من
يتابع الأحداث الإعلامية التى جرت خلال السنوات القليلة الماضية على
المستوى السياسى والاجتماعي في كل من جدة وايران وتونس تجعلنا نؤمن أن
العالم يتغير بقوة من حولنا وأن هناك صورة جديدة للإعلام يجب أن نعتاد
عليها من الآن، ورغم أن هذه الصورة بدأنا فى مشاهدة خطوطها واطاراتها
الخارجية إلا أن تفاصيلها الدقيقة وآفاقها المستقبلية لا يمكن لأحد التنبؤ
بها مطلقا،
لأنه
في هذا العالم الجديد وعلى عكس الماضي تماما يكون الدور المحورب فيه هو
للمواطن العادى والبسيط وليس للحكومات أو الجهات الاعلامية الرسمية فكارثة
السيول فى جدة، والاضطرابات التى حدثت خلال انتخابات ايران، والأحداث
الساخنة وثورة الياسمين فى تونس كانت من الممكن أن تكون في طي الكتمان
ولايعلم أحد حقيقة ماحدث فى هذه المناطق بل كان سيتم حجب المعلومات
الحقيقية واستبدالها بمعلومات أخرى تتفق وتوجه الدولة الرسمى.
وإذا
كانت ثورة الاتصالات والمعلومات يرجع لها الفضل الكبير في الكشف عن حقيقة
ماجرى من الأحداث الساخنة المختلفة التى ذكرناها إلا ان قوة الاعلام الجديد
لم تكن بمثل هذا التأثير الكبير التى ظهرت عليها لولا دور المواطن العادي
الذي تفاعل باحتراقية بالغة مع هذه الثورة وأجاد استخدام ما أفرزته من
تقنيات حديثة مثل التليفون المحمول، والفضاء الالكترونى لشبكة الانترنت،
وشبكات التواصل الاجتماعى مثل الفيس بوك، والمواقع الالكترونية الخاصة مثل
المدونات، ومواقع المدونات القصيرة مثل التويتر، ومواقع الصور مثل فليكر،
ومواقع عرض لقطات الفيديو مثل اليوتيوب، وهذا المواطن أجاد أيضا من عمل
التغطية الفورية للأحداث بالصوت والصورة والفيديو وقام بتبادلها إلكترونيا
مع الآخرين فى كافة دول العالم.
بل
لايكون من قبل التجاوز منا إذا قلنا أن هذه الرسائل الإعلامية الجديدة
التى بثها المواطنون كانت أقوى في مضمونها وحيويتها وتعاطف الاخرين معها من
الرسائل الاعلامية التى بثتها الاجهزة الاعلامية التقليدية والفضائيات
ووكالات الانباء العالمية والصحف حتى أن هذه الرسائل سجلت حضورا بقوة في
التقارير اليومية لهذه الجهات الاعلامية التي لم يتسن لمراسليها التنقل إلى
مسارح الأحداث لأسباب مختلفة فى الاحداث الثلاثة السابقة. ولم تصبح فقط
الشبكة العنكبوتية مصدرا بديلا للأخبار فى هذه الأحداث المضطربة بل صارت
مصدرا رئيسيا فى كثير من الأوقات للمواطنين لمعرفة الحقائق سواء التى عجزت
الأجهزة الاعلامية الرسمية عن توضيحها أو نقلها بصدق للجمهور أو سواء التى
تعمدت فيه هذه الاجهزة طمسها واستبدالها برسائل اعلامية مغلوطة.
كما
اثبتت الأحداث الاخيرة فى تونس أن بعض الفضائيات التى منعتها الدولة فى
السابق من الدخول إلى أراضيها لم تكن فى حاجة الى مكاتب أو مراسلين لها
لعمل التغطية الإعلامية للأحداث التى جرت هناك بل اعتمدت بشكل مباشر وعن
بعد على المواطنين والذين قاموا بدور المراسلين الصحفيين لها بهواتفهم
المحمولة ومن خلال حساباتهم الالكترونية على الفيس بوك وشبكة الانترنت.
إن
ماجرى من نقل للأحداث بشكل غير تقليدى فى ايران وتونس ونموذج الإعلام
الجديد التى تم استخدامه في الكشف عن الحقائق وايصال الرسائل التي تعكس
الواقع بشكل مجرد في هذه البلدان ستكون له بالطبع انعكاسات كبيرة على صناعة
الإعلام التقليدية وكيفية تعاطي الحكومات مستقبلاً مع الوسائل الإعلامية
الجديدة، كما يمكن أن نعتبر ماحدث هو بداية تغيير حقيقي للعلاقة بين
الإعلام والمواطن والدولة ويجب أن نتفق من الآن أن هذه العلاقة لابد أن
تكون قائمة على الشفافية والصراحة والصدق والقرب من اهتمامات وقضايا الناس
الحقيقية، ومن سيظل على مفاهيمه القديمة البالية ويصرعليها فإننا نؤكد له
أن يستعد من الآن لأن يكون أضحوكة هذا العالم الجديد وخارج حسابات
المستقبل.
المصدر: الأهرام الرقمي