الخبر الرئيسي: التوازنات الجديدة بعد تأليف الحكومة في لبنان

بات محسوما بعد اجتماع أركان المعارضة الليلة الماضية أن الملف الحكومي قطع شوطه ما قبل الأخير بتثبيت صيغة شبه نهائية لتمثيل المعارضة في حكومة الوحدة الوطنية و انطلاق البحث صباح اليوم لاستكمال التركيبة الوزارية بمشاورات داخل صفوف الموالاة حول الحقائب و الأسماء و قد حفلت الصحف الصادرة اليوم بتوزيعات و أسماء متشابهة بعدما باتت الوزارات المخصصة لفريق المعارضة معروفة مبدئيا : الطاقة و الصناعة و الاتصالات و الزراعة و التنمية الإدارية و السياحة و الخارجية و الصحة و الشباب و الرياضة .
الاجتماع وفق المعلومات تقرر مساء الخميس بنتيجة اتصالات بين أركان المعارضة و في حصيلة ما تم التوصل إليه مع الرئيس المكلف و نتيجة لحركة كثيفة من الاتصالات و المداولات التي قالت مصادر إعلامية و سياسية أنها جرت برعاية مباشرة من سوريا و المملكة السعودية على أعلى المستويات .
و قد اعتبر مصدر قيادي في المعارضة أنها أثبتت حرصها على الوفاق الوطني و أسقطت الاتهامات التي تناولتها و تناولت كلا من سوريا و إيران من جانب بعض أطراف قوى 14 آذار فقد برهنت الحصيلة على أن المعارضة كانت تفاوض موحدة و بأهداف لبنانية تتعلق بمعادلة الوفاق و التوازن الوطني من وجهة نظرها و دعا على هذا الأساس إلى معاينة التشكيلة الجديدة بروح الوحدة الوطنية و بقاعدة اللاغالب و اللامغلوب التي تحكم التشكيلة الحكومية بعيدا عن عقدة الربح و الخسارة .
أما عن المرحلة السياسية الجديدة بعد صدور مراسيم التأليف المتوقعة بين اليوم و الغد فإن المخاض الحكومي الطويل تكشف عن معادلات و توازنات سوف تميز المرحلة القادمة و هي كانت موضوعا لتحليلات و توقعات أوردتها الصحف الصادرة اليوم في بيروت :
أولا بات من المحسوم أن ما حملته نتائج الانتخابات حول مرجعية العماد عون كزعامة مسيحية أولى و متقدمة انطلاقا من جبل لبنان سيتكرس في الحكومة و صيغتها و في العلاقات السياسية بين أطرافها و قد استطاع العماد ميشال عون أن يدير التفاوض بصورة حالت دون تسجيل نقاط تضعف هذه الحقيقة و تحد من تأثيرها في الشكل و المضمون و هو ما عرضه عون في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط نشرته اليوم و من المعلومات أن الرئيس المكلف تلقى نصيحة سعودية رفيعة بالتقارب و الحوار مع العماد عون انطلاقا من كونه الشريك المسيحي الأبرز في الحكم مع الرئيس ميشال سليمان دون أن يفرط بعلاقاته مع القوات و الكتائب و لكن مع تحاشي خوض معارك ضد عون لحساب حلفائه المسيحيين لأنه كرئيس حكومة سيكون ملزما بأخذ مسافة نسبية عن التخندق السياسي و بالابتعاد عن المواقف التصادمية مع الكتل و الأطراف المشاركة في حكومته الأولى .
العين ستكون مفتوحة على مستقبل العلاقة الناشئة بين عون و الحريري خلال المرحلة المقبلة حيث لا تخفي دوائر القوات و الكتائب و قرنة شهوان مخاوفها الجدية من هذه الحصيلة التي راهنت على تجنبها منذ إعلان نتائج الانتخابات عبر التمسك بفكرة حكومة الغالبية .
ثانيا نوهت بعض الدوائر المقربة من الرئيس سعد الحريري بالتطور السريع في العلاقة مع الوزير سليمان فرنجية و هي تشير إلى أن العلاقة بين المستقبل و المردة سوف تشكل محورا سياسيا مهما في المعادلة السياسية و الحكومية المقبلة بعد التقارب الذي حققته الفصول الأخيرة من مسيرة التأليف الطويلة و يجد بعض المتابعين رغبة من الحريري في توثيق هذه الصلة لما تحمله من أبعاد لبنانية داخلية بالنظر لشراكة فرنجية الوثيقة مع عون و لدوره في تسهيل التفاهم مع الجنرال و كذلك لاعتبار يتصل بعلاقة فرنجية المتينة مع الرئيس بشار الأسد و كل من حزب الله و الرئيس نبيه بري .
ثالثا يتطلع الرئيس ميشال سليمان إلى الحكومة الجديدة على أنها أولى حكومات العهد و هي تطوي مرحلة انتقالية غلب عليها منطق فك الاشتباك بعد سنوات التصادم بين المعارضة و الموالاة و سيكون أمام إدارة جولتين من الحوار و التوافق من موقعه الدستوري و الوطني و هما ورشة البيان الوزاري و ورشة الحوار حول إستراتيجية الدفاع عن لبنان بالإضافة إلى رغبته في فتح ملفات إصلاحية عديدة إدارية و سياسية و دستورية عمل مع فريقه الخاص على إعداد تصورات بشأنها و بشأن مشاريع الحوار حولها داخل مجلس الوزراء الجديد و في هيئة الحوار الوطني .
رابعا سيكون الحدث المرتقب بعد التأليف و البيان الوزاري و الثقة النيابية هو الزيارة التي سيقوم بها إلى دمشق الرئيس سعد الحريري و التي يفترض أن تدشن مرحلة جديدة من العلاقات بين الدولتين و بمضمون ما نص عليه اتفاق الطائف بعد الأزمة السياسية الخطيرة التي ألحقت بلبنان أضرارا كبيرة .
و يرى بعض المحللين أن النائب وليد جنبلاط يستعد لانعطافة سياسية جديدة بعد زيارة الحريري للعاصمة السورية و هو يحضر أوراق المرحلة المقبلة على هذا الأساس استكمالا لما بدأه في خطاب 2 آب الشهير و لما ردده مرارا من أنه يعرف ما يجب أن يقوم به لمصالحة سوريا شعبا و قيادة .
سقف الرعاية السورية السعودية لمعادلة الوفاق اللبناني يتكرس بولادة الحكومة و بأسلوب جديد تتم المتابعة على أساسه من خلال خطوط وصل غير معلنة مع الأطراف المعنية للعمل على إنتاج التفاهمات من غير ضجيج و بدون صخب الموفدين و مواكب الوسطاء و هذا الأسلوب سمح في التجربة الأخيرة بمواكبة أسلم و أصعب للأمور و بطول نفس يترك هامشا واسعا للعبة اللبنانية المحلية و هذا الأسلوب صمم عليه الرئيس الأسد انطلاقا من رؤيته لمرحلة جديدة في العلاقة بين سوريا و لبنان يريدها بتقاليد و أصول جديدة ترتكز على العلاقة بين الدولتين و عبر مؤسساتهما .