أحمد منصور
خيارات المصريين..بين الأمراض القاتلة
خلال أيام معدودة صدر أكثر من تقرير عن جهات رسمية مصرية علي رأسها المجالس القومية المتخصصة التابعة لرئاسة الجمهورية في مصر، أشارت إليها صحيفة الشروق المصرية تباعا في تواريخ 1 و2 و5 ديسمبر، تؤكد أن المصريين معرضون للإصابة بالأمراض القاتلة مثل السرطانات المختلفة وتشوهات الأجنة والأمراض التناسلية والسكتات القلبية والدماغية ونقص الأوكسجين في الدم وجلطات شرايين الرئة، والكوليرا والالتهاب الكبدي الوبائي والتيفود وعشرات الأمراض الأخري جراء السموم القاتلة الموجودة في الطعام والشراب الذي يتناولونه، ففي التقرير الذي أصدرته المجالس القومية المتخصصة تحت عنوان «سلامة الغذاء وجودته»،
تعرض التقرير لاستخدام الهرمونات في مزارع الدواجن والماشية سواء كانت طبيعية أو مصنعة لزيادة أوزان الحيوانات والطيور التي يؤدي ترسب متبقياتها في اللحوم والألبان إلي التسبب في إصابة الإنسان بالأورام السرطانية وتشوهات الأجنة، وتعرض التقرير إلي مخاطر الغش في الغذاء الذي أصبح سمة لمعظم الأغذية التي يتناولها المصريون والتي تسبب كثيرًا من الأمراض المزمنة مثل التيفود وأمراض الكبد والفشل الكلوي والتسمم الغذائي، وقد أصبح شائعًا في مصر الآن إصابة أفواج من السياح بالتسمم الغذائي الجماعي، حتي إن سفاراتهم وشركات السياحة الدولية التي تتعامل معهم أصبحت تحذرهم من تناول الطعام في كثير من الأماكن التي أصبحت مشهورة بإصابة من يتناول الطعام فيها بالتسمم، وقد طالب التقرير الصادر عن جهة رسمية تابعة لرئاسة الجمهورية ـ ولا ندري تطالب من وهي تابعة لأعلي جهة سيادية في البلاد ـ طالب التقرير بإدخال تحسينات علي نظم الرقابة علي الأغذية لتحقيق قدر من حماية المستهلك، في ظل أن المستهلك المصري لا يتمتع بأي قدر من الحماية في إطار التزاوج القائم بين الثروة والسلطة، حيث لا توجد أي معايير لحماية الناس من الأغذية المسرطنة أو الأمراض القاتلة، وذلك وفق التقارير الرسمية والدراسات المخيفة عما آل إليه وضع الناس في مصر جراء التدمير المنظم للإنسان وحياته، ففي نفس التقرير الذي أصدرته المجالس القومية المتخصصة عن «سلامة الغذاء وجودته» أشار التقرير إلي أن مياه النيل التي تشكل 97 % من احتياجات المصريين أصبحت ملوثة بمخلفات المصانع المنتشرة علي ضفاف النيل، والتي تلقي بمخلفاتها مباشرة في النيل منذ سنوات طويلة، حيث أشارت تقارير أخري إلي أن عددها يزيد علي اثني عشر ألف منشأة، وأكد التقرير أن صعيد مصر هو الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض الناتجة عن تلوث المياه، حيث يتم إلقاء مياه الصرف الصحي والزراعي مباشرة في النيل إلي جوار مخلفات المصانع وعشرات السفن السياحية، وهذا أمر في غاية العجب أن يلقي الناس مخلفاتهم حيث يشربون، فكأنهم يشربون من مخلفاتهم، وهذا قمة التخلف والإهمال من الحكومة أولاً ومن الناس بعد ذلك، هذا بعض ما ذكره تقرير المجالس القومية المتخصصة التابع لرئاسة الجمهورية أعلي جهة سيادية في مصر عن السموم المنتشرة في طعام المصريين وشرابهم وما تسببه من أمراض قاتلة لهم، أما معهد بحوث الأراضي والمياه في وزارة الزراعة فقد أصدر تقريرًا أعده الدكتور نبيل فتحي قنديل حول الآثار البيئية للإسراف في استخدام الأسمدة الكيماوية لدي المصريين قال فيه: إن مصر من أكثر الدول العربية استهلاكا للأسمدة الكيماوية وأكثرها إسرافًا في استخدام المخصبات الزراعية بهدف زيادة الإنتاج الزراعي دون الالتزام بالمعدلات الدولية، مما يؤدي إلي ترسب كميات هائلة من الكيماويات إما في النباتات والفواكة أو في التربة، ولأن هذه المواد الكيماوية تحتوي علي العناصر الثقيلة مثل الرصاص والكاديوم والنيكل والكوبالت فإنها في النهاية إما تستقر في التربة أو في أجساد المصريين عبر تناولها من خلال الخضروات والفواكة المشبعة بها، الأمر الأخطر هو مصانع الأسمدة الموجودة وسط التكتلات السكانية، حيث يتسبب غاز الأمونيا الذي ينبعث من هذه المصانع مع السماد الذي تنتجه والذي يترسب في التربة أو في أجساد المصريين في الإصابة بأمراض قاتلة مثل جلطات شرايين الرئة والاختلال في كفاءة المخ واحتراق الشفاه وفتحات الأنف والقصبة الهوائية والبلعوم والجلد والسكتة الدماغية ونقص الأوكسجين في الدم، ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن هذه المصانع كما تقول الدراسة تستخدم عشرة ملايين متر مكعب من المياه العذبة في عمليات التبريد ثم تلقي بهذه المياه بعد تلويثها في الترع المائية الجارية ومياه النيل، مما يؤدي إلي انتشار العديد من الأمراض الأخري. هذا قليل من كثير من الدراسات التي تصدر عن مراكز متخصصة وعن علماء مصريين أوجعهم ضميرهم وسط إهمال أو بالأحري تواطؤ حكومي مخز ضد الشعب المصري يدخل في إطار جرائم الإبادة الجماعية سواء تم ذلك بإهمال أو قصد، لأن النتيجة في النهاية أن الشعب المصري بأجمعه أصبح معرضًا للإصابة بمرض من الأمراض القاتلة المخيفة وأصبح يعيش عملية إبادة بطيئة منظمة، بعدما أصبحت الحياة التي يعيشها حياة مليئة بالسموم، فالهواء الذي يتنفسه الناس مسمم ويتسبب في وفاة الآلاف سنويا والماء الذي يشرب منه الناس مسمم، والتربة التي تتم الزراعة فيها مسممة، والنيل والبحيرات مياههما غير صالحة حتي للأسماك التي أشارت دراسات عديدة أنها هي الأخري غير صالحة للاستهلاك الآدمي وتسبب الأمراض المسرطنة ونسب الإصابة بالأمراض وحالات الوفاة جراءها خير دليل علي ذلك، كل هذه التقارير تنشر وسط صمت حكومي مطبق، وكأن الحديث عن شعب آخر وأمة أخري ويبدواأن الأمر سيظل علي ماهو عليه حتي يقضي الله أمرًا كان مفعولاً، أو يفيق هذا الشعب من تلك الغيبوبة التي يعيشها ويطالب بحياة حرة كريمة أولها سلامة الغذاء الذي يأكله والماء الذي يشربه
جريدة الدستور ليوم 21/12/2009.