طوائف الملوك في الأندلس:قال المقري: بايع الوزير أبو محمد جهور بن محمد بن جهور عميد الجماعة وكبير قرطبة لهشام بن محمد أخي المرتضى، وكان بالثغر في لاردة عند ابن هود، وذلك سنة ثمان عشرة وتلقب المعتمد بالله، وأقام متردداً في الثغر ثلاثة أعوام، واشتدت الفتن بين رؤساء الطوائف واتفقوا على أن ينزل دار الخلافة بقرطبة فاستقدمه ابن جهور والجماعة، ونزل آخر سنة عشرين وأقام بها يسيراً، ثم خلعه الجند سنة اثنتين وعشرين وفر إلى لاردة فهلك بها سنة ثمان وعشرين، وانقطعت الدولة الأموية من الأرض وانتثر سلك الخلافة بالمغرب وقام الطوائف بعد انقراض الخلائف وانتزى الأمراء والرؤساء من البربر والعرب والموالي بالجهات واقتسموا خطتها، وتغلب بعضهم على بعض، واستقل أخيراً بأمرها منهم ملوك استفحل أمرهم وعظم شأنهم وأقاموا على ذلك برهة من الزمان حتى قطع عليهم البحر ملك العدوة وصاحب مراكش أمير المسلمين يوسف بن تاشفين فخلعهم وأخلى منهم الأرض
[1].
وقال المراكشي في المعجب: وأما حال سائر الأندلس بعد اختلال دعوة بني أمية فإن أهلها تفرقوا فرقاً وتغلب في كل جهة منها متغلب وضبط كل متغلب منهم ما تغلب عليه، تقسموا ألقاب الخلافة فمنهم من تسمى بالمعتضد وبعضهم تسمى بالمأمون وآخر تسمى بالمستعين والمقتدر والمعتصم والمعتمد والموفق والمتوكل إلى غير ذلك من الألقاب الخلافية، وفي ذلك يقول أبو علي الحسن بن رشيق:
ممـا يزهـد في أرض أندلس | سمـاع مقتـدر فيـها ومعتضد |
ألقاب مملكة في غير موضعها | كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد[2] |
انقسمت الأندلس في أوائل القرن الخامس من الهجرة وأصبحت ممالك صغيرة يتولاها رؤساء وأمراء.
إن انقسام الأندلس على هذه الصورة وانقسام أولئك الملوك على أنفسهم الذين أخذوا يتنازعون ويتغالبون فيما بينهم، دعا كل ذلك الإفرنج أن يطمعوا بهم ويغيروا عليهم، حتى ضاق العبابدة ذرعاً في حرب الفونس دي ليون فاستنجدوا ملوك المرابطين من المغرب سنة 479هـ- 1086م، ثم عاد المرابطون بعد بضع سنين ففتحوا الأندلس وجعلوها أيالة تابعة لمملكتهم في المغرب.
ولما صارت المغرب إلى الموحدين صارت إليهم الأندلس سنة 540هـ- 1145م، ونشأت في أثناء ذلك ممالك صغيرة في بلنسية ومرسية أهمها الدولة النصرية في غرناطة أصحاب الحمراء حكموا من سنة 629- 897هـ/1232-1492م، وزهت الأندلس في أيامهم وظهر فيها الشعراء والأدباء نحو ما كانت عليه في أيام عبد الرحمن الناصر، ولكن الاسبان مازالوا يهاجمون المسلمين ويناوئونهم وهم يدافعونهم إلى أواخر القرن التاسع للهجرة فهاجمها فرديناند وايزبلا سنة 897هـ-1492م ففر ملكها أبو عبد الله آخر ملوكها وانقضت بفراره دولة المسلمين في الأندلس على أسوأ حال.