3. مرضى السكر
هناك من المرضى المصابين بالداء السكري من يستطيع الصوم في رمضان دون مشقة تذكر، ومنهم من لا يسمح له أبدا بالصيام. فالمريض المصاب بالسكري الكلي ( سكر النضج ) الذي يعالج بالحمية الغذائية فقط يستطيع الصيام، بل إن الصيام يفيد في علاج مرضه. كما يستطيع المصاب بالسكري الكلي الذي يعالج بالأقراص الخافضة لكسر الدم صيام رمضان شريطة الانتباه إلى تعليمات الطبيب بشأن تغيير مواعيد وجرعة الحبوب. أما إذا كان المريض يتناول الأنسولين يوميا كعلاج للسكر فإن موضوع الصوم متروك تماما للطبيب المعالج، فإذا سمح بالصوم، فينصح بأخذ جرعة الأنسولين قبل وجبة الإفطار مباشرة. ولا ينصح المريض الذي يتعاطى أكثر من 40 وحدة أنسولين يوميا بالصوم أبدا.
* كيف نصل إلى الصحة البدنية و النفسية من خلال الصيام؟
الصيام من الناحية البدنية و النفسية له فوائد عظيمة، فمن الناحية البدنية فيه فترة راحة للجهاز الهضمي المسئول عن استهلاك امتصاص الطعام ، وبالتالي فالكبد أيضا يأخذ فرصة استراحة كونه معمل الأيض الرئيسي للغذاء في الجسم بالإضافة إلى التخلص من السموم . كما يساعد الصيام على إنقاص الوزن المعتدل من خلال استهلاك السكريات و الدهون في النسيج الشحمي لتحويلها إلى طاقة لازمة للجسم، ولهذا يعتبر الصيام فائدة كبيرة لدى زائدي الوزن ، وحتى لمرضى السكر المعتدل غير المعتمدين على الأنسولين. كما يساعد الصيام على نقص مستوى كولسترول الدم وانخفاض نسبة ترسبه على جدران الشرايين الدموية ، وهذا بدوره يقلل من الجلطات القلبية والدماغية ويجنب ارتفاع الضغط الدموي . ونقص شحوم الدم يساعد بدوره على التقليل من حصيات المرارة والطرق الصفراوية . و يساعد الصوم الجهاز الكلوي على الراحة من أجل التخلص من الفضلات. وأما عن الفوائد التربوية والنفسية، فيفيد رمضان في كبح جماح النفس وتربيتها بترك بعض العادات السيئة وخاصة عندما يضطر المدخن لترك التدخين ولو مؤقتا على أمل تركه نهائيا ، وكذلك عادة شرب القهوة والشاي بكثرة . وفوائد رمضان النفسية كثيرة ، فالصائم يشعر بالطمأنينة والراحة النفسية والفكرية ويحاول الابتعاد عما يعكر صفو الصيام من محرمات ومنغصات ويحافظ على ضوابط السلوك الجيدة مما ينعكس إيجابا على المجتمع عموما. قال-صلى الله عليه وسلم ( الصيام جُنّة، فإذا صام أحدكم فلا يرفث ولا يجهل وان امرؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم) متفق عليه ، وقد أثبتت دراسات عديدة انخفاض نسبة الجريمة بوضوح في البلاد الإسلامية خلال شهر رمضان.
و هذه الفوائد البدنية و النفسية للصيام لا يمكن أن تتحقق إلا بأن يكون الصيام أولا و أخيرا لله ثم بعدم الإفراط في الطعام و الشراب، فالتخفف من الطعام و الشراب يؤدى إلى إعلاء القدرة البدنية و الروحية على طاعة الله ليل نهار، فينال الصائم بصومه الخير في الآخرة بمغفرة الله و الدخول في رضوانه، و في الدنيا قد يعجل الله له الأجر بالصحة و العافية في نفسه و بدنه.
و العجب كل العجب أن نجد المسلم إذا أقبل رمضان و بدأ الصيام انقطع للطعام و الشراب من آذان المغرب إلى آذان فجر اليوم التالي، فنجده في رمضان في حالة كسل مستمر لا يقدر على أداء صلاة التراويح و لا على قيام الليل، فهو أكول في الليل نوام بالنهار، ثم تجده يتحدث عن الفوائد الصحية للصيام.
و من المؤكد أن مثل هذا المسلم الأكول يخدع نفسه قبل أن يخدع غيره، مما جعل كتاب الغرب الكافر يتحدثون عن كيفية التعامل مع الطعام و الشراب في رمضان كما لو كان الإسلام قد غفل عن ذلك، ففي دراسة نشرتها البى بى سى العربية تحت عنوان (كتاب فرنسي يقدم نظام حمية للمسلمين خلال شهر رمضان)، حيث يقدم هذا الكتاب (تاريخ التغذية: خاص برمضان) نصيحة للمسلمين بشأن كيفية الإبقاء على أنفسهم نحيفين ورشيقين خلال شهر رمضان، وذلك من خلال إتباع نظام حمية بخصوص طريقة الإفطار والسحور، فيقول مؤلف الكتاب و هو طبيب (إن المسلمين قد حولوا وجبة الإفطار في رمضان إلى طقس ليلي من الانغماس في الأغذية السكرية يمتد بين غروب الشمس وشروقها، و قد يؤدى هذا الأمر بالبعض إلى إنهاء شهر رمضان بعد أن يكونوا قد اكتسبوا وزنا أكثر مما كانوا عليه قبل بدء صيامهم. أما بالنسبة للبعض، فترى عليهم علامات السكري وزيادة الشحوم) و لذا ينصح الكاتب المسلمين بقوله (إن لم يكن الناس حذرين، فيمكن لصيام رمضان أن يسبب لهم شتى أنواع المشاكل المتعلقة بالصحة والوزن لأنك إذا التهمت أطعمة عالية القيمة الغذائية قبيل أن تأوي إلى الفراش، فستنتهي إلى السمنة بالتأكيد، لأنك عندما ترتاح فإن جسدك يخزن الأغذية. وينصح الكاتب بتناول وجبة سحور كبيرة قبيل الصيام، تتضمن اللحوم والنشويات والجبنة، أما الإفطار، فيجب أن يتضمن وجبة خفيفة من السكريات، و طبق خفيف من الأسماك).
و أستحلفكم بالله أيها المسلمون هل رأيتم في هذا الكتاب الفرنسي شيئا لا تجدونه في الهدى الاسلامى الذي أضحى غريبا في بلاد المسلمين فصرنا نستورده من غير أهل الإسلام بعد أن صدرناه إليهم ثم أعرضنا عنه و أصبحنا نتغنى بذكراه زاعمين أن في الصيام إعجاز علمي فهو شفاء من كل داء، فصرنا نرى بعض الكتاب المسلمين يتحدثون عن الشفاء بالصيام حتى و لو لم يلتزم المسلم بقواعد الإسلام في الطعام و الشراب.
ألم يضع لنا المولى تبارك و تعالى القاعدة الصحية العريضة (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) 31 الأعراف، فالغذاء في اعتبار القرآن وسيلة لا غاية، فهو وسيلة ضرورية لابد منها لحياة الإنسان، دعا إليها القرآن بقول الله (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ) 186 البقرة، و جعل الله في غريزة الإنسان ميلاً للطعام، وقضت حكمته أن يرافق هذا الميل لذة لتمتع الإنسان بطعامه و لتنبيه العصارات الهاضمة و أفعال الهضم، فليست اللذة و التمتع في الطعام و الشرب هي الغاية فالدين يعيشون من أجل التلذذ بالطعام والشراب شبههم الله سبحانه بالأنعام ( و الذين كفروا يتمتعون و يأكلون كما تأكل الأنعام و النار مثوى لهم ) 12 محمد.
أليس نبينا محمد صلى الله عليه و سلم هو الذي سبق العلم الحديث حين قال (ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا بدَّ فاعلاً ، فثلث لطعامه ، و ثلث لشرابه و ثلث لنفسه ) رواه النسائي و ابن ماجة و صححه الألباني، و حين قال (المؤمن يأكل في معي واحد،والكافر يأكل في سبعة أمعاء) متفق عليه. ثم جاء العلم الحديث بعد ذلك ليثبت العلاقة الوطيدة بين الإفراط في الطعام و حدوث الكثير من الأمراض كالتخمة و عسر الهضم و قرح الجهاز الهضمي و السمنة و أمراض القلب كتصلب الشرايين و غيرها الكثير من الأمراض التي لا يسعها مثل هذا المقال الوجيز، و التي يمكن للمسلم و غير المسلم تجنبها بسهولة من خلال تطبيق نظم التغذية الإسلامية المنصوص عليها في القرآن و السنة المطهرة.
و إلى هؤلاء المسلمين الذين نسوا نظم التغذية الإسلامية المنصوص عليها في القرآن و السنة المطهرة ثم أسرفوا في الطعام و الشراب في شهر رمضان، وقد يأكلون في الصيام أضعاف ما يأكلونه في الحياة العادية، زاعمين أن في الصيام دواء لكل داء، لهؤلاء نقول إن سنن الإسلام لا تحابى أحداً، فالإسلام هو دين الوسطية فلا إفراط و لا تفريط، و هذا ما نلحظه في قواعد صيام رمضان مع القواعد العامة للتغذية الإسلامية على مدار العام.
فالغاية أيها المسلم من الصيام أن تسير في طريق الكمال الجسدي والروحي الذي يجب أن تصوم فيه الجوارح كلها عن معصية الله، لنحصل التقوى و تتخلص من أدران الحياة و من ترف الدنيا فتتجه الرواح إلى الله خالق السموات والأرض داعية مبتهلة بخشوع وإيمان، لعل الله تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا و أن يرحمنا و يعتق رقابنا من عذاب النار.
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
mnaga73@hotmail.com المراجع:
1. القرآن الكريم
2. صحيح البخاري
3. صحيح مسلم
4. السلسلة الصحيحة للألباني
5. تفسير التحرير و التنوير
6. نظرات نفسية في الصيام للدكتور. محمد كمال الشريف
7. آيات الله في الإنسان للدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي .
8. كتاب روائع الطب الإسلامي للدكتور نزار الدقر
9. من يصوم .. ومن لا يصوم في رمضان: الدكتور حسان شمسي باشا (مجلة العربي)
10. بعض المقالات المنشورة على الشبكة الالكترونية (الانترنت)
* حكمة الصيام : للكاتب علي مفتاح