5) الأوضاع الثقافية:
كانت الأوضاع الثقافية في الجزائر صورة حية لسياسة التجهيل التي انتهجتها السلطات الاستدمارية منذ1830، متوخية منذ البداية القضاء على الثقافة العربية الإسلامية تمهيدا لدمج الجزائريين في الكيان الفرنسي (1) فكان التعليم الفرنسي مثلا -كما يقول مالك حداد- يؤكد في مدارس الجزائر بأن أباء الجزائريين "من أصل فرنسي، وكانوا ينعتون العرب بأنهم عديمو الوفاء" وهذا كله من أجل تحقيق هدف واحد صوره المفكر الفرنسي جون بول سارتر في كتابه" عارنا في الجزائر" لوحة أخرى من محاولات الاستدمار للقضاء على الشخصية الجزائرية العربية فيقول : " ولكننا على كل حال، أردنا أن نجعل من إخواننا المسلمين شعبا من الأميين و بلغ عدد الأميين اليوم 80 % ".(2)
كما عملت الإدارة الفرنسية على إضطهاد المدرسين والطلبة منذ بداية الغزو فتعرض بعضهم إلى القتل والبعض الآخر إلى النفي، حتى كادت تختفي الطبقة المثقفة في المرحلة الأولى بصفة خاصة، وفي المقابل أوجدت مؤسسات فرنسية أقيمت خصيصا للمجموعة الفرنسية منها المدارس الفرنسية العربية(3) les écoles franco-arabes التي ظهرت ابتداء من سنة 1950 في كل من قسنطينة والجزائر العاصمة وتلمسان ووهران .(4)
وكان المعمرون يقفون ضد أي مبادرة يمكن أن توجه لإنعاش الثقافة الوطنية، بل كانوا يعارضون بشدة تعليم الجزائريين وفي هذا الصدد صرح الحاكم العام " فلورين تيرمان" (1882-1891) قائلا : " إن التجربة دلت على أن الأهالي (الجزائريين) الذين أعطيناهم تعليما كاملا سوف يطالبون بحقوقهم المهضومة التي طالما عملت السلطات الفرنسية على إخفائها عنهم "، فكانت تخوفاتهم تكمن في المواجهة الشديدة للجزائريين، إذ تعلموا وأدركوا حقوقهم وأكثر من هذا فإن تعليم الجزائريين –حسب المعمرين- سيجعلهم أقل طواعية وطاعة لهم.(5)
ـــــــــــــــــ
(1) تركي، التعليم القومي، ص88
(2) عبد العزيز شرف، المقاومة في الأدب الجزائري المعاصر، ط1(دار الجيل، بيروت، 1991) ص35
(3) المدارس الفرنسية العربية هي مدارس مزدوجة الثقافة ( اللغة الفرنسية والعربية وكذا الشريعة) أنشأتها فرنسا للمترجمين والموالين لها. للمزيد انظر: سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص66
(4)Fanny colona, les instiutions algériens 1883/1939 (O.P.U , Alger..) p16
(5) ناصر، الصحف العربية الجزائرية، ص09
وكان التعليم مقتصرا على أبناء الشخصيات الأرستقراطية من أجل الاعتماد عليهم كإطارات متوسطة لمساعدتها في تسيير الشؤون الجزائرية، وكان التخوف من تعلم أبناء الجزائريين جليا وظاهرا عند كافة الفرنسيين وفي هذا الصدد يقول أحد المسؤولين الفرنسيين: " أن فتح مدرسة في منطقة آهلة بالسكان الجزائريين لا يقل شأنا عن قيمة فرقة من الجيش لتهدئة البلد ".
ولقد عبر الزعيم المصري "محمد فريد" أثناء زيارته للجزائر عام 1901 عن الوضع الثقافي المزري الذي أضحى عليه المجتمع الجزائري بقوله: "...إن حالة التعليم في الجزائر سيئة جدا، ولو استمر الحال على هذه المنوال لحلت اللغة الفرنسية محل العربية في جميع المعاملات، بل ربما لا تدرس العربية بالمرة مع مضي الزمن، فلا الحكومة تسعى إلى حفظها ولا هي تدع الأهالي يؤلفون الجمعيات لفتح المدارس، لمنعها أي إجتماع خوفا أن تشتغل جمعياتهم بالأمور السياسية، وهي حالة تخالف ما عرف به الفرنسيون من أنهم رجال العلم والنور والحرية ." ويستمر قائلا : "هجرت ربوع العلم وخربت دور الكتب وصارت الديار مرتعا للجهل و الجهلاء وكادت تدرس معالم اللغة العربية الفصحى، وتطرقت إلى اللغة العامية الكلمات الأجنبية، بل أصبحت اللغة الفرنساوية هي لغة التخاطب في العواصم مثل وهران قسنطينة وعنابة وغيرها."(2)
ولقد ترتب عن سياسة التجهيل المتبعة من سلطات الاحتلال، آثارا وخيمة حيث تدهورت الثقافة العربية الإسلامية، وانحط المستوى التعليمي للجزائريين، إذ لم تتعد نسبة المتعلمين سنة 1903 م نسبة 4,8% بينما بلغت نسبة المتعلمين الأوروبيين 84% وهو فرق مهول يعكس مبلغ الكارثة وحجم المأساة التي لحقت بالحياة الثقافية للمجتمع الجزائري.(3)
ـــــــــــــــــ
(1) بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر، ص179
(2) أحمد الخطيب، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأثرها الإصلاحي في الجزائر (م.و.ل ،الجزائر، 1985) ص64
(3) خمري، المرجع السابق، ص18
إن الوضعية المزرية للثقافة العربية الإسلامية مع مطلع القرن العشرين لا يمكن تفسيرها فقط لكون العائلات الجزائرية قد ترددت في إرسال أبنائها إلى المدارس الفرنسية التي إقتصرت على تعليم اللغة الفرنسية وحضارتها، إذ رأوا فيها وسيلة خطيرة لفرنسة أبنائهم، واعتقد بعضهم بأن تعليم لغة النصارى كفر وضلال، ومن هنا قاطعوها مقاطعة شديدة وإنما أيضا بسبب سياسة التجهيل التي سلكتها السلطات الاستدمارية في البلاد والتي بلغت اشد صورها في اللائحة التي صوت عليها المعمرون في المؤتمر الذي عقدوه بالجزائر العاصمة سنة 1908م والتي طالبو فيها الإدارة الاستدمارية إن تعيد النظر في التعليم النظري،فتجعله تعليما تقنيا فلاحيا،حتى تلبي حاجياتهم من اليد العاملة المتخصصة في الميدان الفلاحي (1)
وبالرغم من وصول شارل جونار في بداية القرن العشرين إلى منصب الوالي العام على الجزائر والمعروف بتشجيعه لإحياء الثقافة المحلية بقيت السياسة الاستدمارية تجاه التعليم العربي الإسلامي على نفس نهجها ولم تخرج عن إطارها العام الذي رسم لها، وهو محاصرة المدارس العربية بالقوانين فحسب ما جاء في القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 26/12/1904 م فانه يحظر على كل جزائري إن يفتح أو يتولى إدارة مدرسة عربية أو كتاب لتعليم القرآن الكريم إلا بترخيص من الإدارة الفرنسية (2)
ومما لا شك فيه أن حالة الجزائر من الناحية الثقافية تعتبر سيئة للغاية نظرا للضغوط المتزايدة والعنيفة التي تعرض لها الشعب الجزائري طيلة قرن من الاضطهاد محاولا تحطيم شخصيته القومية وتجريده من أهم وأخطر أسلحة المقاومة المعنوية التي جعلته يحتفظ بكيانه العربي والإسلامي ودخل الاحتلال في صراع وحرب شنها على اللغة العربية و الثقافة حتى أصبحتا غريبتين في بلدهما وبين أهلهما،وانفردت اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية بالميدان حتى أن بعض الجزائريين أصبحوا يخشون على لهجة الحديث العامية أن تندثر في البلاد لكثرة ما شابها من كلمات فرنسية دخيلة تسربت إلى ألسنة الجزائريين بسب سيطرة اللغة الفرنسية على شؤون الإدارة والتعليم ووسائل الإعلام ،ومختلف الأنشطة الثقافية (3)
ـــــــــــــــــ
(1) ناصر، الصحف العربية الجزائرية، ص09
(2) حلوش، المرجع السابق، ص97
(3) تركي، التعليم القومي، ص94
كما لم تسلم الجزائر العاصمة كغيرها من المدن الجزائرية الأخرى من سياسة المسخ الاستدماري، وأضحت العاصمة نموذجا حيا للتغريب الثقافي وأصبحت اللغة العربية مقتصرة على بعض العائلات المحافظة غير الميسورة التي رفضت الانسلاخ عن الكيان العربي الإسلامي، وخلال سنة 1927م وصف شاهد عيان الهجين اللغوي الذي أصاب سكان العاصمة بقوله:"لم يكن الجزائري يشعر في العاصمة عند الوصول إليها انه في منزله وعقر بيته .إذا كان القوم في الأحياء الشعبية يتكلمون فيها لغة هجينة من مفردات عربية واسبانية وفرنسية ، أما في الأحياء الأخرى فيتكلمون اللغة الفرنسية "(1)
ويتحدث ابن باديس عن هذه الفترة من الحياة الثقافية حيث شاهد:"هذا القطر قريبا من الفناء ليست له مدارس تعلمه وليس له رجال يدافعون عنه ويموتون عليه،بل كان في اضطراب دائم مستمر....كان أبناؤنا يومئذ لا يذهبون إلا إلى المدارس الأجنبية التي لا تعطيهم غاليا من العلم إلا ذلك الفتات الذي يملأ أدمغتهم بالسفا سف حتى إذا خرجوا منها خرجوا جاهلين دينهم ولغتهم وقوميتهم وقد ينكروها ".(2)
كما عرفت الجزائر في مستهل القرن العشرين على الساحة الثقافية اكتشافا جديدا تمثل في النهضة، بحيث لجأت الجزائر الفتاة إلى النشاطات الاجتماعية والثقافية لمعارضة الحكم الفرنسي، وبوحي من النهضة خلق الجزائريون للأول مرة صحافة ونواد وجمعيات إصلاحية ونادوا بالتحرر عن طريق التعليم، وقد بدأوا لأول مرة أيضا يحاولون كتابة تاريخ أجدادهم ويبعثون الحياة في وثائق مغطاة بالغبار في لغتهم الوطنية وهكذا فقد شهد العقد الأول من هذا القرن نشاطات حية قادها كل من المحافظين والنخبة.(3)
ـــــــــــــــــ
(1) مريوش، الطيب العقبي، ص113
(2) الخطيب، المرجع السابق، ص64
(3) سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص133
هذه الحركة الفكرية لم تنشأ من فراغ بل ترجع من إلى عدة عوامل نورد أهم نقاطها بإيجاز :
* صحوة المشرق العربي ودعوة السيد جمال الدين الأفغاني(1) ومحمد عبده(2) للنهضة الإسلامية التي لها أنصار وأتباع في الجزائر لأنها منبثقة من دعوة حركة الجامعة الإسلامية.
* دخول بعض الصحف والمجلات الشرقية إلى الجزائر، رغم الرقابة الشديدة التي تمارسها السلطة الاستدمارية عليها منها: المنار (3) التي كانت لسان حال الحركة العبدوية ومدرسة إصلاحية متنقلة كذلك مجلة العروة الوثقى التي يقدم أفكارها جمال الدين الأفغاني وكان دورها توعية المسلمين.(4)
* زيارة الشيخ محمد عبده إلى الجزائر سنة1903م قبل وفاته بسنتين وتكلم أمام الجزائريين عن الإصلاح الإسلامي والنهضة في الشرق الأدنى وألقى محاضرات ودروس وقد تركت زيارته هذه انطباعا راسخا إستمر طويلا في عقليات بعض الشخصيات الراسخة كما مثلت زيارته عاملا حاسما في انتعاش الحركة الفكرية الإسلامية في الجزائر.(5)
* نشأة ونمو النخبة الجزائرية المتمثلة في جماعة النخبة وكتلة المحافظين التي تتكون من العلماء وأهل الدين والمرابطين، وكذلك المحاربين القدامى وكان بعض هؤلاء المصلحين يؤمنون بالجامعة الإسلامية و ينادون بنشر التعليم والتقدم والتسامح.
* من الأسباب الهامة أيضا ظهور شخصية بارزة هو شارل جونار الحاكم و الوالي العام للجزائر والخبير بالشؤون الجزائرية والذي طالب بمعاملة الجزائر كمستعمرة خاصة وكان من الداعين إلى المحافظة على التقاليد وأعراف الجزائريين، كما عرفت الجزائر في ظل سياسته أجواء جديدة سمحت للنهضة الجزائرية أن تبرز بمظاهر عدة.
* عودة بعض المثقفين الجزائريين من المشرق العربي الذين لعبوا دورا بالغ الأهمية في بعث اليقظة العربية والإسلامية بالجزائر في القرن العشرين وكان أفراد هذه البعثات العلمية هم الطليعة التي نهضت بالجزائر نهضتها العربية الكبيرة. (6)
ـــــــــــــــــ
(1) جمال الدين الأفغاني (1838/1897) أحد الأعلام البارزين في عصر النهضة العربية وأحد دعاة التجديد الإسلامي، ولد بأسعد أباد و بها تعلم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم، سافر إلى الهند عام 1869 ثم إلى مصر عام 1870، أصدر جريدة العروة الوثقى بباريس عام 1883 كما ساهم في الثورة العرابية
(2) محمد عبده (1849/1905) ولد بقرية محلة نصر بمصر ، التحق بالأزهر سنة 1866م ، تحصل على شهادة العالمية 18/77م كما ساهم في
الثورة العرابية أسس مع الأفغاني العروة الوثقى كما أسس جمعية الإحياء له عدة مؤلفات: رسالة التوحيد، الإسلام والنصرانية، إصلاح المحاكم الشرعية
(3) المنار: جريدة أسبوعية أنشّأها رشيد رضا سنة 1897 وحولها في عامها الثاني إلى جريدة شهيرة صدر منها 35 مجلدا وعرفت باتجاهها الديني الإصلاحي، اشترك في تحريرها شكيب
أرسلان ومصطفى صادق الرافعي وكان إنشاء المنار قصد الدعوة إلى الإصلاح الإسلامي بجميع أنواعه ولا سيما الديني بإصلاح التربية والتعليم. للمزيد أنظر: شفيق غربال، الموسوعة
العربية الميسرة (دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1965) ص1209
(4) مياسي، المرجع السابق، ص128
(5) سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص115
(6) مياسي، المرجع السابق، ص- ص 129-131
كما نجد أن هذه النهضة برزت في مظاهر يمكن إيجازها فيما يلي:
* ميلاد الحركة الصحفية الجزائرية كما يسميها عمر راسم (1) بصاحبة الجلالة أي الصحافة التي هي ترجمان الأمم، و هي أعظم واسطة يبلغ نفعها مصادر الخدمة العمومية، ووظيفتها هي أكبر الوظائف في الإسلام، لأنها أحكم الوسائل و أقوم السبل لتربية الشعوب و ترقية الأمم و هي الباعثة في عقول الأحرار روح الفضيلة و اليقظة حيث عرفت الجزائر الصحف العربية في فترة مبكرة إلا أن هذه الصحافة كانت إستدمارية ثم ما أن لبثت أن أصبحت وطنية مع مطلع القرن العشرين ببروز عناوين مثل : كوكب إفريقيا 1907، الجزائر 1908، المسلم 1909،الإسلام 1910، الحق الوهراني 1912، الفاروق 1912، ذو الفقار1913، و بظهور الصحافة العربية في الجزائر ظهرت أقلام عالية فيها أفكار وطنية مستنيرة مهدت ليقظة سياسية تمثلت في الحركة الوطنية الجزائرية .(2)
* إحياء و بعث التراث الفكري و الحضاري للشعب الجزائري ، حيث عرفت بداية القرن العشرين دعوة للنهوض بالإحياء الثقافي و مخاطبة العقل و بناء الذات و البحث عن الذاكرة، فظهرت عدة دراسات كتبها جزائريون سلطت الأضواء على قضايا الجزائر التاريخية، و منها تأليف ابن عمار سنة 1902م و ابن مريم سنة 1907م و الرحلة الورتلانية سنة 1908م و موسوعة الشيخ الحفناوي (3) سنة 1907 بعنوان : " تعريف الخلف برجال السلف" (4)
كما ساهم الشيخ العلامة محمد ابن أبي شنب (5) في نشر بعض المخطوطات و ترجمة بعضها إلى الفرنسية فقدم على التوالي : الرحلة إلى الحجاز، أربع معاجم لسير العلماء و الأولياء ، كما ترجم لأكثر من 360 عالما مغربيا، كما لا ننسى الدور الذي اضطلعت به المطبعة الثعالبية في نشر المصاحف بالخط المغربي و كتب التراث التاريخي و الديني منعها كتاب " الجواهر الحسان لتفسير القرآن " (6)
ـــــــــــــــــ
(1) عمر راسم (1884/1959) تلقى تعليمه بالمدرسة الثعالبية اشتغل بجريدة المبشر 1898، كما راسل عدة صحف، التحق بجريدة الحق سنة 1912 وبعدها بسنة أسس جريدة ذو الفقار، وبعد
سنة 1923 توجه نحو فن المنمنمات ويعتبر مؤسس المدرسة الجزائرية في هذا الميدان، من آثاره مخطوط علماء الجزائر للمزيد أنظر: سعيدوني و بوعمران، المرجع السابق، ص- ص 231-233
(2) مياسي، المرجع السابق، ص. ص . 143.144
(3) أبو القاسم الحفناوي (1852/1943) مفتي المالكية بالديار الجزائرية ولد بالديس و بها تعلم ثم انتقل إلي زاوية طولقة ومنها إلي زاوية الهامل، ثم انتقل إلي العاصمة عام 1883
وتولي الكتابة بجريدة المبشر كما درّس بالجمع الكبير، عين مفتيا علي الجزائر 1927 له عدة كتب: تعريف الخلف برجال السلف.
(4) مريوش، ظروف ومعالم اليقظة الجزائرية،ص27
(5) محمد بن أبي شنب: أديب وباحث معروف بعدد من الدراسات اللغوية والأدبيةولدسنة1869 بالمدية و بها تعلم كما عين أستاذا بالمدرسة الثعالبية فأستاذا بجامعة الجزائر تحصل
علي دكتوراه دولة 1922 توفي سنة 1929م.للمزيد أنظر: سعيدوني و بوعمران ،المرجع السابق ، ص307
(6) مياسي، المرجع السابق ص. ص.141 .142
كم أرسى الشيخ مبارك الميلي رؤية جديدة لمدرسة تاريخية وطنية بتأليفه لموسوعة بعنوان " تاريخ الجزائر في القديم و الحديث "و بعمله هذا أقلق الدوائر الفرنسية باعتراف كتابهم و تجلى ذلك في كتابات المستشرق جوزيف ديبارمي الذي اعتبر حركة الإحياء التاريخي التي عرفتها الجزائر تعد بحق نهضة فكرية سياسية . (1)
* ظهور زعماء مصلحين إما متأثرين بدعوة الإصلاح في المشرق و إما متأثرين بفكرة الحداثة و العصرنة من خلال الحضارة الأوربية و هم كوكبة من المفكرين المصلحين نورد بعضا منهم فنجد الشيخ عبد القادر المجاوي (2) أحد قادة الإصلاح المحافظين بمدينة الجزائر أيضا الشيخ عبد الحليم بن سماية (3) بالإضافة إلى زعيم كتلة المحافظين المولود بن الموهوب (4) الذي كان له دور كبير في النهضة الجزائرية من خلال نشاطه و تدريسه و نشره لمقالات اجتماعية و ثقافية في الجرائد و المجلات آنذاك، و منه ولدت الحركة الإصلاحية خلال العشرينيات و الثلاثينيات بقيادة الشيخ عبد الحميد بن باديس و زملائه العلماء كالبشير الإبراهيمي والطيب العقبي و الأمين العمودي و محمد العيد آل خليفة و العربي التبسي و مبارك الميلي و غيرهم .(5)
ـــــــــــــــــ
(1)مريوش، ظروف ومعالم اليقظة الجزائرية،ص27
(2) عبد القادر المجاوي (1848/1914) ولد بتلمسان ودرس بطنجه و تطوان ثم جامع القرويين ثم عاد إلي الجزائر عام 1876 عين مدرسا ثم خطيبا بجامع سيدي رمضان ومن آثاره
مقالات أدبية وتربوية واجتماعية نشرتها جريدة كوكب إفريقيا ومجموعة من الكتب المدرسية مات مسموما في قسنطينة للمزيد أنظر: سعيدوني و بوعمران، المرجع السابق،ص- ص.473-475
(3) عبد الحليم بن سماية(1866/1933) ولد بالجزائر لأبوين تركيين تربي في مصر، وفي سنة 1896 بدء التدريس فأصبح أستاذا بالمدرسة الثعلبية كاتب له علاقة مع محمد عبده من آثاره:
فلسفة الإسلام وله مقالات عددية نشرة بكوكب إفريقيا والإقدام للمزيد أنظر: سعيدوني و بوعمران، المرجع السابق،ص- ص . 283-285
(4) المولود بن الموهوب (1866/1935) ولد بقسنطينة ومن أبرز أعماله نادي صالح باي، عينته الإدارة الفرنسية أستاذا للدراسات الإسلامية بمدرسة سيدي الكتاني، كما عين مفتيا
للمذهب المالكي سنة 1908 نشر مقالات في كوكب إفريقيا والصديق والإقدام
(5) مياسي ، المرجع السابق ، ص- ص.134-138
* ميلاد المسرح الجزائري بزيارة بعض الفرق من مصر للجزائر في البداية، ثم جاءت فرق أخرى بقيادة جورج أبيض عام 1918م، في حين هناك من يرجع نشأة المسرح الجزائري إلى نشاط الأمير خالد في فرنسا خلال حضوره بعض المسرحيات سنة 1910م، و احتك بجورج أبيض الذي أعطاه ثلاث مسرحيات جاء بها الأمير خالد سنة 1911م إلى الوطن و شجع على تأسيس و تشكيل الجمعيات المسرحية مثل : الجمعية المسرحية بالمدية ، و فرقة مسرحية بالعاصمة برئاسة قدور بن محي الدين الحلوي و غيرها . (1)
* إنشاء النوادي و الجمعيات الوطنية الجزائرية ذات الأهداف الاجتماعية و الثقافية و السياسية، و كانت هذه المراكز تؤدي وظيفة المدرسة و التربية و التوجيه ، و كانت عبارة عن خلوة للأحاديث السياسية السرية الخطيرة، و ملتقى اجتماعي و رياضي للتدريب على ممارسة الإسعافات الأولية و كذلك نادي للكشافة ...إذا فهي مقرات للنشاط الثقافي الذي يتدحرج تدريجيا إلى أن يصبح حركة سياسية .(2)
و لعل أسماء هذه النوادي و الجمعيات تدل دلالة قاطعة على الأهداف و المرامي التي تأسست من أجله مثل : الجمعية التوفيقية ، الرشيدية ، الصادقية ، نادي صالح باي ، نادي الترقي ، نادي التقدم .(3)
ـــــــــــــــــ
(6) مريوش، ظروف معالم اليقظة الجزائرية،ص.ص32 .33
(7) مياسي ، المرجع السابق ، ص139
(
مريوش، ظروف معالم اليقظة الجزائرية ،ص34
5-1- بداية ظهور النوادي والجمعيات:
تعتبر الجمعيات والنوادي الثقافية في الجزائر وليدة بداية القرن العشرين وقد تزامنت مع ظهور حركة الشباب الجزائريين، فعلى غرار الجمعيات الثقافية والعلمية التونسية كالخلدونية (1896م) و الصادقية (1905م) ظهرت في الجزائر في البداية جمعيات مختلطة أهلية (1) بالإضافة إلى هذا فإن بروز هذه الجمعيات في هذا الوقت بالذات يعود بدون شك إلى توفر بعض العوامل المناسبة في بداية هذا القرن ويتمثل ذلك أساسا حسب علي مراد في وجود الحاكم العام شارل جونار الذي انتهج سياسة تمثلت في تشجيعه للخدمات الاجتماعية وللدراسات العربية، أما تاريخ ظهور هذه الجمعيات والنوادي فيعود إلى نهاية القرن الماضي وذلك بتأسيس أول جمعية تعاونية سنة 1897م في مدينة الجزائر، تحت رئاسة السيد علي الشريف، إلا أن هذه الأخيرة لم تقم بدورها كما يجب وذلك لعدم مبالاة مجلسها الإداري وبقية أعضائها.(2)
ومما لاشك فيه أن الجزائريين أرادوا اقتفاء الطريق الذي سارت عليه المجموعة الأوروبية والاستفادة من التشريع الجديد الذي صدر 01 جويلية 1901م وهو قانون ينظم تأسيس الجمعيات الثقافية والخيرية صدر بفرنسا وأصبح ساري المفعول بمستدمراتها، (3) لذا نراهم يندفعون في إقامة وإنشاء الجمعيات بمختلف أنواعها لملأ الفراغ الذي أحسوا به والذي كانت تعيشه المجموعة الجزائرية ومن هنا جاء ميلاد العديد من الجمعيات الثقافية والخيرية والرياضية التي كانت تظهر بين الحين والآخر وانتشرت في كل القطر الجزائري.(4)
5-2- أهم الجمعيات والنوادي التي ظهرت قبل الحرب العالمية الأولى:
الجمعية الرشيدية : أول جمعية حقيقية برزت إلى الوجود سنة1908م وهي جمعية ودادية لقدماء تلاميذ المدارس العربية الفرنسية لمدينة الجزائر وقد أسست سنة1894م من طرف السيد سروري (مدير مدرسة أهلية بنفس المدينة) (5) هدفها تقديم معونة لأعضائها خاصة تشجيعهم على التعلم، كان للرشيدية عدة فروع في أنحاء الجزائر وكان فرع مدينة الجزائر يضم 251 عضوا سنة1910م.(6)
ـــــــــــــــــ
(1) Ageron ,op.cit,p103
(2)أحمد صاري، شخصيات وقضايا من تاريخ الجزائر المعاصر( المطبعة العربية،- غرداية- الجزائر، 2004) ص.ص108. 109
(3) تركي، التعليم القومي، ص39
(4) سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص162
(5) صاري، المرجع السابق، ص 109
(6) سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2،ص162
وكانت تضم بين أعضائها أشخاصا مثل : ابن التهامي والدكتور ابن بريهمات بالإضافة إلى بعض الأعضاء الشرفيين من الفرنسيين.(1)
الجمعية التوفيقية : تأسست هذه الجمعية سنة 1908م بالجزائر العاصمة، وتم تجديدها سنة 1911م كانت جمعية تهدف إلى جمع أولئك الجزائريين الذين يرغبون في تثقيف أنفسهم وتطوير أفكارهم العلمية والاجتماعية (2) وكان الدكتور ابن التهامي بلقاسم رئيسا لهذه الجمعية وكل من السيدين صوالح محمد أستاذ بثانوية الجزائر وبرانكي محمد المدرس نائبين له. (3)
جمعية الطليعة: أول جمعية رياضية أسسها الشبان هي جمعية الطليعة وذلك سنة 1895م وقد تكونت من خريجي المدارس الفرنسية من أطباء ومعلمين وكان أبرزهم الدكتور بن تهامي ومحمد صوالح، أما عن أهدافها فتتلخص في تكوين النشء الجديد تكوينا سليما وإظهار جدارة وقدرة العنصر الجزائري في جميع أنواع الرياضة ، ولعلهم بهذا العمل أرادوا إبراز إمكانية الشبان وقدراتهم الفكرية والجسمية، أمام خصومهم الأوربيين على الرغم من تسلط المستوطنين وتقييد الحريات العامة بالنسبة للعنصر المسلم.(4)
نادي صالح باي 1907م : تأسس عام 1907 في قسنطينة باسم الدراسات الأدبية و العلمية و الاقتصادية و الاجتماعية، كان يرأسه موظف فرنسي يدعى أريب وعضوية ابن الموهوب و مصطفى بشطارزي و محمد ابن باديس و غيرهم(5)
بلغ أعضاء النادي سنة 1910م (1700عضو) منهم 500عضوا مسجلون للدراسة بينما كان عدد أعضائه سنة 1908م (700عضو) وكانت له فروع كثيرة في عدد من المدن الجزائرية.(6)
ـــــــــــــــــ
(1) صاري، المرجع السابق، ص111
(2) Archives de la préfecture d’Alger, dossier n° =231
(3) Ibid, n° =231
(4) خمري، المرجع السابق،ص104 (5) Ageron ,op.cit,p1034
(6)Mahfoud kaddache, histoire du nationalisme,tome 02(S.N.E.D,Alger,1981) p75
5-3-جمعيات ونوادي ما بعد الحرب العالمية الأولى:
* الجمعية الودادية للتلاميذ المسلمين بشمال إفريقيا:
تأسست هذه الجمعية في 19 مارس 1919 في الجزائر العاصمة متشكلة من السادة بلقاسم حبيلس (1) الطالب في الحقوق رئيسا لها، الحاج بن سمايا طالب في العلوم نائبا له، الجيلالي بن تهامي طالب في الطب كاتبا لها(2) والقصد من تكوينها هو الدفاع عن مصالح الطلبة ومساعدة التلاميذ المحتاجين (3)
* جمعية الأخوة الجزائرية:
تأسست بمدينة الجزائر سنة 1922م مشكلة من السادة الأمير خالد رئيسا لها والدكتور بن تهامي والدكتور بلعربي نائبان له، كان هدف تأسيسها البحث على الوسائل للدفاع وتحسين أحوال المجتمع الجزائري المادية والمعنوية والفكرية والاقتصادية والسياسية، برنامجها السياسي المتمثل في القيام بعمل مضاد بلا استكانة أو ضعف من الإجحاف والجور وعدم المساواة (4)
5-4-تطور الجمعيات والنوادي الثقافية خلال العشرينيات :
بانتهاء الحرب العالمية الأولى وعودة السلم، عرفت الجزائر تطورا كبيرا في الذهنيات، ذلك أن المئات من الجزائريين بمشاركتهم في الحرب الكبرى كجنود في ساحة المعركة أو كعمال في المصانع قد اطلعوا على أفكار جديدة وعلى الحياة الأوربية، كما أنهم كانوا يأملون من خلال هذه المشاركة الحصول على بعض الحقوق السياسية والمدينة التي كانوا يطالبون بها منذ بداية هذا القرن بالإضافة إلى ذلك فانه بإنهاء الحرب رجع العديد من الطلاب الجزائريين من المشرق أو من تونس أين كانوا يواصلون تعليمهم وكان أغلب هؤلاء قد اطلعوا وتأثروا بحركة النهضة والإصلاح التي كانت قد غيرت مجرى حياة هذه الشعوب، ودون شك أنهم سيعملون على نشر الأفكار الإصلاحية بمختلف الوسائل الممكنة ومن بينها تأسيس الجمعيات والنوادي وفتح المدارس للتعليم.(5)
ـــــــــــــــــ
(1) بلقاسم حبيلس: من أبرز عناصر حركة الشبان الجزائريين تولي وظيفة القضاء بعد حصوله على الدكتوراه في القانون وهو من المثقفين القلائل الذين برزوا في هذه الحركة
(2) Archives de la préfecture d’Alger, dossier n° =231
(3) Mahfoud kaddache,la vie politique à Alger de 1919/ 1939
(S.N.E.D,Alger,1970) p58
(4)Ibidem
(5) صاري، المرجع السابق،ص.ص115 116
والحق أن النوادي قد لعبت دورا كبيرا في ظهور الصحافة وذلك بإتاحتها للنخبة مجالا للاجتماع وتبادل النقاش، كما عرفت الصحافة من جهتها بهذه النوادي والجمعيات ونشاطاتها المختلفة وكانت واسطة ما بين أعضائها ومن بين أهم النوادي التي ظهرت خلال فترة العشرينات نادي السعادة (1925) بقسنطينة، وهو هو من تأسيس الطبيب بن زرقين و اشتهرت تلمسان خلال هذه الفترة بنادي الشبيبة الإسلامية (1921) ويذكر المدني أن هذا النادي كان خاصا الكراغلة وكانت عداوة بينه وبين ناد آخر، ولا يذكر اسمه وهو خاص بالعرب الحضر واشتهرت مستغانم بنادي الإتحاد الأدبي الإسلامي (1925) وكان لهذا النادي توجه وطني، فقد كان يلتقي بأعضاء نجم شمال إفريقيا(1).(2)
وإذا كانت العشرينات لم تشهد ظهور نوادي وجمعيات كثيرة، فإنها بالمقابل شهدت تأسيس أشهر ناد في تاريخ الجزائر الحديث وهو نادي الترقي الذي كان له دور أساسي في الحركة الوطنية لكونه شكل منارة ثقافية ومركز إشعاع حضاري ذو بعد عربي وإسلامي.(3)
ـــــــــــــــــ
(1) نجم شمال إفريقيا: أنشئ في مارس من سنة 1926 في باريس، وكان يضم ممثلين من أقطار بلدان المغرب العربي الثلاثة وعين الأمير خالد رئيسا شرفيا له في حين كان رئيسه الفعلي الحاج علي عبد القادر تهدف هذه الجمعية إلي مساعدة مسلمي شمال إفريقيا علي الحياة في فرنسا، فهو جمعية نقابية عمالية ركزت جهودها حول الطبق العاملة ثم ما لبث أن أصبح حزبا سياسيا جزائريا بقيادة مصالي الحاج.للمزيد أنظر:أحمد مريوش، دراسة حول: الاتجاه الاستقلالي في الحركة الوطنية الجزائرية " نجم شمال إفريقيا نموذجا 1926/1937 " المدرسة العليا للأساتذة(غير منشورة، الجزائر، 2007)ص20
(2) صاري، المرجع السابق، ص116
(3) نفسه ص117