حكمت سلالة الزيديين اليمن لمدة تزيد عن 1100 سنة وقد بدأ هذا الحكم عندما ذهب اليمنيون إلى المدينة سنة 284 هـ لمبايعة الهادي يحيى بن الحسين إماماً لليمن بعد أن انتشرت فيه دعوة القرامطة والإسماعيلية وقد تعهد الإمام بتحكيم شرع الله وسنة رسوله والمساواة بين جميع اليمنيين على اختلاف مذاهبهم وأصولهم.
ولكن خلفاء الإمام لم يلتزموا بذلك وميزوا أنفسهم عن بقية الشعب على أنهم السلالة الهاشمية الحاكمة وضمن الأئمة حكم اليمن بإثارة الخلافات والمشاحنات بين القبائل وكان ذلك من أسباب الانقلابات التي تتابعت على اليمن في منتصف القرن العشرين .
وكان من بين هذه الأسباب أيضاً أن اليمن كان معزولاً عن التطور والتحديث فقد قال الدكتور عبد الرحمن البيضاني أنه "كان يوجد في اليمن عام 1950 ثلاثة صحف تصل من عدن التي كانت تحت الإدارة البريطانية ولا توجد كهرباء في صنعاء ويوجد عدد ثلاثة أجهزة راديو بحوزة الإمام أحمد والبدر ولي العهد والقاضي أحمد الحضراني".
وقد وقع أول هذه الإنقلابات عام 1948 الذي قام به عبد الله الوزير وانتهى بفشله وفي 31 مارس عام 1955 حدث انقلاب قام به المقدم أحمد يحيى الثلايا وقد قام المقدم أحمد بقيادة فرقة من الجنود لمحاصرة الإمام في قصره في مدينة تعز وطالبوا الإمام تسليم نفسه وهو ما حدث وقد اختلف قادة الانقلاب فيما بينهم على مصير الإمام فبعضهم اقترح قتله والبعض الأخر اقترح أن يستبدل بأخيه الأمير سيف الله عبد الله.
وفي أثناء ذلك قام الإمام بفتح خزائن قصره واشترى جنود الثلايا كما قامت سيدات الأسرة المالكة بقص شعورهن ووضعوها في أظرف وأرسلوها إلى القبائل وكتبوا لهم "يا غارة الله بنات النبي" أي أنهن بنات الرسول من الأسرة الهاشمية فهجمت القبائل على تعز وفشل الإنقلاب.
وفي صيف عام 1959 سافر الإمام أحمد إلى روما للعلاج من الروماتيزم فأعتقد البدر أنها نهاية أبوه فقام بإنشاء مجلس نيابي برئاسة أحد أبناء الشعب وهو القاضي أحمد الصياغي كما قام بإلقاء خطاب ناري ضد الإمام في احتفال للجيش اليمني الوليد.
فثار الهاشميون ضد البدر مما دفعه للاستعانة بالقبائل لإخماد ثورتهم ورغم أن عيون البدر في روما تخبره أن أبوه يحتضر إلا أن الإمام أحمد أفاق من مرضه ورجع إلى اليمن وقام بإلغاء كل ما قام به البدر من إصلاحات كما أمر باسترجاع الأموال والسلاح التي أعطاها البدر للقبائل التي أيدته في الإصلاحات.
وهرب شيوخ القبائل إلى السعودية ولكن الملك سعود ضمنهم عند الإمام أحمد ولما رجعوا أعطاهم الإمام لابنه البدر فقام بذبحهم ترضية لأبيه وكانت هذه الحادثة دليلاً للذين عقدوا الآمال على البدر أنه لا يختلف كثيراً عمن سبقوه.
وعنما مات الإمام أحمد في 19 سبتمبر عام 1962 خلفه ابنه الإمام البدر وكان قرار تعيين عبد الله السلال قائداً للحرس الملكي من أولى القرارات التي اتخذها الإمام.
انقلاب 1962
عندما توفي الإمام أحمد في 19 سبتمبر عام 1962 خلفه ابنه الإمام بدر وفي هذه الأثناء تناقش ضباط الجيش إذا كان هذا هو الوقت المناسب للقيام بالانقلاب أو الانتظار حتى عودة الأمير الحسن من الخارج للقبض عليهما معاً في وقت واحد.
ولكن العقيد عبد الله السلال قرر التحرك وأمر بإعلان حالة التأهب القصوى في الكلية الحربية في صنعاء وفتح جميع مستودعات الأسلحة وتوزيعها على كل الضباط الصغار والجنود وفي مساء 25 سبتمبرجمع عبد الله السلال القادة المعروفين في الحركة القومية اليمنية والضباط الذين تعاطفوا معها أو شاركوا في محاولة انقلاب الثلايا عام 1955.
وكان كل ضابط وكل خلية سيتلقى الأوامر وبدء التحرك بمجرد بدء قصف قصر الإمام بدر وتضمنت الأماكن الهامة التي يجب تأمينها قصر البشائر (قصر الإمام) وقصر الوصول (قصر استقبال الشخصيات الهامة) والإذاعة والاتصالات التليفونية وقصر السلاح (مخزن السلاح الرئيسي) ومقرات الأمن الداخلي والمخابرات.
وتم تنفيذ الثورة بواسطة 13 دبابة من اللواء بدر و6 عربات مصفحة ومدفعين متحركين ومدفعين مضادين للطائرات وكانت الكلية الحربية هي مقر القيادة والسيطرة على القوات التي تقوم بالانقلاب.
توجهت وحدة من الضباط الثوريين مصحوبة بالدبابات إلى قصر البشائر وقاموا باستخدام مكبرات الصوت لدعوة الحرس الملكي للتضامن القبلي وتسليم الإمام بدر الذي تقرر إرساله للمنفى بسلام ولكن الحرس الملكي رفض الاستسلام وفتح النار على وحدة الضباط مما دفع الثوريين إلى الرد بقذائف المدافع والدبابات فقد قرر الثوار استخدام الدبابات والمدفعية منذ البدابة.
الإمام بدر مع بعض رفاقه
وقد استمرت معركة القصر حتى استسلم الحرس الملكي في صباح اليوم التالي وكانت الإذاعة قد سقطت منذ البداية بعد مقتل ضابط ملكي واحد وانهيار المقاومة أما مخزن السلاح فكان أسهلها فكان يكفي أمر مكتوب من العقيد السلال لفتح المنشأة ثم تنحية الملكيين منها وتأمين البنادق المدفعية والذخيرة.
وقد سقطت الاتصالات التليفونية أبضاً بدون أي مقاومة. وفي قصر الوصول فقد ظلت الوحدات الثورية آمنه تحت ستار حماية وتأمين الدبلوماسيين والشخصيات الهامة التي جاءت لتبارك لولي العهد الجديد.
وفي صباح 26 سبتمبر تم تأمين كل المناطق في صنعاء وأعلنت الإذاعة أنه قد تمت الإطاحة بالإمام بدر وحلت محله حكومة ثورية جديدة ثم بدأت الوحدات الثورية في مدن تعز وحجة وميناء الحديدة تأمين ترسانات السفن والمطارات ومنشآت الميناء.
وكان عهد الإمام أحمد عهد معارضة وثورات وقد تعرض الإمام إلى 12 محاولة اغتيال منها محاولة فاشلة لاغتياله وهو على فراش الموت وما كانت الثورة التي قام بها الضباط عبد الله السلال وعبد الرحمن البيضاني والدكتور محسن العيني إلا تركيز النشاطات الثورية في جهد منظم واحد للإطاحة بحكم الإمام وقد كان قائد المجموعة ، السلال متأثراً بقراءاته عن الثورة الفرنسية وكتاب عبد الناصر فلسفة الثورة.
لم يشارك البيضاني - وهو مثقف يحمل درجة الدكتوراه - رؤية عبد الناصر على الرغم من أنه كان يريد خلق جمهورية على أرض اليمن ولكن بدون انتهاج الخط الناصري وهو الخط الذي اختاره عبد الله السلال وقد حدثت منافسه بين الإثنين انتهت لصالح السلال.
وفي 28 سبتمبر أعلنت الإذاعة موت الإمام بدر على الرغم من إنه كان لا يزال على قيد الحياة وفي هذه الأثناء غادر الإمام العاصمة صنعاء وهرب إلى مدينة حجة في الشمال وكان ينوي أن يفعل ما فعله أجداده من قبل بالاستنجاد بالقبائل في الشمال وفي جبال حضرموت وشن حرب لاستعادة العاصمة.
وفي 30 سبتمبر وصل العميد المصري على عبد الخبير على متن الطائرة لتقييم الموقف وتقدير احتياجات مجلس قيادة الثورة اليمني وعلى الفور تقرر إرسال كتيبة قوات خاصة مصرية (صاعقة) وكانت مهمتها العمل على حراسة العقيد عبد الله السلال ووصلت هذه الكتيبة إلى الحديدة في 5 أكتوبر.
وكان أنور السادات يعتقد أن لواء مدعوم بالطائرات يمكنه تأمين السلال ومجموعة الضباط الأحرار اليمنيين ولكن تسارعت الأحداث وقامت السعودية التي كانت تخشى المد الناصري بإرسال قوات إلى الحدود اليمنية وأرسل ملك الأردن رئيس أركان جيشه إلى الأمير حسن لإجراء مباحثات.
وخلال 2-8 أكتوبر غادرت أربع طائرات شحن سعودية محملة بالسلاح لإرساله إلى القبائل اليمنية الموالية للإمام ولكن الطيارون اتجهوا إلى مدينة أسوان المصرية وقد أعلن سفراء ألمانيا ، المملكة المتحدة ، الولايات المتحدة والأردن دعمهم لنظام الإمام بينما أعلنت مصر ، إيطاليا ، تشكوسلوفاكيا دعمها للثورة الجمهورية
التورط المصري فى اليمن
حاول المفكرون العسكريون المصريون تبرير سبب إرسال القوات المصرية إلى اليمن. وقد ذكر أنتوني نتنغ في كتاباته عن سيرة حياة عبد الناصر عوامل عديدة دفعت الرئيس المصري لإرسال قوات مصرية إلى اليمن.
وكتب المؤرخ السياسي والصديق المقرب من عبد الناصر - محمد حسنين هيكل - في كتاب لمصر لا لعبد الناصر أنه قد تناقش مع عبد الناصر في موضوع دعم الانقلاب في اليمن وكانت وجهة نظره أن وضع ثورة السلال لا يمكنها من احتواء العدد الكبير من القوات المصرية التي سترسل إلى اليمن لدعم نظامه.
وإنه من الأفضل التفكير في إرسال متطوعين عرب من جميع أنحاء العالم العربي للقتال بجانب القوات الجمهورية اليمنية وقد ضرب هيكل مثال الحرب الأهلية الإسبانية للتطبيق في اليمن ولكن عبد الناصر رفض وجهة نظره وكان مصراً على ضرورة حماية الحركة القومية العربية.
وكان عبد عبد الناصر يعتقد أن لواء من القوات الخاصة المصرية مصحوباً بسرب من القاذفات المقاتلة يمكنه أن يحمي الجمهوريين في اليمن وكان جمال عبد الناصر يتطلع إلى تغيير النظام اليمني منذ 1957 وفي يناير 1962 وجد الفرصة سانحة لتحقيق تطلعاته وذلك بدعم حركة الضباط الأحرار اليمنيين بالإيواء والمال وعلى موجات إذاعة صوت العرب.
ومن بين الأسباب التي أدت بعبد الناصر إلى إرسال القوات المصرية إلى اليمن :
تأثير دعمه لحرب تحرير الجزائر من 1954 إلى 1962.
انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961.
تدهور علاقاته من بريطانيا وفرنسا بسبب دعمه للجزائريين وكذلك على الأخص بسبب جهوده لتقويض حلف بغداد الذي أدى سقوطه إلى سقوط الملكية في العراق عام 1958.
كان عبد الناصر يعتقد أن قدر مصر هو مواجهة الاستعمار.
كانت ينظر للحرب في اليمن على إنها وسيلة لكسب النقاط في صراعه مع النظام الملكي السعودي الذي أعتقد عبد الناصر أنه سعى إلى فك الوحدة بين مصر وسوريا.
وقائع القتال
العميد كمال علي حسن قائد القوات المصرية باليمن
أدرك عبد الناصر خلال ثلاثة أشهر من إرساله القوات إلى اليمن أن الأمر يتطلب أكثر مما توقع وفي بدايات عام 1963 بدأ مسعاه الذي امتد أربعة أعوام لإخراج القوات المصرية من اليمن لحفظ ماء الوجه ولكنه وجد نفسه مضطراً لإرسال المزيد من القوات.
جندي مصري يدرب أحد الجمهوريين
وكان عدد القوات أقل من 5,000 جندي في أكتوبر 1963. وبعد شهرين ارتفع عدد القوات النظامية هناك إلى 15,000 وفي نهاية عام 1963 بلغ عدد القوات 36,000 وفي نهاية عام 1964 بلغ 50,000 جندي مصري في اليمن وبلغ العدد ذروته في نهاية عام 1965 ليبلغ عدد القوات المرابطة هناك 55,000 جندي مصري تم تقسيمهم إلى 13 لواء مشاة ملحقين بفرقة مدفعية فرقة دبابات والعديد من قوات الصاعقة وألوية المظلات.
وقد ارسل السفير أحمد أبو زيد - الذي كان سفير مصر إلى المملكة اليمنية من 1957 إلى 1961 - العديد من التقارير الهامة عن اليمن التي لم تصل إلى وزارة الدفاع المصرية ويبدو إنها ظلت مدفونة في أدراج وزارة الخارجية فقد حذر السفير المسئولين في مصر - بمن فيهم المشير عبد الحكيم عامر - أن القبائل اليمنية صعبة المراس ولا تملك أي إحساس بالولاء أوالانتماء للوطن وعارض السفير إرسال القوات المصرية واقترح دعم الضباط الأحرار اليمنيين بالمال والسلاح وحذرهم بأن السعوديين سيغرقون اليمن بالمال لتأليب القبائل ضد الثورة.
لم يتفهم عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة المصريون أن تمركز قوات مصرية في اليمن - على أبواب المملكة العربية السعودية - سينظر إليه على أنه مسألة حياة أوموت لعائلة آل سعود ، وكذلك فأنه سيعتبر زيادة التهديد على القوات البريطانية الموجودة في محمية عدن.
ولم تُأخذ هذه العوامل في الاعتبار عندما تم اتخاذ القرار النهائي بإرسال القوات المصرية إلى اليمن. وكان هناك بعد آخر خفي في هذا الصراع إلا وهو رغبة السعودية في أن تصبح القوة المؤثرة في شبه الجزيرة العربية وقد شكلت القوات المصرية تهديداً لهذا النفوذ التقليدي التي كانت تمارسه السعودية على اليمن وعلى دول الخليج الأخرى.
مشكلة الخرائط
كان القادة الميدانيون المصريون يعانون من انعدام الخرائط الطوبوغرافية مما سبب لهم مشكلة حقيقية في الأشهر الأولى من الحرب فلم يستطع القادة وضع الخطط للعمليات العسكرية أو إرسال التقارير الدورية أو الإبلاغ عن الخسائر بدون الإحداثيات الدقيقة للمواقع. وكانت لدى وحدات القتال خرائط تستخدم فقط للملاحة الجوية.
وقد أقر مدير المخابرات العامة المصرية صلاح نصر أن المعلومات عن اليمن كانت شحيحة ولأن مصر لم يكن لديها سفارة في اليمن منذ 1961 فقد طلبت معلومات من السفير الأمريكي في اليمن ولكن كل ما ارسله في تقريره كانت معلومات عن الاقتصاد اليمني.
وكان نقص الخرائط الكافية وعدم معرفة المصريون بأرض المعركة يؤدي إلى استمرار بقاء القوات المصرية في مستنقع اليمن وكان من بين القواد الذين تم إرسالهم لتنفيذ العملية 9000 - وهو الاسم الذي اطلقه قادة الجيش المصري على حرب اليمن - لواء مصري واحد من أصل يمني من قبيلة بني سند اسمه طلعت حسن علي وكان هذا اللواء هو الوحيد الذي يمكن أن يكون له معرفة باليمن.
ولم يعاني السعوديون والملكيون من هذه المشكلة بسبب الارتباط والتزاوج بين القبائل السعودية واليمنية على جانبي الحدود وبالإضافة إلى ذلك فقد قامت السعودية بإرسال آلاف العمال اليمنيين العاملين في المملكة العربية السعودية لمساعدة الإمام بدر.
وكانت الزيادة في أعداد القوات المصرية نتيجة مباشرة للتصعيد السعودي البريطاني ولم يكن نتيجة الواقع على أرض المعركة أو حاجات عسكرية صرفة وقد أرسل العراق أيضاً العديد من البعثيين اليمنيين على متن الطائرات لزعزعة استقرار نظام الضباط الأحرار اليمني الموالي للمصريين.
دور القوات الجوية المصرية
ومنذ عام 1962 إلى نهاية الحرب أدرك قادة الأركان العامة المصرية أهمية الجسر الجوي ولم يدرك المصريون تأثيره جيداً في اليمن حتى أكتوبر 1963 في هذا الوقت كان الزعيم الجزائري أحمد بن بلة متورطاً في حرب الرمال مع المملكة المغربية الموالية للولايات المتحدة على قطعة أرض في الصحراء أعطيت للجزائر بعد طرد الاحتلال الفرنسي.
وكان الجزائريون يمتلكون جيش يعتمد تكتيكات حرب العصابات في مواجهة قوات مسلحة تقليدية وطلب بن بلة المساعدة من عبد الناصر التي جاءت في صورة كميات ضخمة من الدبابات والعتاد الذي جاء عن طريق البحر والجسر الجوي والتي جاءت على حسب كلام نتنغ بسرعة وكفاءة عالية من الجيش المصري ومكنت هذه المساعدات الجزائريين من الاحتفاظ بقطعة الأرض المتنازع عليها.
في يناير 1964 ، قام الملكيون بحصار العاصمة اليمنية صنعاء فقامت ناقلات الأنتونوف المصرية بعمل جسر جوي لنقل أطنان من الطعام والوقود إلى العاصمة المحاصرة وقدر المصريون تكاليف تجهيز القوات المصرية والجمهورية اليمنية بملايين الدولارات وبالإضافة إلى ذلك فقد قامت موسكو بتجديد مطار الروضة الحربي خارج صنعاء.
فقد رأى القادة السياسيون السوفييت أنها فرصة لكسب موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية ولذلك قاموا بتدريب المئات من الطيارين الحربيين المصريين للخدمة في حرب اليمن وقامت القوات الجوية والبحرية المصرية بغارات لقصف مدن نجران وجازان السعوديتين اللتين كانتا مأوى للقوات الملكية.
وفي المقابل قام السعوديون بشراء نظام ثندربيرد للدفاع الجوي وقاموا بتطوير مطار خميس مشيط الحربي وحاولت الرياض إقناع واشنطن بالرد بالنيابة عنها على المصريين! ولكن الرئيس كينيدي اكتفى بإرسال سرب طائرات مقاتلة وقاذفات إلى قاعدة الظهران الجوية لإظهار جدية أمريكا في الدفاع عن مصالحها في المملكة العربية السعودية.
موقف قائد سلاح الجو الأردني
في أثناء الحرب قامت المملكة العربية السعودية والأردن بعقد اتفاقية للدفاع المشترك والتعاون العسكري عُرفت باتفاقية الطائف وبسبب حوادث لجوء بعض الطيارين السعوديين إلى مصر بسبب رفضهم قصف المواقع المصرية في اليمن التجأ السعوديون إلى الأردن للقيام بالغارات الجوية.
وبالفعل ذهب وفد عسكري أردني إلى السعودية يرأسه قائد الجيش حابس المجالي ومعه قائد سلاح الجو سهل حمزة للاتفاق على تفاصيل الضربة الجوية التي سيقوم بها طيارون أردنيون.
وكانت الأهداف التي يجب ضربها مطارات صنعاء، الحديدة وتعز وتدمير الطائرات والمعدات الموجودة والسفن المصرية في البحر الأحمر المتجهة والعائدة من اليمن وإذاعة صنعاء ومحطة الاتصالات اللاسلكية وقلعة حجة وإذاعة تعز وميناء الصليف شمال مدينة الحديدة.
وبسبب طول المسافة وصغر سعة خزان وقود الطائرات فقد تم الاتفاق على ضرب الأهداف ثم الاتجاه إلى القاعدة العسكرية البريطانية في عدن لإعادة التزود بالوقود وإكمال تسليح الطائرات وفي طريق العودة يتم ضرب أهداف أخرى.
وفي أثناء زيارة الوفد العسكري غادر قائد سلاح الجو الأردني - سهل حمزة - السعودية إلى عمان بدون إبداء الأسباب وكان في نيته مقابلة العاهل الأردني لمناقشته في جدوى الأمر وعندما لم يستطع مقابلته قرر التوجه بطائرته إلى القاهرة لمقابلة عبد الناصر وقد ذكر سهل حمزة في إحدى الأحاديث الصحفية أنه فكر في الأمر وتوصل إلى أنه إذا رفض القيام به فسيقوم غيره بالمهمة، وإذا امتثل فهو "عار له ولبلده".
مصلحة إسرائيل في الحرب
من الناحية الإستراتيجية كانت حرب اليمن فرصة لإسرائيل لأنها أجلت خطط المصريين العسكرية لتقوية وضعهم في سيناء، وذلك بتحويل انتباه الجيش المصري إلى نقطة أخرى وقد كتب المؤرخ المصري حسنين هيكل أن إسرائيل قامت بإعطاء شحنات من الأسلحة كما أقامت اتصالات مع المئات من المرتزقة الأوروبيين الذين يقاتلون بجانب الملكيين في اليمن.
وقامت إسرائيل بإنشاء جسر جوي سري بين جيبوتي وشمال اليمن وأعطت الحرب الفرصة للإسرائيليين لمراقبة وتقييم التكتيكات الحربية المصرية وقدرتها على التكييف مع ظروف المعارك.
القوات الملكية اليمنية وحلفائها
معسكر للملكيين
وفي عام 1963 وحده انفق السعوديون 15 مليون دولار لتجهيز القبائل اليمنية الموالية للملكيين بالسلاح لتأجير المئات من المرتزقة الأوروبيين وإنشاء محطة إذاعية خاصة بهم وقامت باكستان ببيع بنادق للملكيين وكانت قد رأت فيها فرصة للتكسب من الحرب.
وكان يوجد بعض عناصر الحرس الوطني السعودي تقاتل في جيش الإمام وقامت إيران بدعم الملكيين بالمال فقد وجد الشاه أنه يجب عليه دعم الإمام الشيعي الزيدي وسمح البريطانيون بمرور قوافل السلاح عبر أراضي أحد حلفاءهم في شمال اليمن وهو شريف بيحان الذي كان تحت حماية الإدارة البريطانية في عدن وقامت الطائرات الحربية البريطانية بعمليات نقل جوية لإعادة إمداد قوات الإمام.
قام الإمام البدر بتشكيل جيشيين - واحد تحت قيادة الأمير حسن في الشرق والثاني تحت قيادته في الغرب وسيطر الجيشان على معظم شمال وشرق اليمن بما فيه من مدينتا حريب ومأرب.
ولكن عاصمة الشمال صعدة التي كانت لتعطي للإمام طريق إستراتيجي هام للعاصمة صنعاء كانت تحت سيطرة الجمهوريين وكانت هناك مناطق مثل مدينة حجة حيث كان الملكيون يسيطرون على الجبال بينما سيطر المصريون والجمهوريون على المدينة وقلعتها.
وقد تم إرسال مرتزقة من فرنسا وبلجيكا وإنجلترا من الذين حاربوا في روديسيا وشبه جزيرة ومالايا والهند الصينية والجزائر لمساعدة الإمام في التخطيط للحرب التدريب وإعطاء للقوات غير النظامية التابعة للإمام القدرة على الاتصال بالسعوديين وفيما بينهم.
كما قام أولئك المرتزقة بتدريب رجال القبائل على استخدام الأسلحة المضادات للدبابات مثل المدفع عيار 106ملم وكذلك قاموا بتدريبهم على زرع الألغام.
ولا يزال عدد المرتزقة الأوروبيين مجهولاً وقدرته المصادر الغربية بالمئات بينما قدرته المصادر المصرية بـ 15,000 مرتزق وكانت تكتيكات الملكيون محصورة في طرق حرب العصابات لعزل القوات التقليدية المصرية - الجمهورية اليمنية والقيام بهجمات على خطوط الإمداد.
مراحل القتال
قسمت قيادة الأركان العامة المصرية حرب اليمن إلى ثلاثة أهداف عملياتية الأول كان الشق الجوي وبدأ هذا الشق بطائرات تدريب قامت بعمليات تمشيط كما قامت أيضاً بحمل القذائف وانتهى بثلاثة أسراب من القاذفات المقاتلة تمركزت بالقرب من الحدود اليمنية السعودية.
وقام المصريون بطلعات جوية على طول ساحل تهامة وفي مدن نجران وجازان السعوديتين وكان هدف هذه الطلعات قصف تشكيلات الملكيين الأرضية وتعويض قلة التشكيلات المصرية على الأرض بالقوة الجوية وبجانب الغارات الجوية المصرية كان الشق العملياتي الثاني هوالسيطرة على الطرق الرئيسية المؤدية للعاصمة صنعاء والطرق التي تربطها بالمدن والقرى الرئيسية.
وكانت حملة "رمضان" هي أكبر هجوم نُفذ من أجل هذه الشق العملياتي الذي بدأ في مارس 1963 ودام حتى فبراير 1964 وركز على فتح وتأمين الطرق من صنعاء إلى صعدة في الشمال وطريق صنعاء مأرب في الشرق وكانت نتيجة نجاح المصريين أن الملكيين سيتخذون الهضاب والجبال ملجأ لإعادة التجمع والقيام بالكر والفر.
وكان الشق العملياتي الثالث هوإخضاع القبائل وإغراءهم لتأييد الجمهوريين وتطلب ذلك إنقاق أموال كثيرة لإمداد القبائل بالمساعدات بل ورشوة زعماء القبائل.
وبقدوم عام 1967 تمركزت القوات المصرية في مثلث الحديدة - تعز - صنعاء للدفاع عنه وقامت بعمل طلعات جوية لقصف جنوب المملكة العربية السعودية وشمال اليمن وقد أراد عبد الناصر انسحاباً متزامناً للقوات المصرية والسعودية من اليمن لحفظ ماء الوجه.
ولكن هذه الانسحاب جاء عند اندلاع حرب يونيو 1967 فعنترية عبد الناصر التي ادت به إلى طلب سحب قوات الأمم المتحدة من سيناء شجعت إسرائيل على القيام بهجوم جرئ على ثلاثة دول عربية هي مصر وسوريا والأردن.
وبعد نكسة 67 بدأ العرب في الإتحاد ضد إسرائيل. وقد أعطى ذلك عبد الناصر الفرصة للخروج من اليمن في قمة الخرطوم ومن 1968 إلى 1971 انسحبت مصر والسعودية ومعهم مئات المرتزقة من اليمن
حملة رمضان
بدأت حملة رمضان في فبراير 1963 عندما وصل المشير عبد الحكيم عامر وأنور السادات إلى صنعاء وقد طلب عبد الحكيم عامر من القاهرة مضاعفة عدد القوات الموجودة إلى 40,000 جندي ووصل منهم 5,000 كدفعة أولى وفي 18 فبراير تحركت فرقة من 15 دبابة وعشرين عربة مدرعة و18 شاحنة والعديد من سيارات الجيب من صنعاء متجهة إلى صعدة في الشمال.
دمار ناتج عن قصف مصري بمدينة مأرب
وتبعتها العديد من القوات وبعد بضعة أيام توجهت فرقة أخرى يتقدمها 350 جندي في دباباتهم وعرباتهم المدرعة من صعدة إلى مأرب في الجنوب الغربي ولم تتجه الفرقة الأخيرة إلى مأرب مباشرة.
بل قاموا بالعبور إلى صحراء الربع الخالي داخل الأراضي السعودية حيث تم تجهيزهم بواسطة جسر جوي ثم توجهوا إلى الغرب وفي 25 فبراير احتلوا مأرب ثم حريب في 7 فبراير وقد فشلت قوة ملكية من 1,500 رجل تم جمعهم في نجران في وقف الهجوم عند خروجه من صعدة.
وقد هرب قائد الملكيون في حريب إلى بيحان إلى داخل اليمن الجنوبي الذي كان يحتله البريطانيون وفي معركة العرقوب وتقع على بعد 25 ميل جنوب شرق العاصمة صنعاء قام 500 ملكي يقودهم الأمير عبد الله بالهجوم على موقع مصري على قمة أحد الهضاب وكان الموقع يحرسه ست دبابات سوفيتية من نوع تي-54 ودستة من العربات المصفحة ومدافع آلية.
فقام المصريون بالرد على الهجوم بالمدفعية وقذائف المورتر وطائرات التمشيط بينما قام الملكيون بالرد بالبنادق وقاذف مورتر واحد معه عشرين قذيفة ومدفع بازوكا معه أربعة قذائف.
واستمرت المعركة أسبوعاً وكلفت المصريون ثلاثة دبابات سبع عربات مدرعة و 160 قتيلاً ولكن المصريون كانوا في مواقع تمكنهم من منع الملكيين من الإمدادات في الجبال شمال وشرق صنعاء.وفي بداية أبريل عقد الملكيون اجتماعاً مع الملك فيصل في الرياض .
وقرروا تطبيق تكتيكات جديدة ومنها الحصول على الإمدادات بالدوران حول المواقع التي يحتلها المصريون باستخدام الجمال بدلاً من الشاحنات لعبور الجبال والوصول لمواقعهم شرق صنعاء ويمكن لقوافل الجمال أن تدخل الربع الخالي من بيحان إلى اليمن شمال مأرب وقد تقرر أيضاً تكثيف عمليات الملكيين شرق الجبال بواسطة ثلاثة "جيوش".
وفي نهاية أبريل بدأ الملكيون في استعادة قوتهم وادعوا استرجاع المواقع التي أخذها منهم المصريون في الجوف في الجبال وإنهم أزالوا كل المواقع المصرية ماعدا موقع الحزم كما أدعوا أيضاً استرجاع مدينة البطانة في الغرب.
حملة حرض
وفي 12 يونيو قام 4,000 جندي من قوات المشاة المصرية مدعمون بالجيش الجمهوري والمتطوعين من محمية عدن بغزومدينة بيت عداقة التي تقع على بعد 30 ميلاً غرب صنعاء حيث تمتد جبهة يقودها الأمير عبد الله من طريق الحديدة عبر محافظة كوكبان إلى جنوب حجة.
وفي خلال يومين تقدم الهجوم حوالي 12 ميلاً قبل أن يتم صدهم بهجوم ملكي مضاد وقد اعترف الملكيون بمقتل 250 من جانبهم ثم هاجم الجمهوريون مدينة السودة تبعد حوالي 100 ميل شمال غرب صنعاء وقد استغلوا قلة شعبية الأمير عبد الله بين القبائل لشراء شيوخها ودخلوا المدينة بلا مقاومة.
ولكن بعد مرور شهر بعثت القبائل بمندوبين للبدر يطلبون العفو ويطلبون منه المال والسلاح لقتال المصريين وارسل البدر قوات جديدة واستطاع استعادة المناطق المحيطة بالمدينة ولكن ليس المدينة نفسها.
قام المصريون بهجوم من قاعدتهم الشمالية الغربية الرئيسية في حرض وكان عدد القوات 1,000 جندي مصري يصاحبهم 2,000 جمهوري وكانت الخطة - على حسب رواية المخابرات البريطانية - هي قطع الطريق الجبلي الذي يبلغ طوله 35 ميلاً الذي يربط بين الخوبة على الحدود السعودية ومقر قيادة البدر في جبال القارة ثم بعد ذلك قسم القوات إلى قسمين حيث تتحرك واحدة إلى الشرق إلى مقر قيادة البدر والأخرى تتجه إلى الشمال الشرقي عبر الطريق الجبلي إلى الحدود السعودية تحت جبال رازح.
وبداً المصريون تحركهم في صباح يوم السبت عبر وديان حرض وتعشر وفي عصر يومي السبت والأحد هطلت الأمطار بغزارة وغرست آلياتهم المكونة من 20 دبابة وحوالي 40 عربة مدرعة في الوحل ولم يهاجمهم الملكيون حتى فجر الإثنين وغادر البدر مقر قيادته في الثالثة فجراً مع 1,000 من رجاله للقيام بهجوم مضاد في مضيق تعشر بينما هاجم الأمير عبد الله وادي حرض.
وفي هذه الأثناء خطط المصريون لتحرك منسق من صعدة إلى الجنوب الغربي تحت جبال رازح للانضمام مع القوة القادمة من حرض وقد اعتمدوا على شيخ قبيلة محلية الذي كان من المفروض أن تنضم قواته إلى 250 من قوات المظلات المصرية ولكن الشيخ لم يحضر لاستقبال المظليين فاضطروا إلى العودة إلى صعدة وقد خسروا بعضهم بنيران قناصة الملكيين.
وبعث البدر بمبعوثين ورسائل لاسلكية في جميع أنحاء البلاد يطلب فيها الدعم وطلب حضور قوات الاحتياط التي تتدرب في الجوف وقد وصلت هذه القوات على شاحنات تحمل مدافع عيار 55 و 57 مل ومدافع مورتر عيار 81 ملم بالإضافة إلى مدافع آلية ثقيلة بعد 48 ساعة.
إحدي العربات المصرية المدرعة المأسورة
وقاموا بضرب الصفوف المصرية الغارقة في الوحل داخل الوادي بالمدافع وقد اعلن الملكيون فيما بعد انهم دمروا 10 دبابات مصرية وحوالي نصف عرباتهم المدرعة كما ادعوا أيضاً إسقاط قاذفة إليوشن وقام الملكيون بهجومين آخرين أحدهما على جهينة وقتلوا العديد من ضباط الأركان والثاني كان محاولة لقصف صنعاء من قمم أحد الجبال القريبة.
وقد شارك في هذه العملية خبراء بريطانيون ومرتزقة فرنسيون وبلجيكيون من كاتانغا وقد قاموا بهجمات خاطفة أخرى من ضمنها غارات على الطائرات والدبابات المصرية في مطار صنعاء الجنوبي وهجوم بقذائف المورتر على أماكن معسكرات المصريين والجمهوريين في تعز.
وعلى الرغم من أن المصريين استطاعوا إخراج البدر من مقر قيادته إلى كهف في الجبال إلا إنهم لم يستطيعوا اغلاق الطرق من الحدود السعودية وقد اعلنوا انتصارهم في الحملة في الإذاعة والصحف ولكنهم اضطروا إلى الموافقة على هدنة في مؤتمر اركويت بالسودان في 2 نوفمبر.
هجمات الملكيون
قام الملكيون بإجهاض أربعة محاولات مصرية لفتح طريق مباشر إلى جبال رازح ما بين ديسمبر 1964 وفبراير 1965 وقد خفت حدة هذه المحاولات المصرية تدريجياً وفقد المصريون 1,000 جندي ما بين قتيل وجريح وأسير وفي هذه الأثناء كان الملكيون يحضرون للقيام بحملة.
وكان خط المواصلات المصري من صنعاء إلى مأرب يتخذ طريقاً غير مباشر حيث يمر بعمران ثم وادي الخيران حيث يتفرع إلى الشمال الشرقي إلى حرف سفيان ومن حرف سفيان يتحول جنوباً إلى فرح ثم إلى الجنوب الشرقي إلى وادي الحميدات المطمة والحزم ومن الحزم إلى الجنوب الشرقي إلى مأرب وحريب.
وتمر القوافل العسكرية المصرية من هذا الطريق مرتان في الشهر لأن الملكيين أغلقوا الطريق المباشر عبر الجبال بين صنعاء ومأرب.
وكان هدف الملكيون تحت قيادة الأمير محمد هوقطع هذا الخط لإجبارهم على الانسحاب وخططوا للتغلب على الحاميات العسكرية المنتشرة على الطريق وإنشاء مواقع لقطع الطريق على المصريين وقد نسقوا مع قبيلة نهم التي كانت تتظاهر بالتحالف مع المصريين لمساعدتهم على عبور طريق الجبال عير وادي الحميدات ووعد الملكيون قبيلة نهم بإعطائهم الغنائم.
وقد شعر المصريون بأنه يوجد كمين لهم لأنهم قاموا بإرسال طائرة استطلاع إلى المنطقة قبل الهجوم بيوم وقد قام الملكيون ينصب رشاشات عيار 75 مم ومدافع مورتر على الجبل الأسود والجبل الأحمر المشرفين على الوادي.
وفي 15 أبريل بعد أن عبرت أخر قافلة مصرية قام الملكيون بهجوم مفاجئ وكان عدد المتحاربين من الجانبين 2,000 لكل منهما وقامت الرشاشات على الجبلين الأسود والأحمر بفتح النار وخرج رجال قبيلة نهم من وراء الصخور. ثم خرجت جنود الأمير محمد.
وكانت هذه العملية الملكية منسقة باللاسلكي لأول مرة وقد استسلم بعض الجنود المصريين بلا مقاومة وهرب آخرون إلى الشمال ولكن قام الجانبان بإعادة التعبئة والتسليح وتحولت المعركة ما بين حرف سفيان والحزم.
وفي هذه الأثناء قام الأمير عبد الله بن حسن بغارة على المواقع المصرية في الأعروش شمال شرق صنعاء وهاجم الأمير محمد بن محسن المصريين بـ 500 رجل غرب الحميدات وضرب الأمير حسن بالقرب من صعدة وتحرك الأمير حسن بن الحسين من الجماعة غرب صعدة إلى موقع يمكنه من ضرب المطارات المصرية بمدافع المورتر.
واستسلم خمسون مصرياً في المطمة بالقرب من الحميدات واضطر المصريون بعد ذلك إلي إمداد الحاميات في الطرق الجبلية التي كان عددها من 3,000 إلى 5,000 جندي مصري عن طريق الجو.وفي سبتمبر 1964 تقابل عبد الناصر والملك فيصل في مؤتمر القمة العربية بالأسكندرية وكان لايزال في اليمن 40,000 جندي مصري وقُتل 10,000 جندي أخر وفي البيان الختامي للقمة تقرر الآتي:
المساهمة في حل الخلافات بين مختلف الفصائل اليمنية.
العمل سوياً لوقف القتال المسلح في اليمن.
الوصول إلى حل بالطرق السلمية.
وفي 2 نوفمبر من نفس العام عُقد مؤتمر سري في أركويت بالسودان وأعلن المتحاربون وقفا لإطلاق النار يسري مفعوله الساعة الواحدة من ظهر يوم الإثنين 8 نوفمبر.
وفي 2 و 3 نوفمبر تناقش 9 مندوبون من الطرفين ومعهم ملاحظين مصري وسعودي حول شروط الإتفاق وتم الإتفاق على عقد مؤتمر موسع يحضره شيوخ القبائل في 23 نوفمبر وكان المؤتمر بالنسبة للملكيين نواة مجلس نواب سيقوم بتعيين لجنة تنفيذية مؤقتة تتكون من اثنيين من كل طرف بالإضافة إلى شخص محايد لحكم البلاد مؤقتاً تمهيداً لأجراء استفتاء عام لتحديد طبيعة نظام الحكم ملكي أم جمهوري وتقرر تنحية السلال والبدر من أي مناصب رسمية.
ولكن المصريون قاموا بقصف بعض المواقع الملكية يوم 4 نوفمبر فتأجل المؤتمر الموسع إلى يوم 30 نوفمبر ثم إلى أجل غير مسمى وتبادل الجمهوريون والملكيون الإتهامات لعدم الحضور.
حاولت الإذاعة الملكية إثارة الشقاق بين الجمهوريين عن طريق وعدهم بالأمان بعد انسحاب القوات المصرية من اليمن وقد وعد البدر أيضاً بتشكيل "نظام دستوري ديموقراطي" محكوم "بمجلس شعب ينتخبه شعب اليمن".
وقد لبى عبد الناصر طلب عبد الله السلال عندما طلب منه الدعم العسكري فبعث له الجنود والسلاح على طائرة شحن من القاهرة
وبحلول شهر أغسطس كان لدى الجمهوريون سبعة جيوش يتراوح عدد مقاتلي كل جيش ما بين 3,000 و 10,000 مقاتل ويصل مجموعهم ما بين 40,000 إلى 70,000 مقاتل.
وكان يوجد حوالي خمسة أو ستة أضعافهم من رجال القبائل والقوات النظامية تحت قيادة الأمير محمد وفي بدايات شهر يونيو تحركوا إلى سيروه في شرق اليمن وفي 14 يونيو دخلوا القفلة واحتلوا مأرب في 16 يوليو وطبقاً للإحصاءات المصرية كانت خسائر مصر من القتلى 15,194 وكانت الحرب تكلف مصر 500,000 دولار يومياً. وخسر الملكيون 40,000 من القتلى.
وفي بداية شهر مايو عزل السلال رئيس وزراءه الفريق حسن العمري وعين محمد أحمد نعمان بدلاً منه وكان نعمان يُعتبر معتدلاً ويؤمن بجدوى الحل السلمي وقد قدم استقالته من مجلس شورى الجمهورية في ديسمبر للاحتجاج على "فشل السلال في تحقيق تطلعات الشعب".
وكان من أول قرارات نعمان هو ترشيح 15 شخصية لتولى الحقائب الوزارية التي حرص على أن يتوزعوا بالتساوي بين الزيديين والشافعيين.
كانت رحلة عبد الناصر إلى جدة في 22 أغسطس عام 1965 على متن مركبه الحرية هي أول رحلة له للملكة العربية السعودية منذ عام1956 عندما قام بزيارتها للحج ومقابلة الملك سعود. وقد قام الملك فيصل بالترحيب به ترحيباً كبيراً وفي خلال 48 ساعة توصل الإثنان إلى اتفاق كامل على الآتي :
انسحاب القوات المصرية من اليمن تدريجياً خلال عشرة أشهر ووقف كل المساعدات السعودية للملكيين.
تكوين مجلس يمني من 50 عضواً يمثلون جميع الفصائل اليمنية ويكون مكلفاً بتكوين حكومة انتقالية تمهيداً لاستفتاء عام لتحديد مستقبل اليمن.
مؤتمر حرض
وفي 23 نوفمبر التقى الجانبان في حرض وكانت أول نقطة موضع النقاش هي اسم الدولة المؤقتة التي من المفروض أن تقوم حتى موعد الاستفتاء العام وأراد كل من الجانبين فرض الدولة التي يريد فالملكيون أرادوها مملكة اليمن والجمهوريون جمهورية اليمن وقد تم تأجيل المؤتمر إلى ما بعد رمضان الذي كان سيبدأ بعد أسبوع.
اعتقال مجلس الوزراء اليمني في القاهرة
كان هناك الكثير من الخلافات والمشاحنات بين عبد الله السلال وبين القادة الجمهوريين الآخرين مثل عبد الرحمن الإرياني، حسن العمري وأحمد محمد نعمان فقرر عبد الناصر احتجاز السلال في القاهرة لمدة تصل إلى عشرة اشهر أو أكثر ولكن عبد الناصر سمح له بالعودة في شهر أغسطس من عام 1966.
ووصل السلال إلى مطار صنعاء في 13 أغسطس وكان حسن العمري ينوي استقباله في المطار بالمدرعات ولكن اللواء حسن طلعت قائد القوات المصرية منعه من ذلك فسافر قادة الجمهوريون إلى تعز وهم مصممون على إيجاد طريقة لإبعاد السلال وأقترح بعضهم الذهاب إلى بيروت وإعلان الأمر في مؤتمر صحفي ووصل التفكير ببعضهم إلى اقتراح تصعيد الأمر للأمم المتحدة.
ولكن الإرياني اقترح عليهم الذهاب إلى القاهرة لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر لعرض المشكلة عليه ووصلوا إلى القاهرة يوم 18 سبتمبر وقابلوا شمس بدران بدلاً من المشير عبد الحكيم عامر وحدثهم شمس بدران بأنه توجد معلومات عن التخطيط لانفصال على غرار الانفصال السوري.
وحدثت مشادة وانصرف الجميع إلى بيوتهم أو إلى السفارة اليمنية ثم جاءت سيارات إلى أماكن إقامتهم لتقلهم لمقابلة عبد الحكيم عامر - على حسب ما أخبروا به - ولكن في الحقيقة جاءت هذه السيارات اعتقالهم. وقد بقوا معتقلين في مصر إلى ما بعد حرب 1967.
الوضع الاقتصادي في مصر
بحلول عام 1965 كان الدين الخارجي المصري قد بلغ 400 مليون جنيه مصري وقد قام عبد الناصر بتلخيص الوضع الاقتصادي في الخطبة التي ألقاها بمناسبة عيد النصر في بورسعيد بتاريخ 21 ديسمبر 1965 فصارح الشعب بأنه يحتاج إلى 3 مليارات جنيه مصري للصرف على الخطة الخمسية الجديدة 1965-1970 وبأنه قام برفع أسعار بعض السلع مثل السيارات والثلاجات والتليفزيونات وأجهزة تكييف الهواء وبعض الكماليات الأخرى.
وزادت أسعار بعض الأدوية التكميلية مثل الفيتامينات بنسبة 10% وقال أن رفع الأسعار يوفر 100 مليون جنيه سنوياً كما أتخذ إجراءات لرفع معدل الإدخار تدريجياً من 15% عام 1965 إلى 25% بحلول عام 1970.
وقد حدث الكثير من التذمر والاعتراض في صفوف الشعب المصري من هذه الزيادات في الأسعار ولام البعض السياسة الخارجية المصرية ومساندتها لحركات التحرر في العالم العربي وأفريقيا وكانت الحرب في اليمن لها النصيب الأكبر من هذه الاعتراضات لأنها كانت لا تزال تجري على الأرض واستغلت الصحافة الغربية الوضع الاقتصادي للهجوم على عبد الناصر.
ولكن المدافعون عن سياسة رفع الأسعار نفوا أن تكون السياسة الخارجية أو التدخل في اليمن له تأثير على الوضع الاقتصادي الداخلي وقد كتب هيكل عام 1965 تعليقاً على خطاب الرئيس أن حرب اليمن لم تكلف مصر 200 مليون جنيه.
ولكن الوضع الاقتصادي قد وصل لمرحلة سيئة فعلاً بعد حرب 1967 فقد تضاعف الإنفاق العسكري وتم وقف العديد من المشاريع الصناعية الكبرى ورفعت أسعار الكثير من السلع خصوصاً السلع التكميلية والسجائر وتذاكر دور المسرح والسينما كما خسرت مصر الكثير من إغلاق قناة السويس بالإضافة إلى آبار النفط في سيناء.
الانسحاب المصري من اليمن
بحلول عام 1967 تركزت القوات المصرية في مثلث الحديدة تعز وصنعاء للدفاع عنه بينما قامت القوات الجوية بقصف مواقع في جنوب السعودية وشمال اليمن. وفي أغسطس قام عبد الناصر باستدعاء 15,000 جندي لتعويض الجنود الذين فُقدوا في حرب 1967.
وفي مؤتمر القمة العربية بالخرطوم الذي عُقد بعد حرب 1967 أعلنت مصر بأنها مستعدة لسحب قواتها من اليمن وأقترح وزير الخارجية المصري محمود رياض إعادة إحياء اتفاق جدة 1965. وقبل الملك فيصل الاقتراح ووعد البدر بإرسال قواته للقتال مع مصر ضد إسرائيل ووقع عبد الناصر والملك فيصل اتفاقية تنص على سحب القوات المصرية من اليمن ووقف المساعدات السعودية للملكيين وإرسال مراقبين من ثلاث دول عربية محايدة (العراق، السودان والمغرب).
ورفض السلال الاتفاق واتهم عبد الناصر بخيانته وقامت مصر بإعادة ممتلكات سعودية بقيمة 100 مليون دولار كانت قد جمدتها سابقاً وتراجعت السعودية عن تأميم ثلاثة بنوك مملوكة لمصريين.
انحصار شعبية السلال
كانت شعبية السلال بين جنوده في انحصار فبعد أن تعرض لمحاولة اغتيال بواسطة اثنين من جنوده أتخذ حراساً مصريين كما أمر بالقبض على مدير الأمن العام عبد القادر الخطري ووزير الداخلية الأهنومي بعد أن قامت الشرطة بإطلاق النار على محتجين تظاهروا أمام مقر القيادة المصرية يوم 3 أكتوبر عام 1967 لرفضهم حضور اللجنة العربية المكلفة بتحقيق السلام في اليمن التي رفض السلال الاعتراف بها.
كما قام بحل الحكومة وقام بتعيين واحدة جديدة يتولى ثلاثة عسكريون الوزارات المهمة فيها وتولى بنفسه منصبي وزير الدفاع والخارجية وفي مصر قام عبد الناصر بإطلاق سراح ثلاثة قادة جمهوريين احتجزهم لأكثر من سنة لأنهم كانوا يريدون التفاوض مع الملكيين وهم القاضي عبد الرحمن الإرياني، أحمد محمد نعمان وحسن العمري.
وعندما قام السلال بزيارة القاهرة أوائل نوفمبر نصحه عبد الناصر بالاستقالة والذهاب إلى المنفى ورفض السلال نصيحة عبد الناصر وذهب إلى بغداد طالباً الدعم من البعثيين وبعد أن غادر القاهرة أرسل عبد الناصر إلى قواته تعليمات بعدم الوقوف أمام محاولة انقلاب كانت تجري ضد السلال وهي المحاولة التي كللت بالنجاح في 5 نوفمبر.
حصار صنعاء
مثل انسحاب القوات المصرية من اليمن بعد حرب 1967 نقطة ضعف كبيرة في دفاعات وتماسك الجمهوريين فقد أخذ المصريون معهم أسلحتهم الثقيلة وأنعكس اتجاه الجسر الجوي عائداً إلى القاهرة بدلاً من أن يمد صنعاء بالمؤن والسلاح.
كما أن حركة 5 نوفمبر والانقلاب على السلال أثناء زيارته لبغداد أضعف من موقف الجمهوريين وأثار شكوك الدول الداعمة للجمهوريين في قدرتهم على الصمود. وقد تشكلت بعد الإطاحة بالسلال حكومة كان بعض أفرادها خارج اليمن أو خرجوا منها بعد تعيينهم.
وعلى الجانب الأخر كان الملكيون متفوقين عسكرياً من حيث العدة والعدد ويصاحبهم العديد من المرتزقة الأجانب فقرروا محاصرة العاصمة صنعاء لحسم الموقف والقضاء على الجمهورية.
ولكن الجمهوريين استعادوا تماسكهم وعينوا الفريق حسن العمري رئيساً للحكومة كما حافظ على موقعه كقائد للجيش وقد دام الحصار سبعون يوماً شهد معارك عديدة داخل المدينة وعلى أطرافها وقد أحدث الطيران العسكري والمدني الجمهوري فارقاً كبيراً في المعركة.
وقد ساندت الصين ومصر الجمهوريون عسكرياً واقتصادياً وبعثت سوريا بطيارين لقيادة الطائرات اليمنية المقاتلة التي كانت مكونة بالأساس من طائرات ميج-17 وأفادت بعض التقارير الغربية أن الاتحاد السوفيتي بعث بطيارين حربيين لمساندة الجمهوريين.
وقد أدى انتصار الجمهوريون في معركة الحصار إلى نتائج عديدة منها اعتراف المملكة العربية السعودية فيما بعد بالجمهورية اليمنية واكتمال انسحاب القوات المصرية من اليمن عام 1971 وصاحب الانتصار أيضاً خروج بريطانيا من اتحاد الجنوب العربي في عام 1967.
توابع الحرب
يشير المؤرخون العسكريون المصريون إلى حرب اليمن بأنها فيتنام مصر فقد كتب المؤرخ الإسرائيلي ميخائيل أورين أن مغامرة مصر العسكرية في اليمن كانت كارثة لدرجة أنه "يمكن مقارنتها بحرب فيتنام" وبحلول عام 1967 كان هناك 55,000 جندي مصري مرابطين في اليمن من ضمنهم الوحدات الأكثر خبرة وتدريباً وتجهيزاً في كل الجيش المصري.
وبالرغم من قتالهم العنيد ضد الفصائل الملكية إلا أن غيابهم عن أرض الوطن خلف فجوة في الدفاعات المصرية وقد أثر ذلك كثيراً على مصر خلال حرب يونيو 1967.
وبمقارنة الأداء المصري في هذه الحرب مع بقية الحروب التي خاضتها فإن المصريين أظهروا مستوى عالي من المبادرة والابتكار العسكري وعلى سبيل المثال قام المصريون بتعديل طائرات التدريب والناقلات السوفيتية للعمل كطائرات تمشيط وقاذفات.
وقاموا بتطوير تكتيكاتهم ولكنها تعثرت في حرب عصابات الفصائل الملكية وقد أدرك مخططو الحرب المصريون أن مضيق باب المندب يعطي عمق إستراتيجي كبير يمكنهم من إغلاق وصول إمدادات النفط لإسرائيل وهو ما حدث في حرب أكتوبر عام 1973.
............................
المصدر....ويكبيديا