مـرحـلـة الـتـفاوض
سلم الجنرال ديغول بعد استعمال كل الوسائل بضرورة فتح مفاوضات مع الثورة الجزائرية على أساس مبدأ تقرير المصير فطرح الموضوع على الشعب الفرنسي الذي صادق عليه في استفتاء 8 جانفي 1961م، وكان رد فعل قادة الجيش الفرنسي سريعا إذ أعلن أربعة ضباط متقاعدون التمرد على حكومتهم يوم 22 أفريل 1961م إلا أن الإنقلاب فشل في غضون أيام قليلة. ولكن قبل أن يدخل الجنرال ديغول جديا في عملية التفاوض سبق له أن دعا إلى محادثات في "مولان" في الفترة مابين 25 و29 جوان 1960م إذ أرسلت الحكومة الجزائرية مبعوثين هما محمد الصديق بن يحيى وأحمد بومنجل إلا أن اللقاء لم يكتب له النجاح بسبب المعاملة غير اللائقة التي عومل بها الوفد الجزائري في باريس.
فوض إذن الشعب الفرنسي لرئيسه أمر "تحقيق تقرير المصير " فبدأت الاتصالات الاولى بين مبعوثين فرنسيين منهما جورج بومبيدو (G.Pompidou) (الذي أصبح رئيسا خلفا لديغول) ومبعوثين جزائريين هما أحمد بومنجل والطيب بولحروف. لكن المناورات الفرنسية لم تغب عن هذه الاتصالات الاولى التى بدأت فى 30/3/1961م . في سويسرا، وفى 11/4/1961م صرح الجنرال ديغول " إن الجمهورية الجزائرية ستكون لها سيادة فى الداخل والخارج " وذلك كمحاولة لتقريب وجهات النظر وكمناورة لفرض الشروط الفرنسية فيما يتعلق بمسائل جوهرية مثل :
* مفهوم التعاون الذي يراه ديغول "شراكة ". حقوق الفرنسيين المقيمين التى يراها ديغول متميزة قد تصل الى تخصيص جزء من البلاد لهم ، من ذلك جاءت فكرة التقسيم والمشاريع العديدة الى وضعت فى هذا الشأن مثل مشروع "بيرفيت" "A.Peyrefitte " .
* وحدة التراب الوطنى التى يراها ديغول دون الصحراء التى يعتبرها فرنسية. وأمام هذه المطالب انسحب الوفد الجزائري معتبرا الهوة شاسعة بين الطرفين ، ويتجدد اللقاء بعد شهرين فى 20/5/1961م بافــيـان ولــوغــران "Evian/Lugrin" فتغيرت شروط الفرنسيين بعض الشئ إذ استبدل مفهوم الشراكة بالتعاون، مع بقاء الخلاف حول الوحدة الترابية ووحدة الشعب الجزائري، وتقطع المفاوضات مرة أخري لتعود فى سبتمبر 1961م فى نفس المكان، وتراوغ السلطات الفرنسية الى أن ينتهي بها الامر الى الاعتراف نهائيا بوحدة التراب الوطنى وبوحدة الشعب الجزائري، وذلك فى آخر مرحلة من مراحل المفاوضات فى بداية مارس 1962م ولكنها كانت قد قامت بمسعى أخير لتفريق الصفوف بمحاولة كسب تأييد شعبي لمشروع فصل الصحراء عن الجزائر ولكن المشروع قوبل بالرفض من طرف الاعيان وكذلك من طرف الشعب الذي خرج فى ورقلة فىمظاهرة شعبية عارمة، فاضطرت الى تسليم موافقتها على ما اتفق عليه ، وهكذا دعي المجلس الوطنى للثورة الجزائرية للمصادقة على مشروع الاتفاقيات التى وقعت فى 18/3/1962م على الساعة الخامسة والنصف بعد الظهر وعرفت بــ" اتفاقيات إفيان " وبذلك تطوى صفحة الاستعمار فى الجزائر. لكن المتربصين بالجزائر لم يتركوا لها فرصة تضميد الجراح ، فقد عمدت " منظمة الجيش السري " "OAS"الى تطبيق سياسة الارض المحروقة ووجهت ضرباتها الى الطاقات الحية فى البلاد وكذلك الى كل المنشآت التى يمكن أن يستفيد منها أبناء الشعب فى ظل الاستقلال والحرية، فاغتيل الرجال واحرقت المدارس والجامعات والمكتبات.
وبعد التوقيع على الاتفاقيات أعلن عن توقيف القتال الذي دخل حيز التطبيق يوم 19/3/1962م على الساعة الثانية عشر. وشرعت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في الترتيب لاستفتاء تقرير المصير ولاعلان الاستقلال فى 5/7/1962م أي مباشرة بعد أعلان النتائج، ووجه الجنرال دي غول فى هذا اليوم رسالة الى السيد " عبد الرحمن فارس " رئيس الهيئة التنفيذية المؤقتة التى اشرفت على تسيير المرحلة الانتقالية، أرسل له رسالة كان نصها :
"نظرا للنتائج التى أسفر عنها استفتاء تقرير المصير فإن الصلاحيات الخاصة بالمقاطعات الفرنسية السابقة فى الجزائر تحول ابتداء من اليوم الى الهيئة التنفيذية المؤقتة للدولة الجزائرية...".
أما تضحيات الشعب الجزائري فقد كانت ثقيلة جدا :
- مليون ونصف مليون من الشهداء. - عشرات الالاف من الارامل واليتامى.
- مليوني لاجئ.
- أكثر من مليون مسجون.
- آلاف القرى المدمرة.
- إقتصاد مشلول.
- خزينة عامة لا يوجد بها سنتيم واحد.
وأما الحصيلة العامة فقد استعادت الدولة الجزائرية مكانتها بين الأمم التي راحت تعترف بدولتها منذ تأسيس الحكومة المؤقتة إلى أن رفع علم الجزائر في مبنى الأمم المتحدة يوم 8 أكتوبر 1962.
الثورة التحريرية
اتخذت مجموعة الستة في اجتماعها ببونت بيسكاد (الرايس حميدو حاليا) قرارا بتقسيم التراب الوطني إلى خمس مناطق وتعيين مسؤوليها وهم:
المنطقة الأولى- الأوراس: مصطفى بن بولعيد.
المنطقة الثانية - الشمال القسنطيني: ديدوش مراد.
المنطقة الثالثة - القبائل: كريم بلقاسم.
المنطقة الرابعة - العاصمة وضواحيها: رابح بيطاط.
المنطقة الخامسة- وهران: محمد العربي بن مهيدي.
وفي الإجتماع الموالي أي يوم 23 أكتوبر 1954 تم الإتفاق على:
- إعطاء إسم جبهة التحرير الوطني للحركة الجديدة وتنظيمها العسكري جيش التحرير الوطني.
- تحديد يوم انطلاق العمل المسلح: 1 نوفمبر.
- وفي اليوم الموالي 24 أكتوبر تمت المصادقة على محتوى وثيقة نداء أول نوفمبر 1954 الذي يؤكد على:
- إعادة بناء الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ضمن إطار المبادئ الإسلامية.
- احترام جميع الحريات الأساسية.
- التطهير السياسي.
- تجميع وتنظيم الطاقات السليمة لتصفية الاستعمار.
- تدويل القضية الجزائرية.
وغير ذلك من النقاط الهامة، وهذا قد تم توزيع هذا النداء يوم أول نوفمبر 1954 غداة اندلاع الكفاح المسلح والذي بلغ في ذلك اليوم حوالي 33 عملية عسكرية موزعة على كامل التراب الوطني.
وقد كان ذلك الحدث العظيم محل بلاغ مقتضب ومضلل اصدره الحاكم العام روجي ليونار زوال أول نوفمبر.