الرابط : سياسة واخبار
بقلم:عادل الجوجري
كشفت الحرب الدائرة بين روسيا وجورجيا عن هزيمة جديدة ومرة للكيان الصهيوني ليس فقط على صعيد عدم قدرة السلاح الإسرائيلي على الصمود في مواجهة السلاح الروسي فى مسرح العمليات،وإنما أيضا لأن التمدد الاسرائيلي على حدود روسيا أصيب في مقتل، فالخبراء الصهاينة الذين دربوا الجيش الجورجي فوجئوا بتراجع ،بل تردي مستوى الجنود الجورجيين الذين تقهقروا في أكثر من منطقة في أوستيا وابخازيا وتركوا أسلحتهم للجيش الروسي الذي لم يلق مقاومة حقيقية ،ففي أبخازيا أكدت قوات الحكومة الانفصالية أنها "حاصرت تماما" الجنود الجورجيين المتمركزين على مرتفعات ممرات كودوري، حيث عزز الجيش الروسي وجوده بتعزيزات ضخمة بلغت 9000 جندي مدعومين بالمدرعات،وجرت مفاوضات لفك الحصار عن الجنود الجورجيين بدلا من الاقتتال ،الأمر الذي ترك علامات استفهام قوية حول مايتردد عن كفاءة الخبراء الاسرائيليين ومهاراتهم في التدريب على حرب العصابات وحرب المدن والمواجهات داخل مساحات ضيقة، لاسيما وان القوات الروسية احتلت مدينة جوري الجورجية الواقعة على بعد 60 كلم غرب العاصمة تبليسي بدون قتال وفق ما أعلن سكرتير مجلس الأمن الجورجي ألكسندر لومايا، مشيرا إلى أن القوات الجورجية تلقت أوامر بالانسحاب من جوري وتحصين المواقع القريبة من متسخيتا (24 كلم عن تبليسي) للدفاع عن العاصمة.
وهناك 1200خبير عسكري اسرائيلي في جورجيا ضمن بروتوكول تعاون عسكري شمل صادرات اسرائيلية لجورجيا بقيمة 5مليارات دولار،بدأت عام 2003 وتنتهي في 2009وربما تؤدي النتائج الحالية للحرب وخاصة هزيمة السلاح الاسرائيلي الى تراجع جورجيا عن استيراد المزيد من الاسلحة الرئيسية التي ثبت عدم فعاليتها في المعارك الأخيرة,وإن كانت صحيفة"هآرتس" فسرت الأمر على طريقتها وقالت "أن تل ابيب تنوي تجميد بيع السلاح الإسرائيلي إلى جورجيا، خشية تزويد روسيا فى المقابل أسلحة إلى دول عربية وإيران، مما سيجعل تفوق إسرائيل العسكرى فى خطر".
خامس مصدر للسلاح
كانت إسرائيل حتى عام 2002 خامس دولة مصدرة للأسلحة في العالم بفضل الزيادة الهائلة في مبيعاتها كما أعلنت وزارة الحرب الإسرائيلية.
وبلغت قيمة صادرات الأسلحة الإسرائيلية 8.4 مليارات دولار في العام 2002، أي بارتفاع نسبته 70% تقريباً مقارنة بالعام السابق عندما سجلت هذه المبيعات 5.2 مليارات دولار.
وبفضل هذا الارتفاع الكبير أصبحت إسرائيل خامس دولة مصدرة للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والبرازيل وفقاً للوزارة.
لكن مع أخذ الاتحاد الأوروبي كله فإن إسرائيل لا تأخذ بالحسبان في هذا التصنيف دولاً أوروبية مختلفة قد تأتي على أساس فردي أمامها مثل بريطانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا والمانيا وجميعها منتجة ومصدرة للأسلحة، ولا تشير أيضاً إلى الصين.
واعتبر الخبير الإسرائيلي في شؤون الدفاع الجنرال المتقاعد أبراهام روتيم أن السبب الرئيسي لهذه القفزة هو أن أسواقاً جديدة نشأت بعد أحداث الحادي عشر من 2001وباتت دول عدة تشعر بالحاجة إلى تحديث قواتها لمواجهة التهديدات في كل الاتجاهات.وتستحوذ سوق التصدير على 75% من مبيعات الصناعة العسكرية في حين تستحوذ السوقعلى 25%فقط،مايعني أن تصدير الاسلحة يقف على رأس جدول الصادرات الاسرائيلية،فمالذي تغير مع حرب روسيا-جورجيا؟
طائرات بدون طيار
أولا: هناك خيبة أمل اصابت سلاح الجو الاسرائيلي فقد اشارت "يديعوت احرنوت" ان القيادة الجوية الاسرائيلية فوجئت بأن الطائرات الروسية أسقطت في اليوم الأول للقتال أربع طائرات جورجية من دون طيار مستوردة من اسرائيل ،وهي الطائرة "هرمزـ450"، من إنتاج شركة "البيت" لإنتاج الأسلحة،التي كانت اسرائيل تعتبرها متقدمة جدا ،واعتمدت على خبرات اميركية ،ويصعب رصدها واسقاطها بسهولة نظرا لما تتمتع به من اجهزة اليكترونية عالية الكفاءة للتشويش على الطائرات المعادية، وتستطيع البقاء فى الجو طوال 20 ساعة متوالية، والتحليق بسرعة 170كم فى الساعة، وحمل معدات بوزن 150 كم للتصوير والاتصال وتحديد أهداف بواسطة أشعة الليزر،ويتوقع الخبراء أن تتأثر عقود تصدير هذه الطائرات خاصة الى الهند التي تعاقدت على شراء طائرات من هذا النوع بقيمة مليار ونصف مليار دولار،تسلمت منها 9طائرات وتنتظر تسلم 11طائرة اخرى.
صفقة الميركافا
لقد تعرضت صناعة الاسلحة الاسرائلية الى نكسة كبيرة بعد حرب لبنان ،وفشلت محاولتها- فى العام الماضي -عقد صفقة ضخمة تتضمن بيع 200 دبابة من طراز "مركافا-4 "لجورجيا، لكن لم تصادق الحكومة الجورجية على عقد هذه الصفقة،بعد ان تعرضت الميركافا الى هزيمة في جنوب لبنان أمام صواريخ حزب الله المضادة للدروع ،رغم ان جورجيا اشترت من اسرائيل 150دبابة ميركافا3و2 خلال الاعوام الخمسة الماضية ،وتفاخر العسكرية الإسرائيلية بالدبابة ميركافا محلية الصنع باعتبارها الأكثر تأمينا لحياة طاقمها بين مختلف طرازات الدبابات في العالم، وتارة يتغنى العسكريون الإسرائيليون بأنها الأكثر "تدريعا ومنعة" أمام المقذوفات المضادة للدبابات، والأقدر بين الدبابات على المناورة والعمل في ظروف بيئية صعبة.
وفي معرض تفسيرها لسقوط أسطورة الميركافا أبرزت مجلة "سترات فور" الأمريكية المعنية بالشئون العسكرية في متابعاتها للحرب الجورجية 9-8-2008 أن الصواريخ المضادة للدبابات التي يستخدمها الجيش الروسي وهي نسخة مطورة من الصاروخ ميتيس "أظهرت فيما يبدو تأثيرا على أحدث دبابة قتال رئيسية لدى جيش الدفاع الإسرائيلي وهي ميركافا-4لكن هذه المواصفات القتالية التي تبدو بالفعل قياسية من الناحية النظرية، لم تثبت كفاءتها أمام ضربات مقاتلي حزب الله،الذين استخدموا صواريخ "تاو"الفرنسية المطورة ولا المقاتلين في اوستيا وابخازيا حيث أحصى المراقبون تدمير 17دبابة جورجية في أيام قليلة.
احباطات جورجية واسرائيلية
1-لقد القت هزيمة القوات الجورجية ظلالها على وزارة الدفاع غير أن أبرز من تأثر بالهزيمة كان ، وزير الدفاع دافيد كرزاشفيلي المسؤول الاول عن التعاون مع اسرائيل ، وهو يهودى سكن بالماضى فى تل أبيب ، حيث ولد فى جورجيا وهاجر كصبى مع جدته إلى إسرائيل ،وعاد وحده إلى العاصمة الجورجية تبليسي قبل أربعة أعوام فقط ، وظل والداه فىتل ابيب ،ويعتبر من المقربين الى ايهود بارك وزير الدفاع الاسرائيلي ،وقد خصص كرزاشفيلي مجهودات كبيرة من أجل الإعداد للمواجهات مع روسيا، ولهذا حصل على مساعدة خبراء عسكريين إسرائيليين.
2-تعرض التجار الاسرائليون الذين باعوا الاسلحة لجورجيا وكونوا ثروات طائلة للهزيمة مرتين خلال عامين ومنهم جال هيرش، وهو ضابط أجبر على التنحي من الجيش فى أعقاب الانتقادات التى وجهت إليه فى حرب لبنان الثانية(يوليو 2006) كقائد لفرقة الجليل، وهو حالياً أحد مالكي شركة الاستشارات العسكرية ، ويعتبر من اهم الخبراء الذين ساهموا في بناء الجيش الجورجي وإعادة تسليحه من النمط الروسي الشرقي الى النمط الغربي الاسرائيلي ، بالإضافة إلى قيامه بإعطاء دورات مختلفة في مجال الاستخبارات القتالية، والقتال في المناطق السكنيةوالمثير أن هيرش كان قد شكل وحدات عسكرية مختارة فى الجيش الجورجى، على غرار وحدات النخبة الاسرائيلية التي هزمت في جنوب لبنان ويبدو ان الوحدات الجورجية لم تكن اسعد حظا . والمدهش هو ان الذي باع هذه الطائرات لجورجيا هو الجنرال احتياط يسرائيل زيو الذى كان قائد قوات المظليين فى حرب لبنان الأولى وقائد لواء المظليين وقائد فرقة غزة إبان الانتفاضة الثانية، وترأس فى منصبه الأخير فى الجيش قسم العمليات فى رئاسة هيئة الأركان، وهو يعمل حالياً رئيس شركة استشارات عسكرية، وكان يعمل مستشاراً عسكرياً فى جورجيا.
3-لعل أكبر المستفيدين من هزيمة القوات الجورجية –بعد روسيا طبعا- هم القادة العسكريون في طهران ،إذ أن أحد السيناريوهات التي تداولها الإعلام الإسرائيلي لضرب المنشآت النووية الإيرانية كان يعتمد على استخدام الأراضي الجورجية في الانطلاق لهذه المهمة، على اعتبار أن هناك حدودا مشتركة بين جورجيا وإيران،مما يختصر المسافة ولايجبر الطائرات الاسرائيلية على التزود بالوقود من الجو ،ويبدو أن اسرائيل ستعيد النظر مجددا في هذا السيناريو الذي أصيب في مقتل.