الحضارة الحديثة وتغير القيم
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }الروم30
(فأقم) يا محمد (وجهك للدين حنيفا) مائلا إليه أي أخلص دينك لله أنت ومن تبعك (فطرة الله) خلقته (التي فطر الناس عليها) وهي دينه أي ألزموها (لا تبديل لخلق الله) لدينه أي لا تبدلوه بأن تشركوا (ذلك الدين القيم) المستقيم توحيد الله (ولكن أكثر الناس) كفار مكة (لا يعلمون) توحيد الله
أقم -أيها الرسول أنت ومن اتبعك- وجهك, واستمر على الدين الذي شرعه الله لك, وهو الإسلام الذي فطر الله الناس عليه, فبقاؤكم عليه, وتمسككم به, تمسك بفطرة الله من الإيمان بالله وحده, لا تبديل لخلق الله ودينه, فهو الطريق المستقيم الموصل إلى رضا الله رب العالمين وجنته, ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الذي أمرتك به -أيها الرسول- هو الدين الحق دون سواه.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه ويلم يقول: ( إن الله يبغض الفحش والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يخون الأمين ويؤتمن الخائن حتى يظهر الفحش والتفحش وقطيعة الأرحام وسوء الجوار)
التوثيق سورة الرُّوم: مكية عدد آياتها 60 آية سميت كذلك لذكر تلك المعجزة الباهرة التي تدل على صدق أنباء القران العظيم " الم{1} غُلِبَتِ الرُّومُ{2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ{3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ{4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{5}" وهي بعض معجزاته
القاموس اللغوي :
فأقم وجهك للدين حنيفا: مائلا إليه أي أخلص دينك لله أنت ومن تبعك إلى الإسلام.
فطرة الله : خلقته وهي دينه أي ألزموها
الفطرة : الجبلة المتهيئة لقبول الدين
لا تبديل لخلق الله: لا تبديل لدينه أي لا تبدلوه بأن تشركوا
ذلك الدين القيم:الدين المستقيم توحيد الله
ولكن أكثر الناس لا يعلمون: كفار مكة لا يعلمون توحيد الله
الفحش: جمع فواحش: الكبائر كالزنا
مضامين النصوص:
1-
2-
التحليل:
المحورالأول: الحضارة والقيم: مفاهيم وخصائص
{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }الأنعام151
1- مفهوم الحضارة الحديثة: هي ما أنتجته الإنسانية الحديثة من حضارة وقيم وتكنولوجية وإبداع...
2- مفهوم القيم: هي مجموع الفضائل المتعارف عليها بين أفرد مجتمع ما، بموجبها يحكمون على سلوك الأفراد أو الجماعات بالحسن أو بالسوء، ويحكمون على الأشياء بالجمال أو القبح ،وعادة لا تكن عامة وملزمة، لأن الجماعات تختلف في أعرافها وثقافتها ومعتقداتها ونظم حياتها، فما هو مستحسن عند مجتمع قد يكون مستقبحا عند مجتمع آخر، وقد يحكم قوم على سلوك بأنه معوج بينما يعتبره آخرون معتدلا غاية الاعتدال.
3- أنواع القيم : بما أن القيم تشمل النشاط الإنساني بكافة جوانبه،ويمكن تقسيمها حسب المعايير التالية:
أ- من حيث المضمون: - قيم دينية، وطنية، اقتصادية، اجتماعية، أخلاقية، جمالية، روحية، ثقافية...
ب- من حيث المقصــــد: - قيم وسائلية مثل المال والمتاع، وقيم غائية مثل العدل، والحياة، والكرامة.
ج- من حيث الشــــــــدة : - قيم ملزمة: الكليات الضرورية، وقيم تفضيلية: الحاجيات، وقيم مثالية: التحسينات.
4- مفهوم القيم الإسلامية: هي مجمل الأخلاق التي حث عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، وتعارف عليها أولو العلم من هذه الأمة.
فهي بمثابة الضوابط التي يمتثل لها المسلمون- مهما اختلفت ألسنتهم وألوانهم وأعراقهم- في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والبيئية.
5- من خصائص القيم الإسلامية:
أ- قيم فطرية: مثال الرحمة، والتعاون، والعدل، والحب قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }الروم30
ب- قيم لإنسانية: فهي قيم عالمية ترتبط بالذات الإنسانية الثابتة لا في المتغيرات من الوسائل، وتشترك الإنسانية في تقديسها وإن تباينت أفهام الناس حولها مثال: الحرية، المحبة، المساواة...وجاءت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لترسيخ هذه القيم ونشرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق).
ج- قيم مرنة:فطرية إنسانية تستجيب لحاجات الإنسان الثابتة والمتجددة في كل الأزمنة والأمكنة، يقول الله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ
طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }الأنعام38.
المحور الثاني: تصنيف القيم بين الثبات والتغيير
من أجل أن يؤدي المجتمع وظيفته بشكل سليم يجب على مواطنيه أن يتقاسموا قيما معينة ويتوافقوا على ترتيبها، لأنها هي التي ستوحدهم،
وتجعل حركتهم الفردية والجماعية أسلم وأكثر فعالية، ومعلوم أن أي قيمة يمكن أن تلعب دورا موحدا وجامعا، والخلاف بين الشعوب
والجماعات يتحدد أساسا في تحديد القيم ذات الأولوية في منظومتها القيمية، والتي ينبغي أن تكون أساسا لقوتها وتوحدها، وتشكل هويتها
وثقافتها.
1- مفهوم منظومة القيم: هي مجموعة من القيم ليست متجاورة فحسب، بل متصلة ومنظمة، أي أن لبعضها علاقة ببعض. وهذا ما يجعل التمييز بين أصناف القيم ضروريا ومركزيا:
2- تصنيف القيم: قيم الغايات وقيم الوسائل. الإنسان مؤطر بأربعة أبعاد لا ينفك عنها : البد البدني، والبعد الأخلاقي، والبعد العقلي، والبعد الديني. والقيم المرتبطة بهذه الأبعاد هي القيم الجوهرية/ الضرورية المكونة للإنسان، وهي ليست نسبية ولا فردية، إنها قيم مطلقة ومشتركة أي قيم غايات.
1- قيم الغايات : لكي يعمل المجتمع بشكل سليم لابد له من التوافق حول قيم أساسية مشتركة تنحصر فيما هو أساسي لحياة الإنسان ونمائه.
- البعد البدني: حفظ النفس بتحريم الاعتداء...
- البعد الأخلاقي: حفظ العرض بتحريم الزنى...
- البعد العقلي: حفظ العقل بتحريم المخدرات...
- البعد الديني: حفظ الدين بتحريم الردة...
2- قيم الوسائل: هي التي تضمن كل ما يمكن أن ينمي القيم الضرورة كالغنى والقوة والصداقة والشورى./ الديمقراطية...
يمكن تحديد فئة، ثانية من القيم الإنسانية، والتي تضمن كل ما يمكن أن ينمي القيم الضرورية/ الغايات، كالغنى، والقوة، والصداقة، والشورى/ الديمقراطية...
فالمقصود بهذه الفئة أنها وسائل لتحقيق غايات، والتعبير هنا مجازي لان الوسيلة قد تكون كذلك أساسية.
3- الفرق بين قيم الغايات وقيم الوسائل: الفرق بينهما: * أن الغايات واحدة والوسائل متعددة حسب الزمان والمكان.
* تبعية الوسائل للغايات حسب الحاجيات.
- 3 التراتبية في القيم الجوهرية/ الضرورية:
أ- الدين - ب- النفس - ج- العقل - د- العرض - هـ- المال. على الشكل التالي: (قيم دينية، قيم بدنية ، قيم عقلية، قيم أخلاقية).
المحور الثالث: تغيير القيم: تهديد للهوية أم انفتاح على العولمة
1- موقف العولمة من خصوصيات الثقافية: حدوث التفاوت بين البشر من الناحية الاقتصادية على حساب الأخلاق فلا قيمة لها في سبيل تحقيق المصالح والأرباح ( نحو 20% من سكان العالم سيزدادون غنى، بينما سيزداد فقراؤه فقرا نحو 80%)
أما في الجنب القيمي والأخلاقي فغالبا ما يتركز نقد العولمة في مسألة القيم والمفاهيم على قضيتين:
أ- العنف والجنس في وسائل الإعلام والسينما العالمية وفي القنوات الفضائية التي دخلت اليوم إلى كل بيت
ب- تنميط القيم ومحاولة جعلها واحدة لدى البشر في المأكل والملبس والعلاقات الأسرية وبين الجنسين وفي كل ما يتصل بحياة الإنسان الفردية والجماعية...
2- المجتمع المسلم من الممانعة إلى تقديم النموذج:
المجتمع المسلم يحافظ على هويته الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية دون أن يسمح لهذه العولمة أن تغير شيئا من قيمه أو حضارته لأنها هي أصل وجوده. قال تعالى:" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون الآية".
ويمكن تلخيص أسباب هذه الممانعة فيما يلي:
- عدم قبول الآخر كما هو.
- عدم الاعتراف بخصوصيته الثقافية والدينية التي شكلت نظامه للزواج والتربية وحتى للعلاقات الاجتماعية أو السياسية.
- تهميش القيم الأخلاقية بمستوياتها الثلاثة، في السياسة والثقافة والاقتصاد.
- التدخل في الحياة الثقافية والقيمية في بلدان العالم الثالث لتعديل هذه الحياة أو " لتحديثها" تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
- التدخل في شأن الدول باسم مسميات متعددة مثل
- حقوق الإنسان- حق التدخل الإنساني لإنقاذ هذه الجماعة أو الأقلية العرقية أو الدينية.
الدفاع عن مصالح هذه الدولة أو تلك اتجاه أي " خطر" حقيقي أو مفتعل..)
- الترويج للجنس وللعنف بعيدا عن كل الضوابط .
فإذا كانت بعض مظاهر معارضة العولمة قومية أو اقتصادية، فإن الممانعة في العالم الإسلامي مصدرها الدين والثقافة التي تتشكل بواسطته على مستوى نظرة الإنسان إلى نفسه ورغباته وإلى الآخر، أي إلى علاقاته الأسرية والزوجية والاجتماعية