تعتبر الفترة الممتدة من سنة 1900/1930 فترة تحول هام في تاريخ و كفاح الجزائر و نضالها ضد الاحتلال الفرنسي ، حيث شهدت ظهور روافد جديدة للكفاح ضد الاستدمار بعد أن اقتنعت بأن الاٍعتماد على المقاومة المسلحة غير المنظمة،والوسائل العسكرية البسيطة،لم يكن كافيا وحده لتحرير البلاد وإجبار سلطات الاٍحتلال على الرضوخ لمطالب الشعب الجزائري، فكان من أهم وسائل الكفاح الجديدة التي اعتمدت عليها الحركة الوطنية مع نهاية القرن19م وبداية القرن العشرين الجمعيات، والنوادي الثقافية التي أنشأتها وطورت من نشاطاتها.
ومنه يمكن اعتبار مطلع القرن العشرين بمثابة تحول تاريخي في مسار الحركة الوطنية الجزائرية، إذ تمثل هذه المرحلة عمرا جديدا للجزائريين سواء فيما يخص السياسة الفرنسية المنتهجة في الجزائر وكذا وضعية الجزائريين في مختلف الميادين حيث شهد هذا التحول ميلاد، أو إعادة ميلاد وبعث التراث الفكري، والحضاري للأمة الجزائرية فعرفت الجزائر النهضة التي كانت بمثابة النواة الأولى لظهور الأحزاب السياسية التي برزت بوادرها الأولى مع نهاية الحرب العالمية الأولى.
ومما لاشك فيه أن هذه الحركة لم تنطلق من فراغ وإنما جاءت نتيجة ظروف سياسية واجتماعية وثقافية فجرت الوضع للخروج من مرحلة الكفاح المسلح الذي ساد القرن19م، فأوقف دور البندقية ليحل محلها القلم وأسلوب البعث الحضاري، والوعي الفكري ضمن النضال السياسي الذي بلور تيارات الحركة الوطنية.
وقبل التطرق إلى الوسائل والأساليب المنتهجة في مواكبة هذه المرحلة الجديدة ودورها في خدمة القضية الوطنية والحركة الإصلاحية على وجه الخصوص علينا أولا أن نسلط الأضواء على الأوضاع التي كانت تعيشها العاصمة قبل ظهور الجمعيات والنوادي الثقافية.
1- الأوضاع السياسية:
كان للسياسة الفرنسية في الجزائر منذ الاحتلال سنة1830، ثلاثة أهداف:
الأول: جعل الجزائر مدينة فرنسية بكل ما يعنيه ذلك من أبعاد.
الثاني: هو طمس التاريخ والشخصية الوطنية الجزائرية وإزالتها من الاعتبار.
الثالث: قهر أي نوع من أنواع المقاومة التي يمكن أن تزعج أمن فرنسا في الجزائر واستخدام كل الأساليب والوسائل للوصول إلى ذلك الهدف(1).
وسعيا منها لتجسيد تلك السياسة الرامية إلى بسط نفوذها بالجزائر،عمدت إلى إصدار جملة من القوانين، و الإجراءات الممهدة لمشروعها الاستيطاني الذي يسمح لها بابتلاع الجزائر وجعلها جزءا لا يتجزأ من فرنسا . (2)
ففي22جويلية 1834 ، أصدرت الحكومة الفرنسية قرارها المشهور،الذي اعترف بالاحتلال كحقيقة واقعة وأن الجزائر أرض فرنسية وأنشأت لذالك منصب حاكم عام لإدارة الممتلكات الفرنسية في إفريقيا الشمالية ، وأتبع هذا القرار بتصريح دستور 1948م الذي نص على أن الجزائر جزء مكمل لفرنسا، ومن ناحية أخرى أكدت الحكومة الفرنسية دعمها المادي والمعنوي للمعمرين للاستقرار في هذه الأرض الشاغرة حسبها(3).
ومع بداية الإمبراطورية الثانية بزعامة "نابليون الثالث " (1852-1870 ) خضع الأهالي إلى قوانين استثنائية وفي مقدمتها قانون مجلس الأعيان sénat use consutte الذي صدر في 14جويلية1865.وذلك في عهد الحاكم العام مكماهون (1864-1870) وقد نص على منح الجزائريين الجنسية الفرنسية بشرط تخليهم عن أحوالهم الشخصية الإسلامية (4)
وفي عهد الجمهورية الثالثة (1870-1930) قامت الحكومة الفرنسية أيضا بإصدار تشريعات جديدة تخدم المصالح الفرنسية والأوروبية من بينها قرار إنشاء منصب حاكم عام مدني، وقرار أخر يلحق الجزائر بفرنسا وذلك عن طريق دمج شؤونها في مختلف الوزارات الفرنسية بباريس بالإضافة إلى قانون كريميو Cremieux الذي صدرفي14أكتوبر1870
و الذي منح الجنسية الفرنسية ليهود الجزائر دون مطالبتهم بالتخلي عن أحوالهم الشخصية(5)
ــــــــــــــــــ
(1) أبو القاسم سعد الله ، أبحاث و أراء في تاريخ الجزائر ، ج2، ط2 ، ( دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1998 ) ص89
(2) عمار بوحوش ، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962م ، ط1 ،( دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1997 ) ص198
(3) يحي بوعزيز ، سياسة التسلط الاستعماري و الحركة الوطنية1830/1954م ،ط1 ، ( د . م .ج ، الجزائر ، 1991 ) ص24
(4) أبو القاسم سعد الله ، الحركة الوطنية الجزائرية ، 1900/1930،ج2.ط3.( دار الغرب الإسلامي بيروت 1992 ).ص20
(5) بلاح البشير ، موجز تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر 1830/1889م ( دار المعرفة .الجزائر،1999) ص53
و إلى جانب هذه القرارات سنت قوانين أخرى كان أهمها قانون الإدماج Assimilation
الذي يعني في قاموس السياسة الفرنسية إلحاق الجزائر بفرنسا وجعلها مقاطعة من مقاطعاتها
وقد شرع في تطبيق هذه السياسة بعد مرسوم 30جوان1870م،حيث قسمت الجزائر إلى ثلاث
ولايات في الشمال ( الجزائر- قسنطينة – وهران )، كانت تابعة إداريا لوزارة الداخلية الفرنسية، وقد تعززت القوانين الاستثنائية الفرنسية بقانون الأهالي Code de Lindegenat
الذي صدر سنة1881م في عهد الحاكم العام ألبرت قريفي وتدعم سنة 1886م في عهد
تيرمان (1882-1891) ومن خلاله أعطيت للسلطات الاستدمارية صلاحيات استثنائية
مما كرس المزيد من الهيمنة على الجزائريين (1)
كما نجد أن الجزائريين كانوا محرومين من حقوقهم السياسية، ومجردين بشكل سافر من ممتلكاتهم ويشدد عليهم الخناق في كل المجالات، و نجد المعمرين يتمكنون في العقد الأخير من القرن 19م من إقناع الحكومة المركزية بإعطاء الجزائر نوع من الحرية في تسيير شؤونها بنفسها بسبب اختلاف الوضعية الداخلية لسكان الجزائر عن وضعية سكان فرنسا (2)
وفعلا فقد كانت لسكان الجزائر ميزانية خاصة مستقلة ابتداء من سنة1900م يسيرها المجلس المالي الذي أنشأ سنة1889م، وأصبح الحاكم العام هو الذي يتخذ القرار النهائي لتنفيذ مقترحات المجلس المالي، مما زاد من قوة المعمرين في التحكم في مصير الشعب الجزائري
والهيمنة على الميزانية، التي تعد الركن الأساسي في تسيير نظام الدولة (3)
هذه القوانين و المراسيم الاستثنائية الفرنسية كانت بمثابة تحد أبداه الفرنسيون للجزائريين و قد تولدت عنه ردود فعل مختلفة من المقاومة الجزائرية(4)إذ عاشت الجزائر خلال العقد الأول من القرن العشرين فترة غنية بالأحداث السياسية (الداخلية)، كان لها الأثر الكبير في نمو الوعي الوطني عند الجزائريين وتبلوره على شكل مقاومة وطنية، حيث وقفوا ضد قرارات
الإدارة الفرنسية في سنة1907م الذي يقضي بفصل الدين عن الدولة، في حين طبقت الحكومة هذا القرار على الدين المسيحي، والدين اليهودي، و جعلتهما منفصلين عن الإدارة
وأبقت الدين الإسلامي مرتبطا بها بدعوى أنه لا يمكن فصل الجانبين الروحي والدنيوي
في الإسلام (5)
ــــــــــــــــــ
(1)عبد المجيد بن عدة ، مظاهر الإصلاح الديني و الاجتماعي ، رسالة ماجستير(غير منشورة ، جامعة الجزائر ، 1993) ص10
(2)صالح العقاد ، المغرب العربي ( الجزائر .تونس.المغرب ) ط3 ، ( المكتبة الأنجلو مصرية ، القاهرة ، 1969) ص71
(3)فرحات عباس ، ليل الاستعمار ، تعريب : أبو بكر رحال ،( مطبعة المحمدية ، المغرب ، 2002) ص95
(4)أبو القاسم سعد الله ، الحركة الوطنية الجزائرية 1830/1900م ،ج1 ، ط1، ( دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1992) ص107
(5)عبد الرحمن بن إبراهيم العقون ، الكفاح القومي والسياسي من خلال مذكرات معاصر 1920/1936 ،ج1 ،( م . و . ل ،الجزائر ، 1984) ص24
كما وقفوا ضد قانون التجنيد الإجباري (1) الذي صادق عليه المجلس الفرنسي سنة 1912فكان دافعا للوطنيين للإعلان عن موفقهم من هذا القانون ، و لما وجدوا أنفسهم عاجزين عن مقاومته نشطت الهجرة نحو البلاد الإسلامية في هذه الفترة بعدما عرفت الجزائر حركة مماثلة في أواخر القرن 19م ، و ذلك نتيجة عدم تقبل السياسة الفرنسية من جهة ، و الدعاية القومية الإسلامية من جهة أخرى.(2)
و في هذا الصدد كتبت صحيفة الشرق الجزائري في عددها الصادر بتاريخ : 18 جوان 1871 مقالا فحواه ضرورة إبعاد الجزائريين ( المسلمين ) إلى الصحراء ، وورد في جريدة صدى وهران في عددها الصادر بتاريخ : 29 جوان 1871 مقالا يطالب فيه صاحبه بضرورة القضاء على نفوذ و قوة الجزائريين ( المسلمين ) ، و عدم السماح لهم بأن يعملوا أو ينشطوا في أي ميدان كان ثقافيا أو سياسيا .(3)
و في خضم هذه الأحداث المستجدة على الساحة الجزائرية ، وكذا استمرار الإدارة الفرنسية في ضرب الحصار حول أبناء الجزائر لإبقائهم بعيدا عن معرفة الواقع المر المفروض على البلاد منذ أن وضع الاستدمار أقدامه على أرضها ، فظهرت مجموعة من الجزائريين عشية القرن العشرين كانت تدعوا إلى إصلاح الأوضاع والاهتمام بالسكان،
و يرجع ظهور هذه الفئة بصورة خاصة إلى سياسة فرنسا التعليمية بالجزائر، فمنذ البداية عمل أرباب السياسة والتربية الفرنسيين على عزل الجزائريين عن الثقافة الجزائرية الإسلامية، ومنحهم مقدارا محدودا من الثقافة الفرنسية (4).
وقد انقسمت هذه الجماعة التي حملت مشعل المقاومة السلمية ضد الاحتلال الفرنسي إلى
جماعتين، الأولى تعرف بجماعة المحافظين والأخرى جماعة النخبة Lélite (5)
تتكون مجموعة المحافظين من بعض رجال الدين والمحافظين المثقفين (خريجي المدارس القرآنية والمدارس الفرنسية العربية،وكذا جامعات من الشرق الأدنى والبلاد العربية الأخرى) وقد قاد هذه الجماعة مجموعة من الشخصيات أهمها: عبد القادر المجاوي، سعيد بن زكري، عبد الحليم بن سماية، حمدان بن الونتيسي ومولود بن موهوب (6)
ــــــــــــــــــ
(1) مرسوم 03فيفري 1912م يقضي بتجنيد الشبان الجزائريين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19 و 20 سنة و ذلك للدفاع عن فرنسا بدون أن تمنحهم هذه الأخيرة الحقوق السياسية التي تصحب أداء الواجب العسكري . للمزيد أنظر: بوحوش ، التاريخ السياسي للجزائر، ص210
(2) عبد الرحمن بن محمد الجيلالي ، تاريخ الجزائر العام ، ج4 ، ط7 ، ( د . م . ج ، الجزائر ، 1994 ) ص331
(3) بوحوش ، التاريخ السياسي للجزائر ، ص20
(4) عبد القادر حلوش ، سياسة فرنسا التعليمية في الجزائر 1870/1914م ( شركة الأمة للطباعة و النشر ، الجزائر ، 1999) ص210
(5) محمد الشريف واشف ، أصول الحركة الإصلاحية في الجزائر 1900/1914م ، رسالة ماجستير ، ( غير منشورة ، جامعة الجزائر ، 1982) ص11
(6) سعد الله ، الحركة الوطنية الجزائرية ، ج2 ، ص135
ويتلخص برنامج المحافظين في عدة مبادئ أهمها : الإصلاح داخل الإطار العربي الإسلامي ورفض التجنس و التعليم الفرنسي الإجباري، و المطالبة بتنظيم المدارس العربية و المساواة في الحقوق السياسية، و عدم التدخل في العادات و التقاليد المحلية (1)
أما جماعة النخبة أو المثقفين ( المنافسة لجماعة المحافظين ) فقد كانت تضم الشبان المتخرجين من الجامعات الفرنسية، الذين أسسوا ما يعرف بحركة الشبان الجزائريين (2)
و قد ظهرت هذه الحركة مع مطلع القرن العشرين في حين كان النضج الفكري لدى الشبان قد تغير وتبلور مع نهاية القرن التاسع عشر، وبداية العقد الأول من القرن العشرين، بالإضافة إلى أن مطالب هذه الحركة الشبانية لم تبرز إلى الوجود بشكل حقيقي إلا مع بداية سنة 1900م (3) ، وقد قاد هذه الحركة مجموعة من الشبان منهم : أحمد بوضربة (4) بن بريهمات أحمد (5)، الطيب مرسلي (6)، محمد بن رحال، وكان لهؤلاء دور كبير وفعال في التعبير عن المطالب الإصلاحية للحركة الشبانية والتي كان أهمها :الحصول على مقاعد في البرلمان الفرنسي،والسماح لهم بالمشاركة في الانتخابات المحلية،الاعتراف بالشخصية الجزائرية، المساواة في دفع الضرائب، وإلغاء قانون " إنديجينا " وكافة الإجراءات الاضطهادية (7)
ــــــــــــــــــ
(1)الجيلالي ، المرجع السابق ، ص384
(2)حركة الشبان الجزائريين تنظيم سياسي أسسه رجال النخبة للمطالبة بحقوق وطنهم وشعبهم بدأ نشاطه منذ 1892م باتصاله مع السيد جول فيري الذي استمع لانشغالاته، كما قام هذا التنظيم بنشاط ثقافي هائل في المدن الكبرى و أنشأو جريدة المشعل سنة 1904م واجه وعارض فكرة التجنيد الإجباري. للمزيد انظر: بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر ص201.
(3)CHARLES Robert Ageron , les algériens musulmans et la France (1871/1919),T1.(P.U.F., Paris 1968).p64.
(4) أحمد بوضربة: ولد سنة 1968م بالعاصمة، تحصل على الجنسية الفرنسية، تقلد عدة مناصب منها قيادة الوفد المدافع عن حقوق الأهالي سنة 1908م ومحامي في محكمة الاستئناف بالعاصمة كان عضوا قياديا في حركة الشبان الجزائريين. للمزيد انظر: عبد القادر جغلول، الاستعمار والصراعات الثقافية في الجزائر، ترجمة: سليم قسطون، ط1(دار الحداثة، بيروت، 1984) ص 39
(5) ابن بريهمات أحمد : ولد بالعاصمة ودرس بالمدرة السلطانية قبل إلغائها عام 1870م، تخرج منها مترجما عسكريا طالب بإجبارية التعليم ومجانيته للجزائريين، كما يحسب من رواد الفئة الاندماجية. للمزيد أنظر: أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، ج6، ط1(دار الغرب الإسلامي، بيروت 1998) ص249 .
(6) الطيب مرسلي: ولد بوهران سنة 1956م، تعلم بالثانوية العربية، تقلد عدة مناصب منها أنه كان عضوا قياديا في حركة الشبان الجزائريين بمنطقة قسنطينة. للمزيد انظر: سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي،ج6،ص252.
(7) عمار بوحوش، العمال الجزائريون في فرنسا-دراسة تحليلية-(ش.و.ن.ت.الجزائر،1975) ص93
كما عرفت الجزائر في هذه الفترة نفس جديد والمتمثل في تشكيل الوفود وتقديم العرائض (المطالب) فقد شهدت سنة 1908م إعلان النخبة عن ميلاد نواة هامة جمعت عناصر فاعلة تدعى "لجنة الدفاع عن صالح المسلمين الجزائريين" وكان من أبرز عناصرها قائد النخبة اللائكية الشريف حبيلس، وعمر بو ضربة والحاج موسى وابن التهامي، وكانت هذه الجماعة السباقة للأخذ بمثل هذه المبادرة بفرض الدفاع عن الجزائريين وذلك لغياب التمثيل الشرعي الوطني باستثناء المحاولات اليتيمة التي بادر بها بن رحال (1) ومن ثم صح القول أن مبادرة النخبة في العاصمة كانت ترعى مصالحها أولا قبل مصالح الجزائريين (2)
كما نجد أن في سنة 1912م قد تأججت الأوضاع وكثرت العرائض الداخلية فيها ولاحت في الآفاق الإضرابات و بدأت حركة الاحتجاجات والاضطرابات، وحينها سعت النخبة كعادتها إلى المبادرة والبحث عن مخرج لهذه الوضعية الحرجة والمتأزمة التي لم تكن في صالح فرنسا ولا في صالحها هي باعتبارها صاحبة الامتيازات ولذلك نشطت الحركة الشبانية، التي أطلقت على نفسها حركة الجزائر الفتاة وأحيانا بحركة الشباب الجزائري (3)
وترجع أول عرائض النخبة إلى 27ماي 1912م، بحيث بعثت عريضة إلى الحكومة الفرنسية والمجلس الوطني احتوت على جملة من المطالب على رأسها ’قانون التجنيد الإجباري’ الذي جاء معاديا للديمقراطية وكذا مدة الخدمة العسكرية وتعويض الأهالي و إلغاء قانون الأهالي...الخ (4)، ثم نجد أن حركة الشباب الجزائري قد تمكنت من التوصل إلى تشكيل وفد يضم مجموعة من الأسماء المعروفة آنذاك أمثال : بن رحال، التهامي والحاج سعيد و بوشريط علاوة والدكتور موسى وغيرهم ومثلت هذه الوجوه مناطق مختلفة من الجزائر وسافر الوفد في رحلته الثانية إلى باريس وقدم عريضته التي تخرج في محتواها عن العريضة الأولى (5)
ــــــــــــــــــ
(1) محمد بن رحال( 1857-1928) علم من الأعلام الجزائرية البارزة في مجال الفكر التنويري خلال الفترة الممتدة من أواخر القرن19م إلى أوائل القرن20م دافع عن مصالح الجزائريين كما دعا إلى ضرورة تعميم التعليم في وقت مبكر 1987م ، قدم دراسة حول تطبيق التعليم العمومي في البلدان العربية سنة 1983م كما طالب بتدريس اللغة العربية سنة 1921م . للمزيد انظر: محمد أرزقي فراد، الجهود السياسية للمثقف سي محمد بن رحال، جريدة الشروق اليومي، العدد2192، (08جانفي2008 ) ص24
(2) أحمد مريوش، دراسة حول: ظروف ومعالم اليقظة الجزائرية 1870/1914م، المدرسة العليا للأساتذة (غير منشورة، الجزائر، 2007)ص24.
(3) يحي بوعزيز ، الاتجاه اليميني في الحركة الوطنية من خلال النصوص1912/1948م،ط1، (د.م.ج، الجزائر،1991) ص23
(4) بن العقون ، الكفاح القومي و السياسي ، ج1، ص 36
(5) سعد الله ، الحركة الوطنية الجزائرية ، ج2 ، ص449
وفي عام 1913م تمكن قادة حركة الشبان الجزائريين من التفاهم والتحالف مع شخصية جزائرية مرموقة على الساحة السياسية الفرنسية والمتمثلة في شخصية الأمير خالد (1) بن الهاشمي حفيد الأمير عبد القادر الذي كان بدوره يطالب بإصلاحات سياسية على نظام الحكم في الجزائر كما قام بدور إيجابي فيها حيث تقرر يوم 02أفريل 1914 تشكيل الاتحاد الفرنسي الإنديجيني (الجزائري) الذي كان القصد منه إقامة تعاون بين العرب وفرنسا وسار الأمير خالد على نفس النهج الذي كانت تتبعه حركة الشبان الجزائريين، فطالب بالتعليم للمسلمين وتمثيلهم في المجالس المحلية، وفي البرلمان الفرنسي، وإلغاء القوانين الاستثنائية التي كانت تطبق على المسلمين فقط، وطالب كذلك بحماية العمال الجزائريين في فرنسا (2)
والحق أن الأمير قد اتضحت مطالبه السياسية أكثر ما بين (1919-1922)، ونادى ببرنامج إصلاحي قائم على فكرة المساواة وأخذ الجنسية الفرنسية،التخلي عن الأحوال الشخصية الإسلامية كما أسس جريدة الإقدام (3) التي تعد أول جريدة عربية تصدر في الجزائر تمثل هذه الروح الوطنية الخالصة، ولذلك فلا غرابة أن نجد الأمير يربط بين جانبي الدين والوطن ، بل اعتبر أن صمود الجزائريين في وجه الاحتلال و استماتتهم في المقاومة مردها إلى المقوم الديني الذي ضمن بقاء الشخصية الإسلامية عبر العصور التاريخية وبالخصوص منذ الاحتلال الصليبي للجزائر في صائفة 1830م، ومن هنا برز الأمير خالد لا كزعيم سياسي فقط و لكن كمدافع غيور على الإسلام، والظاهر أن حماسة الأمير خالد السياسية وجرأته في طرح القضايا الوطنية مكنته من استمالة النخبة المعتدلة وكذا رئاسته للوفادة التي قدمت في حدود 1919م جملة من المطالب الوطنية إلى الرئيس الأمريكي ويلسون خلال انعقاد مؤتمر الصلح بباريس عقب انتهاء الحرب العربية الأولى (4)
ــــــــــــــــــ
(1) ولد الأمير خالد بن الهاشمي بن الأمير عبد القادر بمدينة دمشق بسوريا فيه 20 فيفري 1875م و بها تربى و حفظ القرآن الكريم ، انتقل مع والده إلى الجزائر و بها تابع دراسته الابتدائية و منها التحق بباريس و حصل بها على شهادة بكالوريا علوم ، التحق بالمدرسة العسكرية سان سير عام 1892م دون رغبة منه ففرضت عليه الإقامة الجبرية مع عائلته في بوسعادة ، جند في الحرب العالمية الأولى و أعفي منها سنة 1915م ثم تقاعد سنة 1919م ساهم في ميلاد الصحافة و المسرح ، نفي سنة 1923م إلى سوريا و بها توفي سنة 1936م .للمزيد أنظر : أحمد مريوش ، دراسة حول : حركة الأمير خالد السياسية 1919/1925م و دورها في إرساء دعائم القضية الوطنية ، المدرسة العليا للأساتذة ،( غير منشورة ، الجزائر ،2007) ص- ص 1-7
(2) بوحوش ، التاريخ السياسي للجزائر ، ص. ص 206.207
(3) الإقدام (1919/1923م) أصدرها الأمير خالد في فيفري 1919م بمعية زملائه كالصادق دندان و الحاج عمار و كانت ناطقة بالفرنسية ، و بعد انقسام النخبة أصبحت تصدر بالعربية و الفرنسية و تولى الأمير الإشراف على القسم العربي .للمزيد أنظر : محمد ناصر ، الصحف العربية 1843/1939م(ش . و . ن. ت ، الجزائر ، 1980) ص49
(4) : أحمد مريوش ، دراسة حول : حركة الأمير خالد السياسية 1919/1925م و دورها في إرساء دعائم القضية الوطنية ، المدرسة العليا للأساتذة ،( غير منشورة ، الجزائر ،2007) ص – ص ، 7 - 25
و الجدير بالذكر هنا أن حركة النخبة قد عرفت قبل إجراء انتخابات سنة 1919 انشقاقا كبيرا يرجع إلى أن الأمير خالد بعد تفرغه من العمل العسكري و اهتمامه بالقضايا السياسية كشف عن توجهاته الوطنية النابعة من الذات الإسلامية و كمعارض لتوجهات النخبة المغربة التي يتزعمها الدكتور ابن التهامي (1)، و من ثم لاح في الأفق تياران تيار الأمير الإصلاحي المنتسب إلى جماعة النخبة المحافظة و تيار ابن التهامي المنتسب إلى التيار الليبرالي المفرنس الذي رضع من لبن فرنسا و تغذى من فتات موائدها، و بالفعل نجد أن الأمير يفوز في هذه الانتخابات المحلية و التي تعد بداية تحول في تاريخ النخبة الجزائرية التي انشطرت إلى نخبة وطنية بزعامة الأمير خالد و الحاج موسى، ونخبة اندماجية بزعامة ابن التهامي و ولد عيسى(2)
كما أن وجود شخصية شارل جونار (3) على رأس الإدارة الفرنسية كان له دور إيجابي السياسية الفرنسية ولو بشيء القليل حيث عين على رأس الولاية العامة للجزائر أول مرة سنة 1900م، كان من الدعاة المؤمنين بأن سياسة الإدماج التي أتبعت تجاه (الأهالي) إلى حد الآن كان مآلها الفشل بسبب المقاومة الشديدة التي أظهروها حفاظا على مقوماتهم الوطنية الإسلامية و يعتبر جونار الشخصية الفرنسية الوحيدة التي استطاعت حتى ذلك العهد أن تعطي لنفسها وجها من السياسة المرنة المعروفة بتعاطفها مع الاتجاه العربي الإسلامي في الجزائر ، بعد أن برهنت سياسة البطش والقمع طيلة سبعين سنة (1830/1900) على فشلها وعقمها ، وعجزها على فتح قلوب الجزائريين ، وإن فتحت أراضيهم (4) لذا انتهج جونار سياسة جديدة اعتقد أنها سوف تحقق الأهداف الاستدمارية التي ترمي حكومة فرنسا إلى تحقيقها في هذه البلاد منذ بداية إستدمارها فعمل جونار على إتباع سياسة في الميدان الثقافي تنطلق من الأسس التالية :
ــــــــــــــــــ
(1) أبو القاسم ابن التهامي (1873/1937م) ولد بمستغانم و بها تعلم ثم انتقل إلى العاصمة و منها إلى فرنسا ، درس الطب و تخرج كأخصائي في طب العيون ، تزعم حركة الشبان الجزائريين، دخل في صراع مع الأمير خالد حول عدة قضايا خاصة التجنيس ، كما يحسب على التيار الاندماجي تقرب من السلطات الفرنسية و تعامل معها ، أصدر جريدة التقدم له عدة أنشطة اجتماعية أكما ألقى محاضرات بنادي الترقي انسحب من الحياة السياسية سنة 1931م .للمزيد أنظر : ناصر الدين سعيدوني و الشيخ بوعمران ،معجم مشاهير المغاربة ، ( جامعة الجزائر ، الجزائر ، 1995) ص - . 114 – 116
(2) مريوش ، حركة الأمير خالد السياسية ، ص10
(3) شارل جونار (1857/1927) شخصية سياسية فرنسية عين حاكما عاما على الجزائر مرات عديدة الأولى ما بين 1900/19001م و الثانية ما بين 1903/1911م و الثالثة بعد الحرب العالمية الأولى ما بين 1918/1921م ، وضع حجر الأساس لجامعة الجزائر سنة 1909م ، كما أصدر قانون 1919م الخاص بتوسيع دائرة النواب المسلمين في المجالس المحلية ، كما اتبع سياسة تعسفية طاغية بإصداره منشورات جونار و إنشائه المحاكم الرادعة .للمزيد أنظر : إبراهيم مياسي ، إرهاصات الحركة الوطنية الجزائرية 1900/1914م ، مجلة المصادر ، العدد 06 ( م.و.د.ب.ح.......، الجزائر، 2002) ص.ص 133. 134
(4) صالح خرفي ، مدخل إلى دراسة الأدب الجزائري الحديث ، مجلة الثقافة ،العدد21 . السنة الرابعة (جوان / جويلية ،الجزائر ،1974) ص06
1-إحياء فن العمارة الإسلامي.
2-بعث التراث الوطني المكتوب.
3-التقرب من طبقة المثقفين ، وتشجيعهم على القيام بمهامهم القديمة كتقديم الدروس في المساجد .
4-تجديد برامج التعليم في المدارس العربية الإسلامية.
و هذا يدل على معاملة الجزائر معاملة حسنة لكونها مستعمرة من نوع خاص، وتركها تحتفظ بتقاليدها الخاصة، ودينها وقوانينها وشخصيتها (1)
و الجدير بالذكر أن تشجيع جونار للجانب الثقافي قد أثر في بروز حركة ثقافية نشيطة ، و قد كان أول قرار يتخذه لتدعيم هذه السياسة هو تخصيص مبلغ خمسة عشر ألف فرنك أضافها من المنح المقدمة لطلبة المدارس العربية و الفرنسية التي تكون الإطارت في ميدان التعليم و القضاء، كما خصص خمسة عشر ألف لتشجيع التأليف و طبع المنشورات بالجزائر
و مما لاشك فيه أن هذه السياسة الفرنسية الثقافية أدت إلى بروز نخبة من المثقفين وظهور عدد من النوادي والجمعيات الثقافية أو إنتاج عدد من الكتب وظهور الصحافة العربية لذا استفادت البلاد من هذه الحركة غير المقصودة من طرف السلطات الاستدمارية .(3)
هكذا إذا كانت الحياة السياسية في الجزائر خلال العشرينيات حياة بدون تنظيم وطني (سياسي) إسلامي وأمام هذا الفراغ الخطير كان غلاة الاستدمار يستعدون للاحتفال المئوي للاحتلال، وتكريس الشرعية الاستدمارية عن طريق استعراض عضلات القوى والكتابات العلمية والاحتفالات الشعبية (4) إنه التحدي السافر للتاريخ وللعالم الإسلامي الناهض(5)
ــــــــــــــــــ
(1) سعد الله ، الحركة الوطنية الجزائرية ، ج2 ، ص167
(2) Ageron , les Algériens Musulmans , p928
(3) سعد الله ، الحركة الوطنية الجزائرية ، ج2 ، ص164
(4) من المعروف أن الاحتفالات بالاحتلال دامت ثلاث سنوات 1927/1930م ثم تلتها الاحتفالات باحتلال قسنطينة 1937 ، وقد ظهرت كتابات كثيرة حول هذه المناسبة سميت بالمجموعة
المئوية للجزائر للمزيد أنظر : سعد الله ، أبحاث و آراء ، ج3 ،ص 22 . (5)سعد الله ، أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر .ج3 .ص22
2-الأوضاع الاقتصادية:
ساءت الأوضاع الاقتصادية للمجتمع الجزائري، وأختل البناء الاقتصادي للبلاد بشكل كبير، بعد أن استحوذت السلطات الفرنسية على معظم مصادر الثروة القومية في كل الميادين،وحولتها لخدمة مصالحها الخاصة ،ففي الميدان الزراعي بادرت إدارة الاحتلال إلى إصدار جملة من القرارات و المراسيم في ما يخص نزع ملكية الأراضي الجزائرية من بينها قرار 30أكتوبر 1858م ،الذي وسع إجراءات المعاملات العقارية وجعلها مطابقة للقانون الفرنسي،حتى يتمكن الأوربيون واليهود من امتلاك الأراضي الخصبة بطرق شرعية.(1)
كما عملت السلطات الفرنسية على تنفيذ قانون سيناتوس كونسلت لعام 1863 الذي كان يقضي بتنظيم أراضي العزل التي كانت تابعة قبل 1830 إلى سلطة البايلك، وأغلبية هذه الأراضي كانت موجودة في بايلك الشرق فمقدار 70%من هذه الأراضي يمكن وضعها في الدومين أي 225ألف هكتار تمثل الأراضي الخصبة الممتازة وهي الأغنى في المنطقة .
وعلى كل حال فإن نزع الملكية استمر في أشكال متعددة من الفلاحين الجزائريين حتى بداية العشرية الثانية من الإمبراطورية الثانية (1852-1871)، وقد تم تقويتها وجرى الطرد المنظم للفلاحين، والاستيلاء على أراضي القبائل التي هاجرت إلى المغرب الأقصى،ونزعت أراضي الفلاحين من ملكية العزل (2)
بالإضافة إلى قانون 26 جويلية 1873، الذي أصدره مجلس النواب الفرنسي عقب فشل ثورة محمد المقراني (3) سنة 1871وقد نص على تفكيك الملكية الجماعية للأراضي الزراعية بالنسبة للجزائريين، مما اضطر بالسكان إلى التخلص من ملكياتهم الزراعية عن طريق بيعها للأوربيين، الأمر الذي جعل المعمرين يحصلون في مدة أقل من ثلاثين عاما (1871-1898) تقريبا على مليون هكتار من الأراضي الخصبة بينما أبعد الجزائريون إلى المناطق الجرداء في الجبال والصحاري (4)
ــــــــــــــــــ
(1) ناصر الدين سعيدوني ، الجزائر منطلقات وآفاق .ط1( دار الغرب الإسلامي ،بيروت ،2000) .ص22
(2) أحمد حسين السليماني ،نزع الملكية العقارية للجزائريين 1830/1871م، مجلة المصادر العدد06(م.و.د.ب.ح.و.....، الجزائر، 2002) ص.ص 121. 122
(3)هو محمد بن الحاج أحمد المقراني ينتسب على عائلة عريقة من قلعة بني عباس ، نشأ في كنف والده حفظ القرآن الكريم ،عين أغا
لكنه رفض والتحق بأملاكه ببن عكنون ن بدأ جهاده سنة 1971م توفي في معركة واد سوفلات في 5ماي1871م
(4) شارل روبير أجيرون ،تاريخ الجزائر المعاصرة ، ترجمة : عيسى عصفور، ط1(منشورات عويدات ، بيروت – باريس .1982). ص88
و لم يقتصر الأمر على نزع ملكية الأراضي الزراعية وتوزيعها على المعمرين ولكن أيضا في نوعية تلك الأراضي فهي من أجودها وأخصبها وأكثرها قابلية للاستغلال والإنتاج (1)
والواقع أن السلطات الفرنسية كانت تهدف من وراء تلك السياسة إلى تدمير الكيان الاقتصادي الجزائري بعد أن تمكنت من تدمير كيانهم السياسي باحتلال البلاد سنة 1830م،حتى تقضي على روح المقاومة في نفوسهم،وهكذا تفننت إدارة الاستدمار في السيطرة على أملاك الجزائريين بشتى الطرق والوسائل وتحويل السكان إلى مزارعين "خماسة "، أو أجراء عند المعمرين،وكثيرا ما كان يتعرض الكثير منهم للطرد مما زاد في تفاقم الأوضاع الاقتصادية،فانتشرت ظاهرة البطالة في أوساط المجتمع الجزائري بأبشع صورها وأشكالها(2)
أما في الميدان الصناعي فقد حارب الاحتلال الصناعة المحلية الجزائرية بكل قوة حتى تبقى سوقا مفتوحة للصناعة الفرنسية الحديثة بدون قيود ،وفي هذا الصدد أوضح مدير الشؤون الاقتصادية في إدارة الاحتلال سنة 1889م قائلا: " ليس علينا الشروع في دعم الصناعة في الجزائر لأن ذلك يضعنا في موقف عدائي بالنسبة للصناعة الفرنسية " .
ومما لا شك فيه أن محاربة الصناعة المحلية الجزائرية كان الهدف منها إبقاء الجزائر مرتبطة اقتصاديا بفرنسا والمحافظة على امتيازات المعمرين بها،وفي الجانب التجاري فقد سيطر الأوروبيون بمساعدة البنوك وشركات الاحتكار الفرنسية الكبرى على التجارة الداخلية والخارجية،وشكلوا فيما بينهم شركات متداخلة كانت تسيطر على سائر المرافق الاقتصادية في البلاد، و أصبحت الجزائر مع القرن مطلع العشرين سوقا رئيسية للتجارة الفرنسية ،وموردا حيويا لجلب المواد الخام التي كانت تحتاج إليها الصناعة الفرنسية(4)
ــــــــــــــــــ
(1) أجيرون ، المرجع السابق ، ص88
(2) فرحات عباس ، المرجع السابق ، ص117
(3) رابح تركي ، التعليم القومي والشخصية الوطنية 1939/1956.(ش.و.ن.ت، الجزائر 1981).ص84
(4) نفسه ،ص85
كما أن السياسة الاقتصادية التي دأبت فرنسا على انتهاجها في الجزائر منذ 1871،قد حققت أهدافها إلى درجة أن الجزائريين أصبحوا يعيشون شبه مجاعة سنة1912ففي تلك السنة وقع جفاف في فصل الربيع وانخفض محصول الشعير من 4726809 قنطار في سنة 1911الى 2686344 قنطار سنة1912 ،كما انخفض محصول القمح من3674733 قنطار سنة1911الى2197567في سنة1912م وهذا يعني انخفاض المحصول بنسبة44%بالنسبة للشعير وانخفاض القمح بنسبة41%كما أن الضرائب العربية قد ارتفعت في الفترة الممتدة من 1900الى سنة1914م بنسبة15% لضريبة اللزمة و11% لضريبة الزكاة .(1)
و الجدير بالذكر أن هذه السياسة ليست بالجديدة على الإستدمار الفرنسي بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين انتزع الأراضي و نهبها من المواطنين إلى أقصى حد ممكن بهدف تفقير الشعب و تجويعه (2)
ــــــــــــــــــ
(1) بوحوش ، التاريخ السياسي للجزائر، ص.ص 209.208
(2) عبد المجيد خلوف ، الجالية الجزائرية بين المعاناة و أمل العودة ، مجلة الجيش ، العدد 165،( ديسمبر 1975) ص11
3-الأوضاع الاجتماعية:
ساءت أحوال الجزائريين الاجتماعية بعد ما استعملت السلطات الاستدمارية كل الأساليب الدنيئة من اجل الاستحواذ على المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي وجدتها في الجزائر،وتوجيهها لخدمة المصالح الفرنسية و الأوروبية سعيا منها لتحقيق مشروعها الاستيطاني(1)
وكان من نتائج الاحتلال الفرنسي أن المجتمع الجزائري قد تغيرت طبيعته،و تأثر الفرد بمؤثرات جديدة،فالجزائري أصبح لا يخرج من داره إلا وهو ذليل و أصبح محجوبا كالمرأة ذلك أن الشارع فيه حضارة أخرى مغايرة لحضارة الفرنسيين(الروم) .(2) و أصبح الجزائري غريبا في وطنه ومجتمعه فحوصر في الأحياء الشعبية الضيقة وحرم من الاختلاط والاحتكاك بالمستوطنين، ووصف أحد الجزائريين تلك الظاهرة العنصرية التي سنها الاستدمار بقوله: "وقلما كان الجزائري أثناء تجواله داخل المدينة يتعدى بخطواته حدا معينا،وكانت إدارة البريد (البريد المركزي حاليا) هي الحد بين الحياة الجزائرية والحياة الفرنسية."(3)
و أصبح الأهالي يعيشون حالة من الفوضى فلم تعد هناك سلطة تدبر شؤونهم كما كانت في السابق قبل دخول الفرنسيين فإن العائلات ذات النفوذ في الوسط الأهلي هي التي كانت تقوم مقام السلطة الحاكمة قد قل دورها إن لم يختف كلية (4)
كما قام الاستدمار بتحطيم أركان المجتمع الجزائري سواء كانت القبلية أو الهيئات القيادية التي تعتمد على الأصل والمال أو الزعامة الدينية. (5) وتحول معظم السكان إلى مزارعين في مزارع المعمرين وعمالا في خدمة الرأسمالية الفرنسية والأوروبية، إذ كتب أحد الإداريين الفرنسيين: " لقد حطمنا بعض القبائل القوية التي كانت لها مكانة في البلاد عن طريق القوات العسكرية، وبعض الأهالي صودرت أملاكهم كما عملنا على تكسير شوكة بعض العائلات ذات السمعة والشهرة."(6)
ــــــــــــــــــ
(1) بن عدة ، المرجع السابق .ص16
(2) أبو القاسم سعد الله ، تاريخ الجزائر الثقافي ، ج1 ، ط1 ( دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1998) ص.ص .297 . 298
(3) أحمد مريوش ، الطيب العقبي و دوره في الحركة الوطنية الجزائرية ، ط1 ( دار هومة ، الجزائر ، 2007) ص.113
(4) شارل أندري جوليان ، إإفريقيا الشمالية تسير ، ترجمة : سليم المنجي و آخرون ، ط2، ( ش.و.ن.ت، الجزائر ، 1976) ص 44
(5) العقاد ، المرجع السابق ، ص.116
(6) عباس فرحات ، المرجع السابق ، ص.130
و هو ما ذهب إليه مالك بن نبي حينما ذكر ما وصلت إليه بعض العائلات المشهورة في قسنطينة فقال : " لم يبق وجود لعائلة بشتارزي ، أما عائلة صالح باي فإنها في نزوح إلى تونس، و أما أغنياء ابن الفقون فلم يبق منهم سوى فئة صغيرة " (1)
كما أن سياسة القهر الاجتماعي التي تعرض لها أهالي العاصمة زادت من سوء أوضاعهم الاجتماعية كانتشار البطالة و ارتفاع نسبة الإجرام، و تفشي الآفات الاجتماعية، و غلاء المعيشة، و زيادة المجاعة حتى وصف أحد الجزائريين هذه الظاهرة بقوله : " و نبهني إلى ما رأيت بعين رأسي هذه الأعوام من الزيادة في ارتفاع الأسعار و غلاء الأقوات حتى بلغ رطل البصل المكروه مائة فرنك، كما رأيت صبيانا ذكورا و إناثا لا يتجاوزن أربعا أو خمسا من أعمارهم يتقاطرون و يتزاحمون على سلل و صناديق الزبل و سقط المتاع يلتقطون من تلك الصناديق نفضات الموائد للإقتيات ..." (2)
و كانت نتيجة هذا التدهور، و التغير الناتج عن القهر الاجتماعي أن أصيب المجتمع بالركود و الخمول، و تدهورت حالة السكان، و أنتشر في أوساطهم الفقر و الجهل، و أصبحت مئات الآلاف من العائلات ترتزق من أراض غير خصبة تعيش في حالات مأساوية حتى و إن كانت هناك أراض جد خصبة، فإن شدة التركز السكاني فيها ( خاصة العاصمة ) لا يكفي لسد حاجيات كل السكان من الإنتاج، الأمر الذي جعل المجاعة تفتك بالمعوزين غير القادرين على توفير قوتهم اليومي .(3)
و في هذا الصدد يقول فرحات عباس : " ستة ملايين من السكان لم يبق في أيديهم سوى أراض جرداء قاحلة، و بلغ الثلثان من هؤلاء السكان من الجوع و البؤس و الفاقة مبلغها، جردت القبائل الغنية و القوية من خيراتها، لأن أراضيهم و ممتلكاتهم أصبحت نهبة الناهب، و لم يبق في وسع العربي الذي أصبح غريبا في أرض الأجداد إلا أن يكون خادما للمعمر ." (4)
ــــــــــــــــــ
(1) مالك بن نبي ، مذكرات شاهد للقرن – الطالب- ط1 (دار الفكر ، بيروت ، 1969) ص.10
(2) مريوش ، الطيب العقبي ، ص114.
(3) أجيرون ، المرجع السابق ، ص101.
(4) عباس فرحات ، المرجع السابق ، ص112
.
لقد كانت سياسة النهب و السلب و التفقير المنتهجة من قبل السلطات الاستدمارية تستهدف الشعب بالجزائري، بناءا على الاعتقاد الذي كان سائدا عندها أن الشعب الجزائري مآله الزوال بحكم القانون القائل " البقاء للأصلح "، خاصة وأن الوضعية الديمغرافية المتدهورة التي كان عليها، كانت تدعم لديهم هذا الاعتقاد . (1) من انحلال خلقي كان سائدا آنذاك، و تجسدت الرجولة في شارب الخمر و قاطع الطريق و انتشرت ظاهرة الزنا و الدعارة، بتشجيع من فرنسا التي فتحت الأبواب لها، و اعتبرت كل من يتصدى لمومس جانيا، ويحاكم أمام العدالة لأنه اعتدى على الحرية
و أصبح المار في شوارع العاصمة لا يسمع إلا ما يسوؤه من البغايا و هن متبرجات، و وصفت جريدة النجاح تلك الظاهرة المخلة بالحياء، بعد أن وظف الاستدمار المرأة و الجنس لتحطيم مقومات الأمة الجزائرية المسلمة بقولها : " بغيات يتخطفن الشباب و يسلبن عقولهم و يأكلن أموالهم و لا مجير لهم و لا ناصر لهم لأن المرأة حرة في نفسها تفعل ببيتها ما تشاء ." (2)
و قد ترتب عن ظاهرة الزنا نتائج سلبية على الشباب الجزائري، و لم تكتف الإدارة الاستدمارية بفتح بيوت الدعارة للعاهرات وسط الأحياء الشعبية فقط، بل فتحت لهن الأبواب بجوار المساجد و داست على حرمات المسلمين و مقدساتهم، و كتبت جريدة لسان الدين في وصف هذه الظاهرة اللاأخلاقية تقول : " أما الدعارة فقد نشرتها فرنسا كالوباء في كل حي دون مراعاة لحرمة الأوساط العائلية الشريفة، و لا احترام لقدسية الأماكن الطاهرة، حتى بات جامع سيدي رمضان تحيط به بيوت العاهرات إحاطة السوار بالمعصم ."، كما يصور لنا أحد رجال الإصلاح – الشيخ الطيب العقبي – الحالة التي أصبح عليها الشارع الجزائري في منتصف العشرينيات قائلا :
حيثما تلتفت تجد قمرا يز هو شمسا بديعة الإشراق
و جميلا تلا جميلا و معشو قا غدا في جماعة العشاق
هكذا هي الجزائر فانظر فاتنات و فاتن في الزقاق (3)
ـــــــــــــــــ
(1) بن عدة ، المرجع السابق ، ص17.
(2) مريوش ، الطيب العقبي ، ص114.
(3) نفسه ، ص115.
و الجدير بالذكر أن الأوضاع الاجتماعية في الجزائر لم تبق على حالها بل ظهرت بوادر حركة إصلاحية جديدة بها، تمثلت في نشاط العلماء ( علماء الإصلاح ) فظهرت الصحوة و برز الوعي الوطني و القومي اللذين هما أساس النهضة.(1)
وحسب الأستاذ سعد الله فإن الإصلاح في الجزائر لا يرتبط بجمعية العلماء، و الواقع أن مفهوم الإصلاح أوسع من مفهوم جمعية العلماء، كما أنه أقدم منها كما عرفنا فهو أوسع من مفهومها لأن عددا من المثقفين ( من أصحاب الثقافة العربية و الفرنسية ) كانوا مصلحين و لكنهم لم يكونوا أعضاء في جمعية العلماء، و من جهة أخرى يعتبر الإصلاح أقدم من جمعية العلماء لأننا عرفنا أن كثيرا من عناصر المدرسة المستنيرة كانوا مصلحين أيضا بالرغم أنهم كانوا متأثرين بالحضارة الفرنسية من جهة و بتيار الجامعة الإسلامية من جهة أخرى.(2)
هذه الحركة الإصلاحية الجزائرية كانت لها جذورا و روافد من المشرق العربي الإسلامي و أن أبرز هذه الجذور و الروافد وأعمقها هي الحركة التي اضطلع بها كل المصلحين من العلماء و المفكرين أمثال : جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و عبد الله النديم و أحمد خان و المودودي و رشيد رضا، و طاهر الجزائري و محمد شكري الألوسي و محمد مصطفى المراعني و محمد بن عبد الوهاب و غيرهم ممن سار على منهاج هذه الحركة من علماء المعاهد الإسلامية الشهيرة في المشرق و المغرب، و لعل هذه الحركة التي خدمها المئات و الآلاف من أبناء هذا الوطن ممن سنذكر أمثال : ابن باديس و صحبه سعيد الزاهري، محمد بن خير الدين ، الأمين العمودي ، أبو اليقظان ، الشيخ بيوض و الشيخ العقبي ...، و لم تكن حركة نخبة مثل غيرها من الحركات الإصلاحية التي سبقتها أو عاصرتها وإنما هي حركة إصلاحية نبعت من آلام و آمال الشعب، و استهدفت أول الأمر حياة الشعب و نهضته .(3)
وكان على هؤلاء المصلحين أول الأمر تمهيد الأرض و تنقيتها من أجل ترسيخ جذور الإصلاح في الجزائر و ذلك بإزالة موانع الإصلاح بهذه الديار و عوائقه و اتفقوا في بادئ الأمر على وسيلة و هي أخد المبطلين مغافصة و الهجوم عليهم و إسماع العامة صوت الحق، فاستخدموا و سائل النهضة من صحافة و نوادي و جمعيات لتحقيق ذلك الأمر .(4)
ـــــــــــــــــ
(1) رمضان محمد الصالح و عبد القادر فضيل ، إمام الجزائر عبد الحميد بن باديس ( دار الأمة ، الجزائر ، 1998 ) ص 16 .
(2) أبو القاسم سعد الله، أفكار جامحة ( م.و.ل ، الجزائر ، 1988 ) ص 89 .
(3) محمد الطاهر فضلاء ، دعائم النهضة الوطنية الجزائرية ( دار البعث ، قسنطينة ، 1981) ص 81 .
(4) محمد البشير الإبراهيمي، سجل جمعية العلماء المسامين الجزائريين، ( دار الكتب، الجزائر، 1982 ) ص 50 .
4- الأوضاع الدينية:
تأثرت الأوضاع الدينية في الجزائر تأثرا سلبيا نتيجة الاحتلال و لعل المؤسسات الدينية، أول من وجه الإستدمار اهتمامه نظرا للدور الذي قامت به خلال القرن التاسع عشر،حيث كانت تنظم وتقود الجماهير في عمليات المقاومة و الثورات المتتالية ضد الاستدمار مما جعل إدارة الاحتلال لا تبرح في مواقفها لضرب الحصار عليها حتى لا تؤدي الوظيفة المعهودة إليها، مع التشجيع المادي والمعنوي للحركات الخرافية وأعمال الدّجل قصد إبعاد السكان عن الواقع المّر الذي فرضته عليهم السياسة الفرنسية منذ1830م . (1)
ولعل أبشع وصف عن إضطهاد الفرنسيين للدين الإسلامي ومقدساته ما جاء به تقرير لجنة التحري الرسمية التي قدمت من باريس لإطلاع البرلمان الفرنسي حول الوضع في الجزائر: " إننا ضممنا ممتلكات الدولة وسائر عقارات الإسلامية، ووضعنا تحت الحجز ممتلكات طائفة من السكان،... كما أجبرناهم على دفع نفقات باهضة ، واعتدينا دون أي مراعاة على حرمة الأضرحة والمساجد. " (2)
و الواقع أن الفرنسيين لاحظوا أثناء اتصالهم بالشعب الجزائري مدى التلاحم والارتباط العضوي بين أجزائه في السّراء و الضّراء، ولاحظوا أيضا أن مادة هذا التلاحم والارتباط هو الدين الإسلامي فعملوا على تفتيت هذه المادة بإثارة النعرات العائلية والقبلية والجهوية .(3)
لذا عملت ومنذ البداية على التدخل المباشر في شؤون الدين الإسلامي، ولم تكتف بمصادرة الأوقاف و الإجهاز على جماعة أو مؤسسة لها أدنى دور ديني أو ثقافي، بل بسطت نفوذها على جميع الشؤون الإسلامية كتعيين القضاة و الأئمةوإعلان المواسم الدينية وغيرها...(4)
مما أثر ذلك سلبا على المسلمين حيت كانوا يشعرون بفراغ مساجدهم من النصيب الكافي للمواعظ و المرشدين و الأئمة، ذلك أن عدد الأئمة الذين تم تعينهم من قبل سلطات الاحتلال للقيام بأداء الفرائض الدينية في المساجد سنة 1900م (150إماما) اقتصرت مهامهم على تعليم الطقوس التي لا روح فيها ولا غاية من ورائها مما أدى إلى تفشي البدع و الخرافات في أوساط السكان المسلمين. (5)
ـــــــــــــــــ
(1) رابح تركي ، الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح والتربية في الجزائر ( ش.و.ن.ت ، الجزائر ، 1981 ) ص86
(2) أحمد توفيق المدني، هذه هي الجزائر، ط1 ( مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1956) ص 126
(3) سعد الله ، أبحاث و أراء في تاريخ الجزائر ، ج 3، ط1 ( دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1990 ) ص17
(4) المدني، هذه هي الجزائر، ص 127
(5) بن عدة، المرجع السابق، ص 31
ولم يكتف الفرنسيون بالتدخل في القيم الإسلامية، بل تعداه إلى التشكيك فيه وفي تاريخ شمال إفريقيا وتثبيت قدم النصرانية في المنطقة، فقد أوضح الكاردينال لافيجري (1)خطة فرنسا بقوله : " علينا أن نجعل من الأرض الجزائرية مهدا لدولة مسيحية، تضاء أرجائها بنور مدينة منبعها الإنجيل. (2)
كما أن أمور الدين الإسلامي في قطر الجزائر ترجع بصفة عملية إلى إدارة الأمور الأهلية في الولاية العامة ولكن بصفة شبيهة بالرسمية لأن قوانين سنة1905م التي نفذت في أرض الجزائر سنة 1907م قد جعلت الدين مفصولا بصفة عامة عن الدولة، وقد كانت بأرض الجزائر قبل ذلك إدارة تابعة لفرنسا تدعى إدارة الأديان كانت ترعى المسيحية، و اليهودية و الإسلام وتقوم بنفقات رجال الدين إنما تستعمل في ذلك حيفا غريبا إذا كانت تنفق على الدين المسيحي وأفراده لا يتجاوزون 623 ألف أنذاك مبلغ 884 ألف فرنك و على الدين الإسرائيلي وعدد أفراده 64 ألف ما يبلغ 31ألف فرنك وعلى الدين الإسلامي وجماعته تتجاوز 4 ملايين و500ألف نسمة أنذاك سوى 337ألف فرنك وهذا تمييز صارخ يضاف إلى سياسة الاستدمار الفرنسي الذي كان أيضا يقوم بتنصيب المفتي وهو رئيس المنطقة الدينية المحددة له يرعى مساجدها ويرشد الناس في أمور دينهم. (3)
وقد إستمر هذا الإضطهاد للدين الإسلامي وأهله والكيد له من خلال الديانتين اليهودية والمسيحية
وحين صدر مرسوم فصل الأديان عن الدولة سنة 1907صارت الديانتان المسيحية واليهودية منفصلتين، بينما بقي الدين الإسلامي مرتبطا بالدولة بدعوى أنه لا يمكن الفصل بين الجانبين الوحي و الدنيوي في الإسلام. (4)
و الحقيقة أن إبقاء هذا الربط بين الإسلام وإدارة الاحتلال، كان يعني تكريس المزيد من الهيمنة عليه، وعلى مؤسساته وقيمه السمحاء، وتجلى ذلك من خلال الإعلان عن إجراءات منع الجزائريين من أداء مناسك الحج، خوقا من احتكاكهم بإخوانهم في المشرق فيتأثرون بما يجري هناك من أحداث وتطورات ، خاصة بعد ثورة تركيا الفتاة التي اندلعت سنة 1908. (5)
ـــــــــــــــــ
(1)لافيجري: هو شارل أنطوان لافيجري ولد 31/10/1825م بمدينة وير، تلقى تعليما دينيا حتى وصل لمنصب قس سنة 1849م التقى الأمير عبد القادر في الشام عام 1860م، ثم مطرانا على أسقفية الجزائر وفي 19مارس 1882م، أصبح كاردينال من طرف البابا بولس الثالث مات في 26 نوفمبر1882م كما عرف بنشاطه التنصيري في بلاد القبائل.
(2)المدني أحمد توفيق، كتاب الجزائر، (م.و.ل،الجزائر،1984) ص236
(3) نفسه، ص383
(4) الجمعي خمري، حركة الشبان الجزائري (1900/1930) ، رسالة ماجستير(غير منشورة، قسنطينة، 1994) ص36
(5) تركي، التعليم القومي، ص96
وما يلفت الإنتباه في هذه العشرية هو بروز مظهر هام للروح الصليبية عند الفرنسيين وهو محاولة بلد