حرب الخليج الثانية و تسمى أيضا بحرب تحرير الكويت وعملية عاصفة الصحراء وسميت من قبل الحكومة العراقية بأسم أم المعارك ، هي الحرب التي وقعت بين العراق وائتلاف دولي من 30 دولة بقيادة الولايات المتحدة وبتشريع من الأمم المتحدة.
بدأ الصراع بعد اجتياح الجيش العراقي لدولة الكويت في 2 أغسطس 1990 م وانتهت في فبراير 1991 م. تألفت الحرب من جزئين رئيسيين وهما حملة القصف الجوية على أهداف داخل العراق والتوغل الأرضي لقوات التحالف داخل الأراضي العراقية، امتدت الحرب على مساحة جغرافية شملت أراضي العراق والكويت والسعودية وتم فيها إطلاق صواريخ أرض أرض (سكود) عراقية بعيدة المدى على أهداف داخل إسرائيل والسعودية.
أسباب الصراع وجذوره
قبل الحرب العالمية الأولى تم التوقيع على اتفاقية قصيرة الأمد بين البريطانيين وسلطان العثمانيين، محمد الرابع وسميت هذه المعاهدة بالمعاهدة الأنكليزية العثمانية لعام 1913 م والتي ألغيت بعد سنة واحدة عند قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914 م. نصت هذه المعاهدة التى تركت آثارا على الساحة السياسية إلى يومنا هذا بأن تكون الكويت قضاءا تابعا لولاية البصرة التي كانت أحد الولايات العثمانية آنذاك وكانت منطقة الكويت انذاك منطقة صحراوية يصل نصف قطرها إلى 103 كم وتتكون بالإضافة إلى مدينة الكويت من جزر وربة وبوبيان ومسكان وفيلكا وكبر ومنح للشيخ مبارك صلاحيات بجمع الضرائب من القبائل الساكنة في هذه المنطقة لتسليمها إلى السلطات العثمانية. لكن هذا الترتيب -كما ذكر- لم يدم طويلا فبعد عام واحد ونتيجة لاندلاع الحرب العالمية الأولى ووقوف العثمانيين والأنكليز في موقع الأعداء تم إلغاء هذه المعاهدة وأعلنت المملكة المتحدة من جانب واحد قيام "دولة" الكويت تحت "الحماية البريطانية".
في القرن السابع عشر كانت ما تعرف حاليا بالكويت مسكونة من قبل مجموعة من القبائل التي كانت تتاجر عن طريق البحر مع الهند وكان معظم سكانها يعتمدون على التجارة باللؤلؤ ولكن بعد نشوء حقول اللؤلؤ في اليابان في الثلاثينيات تعرض سكان المنطقة إلى كساد اقتصادي ولكن في عام 1953 كان الكويت من أكبر المنتجين للنفط في منطقة الخليج العربي وأصبحت الكويت الأولى من دول الخليج لتعلن استقلالها في 19 يونيو 1961 م ولكن العراق لم يعترف بهذا الاستقلال.
في عام 1935 م اعتبر الملك العراقي غازي بن فيصل بن الحسين الكويت جزءا من العراق وقام بفتح إذاعة خاصة به في قصره الملكي قصر الزهور و خصصه لبث حملته لضم الكويت إلى العراق وكادت الجيوش العراقية تجتاح الكويت لولا وفاة الملك غازي في حادث سيارة عام 1939 عندما كان يقود سيارته التي اصطدمت باحد الأعمدة الكهربائية. في عام 1961 و بعد إعلان الكويت لاستقلالها صرح الزعيم العراقي آنذاك عبد الكريم قاسم ومن على شاشة التلفاز أن "الكويت جزء لايتجزأ من العراق".
أثناء الحرب العراقية-الأيرانية دعمت الكويت والسعودية العراق اقتصاديا بسبب ما وصفه البعض من مخاوف هاتين الدولتين من انتشار الثورة الأسلامية بسبب وجود أقلية شيعية في هاتين الدولتين. وصلت حجم المساعدات الكويتية للعراق اثناء الحرب العراقية-الأيرانية إلى ما يقارب 14 مليار دولار، كان العراق يأمل بدفع هذه الديون عن طريق رفع أسعار النفط بواسطة تقليل نسبة إنتاج منظمة اوبك للنفط ولكن الكويت العضوة في منظمة أوبك قامت برفع نسبة إنتاجها من النفط بدلا من خفضه وهو ما كان يطمح إليه العراق المثقل بالديون بعد الحرب العراقية الأيرانية. يعتقد بعض المحللين السياسيين أن إجراء الكويت هذا كانت كورقة ضغط على الحكومة العراقية لحل المشاكل الحدودية العالقة منذ عقود.
بدأ العراق بتوجيه اتهامات للكويت مفادها أن الكويت قام بأعمال تنقيب غير مرخصة عن النفط في الجانب العراقي من حقل الرميلة النفطي ويطلق عليه في الكويت حق الرتقة وهو حقل مشترك بين الكويت والعراق وصرح الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين أن الحرب العراقية الأيرانية التي استمرت 8 سنوات كانت بمثابة دفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي حسب تعبيره وأن على الكويت والسعودية التفاوض على الديون أو إلغاء جميع ديونها على العراق.
إحدى نتائج الحرب العراقيةالأيرانية كان تدمير موانئ العراق على الخليج العربي مما شل حركة التصدير العراقي للنفط من هذه الموانئ وكانت القيادة العراقية تأخذ في حساباتها المستقبلية احتمالية نشوب الصراع مع ايران مرة اخرى ولكنها كانت تحتاج إلى مساحة اكبر من السواحل المطلة على الخليج العربي فكانت الكويت احسن فرصة لتحقيق هذا التفوق الإستراتيجي.
حاولت القيادة العراقية إضافة لمسات قومية لهذا الصراع فقامت بطرح فكرة أن الكويت كانت جزءا من العراق وتم اقتطاع هذا الجزء من قبل الإمبريالية الغربية حسب تعبيرها وتم أيضا استغلال تزامن هذا الصراع مع أحداث ما سمي بانتفاضة فلسطينية أولى حيث كان معظم حكام الدول العربية ومن ضمنهم الكويت والسعودية على علاقات جيدة مع الغرب ووصفتهم القيادة العراقية بصفة "عملاء للغرب" وحاولت القيادة العراقية طرح فكرة أنها الدولة العربية الوحيدة التي تقارع الولايات المتحدة الأمريكية و اسرائيل
العلاقات العراقية الأمريكية قبل حرب الخليج الثانية:
كانت العلاقات العراقية-الأمريكية علاقات باردة حيث كان للعراق علاقات قوية مع الاتحاد السوفيتي حيث وقع معاهدة الصداقة مع السوفيت في 9 نيسان 1972. وكانت للولايات المتحدة تحفظات على العراق بسبب موقف العراق من اسرائيل ودعم العراق لمجموعة ابو نضال الفلسطينية و التي كانت تعرف بفتح-المجلس الثوري أو منظمة أبو نضال. والتي كانت على قائمة الخارجية الأمريكية للمجموعات الأرهابية
بعد اندلاع الحرب العراقية-الأيرانية التزمت الولايات المتحدة الأمريكية موقفا حياديا في بداية الحرب الا ان هذا الموقف تغير في عام 1982 مع احراز ايران لانتصارات عسكرية واسترجاعها لجميع الأراضى التي توغل بها الجيش العراقي في بداية الحرب العراقية-الأيرانية. كان العقبة الوحيدة في طريق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين بغداد و واشنطن هو ابو نضال و مجموعته فتح - المجلس الثوري أو منظمة أبو نضال وسرعان ما غادرت المجموعةالعراق إلى سوريا ارسلت الولايات المتحدة الأمريكية مبعوثها دونالد رامسفيلد إلى بغداد وبدأت صفحة جديدة من العلاقات.
كانت للولايات المتحدة الأمريكية مخاوف من فكرة "تصدير الثورة الأسلامية" فقام مبعوث البيت الأبيض، دونالد رامسفيلد بلقاء الرئيس العراقي صدام حسين مرتين في 19 ديسمبر 1983 و 24 مارس 1984 ومن الجدير بالذكر ان 24 مارس 1984 موعد اللقاء الثاني بين رامسفيلد و صدام حسين هو نفس اليوم الذي اصدرت فيه الأمم المتحدة بيانا يشجب فيه استعمال العراق للاسلحة الكيمياوية في الحرب وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد معلومات استخبارية عسكرية و خرائط جوية للعراق و في نفس الوقت كانت تقوم بتسليح ايران بصورة غير مباشرة عن طريق صفقة الأسلحة المعروفة بتسمية فضيحة ايران-كونترا وقد اظهرت تقارير من المخابرات الأمريكية تم رفع السرية عنها مؤخرا ان الولايات المتحدة كانت في مصلحتها اطالة امد الحرب و الحيلولة دون احراز ايران على نصر عسكري في الحرب.
استعملت الأدارة الأمريكية الفرع الأمريكي لأكبر البنوك الأيطالية في الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت مقرها مدينة اتلانتا عاصمة ولاية جورجيا لتحويل مبالغ قدرها 5 مليار دولار إلى العراق من عام 1985 إلى 1989. ساهمت الولايات المتحدة ببناء الترسانة العراقية من الأسلحة الكيمياوية عن طريق تزويدها العراق بمواد "ذو استخدام مزدوج" مثل عينات ضخمة من الأنثراكس و الكلوستريدا و الهستوبلازما وهي جميعها جراثيم خطيرة جدا.وكانت هذه المبالغ تصرف من ميزانية وزارة الزراعة الأمريكية بنسبة قدرها 400 مليون دولار في السنة بدءا من عام 1983 ثم ازدادت إلى مليار دولار في السنة من1988 إلى 1989 وكانت اخر دفعة في عام 1990 و كانت تفدر بمبلغ 500 مليون دولار. بقيت العلاقات العراقية-الأمريكية جيدة إلى اليوم الذي اجتاح فيه الجيش العراقي الكويت.
في يوليو 1990 كانت الجيوش العراقية قد بدأت تحشدها على الحدود العراقية الكويتية وفي 25 يوليو 1990 التقى صدام حسين بالسفيرة الأميركية ببغداد أبريل غلاسبي والتي قالت بأن بلادها لن تتدخل في الخلاف الكويتي العراقي و الذي يرجح البعض ان صدام حسين اعتبره بمثابة "ضوء اخضر". من الجدير بالذكر ان جريدة The Washington Post الأمريكية نشرت في وقت لاحق خبرا مفاده ان وزير الخارجية الكويتية قد اغمي عليه في القمة العربية التي عقدت في السعودية والتي انتهت في 1 أغسطس بدون نتائج تذكر عندما واجهه ممثل العراق وزير الخارجية الكويتي بوثيقة سرية زعم ان المخابرات العراقية حصلت عليها، هذه الوثيقة التي اصرت الكويت و وكالة المخابرات الأمريكية بانها مزورة كانت تنص على ما معناه "انه تم عقد لقاء بين رئيس المخابرات الكويتية فهد احمد الفهد و رئيس وكالة المخابرات الأمريكية وليام ويبستر في نوفمبر 1989 وتم التداول في كيفية زعزعة الأقتصاد العراقي لممارسة الضغط على العراق لحل المشاكل الحدودية العالقة بين البلدين
اجتياح الكويت
في مطلع فجر 2 اغسطس 1990 دخل الجيش العراقي الكويت وتوغلت المدرعات و الدبابات العراقية في العمق الكويتي و قامت بالسيطرة على مراكز رئيسية في شتى انحاء الكويت ومن ضمنها البلاط الأميري. تم اكتساح الجيش الكويتي بسهولة وبدون مقاومة تذكر الا ان معارك عنيفة وقعت بالقرب من قصر امير الكويت و كانت هذه المناوشات كفيلة بأكتساب الوقت الكافي لأمير الكويت من اللجوء إلى السعودية.
بدأت عمليات سلب و نهب واسعة النطاق من قبل القوات العراقية شملت جميع مرافق الكويت من ابسط المواد الغذائية على رفوف الأسواق إلى اجهزة طبية متطورة وبدأت حملة منظمة لنقل ماتم الأستحواذ عليه إلى العراق. قام الجيش العراقي بالسيطرة على الأذاعة و التلفزيون الكويتي وتم اعتقال الالاف من المدنيين الكويتيين بالاضافة إلى اعداد كبيرة من الأجانب الذين كانوا موجودين في الكويت في ذلك الوقت والذين تم استعمالهم كرهائن لاحقا. قامت السلطات العراقية و لأغراض دعائية بنصب حكومة صورية برئاسة علاء حسن علي من 4 اغسطس 1990 إلى 8 اغسطس 1990 اي لمدة اربعة ايام وكان علاء حسن علي يحمل الجنسيتين العراقية و الكويتية حيث نشأ في الكويت وتخرج من جامعات بغداد وانتمى إلى حزب البعث في ايام الدراسة واصبح ضابطا في الجيش الكويتي. في 8 اغسطس 1990 تم ضم الكويت للعراق ولم يسمع اي خبر عن علاء حسن علي حتى عام 1998 حيث عرف انه غادر العراق إلى تركيا تحت اسم مزيف واستقر في النرويج علما ان المحاكم الكويتية اصدرت بحقه حكما بالاعدام في عام 1993.
كان النسخة العراقية من الأحداث و التي حاولت قنوات الأعلام العراقي بنشره هو ان انقلابا عسكريا حصل في الكويت بقيادة الضابط الكويتي علاء حسن علي الذي طلب الدعم من العراق للاطاحة بامير الكويت ولكن هذا التحليل لم يلاق قبولا من الراي العام العالمي.
موقف الدول العربية من الحرب
تباينت دول الجامعة العربية بموقفها من الحرب، الاردن اعلن رسميا تايده للعراق واعتبر الحرب عدوانا على الامة العربية كما ورد في البيان الاردني،ومثلها فعلت منظمة التحرير الفلسطينية واليمن والسودان وليبيا ، وتحفظت كل من الجزائر وتونس ، وايدت الحرب ك ل من دول الخليج ومصر وسوريا والمغرب.امين الجامعة العربية الشاذلي القليبي اعلن استقالته ساعة بدئ الحشد للحرب على العراق
الوسائل الدبلوماسية
بعد ساعات من الأجتياح العراقي للكويت طالبت الكويت و الولايات المتحدة بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن وتم تمريرالقرار 660 والتي شجبت فيها الأجتياح وطالبت بانسحاب العراق من الكويت. في 3 اغسطس عقدت الجامعة العربية اجتماعا طارئا وقامت بنفس الأجراء وفي 6 اغسطس اصدر مجلس الأمن قرارا بفرض عقوبات اقتصادية على العراق. بعد اجتياح الكويت بدأت السعودية من ابداء مخاوف عن احتمالية حدوث اجتياح لاراضيها و هذه الأحتمالية لعبت دورا كبيرا في تسارع الأجراءات و التحالفات لحماية حقول النفط السعودية التي ان سيطرت العراق عليها كانت ستؤدي إلى عواقب لم يكن في مقدرة الغرب تحملها. كان حجم الديون السعودية للعراق اثناء حرب الخليج الأولى تفوق حجم الديون الكويتية اذ كانت تقدر بحوالي 26 مليار دولار ومما زاد حجم تلك المخاوف هو الحملة الأعلامية التي قام العراق بشنها على السعودية حيث وصفت ملك السعودية بصفة "خائن الحرمين الشريفين" وقام الرئيس العراقي بأضافة كلمة الله اكبر على العلم العراقي في محاولة منه لأضفاء طابع ديني على الحملة و محاولة منه لكسب الأخوان المسلمين و المعارضين السعوديين وزاد حجم هذا الطابع الديني في الحملة الدعائية على السعودية عندما بدأت القوات الأجنبية تتدفق على السعودية.
في بداية الأمر صرح الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب بان الهدف من الحملة هو منع القوات العراقية من اجتياح الأراضي السعودية وسمى الحملة بتسمية عملية درع الصحراء و بدأت القوات الأمريكية بالتدفق إلى السعودية في 7 اغسطس 1990 في نفس اليوم الذي اعلن العراق فيه ضمه للكويت و اعتباره "المحافظة التاسعة عشر" . وصل حجم التحشدات العسكرية في السعودية إلى 500،000 جندي .
في خضم هذه التحشدات العسكرية صدرت سلسلة من قرارات لمجلس الأمن و الجامعة العربية و كانت اهمها القرار رقم 678 من مجلس الأمن والتي اصدرت في 29 نوفمبر 1990 والتي اعطت فيه 15 يناير 1991 موعدا نهائيا للعراق لسحب قواتها من الكويت والا فان قوات الائتلاف سوف "تستعمل كل الوسائل الضرورية لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 660.
قام وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر بجمع 34 دولة في ائتلاف ضد العراق وكان 74% من العدد الأجمالي للجنود التي تم حشدهم هم جنود امريكيون ووصل العدد الأجمالي لجنود قوات الائتلاف إلى 660،000 . قامت الولايات المتحدة بعدد من الأجرائات لاستمالة الراي العام في الشارع الأمريكي إلى القبول بفكرة التدخل الأمريكي في مسالة الكويت حيث برزت اصوات معارضة للتدخل في الشارع الأمريكي و احد هذه الأجراءات كانت انشاء منظمة مواطنون للكويت الحرة والتي تم تمويلها باموال كويتية حيث قامت بحملات اعلامية لكسب ود الشارع الأمريكي و العالمي واحد الحملات الدعائية المثيرة للجدل التي قامت بها هذه المنظمة كانت اظهار سيدة على شاشة التلفزيون تصف كيف ان بعض الجنود العراقيين قاموا باخراج الأطفال المرضى من حاضناتهم في احد المستشفيات والقوا بهم على الأرض ليموتوا. بعد سنة واحدة من عرض هذا الشريط تم اكتشاف ان هذه السيدة كانت من افراد العائلة الحاكمة في الكويت وكانت تعيش في باريس اثناء الأجتياح العراقي للكويت.
بدا العراق محولات اعلامية لربط مسالة اجتياح الكويت بقضايا "الأمة العربية" فاعلن العراق ان اي انسحاب من الكويت يجب ان يصاحبه انسحاب سوري من لبنان وانسحاب اسرائيلي من الضفة الغربية و قطاع غزة و هضبة الجولان وقد لقيت هذه المقترحات العراقية اذان صاغية من الملك حسين بن طلال ملك الأردن و الملك حسن الثاني ملك المغرب و ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينيةبعد انتهاء حرب الخليج الأولى العام ,1988 بدأت بوادر خلافات بين النظام العراقي والحكومة الكويتية. كانت الذرائع الأساسية للرئيس العراقي الراحل صدام حسين هي خلافات بشأن بعض آبار النفط في المناطق الحدودية، أما بشكل غير مباشر فكان صدام يعيد إحياء أفكار بشأن كون الكويت إحدى المحافظات التاريخية التابعة للعراق. في 2 أغسطس/ آب 1990 اجتاحت القوات العراقية الكويت وأطاحت بالحكم حتى انسحاب الجيش العراقي على يد قوات التحالف في حرب الخليج الثانية.
الأزمة بدأت في 23 سبتمبر/ أيلول ,1989 حينما زار العاصمة العراقية أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، وقلده الرئيس العراقي صدام حسين أعلى وسام عراقي، لم يثيرا موضوع الحدود بينهما، حتى يتجنبا إفساد جو الزيارة. ولكن أحد الوزراء الكويتيين، المرافقين للأمير، أثار نقطة مع نائب رئيس الوزراء العراقي للشؤون الخارجية سعدون حمادي؛ إذ سأله عمّا إذا كان يرى الفرصة ملائمة لعقد معاهدة عدم اعتداء، بين العراق والكويت، على غرار المعاهدة، العراقية السعودية. وكان رأي الوزير الكويتي، أن عقد مثل هذه المعاهدة، يؤدي إلى اطمئنان الخواطر. وكان تعليق سعدون حمادي، أنه قد يكون من الملائم ترتيب الخطى، فيجب، أولاً، التفاوض في ترسيم الحدود ثم مسألة معاهدة عدم الاعتداء.
ومنذ سبتمبر/ أيلول ,1989 احتدمت الخلافات في موضوع آخر، هو موضوع أسعار النفط، وحصص منظمة ‘’الأوبك’’، وتزايدت درجة الحرارة بين البلدَين. ففي يناير/ كانون الثاني ,1990 زار سعدون الكويت، حيث التقى نظيره الكويتي ثم تبيّن أن مهمة الزائر العراقي، هي طلب قرض، قيمته عشرة مليارات دولار، لتمكين العراق من مواجهة أزمته الاقتصادية بعد الحرب. وتداخلت القضايا، واختلطت قضية المساعدات بقضية الحدود، وقضية أسعار النفط، وتعقدت الأمور. وفي فبراير/ شباط ,1990 زار الشيخ صباح الأحمد الصباح العراق، لمتابعة القضايا المتداخلة. وقد ألمح الزائر الكويتي إلى الديون السابقة، على العراق للكويت. وأشار إلى أن الكويت، قد تستطيع تقديم 500 مليون دولار تضاف إلى الدين القديم، وأنه سيقترح شيئاً من ذلك، عند عودته إلى الكويت. ولدى بحث النقاط الأخرى، وقع سوء تفاهم غريب؛ إذ حسب الطرفان أنهما اتفقا، بينما كان كلٌّ منهما على موقفه، لم يغيّره.
فقد طلب العراق تسهيلات بحْرية مثيلة للتسهيلات، التي حصل عليها أثناء الحرب ضد إيران. وطلب، كذلك، تطبيق معاهدة الدفاع المشترك بين البلدَين. وظن حمادي أن نظيره الكويتي موافق. وطلب الشيخ صباح من سعدون حمادي، تشكيل لجنة لترسيم الحدود، وظن أن نظيره العراقي موافق، كذلك. وصل الرئيس صدام حسين إلى عمّان، في 23 فبراير/ شباط .1990 وكان النزاع بشأن النفط، بين العراق والكويت، الموضوع الرئيسي للنقاش، في اجتماع مجلس التعاون العربي. ولكن اللقاء فشل بسبب التعنت العراقي والمطالبات المبالغ فيها. بعد فشل لقاء عمّان، بين قادة مجلس التعاون العربي، في 24 فبراير/ شباط ,1990 اقترح الملك حسين على الرئيس العراقي، صدام حسين، أن يزور هو نفسه، دول الخليج، في محاولة لعقد اتفاق بين الكويت والمملكة العربية السعودية والعراق، لمعالجة الموقف الاقتصادي العراقي. إلاّ أن الرئيس العراقي، طلب منه الاضطلاع بهذه الزيارة، نيابة عنه. في 26 فبراير/ شباط، جال الملك حسين، في ثلاثة أيام، في عواصم المنطقة، حيث أجرى محادثات مكثفة مع الزعماء الخليجيين، ثم عاد إلى عمّان، في الأول من مارس/ آذار. وفي صباح الثالث من مارس/ آذار، اتصل به الرئيس العراقي، وطلب منه الحضور إلى بغداد لتعرّف آراء الكويتيين والسعوديين. ومن الفور، أرسل صدام حسين طائرة خاصة، نقلت الملك حسين إلى بغداد، حيث التقى الرجلان على مدى أربع ساعات، قدم، خلالها، الملك حسين تقريراً مفصلاً بشأن جولته. وسرعان ما تبين أن المفاوضات، وصلت إلى طريق مسدود، لأن الملك الأردني، لم يتلقَّ أي إشارة إيجابية من زعماء الخليج، في ما يتعلق بأهداف صدام حسين الثلاثة.
.1 تسوية الخلافات الحدودية مع الكويت، ولاسيما حقل الرميلة الغني بالنفط، والواقع في المنطقة المتنازع فيها. .2 الموافقة على إيجاره جزيرتَي وربة وبوبيان، اللتين تؤمّنان له منفذاً إلى الخليج.
.3 تسوية مشكلة الديون المتراكمة على العراق، في الحرب مع إيران. وفي 3 مايو/ أيار ,1990 عاد العراق إلى شكواه المزمنة من الكويت، بسبب إنتاجها الزائد على حصتها في اتفاقات ‘’الأوبك’’. فتقدم وزير الخارجية العراقي طارق عزيز، بشكوى بشأن ارتفاع معدل إنتاج النفط في دول ‘’الأوبك’’، بما يشكل خطراً متصاعداً على العراق منذ أوائل يوليو/ تموز ,1990 بدأت تظهر، علناً، بوادر تفجر الأزمة. وظهر ذلك، بعد استقبال الرئيس العراقي وزير نفط المملكة العربية السعودية، هشام الناظر، في بغداد، في 8 يوليو/ تموز، الذي نقل إليه رسالة شفهية، تخص أسعار النفط وأوضاع السوق النفطية، إضافة إلى العلاقات السعودية ـ العراقية. كما عرض المبعوث السعودي على الرئيس صدام، نتائج زيارته كلاً من الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة.
الغزو العراقي
بدأت العمليات العسكرية العراقية، في منتصف ليلة 1/2 أغسطس/ آب ,1990 بدفْع مفرزتَين متقدمتَين، في تشكيل ما قبل المعركة، من مناطق تمركزهما، جنوبي العراق، في اتجاه الحدود الكويتية الشمالية، بهدف اختراقها، والوصول إلى مشارف مدينة الكويت. المفرزة المتقدمة الأولى، بقوة لواء مدرع من الفرقة 9 المشاة الآلية (توكلنا على الله)، مدعمة بفوج استطلاع. تتقدم على محور: أم قصر ـ الصبية ـ جسر بوبيان، ومهمتهما اختراق الحدود الشمالية للكويت، والوصول إلى منطقة البحرة، شمال خليج الكويت، خلال 3 ساعات، ثم تواصل تقدمها إلى مدينة الكويت. والمفرزة المتقدمة الأخرى، بقوة لواء مدرع من الفرقة 23 المدرعة (حمورابي)، مدعمة بفوج استطلاع. تتقدم على محور: صفوان ـ العبدلي، ومهمتها اختراق الحدود الشمالية للكويت، ثم الوصول إلى منطقة الجهراء، غرب خليج الكويت، في الوقت نفسه الذي تصل فيه المفرزة المتقدمة الأولى إلى البحرة، ثم تواصل تقدمها إلى الوفرة.
وفي الوقت الذي بدأت فيه قوات المفرزتَين المتقدمتَين اختراق الحدود الدولية الكويتية، تحركت قوات النسق الأول (القوة الرئيسية)، من المنطقة الابتدائية للهجوم خلف مفرزتَيها. وفي يوم 2 أغسطس/ آب، بدأت هذه القوات تخترق الحدود الكويتية، من خلال قطاعَي الاختراق، بقوة باقي الفرقتَين، 9 المشاة الآلية، و23 المدرعة. كما دُفعت الكتيبتان 65 و68 المغاوير (الكوماندوز)، مع أربعة ألوية مدفعية، بغرض إسناد أعمال قتال القوة الرئيسية المهاجمة، لسرعة الوصول إلى منطقتَي البحرة والجهراء، في الوقت المحدد.
في الساعة الثانية صباحا بالتوقيت المحلي تدفقت القوات العراقية عبر الحدود إلى الكويت وسيطرت على مدينة الكويت العاصمة. وتغلبت القوات العراقية سريعا على القوات الكويتية الصغيرة العدد نسبيا. وغادر الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت إلى السعودية.
وأثناء تقدم المفارز المدرعة العراقية، تعرضت لمقاومات، من جانب بعض قوات حرس الحدود الكويتية، وقوات الشرطة، التي كانت تنتشر حول مخافر الحدود المشتركة. فاشتبكت معها، ودمرتها، وتابعت تقدمها، تحت ستر نيران المدفعية والدبابات، وفي أثناء القتال دارت عدة معارك غير متكافئة مثل معركة جال اللياح جال المطلاع شرقي الجهراء جال الأطراف قصر دسمان وبحلول يوم 4 أغسطس/ آب كانت القوات العراقية قد سيطرت على كامل التراب الكويتي.
وفرضت الأمم المتحدة عقوبات اقتصادية على العراق وأصدر مجلس الأمن عددا من القرارات التي تدين بغداد.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1990 مع فشل المحاولات الدبلوماسية لحل الأزمة ـ وضعت الأمم المتحدة مهلة للعراق للانسحاب من الكويت وفوضت باستخدام ‘’جميع السبل الضرورية’’ لإجبار العراق على تنفيذ القرارات الدولية. وشكل تحالف دولي شاركت فيه عدة دول واحتشد مئات الآلاف من الجنود في منطقة الخليج. ووضعت الولايات المتحدة خطة عسكرية للحرب بقيادة الجنرال نورمان شوارتسكوف قائد أركان القيادة المركزية الأميركية
عاصفة الصحراء
في السابع عشر من يناير/ كانون الثاني العام 1991 شنت طائرات أميركية وبريطانية وأخرى حليفة حملة مكثفة من القصف الجوي والضربات الصاروخية على العراق. وأعلن الرئيس جورج بوش الأب ‘’إننا لن نفشل’’. أما الرئيس العراقي صدام حسين فقال ‘’إن أم المعارك تجري الآن’’. وقد استخدمت في تلك الحرب صواريخ كروز لأول مرة حيث كانت تطلق من سفن حربية أميركية في منطقة الخليج. وكانت الصور التي يلتقطها البنتاجون للصواريخ المنطلقة وهي تتجه نحو أهدافها، تبث في جميع أنحاء العالم. وقد انطلقت الطائرات المقاتلة والقاذفة والمروحيات الأميركية والبريطانية والسعودية لتدمر مئات الأهداف. وتراوحت هذه الأهداف من المقار العسكرية والقواعد الجوية وحتى الجسور والمباني الحكومية والأجهزة الإعلامية ومراكز الاتصالات ومحطات الطاقة. ونفذت طائرات التحالف أكثر من 116 ألف غارة على العراق وألقت عليه ما وزنه 85 ألف طن من القنابل. وكانت نسبة 10% من هذه القنابل مما يعرف بالقنابل الذكية وهي التي توجه نحو أهدافها عن طريق أشعة ليزر موجهة من طائرة ثانية.
صواريخ سكود
في السابع عشر من يناير/ كانون الثاني نفذ العراق أول غارات بصواريخ سكود استهدفت تل أبيب وحيفا في ‘’سرائيل’’ وقد أسقطت صواريخ باتريوت الأميركية صاروخا آخر من نفس النوع أطلقه العراق على القوات الأميركية. وقالت ‘’إسرائيل’’ إنها لن تنجر إلى القيام برد على الصواريخ العراقية واعتمدت بدلا من ذلك على حماية صواريخ باتريوت الأميركية التي نشرت حول ‘’إسرائيل’’ بسرعة. كما بدأت القوات الأميركية حملة محمومة لتعقب منصات إطلاق صورايخ سكود العراقية وتدميرها في كافة أرجاء العراق. وكان أخطر هجمات سكود تلك التي حدثت في الخامس والعشرين من فبراير/ شباط أثناء الحرب البرية حين ضرب صاروخ قاعدة عسكرية أميركية في الظهران بالسعودية وأسفر عن مقتل 28 جنديا أميركيا. كما أطلق العراق 39 صاروخا من هذا النوع على ‘’إسرائيل’’ أسفرت عن بعض الخسائر المادية وقليل من الخسائر في الأرواح.
الخسائر في الأرواح المدنية
ارتفع عدد الخسائر في الأرواح المدنية، التي سماها القادة العسكريون الأميركيون خسائر عرضية، بسبب قيام قوات التحالف بعشرات الآلاف من الطلعات الجوية. وتحدث لاجئون وصلوا إلى الحدود الأردنية من العراق عن قتلى مدنيين وقالوا إن إمدادات الكهرباء والمياه انقطعت عن بغداد. وثار خلاف بشأن مصنع دمرته الطائرات الأميركية وقال العراق إنه مصنع لحليب الأطفال. لكن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة وقتها، الجنرال كولن باول قال إن المصنع الذي دمر كان منشأة لتصنيع الأسلحة البيولوجية. وفي يوم الأربعاء الثالث عشر من فبراير/ شباط قامت أميركية من طراز الشبح قنبلتين موجهتين بأشعة الليزر على ما وصفه الحلفاء بأنه مركز للقيادة والسيطرة في مخبأ تحت الأرض. لكن تبين أن الهدف المقصوف لم يكن سوى ملجأ للمدنيين العراقيين كانوا يحتمون به من الغارات الجوية وقتل في الهجوم 315 شخصا بينهم 130 طفلا. وفي تلك الأثناء استغل صدام حسين أخطاء الحلفاء لتحقيق أكبر المكاسب الدعائية، كما اعتقل مزيدا من المدنيين الكويتيين لاستخدامهم كدروع بشرية في المنشآت العسكرية والصناعية في العراق.
الحرب البرية
في يوم الأحد 24 فبراير/ شباط ,1991 شنت القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها هجوما بريا وجويا وبحريا كبيرا اكتسح القوات العراقية وانزل بها الهزيمة في غضون مئة ساعة. وكانت الحكومة العراقية قد تجاهلت في اليوم السابق إنذارا نهائيا بسحب قواتها من الكويت، كما تم إضرام النيران في كثير من آبار النفط الكويتية. اجتازت القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها حدود الكويت والعراق من محاور عدة منطلقة من الأراضي السعودية، وتوجهت مئات الدبابات شمالا لملاقاة قوات الحرس الجمهوري العراقية. وقامت قوات أخرى بفرض سيطرتها على طريق بصرة-كويت الرئيسية قاطعة بذلك خط الإمدادات عن القطاعات العراقية المتمركزة في الكويت. وفي ذات الوقت، أمرت قطاعات من مشاة البحرية الأميركية بدخول الكويت أيضا. وأعلن العراق في 26 فبراير/ شباط عن سحب قواته من الكويت، ولكنه واصل رفضه لقرارات الأمم المتحدة الصادرة بحقه. وقام الأميركيون وحلفاؤهم بقصف مركز من الجو للطريق العام بين الكويت والحدود العراقية، حيث قتلوا الآلاف من العسكريين العراقيين المنسحبين فيما أصبح يعرف ‘’بطريق الموت’’. ويعتقد أن الجيش العراقي تكبد خسائر تتراوح بين 25 ألف و30 ألف قتيل في الحرب البرية.
اتفاق وقف إطلاق النار
في 27 فبراير/ شباط ,1991 رحب كويتيون فرحون بطلائع القوات الأميركية والمتحالفة معها عند دخولها مدينة الكويت العاصمة. وكانت وحدات من القوات الخاصة أولى القوات الغربية التي دخلت الكويت، وتبعتها قطاعات من مشاة البحرية الأميركية. وقد أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش في الساعة التاسعة من مساء ذلك اليوم إن وقفا لإطلاق النار سيسري اعتبارا من الرابعة صباح اليوم التالي. وكانت القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها قد أسرت أثناء ذلك عشرات الألوف من الجنود العراقيين الذين استسلموا للقوات المهاجمة من دون مقاومة تذكر. ويقدر الأميركيون أن زهاء 000,150 من العسكريين العراقيين كانوا قد فروا من وحداتهم.
أما خسائر الأميركيين وحلفائهم، فلم تتجاوز 48 قتيلا جراء العمليات الحربية و145 آخرين قتلوا جراء ما وصف ‘’بحوادث لا قتالية. ‘’ ومن ناحية أخرى، يقدر الأميركيون وحلفاؤهم أن الجيش العراقي تكبد خسائر تراوحت بين 60 ألفا إلى 200 ألف قتيل. وقد دفن قتلى العراق في مقابر جماعية في الصحراء. وفي الثاني من شهر مارس/ آذار اصدر مجلس الأمن قرارا جديدا حدد شروط وقف إطلاق النار، التي تضمنت وقفا لكل العمليات العسكرية وإلغاء العراق لقراره بضم الكويت، وقيام بغداد بتزويد الأمم المتحدة بمعلومات كاملة عن الأسلحة الكيماوية والجرثومية التي يمتلكها، وإطلاقه سراح كافة الأسرى، واعترافه بالمسؤولية عن الخسائر والأضرار التي نشأت عن احتلاله للكويت. وفي اليوم التالي، 28 مارس/ آذار، قبل القادة العراقيون رسميا شروط وقف إطلاق النار في اجتماع مع القادة العسكريين الأميركيين جرى في خيمة نصبت بالقرب من بلدة صفوان الحدودية. ولم يحضر الرئيس العراقي صدام حسين هذا الاجتماع.
الانتفاضات التي اندلعت منذ العام 1991
فور قبول العراق قرار وقف إطلاق النار، بدأت الانتفاضات تنتشر من المناطق المنشقة في شمال وجنوب البلاد. فقد قام عراقيون في البصرة، والنجف وكربلاء جنوب البلاد بمظاهرات احتجاج ضخمة ضد النظام. كما تمكن الأكراد في الشمال من إقناع القيادة العسكرية المحلية بالمنطقة بتغيير الولاء. وكانت السليمانية أولى المدن الكبرى التي سقطت في أيديهم. وفي غضون أسبوع سيطر الأكراد على مناطق الحكم الذاتي الكردية ومنطقة كركوك الغنية بحقول النفط. وفي منتصف شهر فبراير/ شباط، دعا الرئيس الأميركي جورج بوش الشعب العراقي لأن يأخذ بزمام الأمور في يده. ولكن الآمال بالحصول على دعم أميركي لم تتحقق. وبدلا من ذلك، وصلت طائرات حربية عراقية قامت بقصف مكثف لتلك المناطق. وتقول جماعة ‘’إندايت’’ التي تدعو لمحاكمة القادة العراقيين بتهم ارتكاب جرائم حرب، إن المتمردين قد اعدموا جماعيا، وإن المستشفيات والمدارس والمساجد والأضرحة وطوابير اللاجئين الفارين قد تعرضت للقصف. وتقول الولايات المتحدة، التي تعرضت لانتقادات شديدة لسماحها لصدام حسين باستمرار استخدام قواته الجوية، إن ما بين ثلاثين ألفا وستين ألف عراقي قد لقوا حتفهم. وفي الشمال، فر نحو مليون ونصف المليون كردي عبر الجبال إلى إيران وتركيا. وقد ساهمت الظروف المناخية السيئة والتضاريس الصعبة في زيادة معاناة اللاجئين وخلقت كارثة إنسانية. وقد نظمت الأمم المتحدة عقب ذلك عملية إغاثة ضخمة سمتها توفير المأوى، قامت خلالها بإسقاط الأغذية ومواد الإعاشة الضرورية للاجئين.
الأضرار البيئية للحرب
تسببت حرب الخليج في واحدة من أسوأ الكوارث البيئية التي شهدها العالم. ففي أثناء القصف الجوي المركز الذي تعرض له العراق على يد القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها، قامت القوات العراقية المتمركزة في الكويت بفتح صنابير آبار النفط الكويتية وسكــب كميــات من النفط الخام تبلغ ثمانية ملايين برميـــل في مياه الخليج.
كما أضرم العراقيون النار في 600 بئر على الأقل، مما نتج عنه سحابة سوداء من الدخان غطت سماء الإمارة. وقد تطلبت عملية إخماد هذه الحرائق جهودا مضنية بذلها متخصصون في هذا المضمار (من أمثال خبير إطفاء الحرائق النفطية الأميركي ريد أدير وغيره) على مدى ستة شهور.
أما ‘’البحيرات الزيتية’’ التي تشكلت في صحراء الإمارة، فقد استغرقت عملية تنظيفها سنوات عدة. إلى ذلك، تأثرت الثروة الحيوانية في الكويت بما فيها الطيور والسلاحف النادرة والجزر المرجانية أيما تأثر بالنفط المتسرب إلى البحر. ويعتقد أطباء كويتيون أن نسب الإصابة بأمراض متعددة كالسرطان وأمراض القلب والأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي قد ارتفعت ارتفاعا ملحوظا بسبب الدخان الكثيف الناتج عن حرائق النفط.
أما في العراق، فقد أثار التلوث الناتج عن استخدام القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها للذخيرة المصنوعة من مادة اليورانيوم الناضب قلقا شديدا.