إسرائيل وضرورة تفكيك ترسانتها النووية
نبيل السهلي
أفكار أساسية لامتلاك الخيار النووي
تحويل الأفكار إلى حقائق
إيحاءات حول امتلاك قوة الردع النووية
إسرائيل ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية
أثير في الآونة الأخيرة موضوع الملف النووي الإسرائيلي, وذلك بعد أن أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في يوم 18/9/2009 قرارًا يدعو إسرائيل إلى التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وفتح منشآتها للتفتيش الدولي, وقد عزز هذا الاتجاه ترؤس الرئيس الأميركي باراك أوباما جلسة مجلس الأمن المنعقدة في يوم الخميس 24/9/ 2009 والمخصصة لمناقشة منع انتشار الأسلحة النووية في العالم, وهي الجلسة الخامسة للمجلس حول الملف المذكور منذ عام 1946, وقد تبنى المجلس قرارًا يقضي بمنع انتشار الأسلحة النووية وخفض الموجود منها, وأشار الرئيس الأميركي خلال حديثه في المؤتمر إلى أن الأشهر القادمة ستكون مهمة لجهود منع انتشار الأسلحة النووية.
في حين أكد الأمين العام للأمم المتحدة أثناء كلمته في الجلسة على أهمية تبني الأسرة الدولية أساليب جديدة لزيادة الشفافية فيما يخص السلاح النووي, وفي هذا السياق بررت الإدارات الأميركية المتعاقبة امتلاك إسرائيل لكافة صنوف الأسلحة ومن بينها السلاح النووي بذريعة الهواجس العسكرية والأمنية من المحيط العربي، وتبعًا للتوجه الأميركي لم توقع إسرائيل على المعاهدة المذكورة رغم مرور واحد وأربعين عاما على توقيعها (1968-2009).
أفكار أساسية لامتلاك الخيار النووي
"
منذ السنوات الأولى لإنشاء إسرائيل، تم إنشاء معهد وايزمان للأبحاث النووية، وجرت عدة محاولات لإيجاد طرائق جديدة لإنتاج الماء الثقيل واستخلاص اليورانيوم من الفوسفات، وقد واكبت تلك المحاولات مخططات حقيقية لتطوير وبناء السلاح الكيماوي
"
في أعقاب الحرب العالمية الثانية خاطب بن غوريون أول رئيس حكومة إسرائيلية بعض العلماء اليهود المهاجرين من ألمانيا إلى فلسطين قائلاً: "أريد منكم أن تهتموا منذ الآن بالأبحاث الذرية، وبإنجاز كل ما يمكن إنجازه من أجل تزويد الدولة اليهودية المنشودة بأسلحة نووية".
وكان شمعون بيرز الرئيس الإسرائيلي الحالي قد قال في الكنيست الإسرائيلي عام 1966، "إنني لا أرى سببًا لإقدام دولة إسرائيل على طمأنة عبد الناصر من هذا المنبر، والسماح له بأن يعرف ما نفعله أو ما لا نفعله، إنني أعرف أن العرب يشكون في نوايانا النووية، وأعرف أن هذا الشيء قوة رادعة، فلماذا نخفف من هذه الشكوك، ولماذا نعمل على إيضاحها".
أما أفرايم كاتسير الرئيس الإسرائيلي آنذاك، فقد أعلن في عام 1972 "أن إسرائيل لن تكون البادئة في إدخال الأسلحة النووية إلى الشرق الأوسط ولكنها تمتلك القدرة على صنع مثل تلك الأسلحة، بل في مقدورها أن تفعل ذلك في فترة زمنية معقولة".
وتبعًا لذلك بدأت إسرائيل منذ إنشائها استقبال العديد من العلماء اليهود من خلال الهجرات المتتالية خاصة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، وكان لهجرة اليهود من دول الاتحاد السوفيتي السابق ومن باقي دول العالم من 1990 إلى 2009 بالغ الأثر في رفع نسبة العلماء الخبراء في المجالات المختلفة، بما فيهم علماء الفيزياء والتطبيقات الكيماوية، إذ كان هناك عدد كبير منهم، يملكون شهادات أكاديمية عالية في المجالات المذكورة، وفي مجالات أخرى مثل الطب والرياضيات.
وبالنسبة لتأسيس إسرائيل لقدرات نووية، فإن الباحثين والمتخصصين فيها، بدؤوا في البحث عن اليورانيوم في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة.
ومنذ السنوات الأولى لإنشائها، وبالتحديد في عام 1949 تم إنشاء معهد وايزمان للأبحاث النووية، وجرت عدة محاولات لإيجاد طرائق جديدة لإنتاج الماء الثقيل واستخلاص اليورانيوم من الفوسفات، وقد واكب تلك المحاولات مخططات حقيقية لتطوير وبناء السلاح الكيماوي بكافة أنواعه بما في ذلك السلاح المحرم دوليًّا.
تحويل الأفكار إلى حقائق
أدت المخططات الإسرائيلية والنشاط الدؤوب لإنجاح تلك الخطط لإخراج الأفكار الصهيونية والإسرائيلية حول ضرورة امتلاك خيار نووي، إلى بناء إسرائيل لسبعة مفاعلات نووية، أهمها مفاعل ديمونة الذي أسسه دافيد بن غوريون عام 1957 في صحراء النقب باتفاق مع فرنسا, وفي عام 1960 تم إنشاء مفاعل نووي إسرائيلي في أسدود جنوب فلسطين المحتلة، وذلك من خلال مساعدة أميركية، والمفاعل المذكور قادر عن إنتاج البلوتونيوم، وقد سبق ذلك بناء مصانع السلاح الكيماوي بمعونة بريطانية، وثمة مواقع مختلفة للأسلحة النووية من أهمها: موقع "بالميكيم" للتجارب شمال صحراء النقب، وهو مخصص لإجراء تجارب على الصواريخ النووية مثل صاروخ أريحا، أما موقع "يوديغات" فهو مخصص لتجميع الأسلحة النووية وتفكيكها، في حين يقوم الخبراء الإسرائيليون في موقع "بئر يعقوب" ببناء قواعد إنتاج صواريخ أريحا ذات الرؤوس النووية، أما موقع "كفار زكريا" فيعتبر قاعدة للصواريخ النووية ويحوي ملاجئ لتخزين القنابل النووية، وفي قرية عيلبون إلى الشرق من منطقة الجليل الفلسطيني مواقع لتخزين الأسلحة الإسرائيلية النووية التكتيكية.
إضافة لذلك استطاعت إسرائيل بناء عشرة مصانع كيماوية، وأكثر المناطق والمدن التي تتركز فيها الأنشطة الكيميائية الإسرائيلية هي: مدينة حيفا ومدينة عكا المحتلتين على ساحل البحر المتوسط، حيث تعمل شركة "حيفا كميكليم" وشركة "وكفرقاروم" وتتركز صناعة الذخائر الكيماوية في منطقة "بيتاح تكفا" في حين تتركز صناعة الغازات السامة في منطقة "حولون" و"ريشون لتسيون"، أما مصانع الكلور وغاز الأعصاب فقد تمّ بناؤها في منطقة تل أبيب التي تستحوذ على ثلث مجموع اليهود في إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة حسب المجموعات الإحصائية الإسرائيلية, وهي من أعلى المدن كثافة بالسكان.
"
على الرغم من الإشارات التي تبرز بين فترة وأخرى والتي تؤكد امتلاك إسرائيل لأسلحة كيماوية ونووية متطورة، فإنه سرعان ما تنفي الدوائر الإسرائيلية المختلفة ذلك للإبقاء على سياسة الشك
"
فضلاً عن ذلك تتوزع مصانع كيماوية في المدن الفلسطينية المحتلة الأخرى لصناعة غاز الخردل وغاز الباروم، وكذلك صناعة الذخائر، وهناك برامج وخطط إسرائيلية وموازنات ضخمة لتطوير المفاعلات النووية، والمصانع الكيماوية الإسرائيلية، والمحاولات متسارعة لتطوير أداء البحث العلمي في المجالات المذكورة بسرية كبيرة وفائقة.
وعلى الرغم من الإشارات التي تبرز بين فترة وأخرى في الصحف ومراكز البحث الغربية والإسرائيلية على حد سواء والتي تؤكد على امتلاك إسرائيل لأسلحة كيماوية ونووية متطورة، فإنه سرعان ما تنفي الدوائر الإسرائيلية المختلفة ذلك للإبقاء على سياسة الشك التي اتبعتها إسرائيل منذ أكثر من ستة عقود.
وعلى سبيل المثال أعلنت صحيفة ألمانية في نهاية عام 2006 على لسان رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت "أن إسرائيل تمتلك قدرات نووية"، وقد نفى الإعلام الإسرائيلي ذلك الخبر مباشرة، لكن قادة عسكريين كبارا في إسرائيل ألمحوا إلى أن إسرائيل لن تكون البادئة في إدخال السلاح النووي إلى الشرق الأوسط.
إيحاءات حول امتلاك قوة الردع النووية
لقد اعتمدت إسرائيل من خلال الشك والإيحاء في تصريحات وتلميحات بعض القادة الإسرائيليين ورؤساء حكومات إسرائيلية متعاقبة، مدخلاً للإعلان غير المباشر عن وجود إمكانيات الردع الإسرائيلية، وقد استهدفت تلك السياسة، إقناع مهاجرين يهود جدد من دول العالم بالهجرة إلى فلسطين المحتلة باعتبار الهجرة ركيزة أساسية في زيادة أعداد اليهود في فلسطين المحتلة، هذا فضلاً عن محاولات إسرائيل إقناع الدول العربية بأن إسرائيل تملك السلاح النووي، وبالتالي هناك وجود خلل في التوازن في الأسلحة غير التقليدية لصالحها في منطقة الشرق الأوسط.
ومما لا شك فيه أن البرنامج النووي الإسرائيلي منذ الخمسينيات، كان تحت إدارة وزارة الحرب الإسرائيلية، مما يؤكد الطابع العسكري لإنشاء وامتلاك القدرة النووية من قبل الجيش الإسرائيلي، وقد كانت تلك السياسة غير المعلنة بمثابة قرار سياسي إسرائيلي بالدرجة الأولى، للإخلال بالتوازن العسكري مع الدول العربية، وكافة الدلائل باتت تؤكد امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية، حيث أكد فريق صحفي في صحيفة الصنداي تايمز في أوائل التسعينيات أن مردخاي فعنونو الفني الإسرائيلي الذي قضى حكمًا إسرائيليا بالسجن لمدة 18 عامًا في إسرائيل، قد أكد عبر صور ووثائق أن إسرائيل تمتلك ما بين 100 و200 رأس نووي بقدرات تدميرية متفاوتة، بما في ذلك قنابل نووية حرارية.
وقد عرض الفريق الصحفي في الصفحة المذكورة آنذاك، شهادة الفني الإسرائيلي على علماء متخصصين مثل ثيودور تايلر الذي عمل رئيسًا لبرنامج الأسلحة الذرية لدى البنتاغون، كما تم استجواب فعنونو من قبل الدكتور فرانك بارنابي الذي عمل رئيسًا لبرنامج الأسلحة الذرية لدى البنتاغون.
وأشارت الصحيفة بعد ذلك إلى أن إسرائيل ليست قزمًا نوويًّا بل لا بد للعالم أن ينظر إليها على أنها قوة نووية رئيسية تأتي في المرتبة السادسة في قائمة الدول النووية ولديها مخزون لا يقل عن 100 قنبلة بل إنها تمتلك المكونات والقدرات على صنع قنابل ذرية ونتروجينية، أي أن النتيجة هي امتلاك إسرائيل خيارًا نوويًّا.
إسرائيل ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية
منذ عام 1968 رفضت إسرائيل التوقيع والانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بدعم أميركي مباشر، وأصبح عامل الردع العسكري غير التقليدي هاجسًا لكافة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خلال الفترة من 1948 إلى 2009، وتبعًا لذلك استطاعت إسرائيل جعل الأفكار حول امتلاك أسلحة غير تقليدية حقيقة وأمرا واقعا يفرض نفسه بقوة.
حيث تشير الدراسات المختلفة إلى أن إسرائيل استطاعت بناء عشرة مصانع لإنتاج وتطوير وتخزين الأسلحة الكيماوية، فضلاً عن سبعة مفاعلات نووية، أهمها مفاعل ديمونة في جنوب فلسطين المحتلة، حيث تبلغ طاقته 24 ميغاواط، وللمفاعل المذكور قدرة كبيرة على إنتاج البلوتونيوم بمقدار تسعة كيلوغرامات سنويًّا، بحيث تكفي لإنتاج قنبلة ذرية بقوة تفجيرية قدرها 20 كيلوطن، وهي نفس القوة التفجيرية للقنبلة النووية التي ألقتها الولايات المتحدة الأميركية على مدينة ناغازاكي اليابانية إبان الحرب العالمية الثانية.
"
مع استمرار التوجهات الأميركية في دعم إسرائيل بعدم التوقيع على منع انتشار الأسلحة النووية، فإن أمن منطقة الشرق الأوسط سيتعرض إلى خطر كبير، ويفسح المجال لدول عديدة لامتلاك تلك الأسلحة
"
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية كان لها الدور الأكبر والأساسي في دعم إسرائيل وامتناعها عن التوقيع على معاهدة منع انتشار السلاح النووي، حيث يلحظ المتابع لمواقف الإدارات الأميركية المتعاقبة عدم مطالبة إسرائيل بالتوقيع على تلك المعاهدة، بل ذهبت تلك الإدارات بما فيها إدارة جورج بوش السابقة إلى أبعد من ذلك حيث أشارت أكثر من مرة إلى تفهم الولايات المتحدة الأميركية لامتلاك إسرائيل أسلحة غير تقليدية، وثمة إشارات وتصريحات من بعض أركان الإدارة الأميركية الجديدة التي يقودها باراك أوباما تمّ التأكيد من خلالها على العلاقات الإستراتيجية مع إسرائيل بما فيها العلاقات العسكرية.
ومع استمرار التوجهات الأميركية في دعم إسرائيل بعدم التوقيع على منع انتشار الأسلحة النووية، فإن أمن منطقة الشرق الأوسط سيتعرض إلى خطر كبير، ويفسح المجال لدول عديدة لامتلاك تلك الأسلحة، ولهذا باتت الضرورة تتطلب أكثر من أي وقت مضى التركيز على السلاح النووي الإسرائيلي، والمطالبة بنزعه و إجبار إسرائيل على التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة غير التقليدية في أسرع وقت ممكن