التحضير للثورة:
كان لمجازر 08 ماي 1945، الأثر الواضح بالنسبة للعلاقة بين الجزائريين و الاستعمار الفرنسي، هذا ما أدى إلى خلق روح الانتقام لدى الجزائريين، وضرورة بداية العمل المسلح([1])، وتجلىذلك بوضوح في لإنشاء المنظمة الخاصة، التي ظهرت إلى الوجود إثر انعقاد المؤتمر الثاني لحركة انتصار الحريات الديمقراطية في 15 فيفري 1947 ببلكور وقد منحت هذه المنظمة طابع شبه عسكري يتولى الأعداد للثورة المسلحة([2]).
أسندت مهمة إنشائها وتنظيمها إلى محمد بلوزداد([3]) والذي باشر في تأسيسها وفق مبدأين:
الأول : اختيار المناضلين من الحزب لتجنيدهم وانخراطهم في المنظمة.
الثاني: الفصل التام بين المنظمة الخاصةوالمنظمات الأخرى التابعة للحزب محافظة على السرية.
وحققت المنظمة نجاحا باهرا في تدريب المتطوعين، على حرب العصابات و استعمال الأسلحة وصنع القنابل حيث أصبح بإمكانها الشروع في العمل المسلح([4])
وبهذا باتت المنظمة الخاصة قوة عسكرية مدربة ومنظمة، تحكمهاقوانين وتخضع لقيادة أركان وطنية نشيطة،لكن السلطات الاستعمارية اكتشفت أمرها في مارس 1950، واعتقل العديد من أعضائها.
وفي سنة1953نشبت أزمة حادة داخل حزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية بين الرئيس مصالي الحاج الذي طالب بمنحه صلاحيات مطلقة في تسيير شؤون الحزب وبين أعضاء اللجنة المركزية الذين أصروا على تطبيق مبدأ القيادة الجماعية، وعلى إثر هذه الأزمة جرت عدة إصلاحات كانت في مقدمتها إنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل في 23 مارس 1954([5]).
بعقد اجتماع بمدرسة الرشاد بالجزائر العاصمة،وضم هذا الاجتماع قدماء المنظمة الخاصة بوضياف، ابن بولعيد([6])، ابن مهيدي([7]) رابح بيطاط، وبعض المركزيين دخيلي المسؤول العام للتنظيم وعضو اللجنة المركزية،رمضان بوشوبة مراقب التنظيم، وبالتالي كان مكتبها يتكون من أربعة أعضاء اثنان من المنظمة الخاصة، واثنان من المركزيين([8]).
وكان من وراء إنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل ، دوافع تمثلت فيما يلي :
- المحافظة على وحدة الحزب وذلك بالسعي لإصلاح الطرفين المتنازعين.
- منح الحركة أو اللجنة قيادة ثورية، عاقدة العزم على مبادرة العمل.
- دعوة كل المناضلين بعدم تبني نزاعات القيادة، وأخذ موقف الحياد بين المصاليين والمركزيين([9])
وأصدرت هذه اللجنة جريدة سرية داخلية سميت الوطنيle patriote وكان آخر إصدار لها في 05 جويلية1954 ([10]).
وخلال شهر جوان 1954، قرر بوضياف، ابن بولعيد، ديدوش مراد [11]استدعاء الأعضاء القدامى في المنظمة الخاصة بهدف دراسة تطورات الوضع، وتوجيه نشاط اللجنة الثورية للوحدة والعمل ، ومباشرة الإجراءات الضرورية للشروع في العمل، لأن محاولة الصلح بين التيارين- المصالي، المركزي- باءت بالفشل بسبب انفجار الأزمة الحزبية بين الفريقين، هذا ما أدى إلى عدم وجود سبب يبرر استمرار وجود اللجنة الثورية للوحدة والعمل([12]).
ميلاد جبهة التحرير الوطني:
هكذا وبتاريخ 25جوان1954، التقى 22 مناضلا([13])، كلهم من أعضاء المنظمة الخاصة في اجتماع، عقد ببيت إلياس دريش في حي Clos Salembierمن أجل تدارس الوضع الداخلي المتأزم في صفوف الحزب، ومباشرة الإعداد للثورة المسلحة والتعجيل بتفجيرها والتشاور حول الموقف الواجب إتحاده بالنسبة للمستقبل([14]).
ترأس الاجتماع مصطفى بن بولعيدوتبلور النقاش في موقفين :
- الأول يدعو إلى العمل المسلح المباشر كوسيلة وحيدة لتجاوز أزمة الحزب.
- الثاني تبنى مبدأ الكفاح لكنه يرى ضرورة التريث، وتحين الوقت المناسب لذلك.
وكلف محمد بوضياف([15]) بتقديم تقرير للجنةال22، تم فيه تحديد الصعوبات والمشاكل التي كانت تطرح بشدة على قادة الثورة، كالتسلح والتموين بالذخيرة وأساليب التجنيد، وختم تقريره بالعبارة التالية:" نحن الأعضاء السابقون في المنظمة الخاصة- ينبغي علينا- إمام أزمة الحزب، ووجود حرب تحرير بكل من تونس والمغرب أن نتشاور، ونقرر ما ينبغي عمله مستقبلا" ([16]).
وانتهى اجتماع أل 22 بجملة من القرارات التاريخية منها :
-الحياد أو عدم الدخول في الصراع بين المركزيين والمصاليين.
-العمل على توحيد جناحي الحزب.
-تدعيم موقف اللجنة الثورية للوحدة والعمل في أهدافها الثلاثة : الثورة، الوحدة، العمل.
-انتخاب قيادة وطنية جديدة تتكون من خمسة أعضاء ([17]) .
وتم انتخاب محمد بوضياف مسؤولا وطنيا، وعين قادة تتكون من : بوضياف، مصطفى بن بولعيد، العربي بن مهيدي، ديدوش مراد، رابح بيطاط([18]) عرفت باسم لجنة الخمسة، وكلفت هذه اللجنة بالإشراف على الإعداد للثورة وتحديد تاريخ اندلاعها([19]) وعقدت أول اجتماع لها في 28 جوان 1954، عند المناضل عيسى كشيدة([20]) بحي القصبة لتقييم الوضع،ومن القراراتالتي إتخدتها القيادة في اجتماعها الأول :
-مواصلة ضم الأعضاء السابقين في المنظمة الخاصة، وإعادة هيكلتهم في التنظيم الثوري الجديد.
-استئناف التكوين العسكري اعتمادا على قرارات المنظمة الخاصة.
-تنظيم فترات تكوين في المفرقعات لصناعة القنابل اللازمة لإعلان الثورة([21]) .
لجأت لجنة الخمسة إلى إزالة الشكوك ومحوها، فقامت بدعوة كريم بلقاسم([22]) إلى الانضمام إليها، لتصبح فيما بعد تعرف باسم لجنة الستة([23])، حيث عقدت هذه اللجنة سلسلة من الاجتماعات السرية بالجزائر العاصمة، تقرر فيها بعث نشاط المنظمة الخاصة وتكثيف التدريبات العسكرية وجمع الأسلحة، وصناعة المتفجرات وتم تقسيم البلاد إلى خمس مناطق وتعيين قائد كل منطقة ومساعده([24]).
وعقدت لجنة الستة آخر اجتماع لها في 23 أكتوبر1954 بالعاصمة بمنزل المناضل بوكشورة مراد، وتم الاتفاق على:
-حل اللجنة الثورية للوحدة والعمل وتسمية الهيئة التي تقود الثورة بجبهة التحرير الوطني، مدعمة بجناح عسكري يدعى جيش التحرير.
-تحديد تاريخ اندلاع الثورة والمصادفة لليلة أول نوفمبر 1954، وبالضبط على الساعة الصفر ليلا.
-المصادقة على البيان السياسي،الذي سينشر صبيحة أول نوفمبر وهو يحدد أهداف الثورة ووسائل الكفاح، ويدعو الشعب والأحزاب للانضمام إلى الثورة ([25]).
إندلاع الثورة:
اتفقت لجنة الستة على الإعلان الثورة بتاريخ 15 أكتوبر 1954 إلا أن هذا التاريخ سرعان ما تغير بسبب تسرب الخبر وإطلاع بعض المركزيين عليه في الخارج- القاهرة- والجزائر العاصمة فتأجل تاريخ تفجيرها إلى آخر اجتماع عقدته لجنة الستة وكان ذلك في 23 أكتوبر 1954.
وتم تكليف محمد بوضياف بالسفر إلى القاهرة لإبلاغ الوفد الخارجي المتكون من:أحمد بن بلة- حسين آيت أحمد- محمد خيضر، بساعة الصفر من الفاتح نوفمبر 1954. وإعلان بيان أول نوفمبر([26])*، ويعتبر هذا البيان أول ميثاق للثورة، تضمن ما يلي:
-تشكيل قيادة عليا للثورة.
-إعداد برنامج تحسيسالثورة، وتصفية الاستعمار والقضاء على مخلفاته.
-برنامج مستقبلي وهو بناء الدولة الجزائرية.
-بيان الأسس السياسية لهذه الدولة، وتحليل الوضع القائم وإدانة الأحزاب السياسة القائمة.
-تحقيق وحدة شمال إفريقيا في إطارها الجغرافي العربي الإسلامي([27]).
بذلت لجنة الستة مجهودات من أجل تفجير الثورة ، و تم اختيار أول نوفمبر لأنه يمثل عيد القديسين بالنسبة للفرنسيين وكذلك يمثل عطلة للجنود الفرنسيين مدة24ساعة لراحتهم([28])
و في الساعة الصفر من ليلة أول نوفمبر 1954 ، انطلقت الرصاصات الأولى كما كان مخطط لها و في الحقيقة إن إستراتجية قادة الثورة كانت تقوم على أساس خلق جهاز سياسي لجبهة و جيش التحرير الوطني([29])
وقد اعتمد المناضلون السرية التامة، وفي هذا الصدد يقول أحمد الوهراني "...لم يكن المناضلون يعرفون الأمور السرية، ولاحتى الأسماء الحقيقية للقادة،وكان يتم تكوين خلايا، كل خلية لاتعرف الأخرى، وكل واحدة لها قادة يحملون بطاقات تعريف عديدة حتى يتمكنوا من الدخول والخروج من الوطن متى شاءوا..."([30]).
استهدفت الثورة في بداية انطلاقها مراكز الدرك والثكنات وذلك للحصول على الأسلحة، وإتلاف المنشآت الاقتصادية للعدو، وفي هذا الصدد يقول ويصف بن بولعيد ذلك ب"يجب وحسب إمكانياتنا أولا وقبل كل شيء مهاجمة مراكز الدرك وثكنات الجند،وإن وسائلنا متواضعة، ويتوجب تعويض هذا النقص بأهمية الهداف، فإذا نحن هاجمنا مراكز القوات المسلحة وأضرمنا النيران في المخازن فإننا نصيب قصور السلطات الاستعمارية المتعسفة"([31]).
إن أحداث ليلة أول نوفمبر 1954. كانت شاملة، حيث انفجرت الثورة في كل المناطق وفي نفس الوقت تقريبا، وفيما يلي أهم العمليات، التي كانت على الشكل الآتي:
أما في المنطقة الأولى. الأوراس – تقسيم الثوار إلى مجموعات وزمر من طرف بن بولعيد، حيث تتكون كل مجموعة من عشرة إلى عشرين رجل، يتقاسم كل اثنين بندقية، وكانت العمليات التي تمت في هذه المنطقة هي اكتساح ثكنتين بمدينة باتنة ([32]).
أما في أريس تم فتح مدرسة ومنزل لمعلم فرنسي وأخذ كل محتوياتها وتمت العملية بقيادة محمد بن الهاشمي القاسمى.
أما في خنشلة قام عباس لغرور بمهاجمة منزل دار الحاكم، أما سعدي امعمر ومعاونيه قاموا بالهجوم على ثكنة عسكرية([33]).
أما في ما يخص المنطقة الثانية – الشمال القسنطيني- هاجم بعض الثوار الثكنات ومراكز الشرطة في مدينة سمندو- زيغود يوسف حاليا- أما في منطقة الخروب أطلق النار على حارس مستودع الوقود، وفي منطقة الحروش تم تجريد أحد الحراس من سلاحه([34]).
أما المنطقة الثالثة – القبائل- انطلقت فيها الهجومات بقيادة كريم بلقاسم واستهدفت تخريب وسائل الاتصال في المنطقة وتركزت العمليات خاصة في مدينتي العزازقة و ذراع الميزان أحرقوا مخزن لجمع الفلين والتبغ([35]).
و انطلقت الهجومات في المنطقة الرابعة- الجزائر العاصمة وضواحيها- بقيادة زوبير عجاج، هاجم الثوار دار الإذاعة، مستودع " موري" لزيت البترول، أما في البليدة فقد هاجموا ثكنة "بيزو" بقيادة رابح بيطاط، كما هاجم ثوار بوفاريك مستودع الفواكه. تم تخريب ثلاث جسور بين البليدة والعاصمة.
وكذلك المنطقة الخامسة - وهران- هوجمت منطقتين بين ويليس و بوسكي أما في سيدي بلعباس هاجم أحمد زبانة مقر إدارة الغابة وقتل الحارس، وفي ربوسلادو قام وداح بن عودة إخراج قطار وهران، عين تموشنت من سكته([36]).
أما في منطقة الجنوب يقول السيد عمر صخري أن السيد "محمد ولد الحاج كان موجودا سوف، ويشرف على تحضير أول نوفمبر...لكن ألقي عليه قبل أول نوفمبر الذي قطع الصلة بين المناضلين والقيادة...وأما معركة سبعة عشر نوفمبر 1954، التي وقعت بسوف، إلا شاهدا على ذلك"([37]).
ولهذا فإن عمليات 1 نوفمبر 1954 تميزت بالطابع الرمزي لأنها كانت في أغلبها عمليات تهدف إلى تحقيق وقع معنوي لصالح الثورة.