محمد أسعد بيوض التميمي
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) } الاسراء:1 {
إن(القدس)هي بؤرة الصراع بين الحضارات المتعاقبة على منطقتنا منذ قبل التاريخ,فعندما جاء التاريخ نزل في(القدس)فوجد الحضارات تتصارع عليها,كل حضارة تريد أن تستخلصها لنفسها,ثم جاء الإسلام وحررها من الروم فهدأ الصراع عليهاإلى حين,ولكن بعد ستة قرون من الزمن تقريبا إشتعل الصراع من جديد,حيث عاد الروم الصليبيون الغربيون بخيلهم ورجلهم ليستخلصوها من المسلمين,وكانت عودتهم على شكل حملات عسكرية متتابعة بلغت حوالي خمس حملات على مدى مئتي عام,وكان شعارهذه الحملات الصليبية هوتحرير(القبر المقدس)في(القدس) من أيدي الوثنيين المسلمين حسب زعمهم,فكانت القدس هي محورالصراع وبؤرته في الحروب الصليبية الأولى قبل ثمانمائةعام,حيث إحتلها الصليبيون ما يقارب تسعين عاما إلى أن بعث الله البطل(صلاح الدين الأيوبي الكردي)فإستعادها منهم بعد أن هزمهم في(معركة حطين الخالدة)في عام 1187,ومن ثم جاء من بعده بمئة عام المملوكي(الخليل بن قلاوون)فقضى على الحملات الصليبية نهائيا في(معركةعكاالخالدة)والتي حصلت في عام 1291م الموافق 690هجري,وكان قدرالله بأن يستعيد المسلمون(عكا)من الصليبين في اليوم نفسه بالضبط والساعة نفسهامن عام587 هجري التي إحتلت به,وقبل مئة عام تقريبا وفي مطلع القرن العشرين عاد الصليبيون من جديد وكانت(القدس) هدفهم,ومنذ ذلك الحين و(القدس) في عين الإعصاروعنوان الصراع المحتدم بيننا وبين الغرب الصليبي الذي يشن علينا حرب صليبية جديدة قائمة منذ الحرب العالمية الأولى والتي يُشكل اليهود رأس الحربة فيها,حيث أول مرة في التاريخ يحدث(تحالف بين اليهود والنصارى,فمن المعروف أن جميع دول أوروبا النصرانية إضهدت اليهود,وهذا التحالف ليس له غاية وهدف إلامُحاربة المسلمين)فالكيان اليهودي في(فلسطين)ماهوإلا مشروع صليبي غربي ورأس حربة في مُحاربة المسلمين وأكبردليل على ذلك تصريح الجنرال البريطاني(اللنبي)قائد قوات الحُلفاءالصليبية في الحرب العالمية الأولى التي إحتلت(القدس)وهو يدخل(القدس)من(باب الخليل)وهوأحد(أبواب القدس)حيث صرح وهو على صهوة جواده ((الأن إنتهت الحروب الصليبية)) فهذا التصريح الذي لا زال يُدّوي في التاريخ ويستفز مشاعرالمسلمين يُوضح حقيقة المعركة,حيث قصد بتصريحه بأن المعركة الصليبية كانت مستمرة منذ أن حرر(صلاح الدين الأيوبي)القدس منهم بعد(معركةحطين)وهزيمته ل(ريتشارد قلب الأسد)إلى أن عادوا إلى إحتلالها مرة أخرى,وعندمادخل الفرنسيون دمشق بقيادة(الجنرال غورو)فأول عمل قام به(غورو)ذهابه الى قبر(صلاح الدين الأيوبي) في المسجد الأموي ووكزه بسيفة وبمنتهى الحقد قائلاً له(قم يا صلاح الدين فقد عدنا أخيراً).
ومنذ أن إستولت بريطانيا العظمى على فلسطين بدأت فوراً وضع(وعد بلفور)موضع التنفيذ والصادرعنهابتاريخ(2 /تشرين الثاني/ 1917)فإتخذت جميع الإجراءات التي تستهدف تنفيذ المشروع اليهودي في فلسطين فقامت بجلب اليهود الى فلسطين بأعداد كبيرة من شتى بقاع الأرض وأنشأت لهم الخلايا السرطانية (المغتصبات – الكيبوتسات: القرى الزراعية) ودربتهم وسلحتهم,ومن أجل توفير المناخ السياسي والجغرافي لنمو هذا المشروع وإستمراره قامت بترتيب المنطقة جغرافياوسياسيا،فجزئتها وشرذمتهاوحولتها إلى وحدات جغرافية بالمسطرة والفرجاربموجب ماعُرف ب(إتفاقية سايكس وبيكو)وجعلت من الأمة الواحدة شعوباً وقبائل متناحرة ومتلاعنة ومتباغضة حتى لا تقوم لها قائمة،ثمأنشأت جامعة الدول العربية لتحافظ على هذه الترتيبة الإستعمارية الخبيثة .
وهكذا تم غرس الشجرة الملعونة في(فلسطين) بأيدي صليبية غربية(دعاة الحرية وحقوق الإنسان) لتثمردماً وقيحاً وعذاباً وألاماً وثكالى وأرامل وضحايا وقهراً وظلمـاً وتشرداً وإضطهـاداً ومأساة بشرية لم يعرف التاريخ لها مثيـلاً, وهكذا كان(وعد بلفور) إعطاء من الذي لا يملك(الأنجليز) إلى من لايستحق(اليهود)ولقد حدث كل هذا في ظل فقدان أمتنا لإرادتها مماجعل عدوها يفرض عليها ما يريد ويدعي إدعاءات زائفة وباطلة ويطالب بما ليس له فيه أي حق تاريخي أوشرعي،فاليهود يدّعون بأن (فلسطين)هي(أرض الميعاد) حيث إنهم أقاموا في بعض أجزائها لمدة سبعين عاما قبل ثـلاثة ألاف عام,وأن(المسجد الأقصى)بُني مكان(هيكلهم المزعوم)وأن(القدس)هي عاصمتهم الأبديـة،وأن لامعنى لكيـانهم بدون(القدس)ولامعنى(للقدس)بدون الهيكل كما قال يوما(بن غوريون اول رئيس وزراء للكيان اليهودي)فهم يدّعون بأن(فلسطين هي مركز الكون,والقدس مركزفلسطين,والهيكل مركزالقدس,وقدس الأقداس هومركزالهيكل,وقدس الأقداس هوالتابوت الذي فيه الألواح التي نزلت على موسى عليه السلام).
ومقابل ذلك نجد وللأسف الشديد أن معظم من يفاوضون اليهود على(القدس)لم يركعوا لله ركعة ويعتبرون(المسجد الأقصى)بناء أثري تاريخي يجب وضعه تحت وصاية(اليونسكو)إحدى هيئات الأمم المتحدة المسؤولة عن الأثار,وهُم يعملون على مُحاربة البُعد الإسلامي(للقدس)لمصلحة البُعد الديني اليهودي المُزورويُبشرون بالهزيمة النهائية لأمتنا أمام المشروع اليهودي,وبأنه ليس أمامناإلا أن نقبل بالأمرالواقع كحقيقة غيرقابلة للتغيير،ويقولون بأن من الحكمة التسليم لليهود بحق شرعي وتاريخي في(القدس وفلسطين),فقسموا(فلسطين) الى قسمين,قسم أطلقوا عليه( فلسطين عام 1948)وتنازلوا به الى اليهود وهوثلثي مساحة(فلسطين) وقسم اطلقوا عليه(فلسطين 1967 وهو ما سُمي بالضفة الغربية وقطاع غزة)وقسموا (القدس)الى قدسين (قدس غربية)يعتبرونها من حق اليهود وهي تشكل( 80%)من مساحة(القدس)و(قدس شرقية)وهي من حقنا فهم يعتقدون إن تحرير كامل(فلسطين والقدس)وإعادتها للسيادة العربية الإسلامية مستحيل وليس من الموضوعية ولاالعقلانية ولايخدم السلام,فأين سيذهب خمسة ملايين يهودي؟؟ فالسلام من وجهة نظرهؤلاء هوما يحُقق إدعاءات اليهود الزائفة في (القدس وفلسطين).