بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لقد حصلت مذاكرة بيني وبين أحد الأفاضل في عدد ركعات صلاة التراويح، فكان
أن طلب مني مراجعة كتاب الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله
تعالى، فعزمت على قراءة الكتاب، طلبا لمعرفة ما قرره الشيخ واستدل به، وكما
هو شأن كتب الشيخ رحمه الله في كثرة الفوائد، والتأصيل العلمي، كان هذا
الكتاب كذلك، الذي سماه الشيخ "صلاة التراويح".
وقد وقفت في أثناء
قراءتي له على تأصيل عظيم في الموقف من المخالف في مثل تلك المسألة التي
يختلف فيها اجتهاد علماء أهل السنة، فأحببت أن يشاركني إخواني في هذه
الفائدة العظيمة التي عظمت الحاجة لمثلها في مثل هذه الأيام التي كثر فيها
النزاع والشقاق، على غير بصيرة ولا هدى.
وقد علقت على كلام العلامة الألباني رحمه الله تعالى بما تيسر، وسميت هذه
المقالة "من آداب الاختلاف بين أهل الائتلاف" أي بعض ما يجب على أهل السنة –
الذين هم أهل الجماعة والائتلاف – مراعاته من آداب الاختلاف فيما بينهم،
فأقول وبالله وحده التوفيق وبيده سبحانه أزمَّة التحقيق:لقد كثر في هذه
الأيام، في كثير من الأمصار، التشاحن والتعادي وتبادل الطعن والتجريح بين
من ينتسب إلى السنة ويظهر التمسك بها، من غير سبب صحيح يقتضي مثل ذلك، وهذه
الظاهرة ترجع غالباً إلى سببين رئيسين:الأول: تصدر كثير من الجهلة، وأنصاف
المتعلمين، وحديثي التدين، وحديثي السن، تصدرهم لمحراب الدعوة إلى الله،
والخوض في مسائل العلم، بل وترأسهم على أمثالهم، وكثيراً ما يكون ذلك بدافع
الشهوة الخفية، وهي حب الظهور والوجاهة والترؤس، مما يؤدي بعد ذلك إلى
محاربة كل من يكون سبباً في نقص تلك الوجاهة والرئاسة أو نقضها، بحق كان أو
بباطل.فيغيب عند ذلك اتباع الحق والعمل به في تحقيق هذه المصالح والأهواء
والتعصب بالباطل، كما هو شأن أهل البدع مع المصلحين والمجددين من العلماء
العاملين، وإذا حصل ذلك فلا تسأل بعدها عن افتراء المثالب، وتتبع الزلات،
والفرح بها ونشرها، والواجب أن يتعالى المؤمن عن هذه الأخلاق السيئة، التي
هي من أخلاق المنافقين وأعمالهم.
الثاني: الجهل العميق بأسباب الجرح والتعديل، وما يمكن العذر به وما لا
يمكن، ومن الذي يعذر ومن الذي لا يعذر.
وينضم إلى ذلك الأخذ بالأحكام المطلقة وتنزيلها على المعينين، من غير
مراعاة لأحوال المعينين، من العلم أو الجهل أو غير ذلك من الشروط والموانع.
وأضف إلى ذلك سبباً ثالثاً، وهو الجهل بل وربما الإعراض عن أصول السياسة
الشرعية في معرفة المصالح والمفاسد المعتبرة شرعاً، وتقديم ما يجب تقديمه
منها، وتأخير ما يستحق التأخير، ومن أعظم ذلك جمع الكلمة، والحرص على هداية
الخلق إلى الحق، ودفع المفاسد عنهم، ورفع الضرر اللاحق بهم في دينهم
ودنياهم.
إلى غير ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى فشو هذه الظاهرة الخطيرة، كتقديم سوء
الظن، والغلو، والتعصب لبعض أهل العلم، والطعن واللمز في غيرهم.
ولذلك فإني أسوق لإخواني وفقهم الله تعالى في هذا الشأن؛ كلاماً نفيساً
للشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى في كتابه «صلاة
التراويح».
واعلم يا أخي رحمك الله أن الشيخ الألباني لما قال بأن الزيادة على إحدى
عشرة ركعة، أو ثلاثة عشرة ركعة مخالفة للسنة؛ اتهم بأنه يُضلل ويبدع من لا
يرى ذلك من العلماء السابقين واللاحقين.
وقد قام بهذه الفرية والترويج لها بعض أهل البدع من خصوم الشيخ، بل من خصوم
الدعوة السلفية التي يتبناها الشيخ رحمه الله([1]).
واليوم نرى بعض من ينتسب إلى السنة، يكيل لإخوانه من أهل السنة مثل هذه
الدعوى في مسائل مثل هذه المسألة، ولعلنا نورد المقصود من كلام الشيخ رحمه
الله ثم نعلق عليه بما تيسر إن شاء الله تعالى.
يقول العلامة الألباني رحمه الله تعالى:
« موقفنا من المخالفين لنا في هذه المسألة وغيرها([2]).
إذا عرفت ذلك([3]) فلا يَتَوَهَّمنَّ أحد أننا حين اخترنا الاقتصار على
السنة في عدد ركعات التراويح وعدم جواز الزيادة عليها؛ أننا نضلل أو نبدع
من لا يرى ذلك من العلماء السابقين واللاحقين، كما قد ظن ذلك بعض الناس
واتخذوه حجة للطعن علينا، توهماً منهم أنه يلزم من قولنا: بأن الأمر
الفلاني لا يجوز، أو أنه بدعة، أنَّ كلَّ من قال بجوازه واستحبابه فهو ضال
مبتدع، كلا فإنه وهم باطل وجهل بالغ، لأن البدعة التي يذم صاحبها وتحمل
عليه الأحاديث الزاجرة عن البدعة إنما هي: "طريقة في الدين مخترعة تضاهي
الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه".
فمن ابتدع بدعة يقصد بها المبالغة في التعبد وهو يعلم أنها ليست من الشرع
فهو الذي تنصَبُّ عليه تلك الأحاديث، وأما من وقع فيها دون أن يعلم بها،
ولم يقصد بها المبالغة في التعبد([4]) فلا تشمله تلك الأحاديث مطلقاً، ولا
تعنيه ألبتة، وإنما تعني أولئك المبتدعة الذين يقفون في طريق انتشار السنة
ويستحسنون كل بدعة بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير، بل ولا تقليداً لأهل
العلم والذكر، بل اتباعاً للهوى وإرضاء للعوام، وحاشا أن يكون من هؤلاء أحد
من العلماء المعروفين بعلمهم وصدقهم وصلاحهم وإخلاصهم، ولاسيما الأئمة
الأربعة المجتهدين رضي الله عنهم أجمعين، فإننا نقطع بتنزههم أن يستحسنوا
بدعة مبالغة منهم في التعبد، كيف وهم قد نهوا عن ذلك كما سنذكر نصوصهم في
ذلك في الرسالة الخاصة بالبدعة إن شاء الله تعالى.
نعم قد يقع أحدهم فيما هو خطأ شرعاً، ولكنه لا يؤاخذ على ذلك، بل هو مغفور
له ومأجور عليه كما سبق مراراً، وقد يتبين للباحث أن هذا الخطأ من نوع
البدعة فلا يختلف الحكم في كونه مغفوراً له ومأجوراً عليه، لأنه وقع عن
اجتهاد منه.
ولا يشك عالم أنه لا فرق من حيث كونه خطأ بين وقوع العالم في البدعة ظناً
منه أنها سنة؛ وبين وقوعه في المحرم وهو يظن أنه حلال، فهذا كله خطأ ومغفور
كما علمت، ولهذا نرى العلماء مع اختلافهم الشديد في بعض المسائل لا يضلل
بعضهم بعضاً، ولا يبدع بعضهم بعضاً([5])، ولنضرب على ذلك مثالاً واحداً:
لقد اختلفوا منذ عهد الصحابة في إتمام الفريضة في السفر، فمنهم من أجازه
ومنهم من منعه ورآه بدعة مخالفة للسنة، ومع ذلك فلم يبدعوا مخالفيهم.
فهذا ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (صلاة المسافر ركعتان من خالف السنة
كفر)، رواه السَّرَّاج في مسنده ( 21/122-123 ) بإسنادين صحيحين عنه.
ومع هذا فلم يكفر ولم يضلل من خالف هذه السنة اجتهاداً، بل لما صلى وراء من
يرى الإتمام أتم معه.
فروى السراج بسند صحيح عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمنى ركعتين،
وأبو بكر، وعمر، وعثمان صدراً من أمارته ركعتين، ثم أن عثمان صلى بمنى
أربعاً، فكان ابن عمر إذا صلى معهم صلى أربعاً، وإذا صلى وحده صلى ركعتين.
فتأمل كيف أن ابن عمر لم يحمله اعتقاده بخطأ من يخالف السنة الثابتة
بالإتمام في السفر على أن يضلله أو يبدعه، بل إنه صلى وراءه لأنه يعلم أن
عثمان رضي الله عنه لم يتم اتباعاً للهوى -معاذ الله-، بل ذلك عن اجتهاد
منه([6]).
وهذا هو السبيل الوسط الذي نرى من الواجب على المسلمين أن يتخذوه لهم
طريقاً لحل الخلافات القائمة بينهم، أن يجهر كل منهم بما يراه هو الصواب
الموافق للكتاب والسنة شريطة أن لا يضلل ولا يبدع من لم ير ذلك لشبهة عرضت
له، لأنه هو الطريق الوحيد الذي به تتحقق وحدة المسلمين وتتوحد كلمتهم،
ويبقى الحق فيه ظاهراً جليا غير منطمس المعالم، ولهذا نرى أيضاً أن تفرق
المسلمين في صلاتهم وراء أئمة متعددين: هذا حنفي وهذا شافعي .... مما يخالف
ما كان عليه سلفنا الصالح من الاجتماع في الصلاة وراء إمام واحد وعدم
التفرق وراء أئمة متعددين.
هذا هو موقفنا في المسائل الخلافية بين المسلمين: الجهر بالحق بالتي هي
أحسن، وعدم تضليل من يخالفنا لشبهة لا لهوى.
وهذا هو الذي جرينا عليه منذ أن هدانا الله لاتباع السنة، وذلك من نحو
عشرين سنة، ونتمنى مثل هذا الموقف لأولئك المتسرعين في تضليل المسلمين،
الذين من مذهبهم قولهم: " إذا سئلنا عن مذهبنا قلنا: صواب يحتمل الخطأ،
وإذا سئلنا عن مذهب غيرنا؛ قلنا خطأ يحتمل الصواب"، ومن مذهبهم القول
بكراهة الصلاة وراء المخالف في المذهب أو بطلانها، ولذلك تفرقوا في المسجد
الواحد كما سبق، وخاصة في جماعة الوتر في رمضان، لظن بعضهم أن الوتر لا يصح
إذا فصل الإمام بين شفعه ووتره مع أنه هو الأفضل الثابت عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كما سيأتي في الفصل السابع، وانظر التعليق ص:17.
وذلك هو موقفنا، وما أظن عاقلاً ينازعنا فيه، فمن نسب إلينا غير ذلك فقد
بغى وتعدى وظلم والله حسيبه.
وغرضنا من نشر السنة في هذه المسألة وغيرها بيّن ظاهر، وهو تبليغها للناس
لقوله صلى الله عليه وسلم: ((بلغوا عني ولو آية . . .)) الحديث رواه
البخاري ومسلم.
لعلها إذا بلغتهم اقتنعوا بصحتها فالتزموها، وفي ذلك فلاحهم وسعادتهم في
الدارين، وفيه تضعيف الأجر لنا إن شاء الله تعالى لقوله صلى الله عليه
وسلم: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم
القيامة)).
فمن لم يقتنع بها لشبهة لا لهوى ولا اتباعاً للآباء والأجداد؛ فليس لأحد
عليه من سبيل، لاسيما إذا كان لم يلتزمها بعض كبار العلماء كما في هذه
المسألة، والتوفيق من الله سبحانه » انتهى.
وفي هذه العبارة الأخيرة تأكيدٌ من الشيخ لما سبق، والمقصود أنه حيث لم يكن
الدافع لترك السنة الهوى، وإنما كان بسبب الشبهة والتأويل، فلا ينبغي أن
يكون ذلك سبباً للشقاق والتضليل والتبديع.
فإذا كان هذا في مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف إذاً تكون
مخالفةُ اجتهادِ بعض العلماء سبباً في التضليل والتبديع كما يفعله كثيرٌ من
المتعصبة لبعض العلماء؟! وكثيرٌ من الجهلة المنتسبين إلى السنة في هذه
الأيام؟! مع أن هذا إنما هو من شأن أهل البدع والمنتسبين إلى الطُرُق
والفِرَق البِدعيَّة، فلا يجوز أن يكون من سيما المنتسبين إلى السنة
والداعين إليها.
وقوله رحمه الله: «لاسيما إذا كان لم يلتزمها بعض كبار العلماء كما في هذه
المسألة».
يعني أن الصلاة بثلاثة عشر ركعة لم يلتزمه بعض العلماء الكبار، ولم يأخذوا
به، ولذلك حصلت الشبهة للكثيرين في عدم الأخذ بذلك، فيعذرون، وهنا نوجه
الخطاب إلى فريقين:
الأول: من يتعصب لهذا القول، أي عدم جواز الزيادة على ثلاث عشر ركعة، ويبدي
تنقصه لمن يزيد على هذا العدد، وربما اتهمه بترك السنة، فيقع في الطعن في
بعض علماء أهل السنة، واتهامهم بما هم بريئون منه كما وقع أولئك المنحرفون
في الشيخ الألباني رحمه الله، واتهموه بما هو بريء منه، وكأنه لم يقرأ هذا
الفصل من كلام الشيخ الألباني عندما قرأ هذا الكتاب.
بل حال كثير من هؤلاء أنه لا يقرأ أصلاً، وإنما يتلقى بالسماع أن هذا هو
قول الشيخ الفلاني، فيأخذ به ويتعصب له ولم يعرف دليله، بل وربما لم يتوثق
من نسبته إلى هذا العالم.
ومثل هذا إن كان من أهل الجهل والتقليد فلا شك أنه يجوز له تقليد العلامة
الألباني، ولكن من شأن المقلد أن لا يتطاول على المجتهدين، وأن لا يُلزم
الناس بقول من قلده، والحال أنهم قد اجتهدوا في خلاف قوله، أو قلدوا غير
إمامه.
وإن كان مجتهداً، قد عرف الحجة والدليل فكان الأولى به أن يعرف القواعد
التي سبق ذكرها، ولا يُشنع على من يخالفه في هذه المسائل الاجتهادية، وكان
من الواجب أن يعلم أن اجتهاد المجتهد ليس حجة على مجتهد آخر، وأن التأويل
والجهل عذر يعذر به المخالف.
ومن فهم هذا؛ تبين له مأخذ الشيخ فيما تقدم من كلامه، الذي وضح فيه شيئاً
من منهج السلف في آداب الخلاف بينهم.
وفيما يلي بعض الفوائد المستنبطة مما ذكره الشيخ وصححه عن ابن عمر رضي الله
عنهما:
1.أن يصدع العالم بالحق وإن خالف كلامَ من هو أعلم منه، وأعظم منزلة منه،
ولا يجوز للعالم أن يسكت عن بيان الحق إرضاء لعالم آخر، أو مجاملة لغيره من
الناس.
2.التحذير مما يُخشى وقوعه أو اعتقاده قبل أن يقع، وبيان ما يحتاجه الناس
من العلم، فإنه لما صلى عثمان أربعاً متأولاً؛ خشي ابن عمر أن يظن الناس
أنه لا تجوز الصلاة ركعتين، أو يعتقدوا أنه ليس من السنة، وأن السنة
أربعاً، أو يأتي من يحتج بفعل عثمان في إنكار السنة، ولذلك قال: (صلاة
السفر ركعتان، من خالف السنة فقد كفر)، والمراد من يخالفها راداً أو
جاحداً، لا متأولاً أو جاهلاً، لأنه صلى خلف عثمان، ولم يعنف عليه ولم
يتهمه وحاشاه من ذلك، كما ذكره وقرره العلامة الألباني رحمه الله.
3.أن العالم إذا خالف السنة متأولاً أو جاهلاً بها، لا يعنف عليه ولا يشنع
عليه، بل يعذر في ذلك.
4.أن من جاز له تقليد العالم في ذلك فهو مثله، لأن فرضه هو سؤال أهل الذكر
والعمل بقولهم، وقد أداه ولا لوم على من أدى ما عليه.
5.أن من لم يترجح له قول عالم أو ترجح له خلاف قوله فإنه يجوز له أن يعمل
بالقول الآخر، إذا وجد سبب شرعي أو مصلحة شرعية تقتضي ذلك، كأن يكون إماماً
تؤدِّي مخالفته إلى فتنة وشر، ولأن حكم الحاكم يرفع النزاع في المسائل
التي تتعلق بشؤون العامة.
6.أنه لا يجوز التضليل والتبديع في المسائل التي هي محل اجتهاد العلماء
واختلافهم.
7.أن ما تقدم هو طريق السلف، وسبيل وحدة المسلمين وقوتهم، وأن من يخالف في
ذلك فهو مخالف لطريقة السلف، وساعٍ في تفريقهم وتشتيتهم وإضعافهم.
هذا بعض ما أردت عرضه في هذه العجالة، سائلاً المولى الكريم، في هذا الشهر
العظيم، وفي هذه الليلة المباركة أن يوفق جميع المسلمين للعمل بكتابه،
واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يجمع كلمة أهل السنة، ويظهر
شأنهم، ويعلي رايتهم، ويوحد صفوفهم، ويكفهم شرور أنفسهم، إنه نعم المولى
ونعم النصير، وأكرم من طلب، وأرجى من سئل، والحمد لله والصلاة والسلام على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تم بقلم كاتبه
إسماعيل بن غصاب بن سليمان العدوي
في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ليلة الأربعاء الثاني عشر
من شهر رمضان المبارك لعام 1427 من الهجرة النبوية
ــــــــــــ
([1]) ودعواهم هذه قائمة على تجاهل الفرق بين المسائل الاجتهادية والمسائل
القطعية، وتجاهل الفرق بين الحكم المطلق والحكم على المعين، وتجاهل الفرق
بين أحوال المعينين، واعتبار مقاصدهم وأحوالهم، وتجاهل الفرق بين الاجتهاد
في حكم اجتهادي، وعدم إلزام الآخرين بهذا الحكم لكونهم مجتهدين، أو لكونهم
ممن قام بما يجوز له من تقليد من يصح تقليده، كل هذه الأمور تجاهلها هؤلاء،
ليصلوا إلى الطعن في الشيخ رحمه الله ورميه بهذه التهمة التي هو منها
بريء، وهكذا أيضاً يتجاهل هذه الأمور وغيرها بعض من ينتسب إلى السنة، فيقع
في تضليل واتهام بعض من ينتسب إلى السنة مثله، بل ربما يكون فوقه علماً
وأدباً.
([2]) تنبه إلى قوله: «وغيرها» فكل ما كان مثل هذه المسألة فيه مجال للنظر
والاجتهاد، فله مثل حكمها، سواء كان احتمال النظر والاجتهاد في أصول
المسائل المحتملة لذلك، أو في تنزيل أحكامها على المعينين.
([3]) أي ما تقدم من ذكر سبب الاختلاف في هذه المسألة.
([4]) تقييد البدعة أو المبتدع بوصف المبالغة في التعبد، إنما هو باعتبار
الأغلب، فإنه كثيراً ما يكون كذلك، وكثيراً أيضاً ما يكون بمجرد قصد
التعبد، ولا يكون قاصداً إلى المبالغة.
وقد يقال: إن مجرد الابتداع هو مبالغة في التعبد، ولكن هذا أيضاً فيه نظر،
فإن كثيراً من البدع ليس فيها قصد المبالغة، ولكن بسبب تأويل أوسوء فهم.
والمقصود أن الذي يلحقه الذم والوعيد هو من قصد الابتداع، أو قصد فعل
البدعة وهو يعلم ذلك، مع العلم بأن من سلم من البدعة هو أكمل ممن وقع فيها،
وإن لم يلحقه ذم أو وعيد.
([5]) ومن قلد العالم حيث يجوز له تقليده، فحكمه حكم ذلك العالم، بل قد يذم
العالم لسوء قصده أو تقصيره، ولا يذم من قلده لجهله بذلك وثقته بالعالم
الذي أفتاه.
وقد أشار العلامة الألباني إلى ذلك بقوله السابق: «بدون علم ولا هدى ولا
كتاب منير، بل ولا تقليداً لأهل العلم والذكر».
([6]) قال الشيخ الألباني في الهامش: "وروى البخاري (2/451-452)، نحوه عن
ابن مسعود، وفيه أنه لما بلغه إتمام عثمان استرجع".