محكمة العدل الدولية
تنظيم المحكمة ، وصلاحياتها ، وطريقة عملها
بقلم الدكتور فيصل الحكيم
دكتوراه دولة في الحقوق
من الأهداف الرئيسية للأمم المتحدة أن تعمل بوسائل سلمية ، وفق مبادئ العدل والقانون الدولي ، على إيجاد حل أو تسوية للنزاعات الدولية أو الحالات التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم . وقد وضعت الأمم المتحدة نصب أعينها تحقيق هذا الهدف ، إذ ينص ميثاقها على إنشاء محكمة العدل الدولية بوصفها إحدى الهيئات الرئيسية للأمم المتحدة (المادتان 1 و 7) .
وتركز بنود أخرى من الميثاق على أهمية المكانة التي تحتلها محكمة العدل الدولية في منظومة الأمم المتحدة ، وذلك بوصفها الهيئة القانونية الأساسية للأمم المتحدة (المادة 92) ومن جهة أخرى ، يجب على مجلس الأمن ، عندما يطلب إليه تقديم توصيات بشأن نزاع قد يشكل استمراره خطراً على السلم والأمن الدوليين ، أن يأخذ في الاعتبار قاعدة عامة هي أن ترفع الأطراف نزاعاتها القانونية إلى محكمة العدل الدولية (المادة 36) .
والهدف من هذا المقال هو تقديم عرض وجيز عن تنظيم المحكمة وصلاحياتها وطريقة اشتغالها .
أولاً - تنظيم محكمة العدل الدولية :
1 - قضاة المحكمة :
تتألف محكمة العدل الدولية من 15 قاضياً ينتخبون من قبل الجمعية العامة ومجلس الأمن ويتم اختيار القضاة من قائمة بالأشخاص المرشحين من جانب المجموعات الوطنية الممثلة في محكمة التحكيم الدائمة ، أو من جانب المجموعات الوطنية المعينة لهذه الغاية من جانب الحكومات المعنية في حالة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة غير الممثلة في محكمة التحكيم الدائمة .
ويجري كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن عملية انتخاب مستقلة عن الأخرى . ويجب أن يتأكد كل منها أن المرشحين يتحلون بالكفاءات المشترطة في بلادهم لتعينهم في أعلى المناصب القضائية أو أنهم من كبار القانونيين الضليعين بالقانون الدولي .
هنا: منتديات ملاك روحي
http://www.malak-rouhi.com/vb/t11831.html#post82573 ويشترط لانتخاب المرشح أن ينال أكثرية الأصوات في كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن ولا يمكن انتخاب أكثر من مرشح واحد من جنسية معينة . وينتخب القضاة لمدة تسع سنوات ويجوز إعادة انتخابهم.
وتنتخب المحكمة رئيسها ونائبه لمدة ثلاث سنوات، ويجوز إعادة انتخابها . ومن أجل حماية أعضاء المحكمة من أي ضغط سياسي ، وقد نص النظام الأساسي على أنه لا يمكن فصل أي قاض من وظيفته إلا إذا أجمع سائر الأعضاء على أنه لم يعد مستوفياً الشروط المطلوبة .
ويتمتع القضاة عند قيامهم بمهامهم الرسمية بالحصانة والميزات الدبلوماسية .
2 - قضاة خاصون :
يحق لأطراف نزاع تنظر فيه المحكمة أن يختاروا في الظروف المحددة في الفصل الرابع من هذا المقال قضاة خاصين وهؤلاء ليسوا من قضاة المحكمة الدائمين . بل ينظرون فقط في القضية الخاصة التي تم تعيينهم للفصل فيها .
3 - المستشارون والخبراء :
يجوز للمحكمة أن تدعو مستشارين للاشتراك مع القضاة في النظر في قضية معينة وبعكس القضاة الخاصين، لا يحق للمستشارين الاشتراك في التصويت .
ثانياً - التقاضي أمام محكمة العدل الدولية :
لا يحق إلا للدول أن تكون طرفاً في الدعاوى المرفوعة إلى محكمة العدل الدولية . وبالتالي فإن محكمة العدل الدولية لا تتعاطى في الدعاوى الشخصية. وقد رفضت دوماً النظر في العرائض والشكاوى المقدمة إليها من أفراد . غير أنه من المتاح دوماً لأية دولة أن تتبنى شكوى أحد مواطنيها ضد دولة أخرى ، وأن ترفع هذه الشكوى إلى محكمة العدل الدولية إذا كان يحق لها ذلك . لكن النزاع يصبح عندئذ، نزاعاً بين دولتين .
ثالثاً - ولاية المحكمة في النزاعات القضائية :
من مهام محكمة العدل الدولية ، بإصدارها أحكاماً ملزمة ، أن تفصل استناداً إلى القانون الدولي في جميع النزاعات المرفوعة إليها من جانب الدول . ولكن كون المحكمة مفتوحة للدول لا يعني أن الدول المعنية مضطرة لحل نزاعاتها مع دول أخرى عن طريق المحكمة. ذلك أن ولاية المحكمة للفصل في النزاعات القضائية متعلقة بموافقة الدول ، لأن العدل الدولي ما زال ، بعكس العدل الوطني أمراً اختيارياً .
رابعاً - قيام المحكمة بمهامها :
إن مقر محكمة العدل الدولية هو في مدينة لاهاي، هولندا . وللمحكمة لغتان رسميتان هما الفرنسية والإنكليزية ، ولكن يجوز لها أن تأذن باستعمال لغة أخرى من جانب أي من أطراف الدعوى.
وتقوم المحكمة بمهامها بكامل هيئتها (يكتمل النصاب بوجود تسعة قضاة) ولكن يمكنها بناء على طلب أطراف الدعوى أن تجلس كغرفة قضائية والنظام الأساسي للمحكمة ينص على أن تنتخب في كل سنة خمسة قضاة يشكلون غرفة قضائية للإجراءات المختصرة بغية الإسراع في النظر في القضايا والفصل فيها .
ويستمر قاضي محكمة العدل الدولية في الجلوس حتى لو كانت القضية المرفوعة إلى المحكمة متعلقة مباشرة ببلاده غير أن أصول المحاكمات تنص على أن الرئيس يمتنع عن ممارسة مهمته الرئاسية إذا كان من جنسية أحد أطراف الدعوى المرفوعة إلى المحكمة .
وإذا كانت هيئة المحكمة تضم قاضياً من جنسية أحد أطراف الدعوى جاز لأي طرف آخر أن يختار قاضياً خاصاً يشترك في النظر في الدعوى والفصل بها كذلك إذا كانت هيئة المحكمة لا تضم قاضياً من جنسية أطراف الدعوى جاز لكل من الأطراف اختيار قاض خاص .
خامساً - المحكمة وتطبيق القانون :
تقوم المحكمة وفق المادة 38 من نظامها الداخلي بتطبيق ما يلي :
1 - المعاهدات والاتفاقيات الدولية .
2 - العرف الدولي .
3 - مبادئ القانون الدولي العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة .
4 - الأحكام القضائية وتعاليم كبار المشرعين في القانون العام (وهو مصدر احتياطي) .
5 - مبادئ العدل والإنصاف /متى وافق أطراف الدعوى على ذلك/ .
سادساً - الإجراءات المتبعة في النزاعات القضائية :
من الممكن رفع القضايا إلى محكمة العدل الدولية إما :
* بإبلاغ أمانة السجل اتفاقاً خاصاُ تقبل الأطراف المعنية بموجبه أن يتم رفع القضية إلى المحكمة .
* أو بطلب خطي يقدمه أحد الأطراف بالاستناد إلى بند ينص على الولاية الإلزامية للمحكمة .
ويجب أن تحدد هذه الوثائق موضوع النزاع وأطرافه . بعد ذلك يقوم أمين السجل مباشرة بالإبلاغ عن الاتفاق الخاص أو الطلب المقدم وذلك لجميع المعنيين ولأعضاء الأمم المتحدة وغيرها من الدول التي يحق لها التقاضي أمام المحكمة .
إن مختلف مراحل المداولات متضمنة في أصول المحاكمات المعتمدة في سنة 1946 والمعدلة في سنة 1972 والمعاد النظر فيها كلياً في سنة 1978 ويكون للأطراف المعنية وكلاء يمثلونها ويمكنها الاستعانة بمستشارين ومحامين .
وتتألف الإجراءات من قسمين أحدهما كتابي والآخر شفوي ، فالإجراءات الكتابية تشمل ما يقدمه كل طرف من مرافعات يتم عرضها ضمن المواعيد المحددة في أصول المحاكمات .
أما الإجراءات الشفوية فتشمل : قيام المحكمة في جلسات علنية بالاستماع إلى الوكلاء والمستشارين والمحامين والشهود والخبراء .
وبعد انتهاء الإجراءات تتم مداولات المحكمة على أساس سري بحيث يكون في وسع المحكمة أن تهيئ حكمها وتصيغه بلغتي المحكمة الرسميتين وتصدره في غضون بضعة أسابيع .
هذا ويتم الفصل في جميع القضايا برأي الأكثرية من القضاة الحاضرين وعند تساوي الأصوات يكون صوت الرئيس أو من يقوم مقامه من القضاة صوتاً مرجحاً .
ويجب أن يبين الحكم الصادر عن المحكمة الأسباب التي استند إليها والقضاة الذين لا يوافقون على حكم المحكمة أو على الأسباب المستند إليها يحق لهم أن يرفقوا بالحكم بياناً برأيهم المستقل أو رأيهم المخالف والحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية حكم نهائي غير قابل للاستئناف والإجراء الوحيد المتاح بعد صدور الحكم هو أن يقدم أحد الأطراف طلباً بتفسيره « في حال نشوء نزاع بشأن معناه أو نطاقه » أو طلباً بإعادة النظر فيه إذا تم اكتشاف واقعة جديدة في الدعوى كان يجهلها عند صدور الحكم كل من المحكمة والطرف الذي يلتمس إعادة النظر . هذا ويتحمل كل طرف من أطراف الدعوى نفقاته الخاصة إلا إذا قررت المحكمة خلاف ذلك.
المراجع :
- ميثاق الأمم المتحدة الصادر سنة 1945 .
- النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الصادر سنة 1945 .
- أصول المحاكمات أمام محكمة العدل الدولية الصادر سنة 1946 والمعدل سنة 1972 .
- النص الجديد لأصول المحاكمات أمام محكمة العدل الدولية الصادر في 14/4/1978 .