة الأرضية المواجه لها فيعمه نور النهار, وبتعاقبهما تستقيم الحياة علي الأرض, ويتمكن الإنسان من إدراك مرور الزمن والتاريخ للأحداث.
وحينما يغشي الليل بظلمته نصف الأرض, البعيد عن الشمس تتصل ظلمة الأرض بظلمة السماء فيعم الظلام, وفي نفس الوقت يتجلي النهار في نصف الأرض المواجه للشمس بنوره المبهج فاصلا الأرض عن ظلمة الكون بحزام رقيق من النور الأبيض لا يكاد يتعدي سمكه المائتي كيلو متر.
ويمن علينا ربنا( تبارك وتعالي ) بتبادل كل من الليل والنهار فيقول( سبحانه ) : قل أرءيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون* قل أرءيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون* ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون( القصص : 71 ـ73 )