يمكن أيضا بوضوح ملاحظة يد إيران في الهجمات الصاروخية في جميع أنحاء العراق. ومن بين الوثائق التي كشف عنها مؤخرا كتاب لحزب الله اللبناني جاء فيه: نرى قيام "الجماعات المدعومة من إيران في العراق" بالتخصص في مجال استخدام صواريخ بعيدة المدى للقيام بهجمات على قواعد الائتلاف". ولم يكن دعم طهران خفيا، فقد زودتهم بكمية ضخمة صواريخ من نوع Fajr-3 من عيار 240 ملم، وتم التعرف إليها بصورة إيجابية من قبل الأخصائيين التقنيين "للقوات المتعددة الجنسيات" كصواريخ حديثة الصنع، وليس صورايخ BM-24 القديمة التي ترجع لعهد صدام حسين. وفي الأشهر الستة الأخيرة، تم إطلاق صواريخFajr-3 الإيرانية مرتين على المنشآت البريطانية في محطة البصرة الجوية، ومرة واحدة على المنشآت الأميركية في محافظة ميسان. ومنذ ظهورها عام 2006، أسفر قذف الصواريخ الثقيلة من عيار 240 ملم عن مقتل 4 من جنود التحالف وجرح 61.
كما تم العثور على مخابئ أسلحة تابعة "للمجموعات الخاصة" تحتوي على متفجرات من نوعMJ-1 وعبوات مزودة بوقود الصواريخ، جميعها إيرانية الصنع مع تواريخ الصنع مطبوعة عليها، تعود الأخيرة منها إلى عام 2008. وفي الواقع، أصبح تهديد الصواريخ الذي ظهر مجدداً، واضحاً في "معتقل معسكر بوكا" بالقرب من ميناء أم قصر ومحطة البصرة الجوية (هذه الأخيرة تعرضت لإطلاق الصواريخ في 9 و11 مارس). وفي يناير 2009، تم إطلاق 17 قذيفة صاروخية باستخدام عبوات مزودة بوقود الصورايخ ومتفجرات جديدة أُطلقت على القاعدة الأميركية الرئيسة في محافظة ميسان.
وحسب مايكل نايتس سيكون من السابق لأوانه القول بأن طهران قد خفضت دعمها "للمجموعات الخاصة". وعلى الأرجح تعطلت الهجمات المدعومة من إيران بسبب العمليات المشتركة بين القوات العراقية و"القوات المتعددة الجنسيات" بالإضافة إلى دعوة مقتدى الصدر لوقف العمليات العسكرية غير المصرح بها. وبالمثل، فيما يتعلق بدعم الميليشيات، قال الجنرال رَي اوديرنو، قائد "القوات المتعددة الجنسيات" في العراق، في أكتوبر 2008، بأن إيران "تدير الأوضاع صعوداً وهبوطاً"؛ وهذا يعني أنه ينبغي عدم الخلط بين ضبط النفس المؤقت والتفكيك الدائم "للشبكات بالوكالة"، التي أقامتها إيران منذ عشرات السنين.
ويمكن القول بأن علاقة إيران مع "وكلاء" كهؤلاء هي أقرب من أي وقت مضى. فمثلا، سيزداد انفصال "عصائب أهل الحق" عن التيار الصدري الرئيس مع محاولة زعيم التيار تحويل الجزء الأكبر من "جيش المهدي" – وهي قوة شيعية شبه عسكرية موالية له - إلى حركة خدمات اجتماعية، ومع تشكيل التحالف السياسي الحديث التولد بين التيار الصدري الرئيس ورئيس الوزراء نوري المالكي بعد انتخابات المحافظات. كما فرضت الانتخابات الأخيرة عقاباً صارماً على المجلس الأعلى الإسلامي في العراق الحليف السياسي الرئيس لإيران، بسبب ما يُعتقد عن علاقاته الوثيقة مع إيران. وقد يعوض الدعم السري لجماعات مسلحة عن فقدان النفوذ السياسي.
ويحذر مايكل نايتس من خطورة ألا يؤخذ هذا الوضع بالاعتبار عند الشروع في الحوار، فلا بد من إدخال عامل الحرب الجارية ضد الولايات المتحدة والتي تدعمها إيران بالوكالة، في التخطيط لحالات الطوارئ المتعلق بأي حوار بين الولايات المتحدة وإيران. ونزعة المخاطرة التي يتخذها "وكلاء ايران" واستخدامهم للمواد الإيرانية الصنع بصورة سافرة، يخلق خطراً له صفة الدوام يتمثل في تخطيط وتنظيم حوادث اضطراب تؤثر في الوضع السياسي. ومن المرجح أن يتعمد المتشددين من أعضاء "الحرس الثوري الإسلامي" استخدام مثل هذه الأساليب المفسدة إذا تم المضي قدماً في الحوار بين الطرفين. وبإمكان أميركا الاستفادة من الكثير من التجارب الحديثة للتفاوض تحت النار، ولكن تجربة بريطانيا مع إيران بعد عام 2003، تتحمل بصورة خاصة تمحيص دقيق. فكونها عضواً بارزاً في فريق التفاوض الأوروبي حول برنامج إيران النووي، كان على المملكة المتحدة مواصلة الحوار البناء حتى في الوقت الذي كانت تقوم فيه "القذائف الخارقة للدروع" والصواريخ الإيرانية بقتل قوات بريطانية جنباً إلى جنب مع قيام قوات حكومية إيرانية بخطف مواطنين بريطانيين. وبالمثل، في الوقت الذي تبدأ فيه أميركا بالتعاطي مع إيران، ستكون الاستفزازات والتهديدات أشياء عادية..