لماذ ببساطه يحاصر النظام في مصر قطاع غزه ..؟

هذه المقاله جاءت في سياق ردي على مداخلات العديد من الأصدقاء الذين شاركوني هموم الحديث عن الجدار الفولاذي الذي يبنيه النظام المصري على حدود قطاع غزه مع مصرنا الغاليه ووجهه نظري حول شرعيه وجدوى وجود الأنفاق على الحدود هناك ..

لا يخالجني أي شك في حقيقه أن :

الأنفاق وضع شاذ واستثنائي وغير عادي ..

الأنفاق خطره جدا على حياه الناس

الأنفاق قد تستخدم لأغراض هدّامه كتهريب المخدرات..

الأنفاق صوره دونيّه بشعه للتواصل بين البشر ..

الأنفاق فرصه تجاريه لبعض من يملكون السلطه على الجانبين للتربح على حساب عذابات الناس

لكن ..

لماذا اضطر أهل الرباط أن يحفروا الأنفاق ..؟؟؟

ببساطه لأن ماهو عادي في دنيا الناس وما هو طبيعي ..وما هو متعارف عليه بين البشر ..البشر العاديين غير موجود ..وهو التواصل الطبيعي فوق الأرض والعلاقه المنفتحه مع الآخر..

ليس من المعقول ..ولا من المنطقي ولا من الطبيعي ولا من الدين ولا من الإنسانيه ولا من الإخوّه البشريه ..أن يقفل على مليون وثمانمائه ألف فرد ..ويحرموا من قوت يومهم ..ومن حقوقهم الطبيعيه جدا في الأكل والشرب والسفر والدراسه والعلاج وأداء الماسك الدينيه الاّ بصعوبه بالغه واستثناء ووقت ما لا يطرا على المحاصِر أي أمر يعكر صفو مزاجه الرصين ..!

إن ما دفع الفلسطينيين لفعل الاستثناء تحت الأرض هو ما حدث من استثناء فوق الأرض ..!

أمر واضح ..جدا ..فلو كانت الحدود مفتوحه والتيادل التجاري يجري بيسر وعلى قدم وساق هل كان من الممكن للأنفاق أن تغزو الحدود بين القطاع ومصر ؟؟ بالتأكيد لا ..وحتى لو تربّح البعض من وجود نفق هنا ونفق هناك .. فبالتأكيد تكريس سياسه التبادل التجاري عبر الأنفاق لأنه ببساطه ليس من مصلحه حماس الفائزه لتوها في الانتخابات أن تخسر جمهورها العريض بسبب تأثيرات الحصار على حياه الناس ومصالحهم ..

أما بالنسبه للمصالحه ..رائع ..نحن نتحدث عن مصالحه بين أخ في رام الله لم يقبل نتائج الانتخابات التي نظمها هو الاّ على مضاضه ثم بات يتآمر على أخيه الفائز ..ولا يزال يربط مصيره بعدوه ويقبض منه ويأتمر بأوامره ويعتقل المجاهدين في سجونه لحساب العدو الذي يحتل أرضه ..وبين طرف آخر أخطاؤه قد تكون كثيره نعم ..وتجاوزاته بحق بعض الشرائح السياسيه كثيره نعم .. واستئثاره بالسلطه نعم ..ولكنه مع ذلك وعلينا الاعتراف بذلك أنه يدفع ثمن فوزه بانتخابات نزيهه ..وثمن اصراره على عدم الاعتراف بشرعيه اسرائيل ..واصراره على الاحنفاظ ببندقينه وعدم ربطها بالتزامات اتقاق أوسلو الأمنيه رغم أنه أراح هذه البندقيه في الشهور الأخيره لالتقاط الأنفاس وحتى لا يخسر جمهوره العريض كذلك الذي يرغب في العيش في بيئه آمنه بالحد الأدنى ....

كل ما تريده اسرائيل من خلال حصار القطاع هو ربط قطاع غزه الذي خرج عن سلطتها بسبب المقاومه ربط هذه القطاع بالمحور الذي يأخذ منها التوجيهات ..أي أصدقائها في المنطقه وعلى رأسها نظام مبارك ..ونظام محمود عباس ..بمعنى أن اسرائيل خرجت من غزه ..وتريد من عباس أن يحكمه بدلا منها ..فإن لم يتمكن من ذلك فعلى مصر التي ترتبط باتفاقات والتزامات مع اسرائيل أن تضغط على غزه بالحصار وبكل الطرق حتى تعيد غزه الى ( رشدها ) .. أي تعيد قياده غزه الى ممارسه الالتزامات الأمنيه من جديد وأولها وقف التسلح وحل ميليشيات المقاومه والتنسيق الأمني مع الصهاينه بشكل أو بآخر ..

هذا ما قاله بالحرف الواحد "روبرت ساتلوف" أحد أخطر سياسيي الولايات المتحده والمستشار الأول لكوندليزا رايس وزيره الخارجيه الأمريكيه بعيد الحسم العسكري الذي قادته حماس في مواجهه سلطه فتح في غزه في منتصف العام 2007 في مقاله الشهير .."حماس وحرب الأيام السته" ..اقرأوا ذلك ..وتدبروا كيف يخطط المجرمين لنا في الليل والنهار ..

لكن مشكلتنا أننا لا نقرأ..

واستكمالا لما قلنا ..أتساءل كيف يمكن لسلطه تحكمها حماس وفازت في الانتخابات وامتلكلت أغلبيه واضحه ومريحه في المجلس التشريعي (الممنوع عقده اليوم) أن تقبل أو تعود لتتقبل أن تشترك معها سلطه رام الله المهزومه في الانتخابات والمرتهن قرارها لاسرائيل استنادا الى وثيقه تصادر حق الفلسطينيين في مقاومه من يحتل أرضهم وتخضعهم من جديد لالتزامات اوسلو التي لم قلب الطاوله عليها من وقع عليها أولا الرئيس الراحل ياسر عرفات بعد أن اكتشف المآل المخزي والمرعب الذي أوصلنا له هذا الاتفاق المأساوي ..

أقول أن حماس لن تقبل بذلك ..وبالتالي فكل ما يجري من حصار اقتصادي ومقاطعه سياسيه وماليه هو للضغط عليها لإخضاعها من جديد ..ولابتزازها وللقول لها أنه : بدون المصالحه مع رام الله فليس هناك رفع للحصار ..وليس هناك اعاده إعمار ..وليس هناك سفر ..ولا علاج ..ولا تنقل للطليه والحجاج والمعتمرين بشكل طبيعي ..بمعنى أنه بدون أن تقبلوا الالتزام بمحددات اتفاق أوسلو وحيثياته ومتطلباته الأمنيه فلن يفك عنكم الحصار ..

أليس هذا هو ما يحدث اليوم يا إخواني وأخواتي الأعزاء ..

أنا أقول لكم أن حماس لن تقبل بذلك ..أنا أعرفها جبدا..ورغم حبي للإخوان المسلمين إلاّ أنني لست من حماس وإن كنت أتمتع بعلاقات صداقه حميميه مع العديد من قياداتها في الصف الأول وكوادرها الذين عرفتهم في السجون وفي ساحات العمل الميداني ..

لن تقبل حماس بحل كتائب عز الدين القسام ولن تقبل حركه الجهاد الاسلامي بحل سرايا القدس ولن يقبل شرفاء حركه فتح بحل كتائب شهداء الأقصى ..فورقه "مبارك - سليمان" ولا أقول الورقه المصريه بها بند خطير ومرعب وحقير يقضي بأنه لا شرعيه لأيه مجموعه مسلحه الا للأجهزه الأمنيه التابعه للسلطه ..من يقبل بربكم بهذا ؟؟ .. اللهمّ الاّ في دوله سياديه حررت أراضيها وسيطرت على مقدارتها وأرضها وبحرها وسمائها وأعادت لاجئيها من الشتات وشكلت جيشها الوطني الحر ..فكيف بكيان حكم ذاتي ممسوخ سلطاته أقل بمائه مره من السلطات الممنوحه للحكم الذاتي الكردي في العراق ..!!؟؟

لن تقبل حماس ولا الجهاد أبدا بالورقه المصريه المجرمه ..والاّ سيتفتتوا وسينشطروا الى شظايا ويحدث بهم انشقاقات.. وليس انشقاق واحد ..وهذا بالضبط ما يريده الصهاينه والنظام اللامباركي في مصر

هذا كله اضافه الى أن هناك هدف ذاتي خاص لنظام مبارك يؤمن به ويعمل على أجندته بشكل متفان ومدروس ..ألا وهو لتحطيم أول كيان أنشأه الاخوان في بقعه ملاصقه لحدود نظامهم ..حتى لا يتأثر اخوان مصر بهذه التجربه فيتفاعلوا معها وينزلوا الى الشارع لتغيير هذا النظام ..أو لتدي قراراته واجراءاته الداخليه ومواقفه الخارجيه ..

يريدون ببساطه تحطيم التجربه وإفشالها في مهدها ..بيد الاسلاميين أنفسهم لا ليقولوا أن حماس فشلت ..او حرب الله فشل ..أو أو ..بل ليقولوا أن الاسلام فاشل ..وهنا بالضبط تتقاطع أهداف نظام مبارك مع رغبان وأهداف كل من اسرائيل وأمريكا وبعض الدول الأوروبيه الحاقده ..الاسلام اليوم الذي يكتسح أوروبا والأمريكتين ..يريدون أن يحطموا نماذجه الناهضه المعاصره في عقر داره ..حتى لا يبقى نموذج واحد معايَش يمكن الأقتداء به ..!! هذا ما يريدونه بالفعل ..تحطيم الاسلام في صورته السياسيه والقانونيه والهندسيه (etatique ( لإرجاعه الى فقه الطهاره والنجاسات والزواج والمواريث لا غير ..

ولنعد مره أخرى الى الملف الفلسطيني ..فهنا أنا أتساءل : في ظل كيان فلسطيني مرتهن ومسلوب الأراده وأرضه محتله ..كيف يمكن لأي حر أن يقبل حل الأجنحه العسكريه المقاتله والمجاهده ..والتي بسبب نضالها وجهادها اندحر الاحتلال عن قطاع غزه ..ولا يقولنّ لي أحد عندها أن الاحتلال اندحر عن غزه بالمفاوضات (!!) ..

الأمر واضح ..

اذا كل الخطه ببساطه تتمثل في استخدام نظام مبارك المرتهنه ارادته لأمريكا بسبب ال 2 مليار دولار التي يتلقاها سنويا منها أقول استخدامه للضغط على حماس وقوى المقاومه والقطاع وأهله من أجل العوده للقبول بصيغه أوسلو الملائكيه كصيغه للتعايش مع المستقبل الزاهر ..(!!)

وأي مستقبل .. ومن راهنوا على اوسلو في رام الله يبكون اليوم من الاستيطان ومن الجدار العازل الذي يقسم نصف الضفه ومن تهويد القدس ..وو.. يبكون من الرهان على اسرائيل ومواثيقها وعهودها ..وهي التي لا عهد لها ليس فقط كما يقول القرآن بل ما قاله التاريخ ويقوله الواقع منذ سبعين عام من الصراع معها ..

يريدون أن يحطموا الحركه الاسلاميه لتسقط في أوحال السياسيه حتى يسقط المشروع الاسلامي المعاصر برمته ..مشروع استنهاض الشرق وتوحيده واعادته الى حظيره الاسلام الرباني والمجاهد ..وإعاده بناء النظام السياسي العربي والاسلامي من جديد على أسسه وثوابته ومعاييره ..لأن ذلك يمثل أول خطوه نحو تحرير الأقصى ..أول خطوه نحو تفكيك اسرائيل ككيان لا يقبل العيش بهدوء الا من خلال السيف ..ولا يقبل التأقلم مع الموروث الثقافي والقيمي لهذه المنطقه المركزيه من العالم ولا يقبل أن يكون جزءا من المنطقه ومركبها الثقافي والسياسي والحضاري بل يصر أن يكون جزءا من الخارج وأدوات الخارج وأسلحه الخارج ..إنه كيان يصر أن يكون بندقيه مستأجره لكل حاقد حتى لو كان محسوبا على العرب والمسلمين ويصر كذلك أن بفتح كل أراضي فلسطين المقدسه لتكون قاعده متقدمه للغرب في قلب أمتنا الكيان الصهيوني ..

لا زلنا لم نحل مشاكلنا مع الغرب الصليبي ولكن اليوم بثوب اسرائيل صهيوني ..ولا زلنا ندفع عن أنفسنا الهجمه الغربيه العسكريه المتغطرسه والمسكون بكل مفردات الاستكبار والهيمنه وحب التملك منذ بدايات القرن الماضي وآثارها السياسيه والاقتصاديه والثقافيه والاجتماعيه المدمره ..التي لا زلنا نعاني من حتى اليوم .

أقسم برب الأكوان ..أقسم بالله العظيم قسما مغلظا ..أنه لو رضخت حماس والجهاد لابتزازات هذا الكيان ولضغوطات نظام مبارك المجرم ..فسأكون أول شخص يرفع في وجه سلطه حماس في القطاع سيف المعارضه ..

فمثلي آلاف الكوادر الذين أفنوا أكثر من ثلاثين عاما من أعمارهم من أجل أن ترفع هذه الأمه رأسها فليلا الى الأعلى ..من أجل أن لا يقال عنا في الغرب ( sale arab ) أي "عربي قذر" ..من أجل أن نخرج من وسط كل هذا الدمار ..والخزي ..والانتكاسه والارتكاس .

لكن مبارك وعباس والصهاينه وأمريكا لن يفلحوا أبدا ..في تحطيم أرواحنا الوثّابه ..ولا أن يتمكنوا من سلبنا ارادتنا الحره المربوطه بالله عز وجل ..

والله والله لن نرفع لهم رايه بيضاء ..حتى لو ذبحونا على حجر ..هذا عهد ..لن نغادره أبدا ..الى دنيا لا نعيش بها بكرامه ..وفق ما نريد نحن .. لا مايريد لنا الغرب المعتدي ..وفق ما يريد لنا ربنا ..لا مايريد لنا الأرباب من دون الله ..لن نغادر ساحه المعركه أبدا ..الى دنيا اللهو والكازينوهات وصفقات البيزنس ..أبدا .. بل نغادر دنيا الناس وهاماتنا مرفوعه وجباهنا عاليه الى مقابر العزه والشموخ ..فبطن الأرض أفضل لنا من ظاهرها .

* ناشط سياسي .