الثورة التحريرية
اتخذت مجموعة الستة في اجتماعها ببونت بيسكاد (الرايس حميدو حاليا) قرارا بتقسيم التراب الوطني إلى خمس مناطق وتعيين مسؤوليها وهم:
المنطقة الأولى- الأوراس: مصطفى بن بولعيد.
المنطقة الثانية - الشمال القسنطيني: ديدوش مراد.
المنطقة الثالثة - القبائل: كريم بلقاسم.
المنطقة الرابعة - العاصمة وضواحيها: رابح بيطاط.
المنطقة الخامسة- وهران: محمد العربي بن مهيدي.
وفي الإجتماع الموالي أي يوم 23 أكتوبر 1954 تم الاتفاق على:
- إعطاء اسم جبهة التحرير الوطني للحركة الجديدة وتنظيمها العسكري جيش التحرير الوطني.
- تحديد يوم انطلاق العمل المسلح: 1 نوفمبر.
- وفي اليوم الموالي 24 أكتوبر تمت المصادقة على محتوى وثيقة نداء أول نوفمبر 1954 الذي يؤكد على:
- إعادة بناء الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ضمن إطار المبادئ الإسلامية.
- احترام جميع الحريات الأساسية.
- التطهير السياسي.
- تجميع وتنظيم الطاقات السليمة لتصفية الاستعمار.
- تدويل القضية الجزائرية.
وغير ذلك من النقاط الهامة، وهذا قد تم توزيع هذا النداء يوم أول نوفمبر 1954 غداة اندلاع الكفاح المسلح والذي بلغ في ذلك اليوم حوالي 33 عملية عسكرية موزعة على كامل التراب الوطني.
وقد كان ذلك الحدث العظيم محل بلاغ مقتضب ومضلل أصدره الحاكم العام روجي ليونار زوال أول نوفمبر.
الانطلاقة 1954م-1956م
وقعت الحوادث الأولى للثورة في مختلف أنحاء الوطن. و بـعـدد قـلـيـل من الرجال أغلب سلاحهم يــتــمــثــل في بــنادق صـيـد وبــعض البــقــايـــا من أسلحة الحـــرب الــعالمــية الـــثانــية تم جلبها من قبل المنظمة الخاصة عن طريق وادي سوف.
ولقد كانت إستراتيجية الثورة في بدايتها تعتمد على:
- سرعة الحركة وذلك بالاعتماد على مجموعات خفيفة تعمل في أماكن متعددة ومتباعدة.
- العمل على ضرب المصالح الاستعمارية.
- القيام بتجنيد وتعبئة كافة أفراد الشعب للانضمام لجبهة التحرير الوطني.
وهذه الإستراتيجية تحكمت في صنعها الظروف التي كانت سائدة آنذاك والتي تمتاز بـ :
-احتدام الصراع داخل صفوف " حركة الانتصار للحريات الديمقراطية" .
- فشل العمل السياسي الذي أجهضته الدوائر الاستعمارية بالاختراق وتزوير الانتخابات.
-الدعاية الفرنسية الزاعمة بأن الداعين للاستقلال ما هم إل مجرمون وفلاقة.
تحملت المنطقة الأولى- الأوراس العبء الأكبر بحيث كثف العدو حصاره لها، مما جعل ذلك من الانشغالات الكبرى لقادة المنطقة الثانية التي كانت هي الأخرى تواجه ظروفا صعبة جدا ، وهو ما دفع بقيادتها إلى القيام بعملية عسكرية ضخمة بهدف فك الحصار المضروب على المنطقة الأولى ، ونتيجة لذلك حدثت هجومات 20 اوت 1955م على الشمال القسنطيني بقيادة زيغود يوسف.
وتعد عمليات 20 أوت أول التحام حقيقي بين جيش التحرير الوطني والشعب من أجل فك الحصار على الثورة في كل مكان وإثبات وحدة الشعب وجيش التحرير الوطني في كفاح واحد حتى الاستقلال التام. ومن أبرز النتائج المترتبة عنها:
-تخفيف الضغط العسكري الذي كان مسلطا على المنطقة الأولى.
- انتشار فكرة الثورة في الأوساط الشعبية.
-التأكيد على أن جيش التحرير الوطني مستعد لمواجهة الجيش الفرنسي في وضح النهار وفي المدن الكبرى.
- إبراز شعبية الثورة ووطنيتها وذلك بإشتراك أكبر عدد من أفراد الشعب.
- إعطاء الدليل القاطع للأمم المتحدة على أن ما يجري في الجزائر هو ثورة وطنية وليست مجرد تمرد كما تدعي السلطات الفرنسية، خاصة وأن الأحداث جاءت عشية انعقاد الدورة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
- تعاطف الثورة الجزائرية مع الشعب المغربي في الذكرى الثانية لنفي الملك المغربي محمد الخامس.
مرحلة التنظيم والتموين 1956م- 1958م
قرر أن يجتمع قادة المناطق بعد ستة أشهر من إندلاع الثورة لكن الظروف حالت دون ذلك ومن أبرزها فرض حالة الطوارئ على مجموع التراب الوطني، إلى جانب استشهاد ديدوش مراد في 18 جانفي 1955م في معركة "بوكركر" قرب اسمندو. ولكن بعد هجومات 20 أوت تحقق الإجتماع في وادي الصومام في المكان المسمى "إيفري". وذلك يوم 20 أوت 1956م، وقد حضر اللقاء البعض من قادة المناطق وتغيب البعض الآخر لأسباب أمنية وكان الــهــدف مـنـــه هو وضع نـظــام موحد للعمل العسكري والـسـيــاسي تسير عليه كل المناطق ، و تـوضـيـح الأهداف التي جــاءت في نداء أول نــوفـمبر 1954م مع دراسة المستجدات التي حدثت في مواقف التشكيلات السياسية الجزائرية وكذلك السلطات الفرنسية . ومن بين الذين حضروا المؤتمر : زيغود يوسف، عبان رمضان، كريم بلقاسم، أعمر أوعمران، عميروش، العربي بن مهيدي، لخضر بن طوبال، مصطفى بن عودة.
اتخذ المؤتمر مجموعة من القرارات الهامة في عدة جوانب:
ففي الجانب الهيكلي: أسفر المؤتمر عن إنشاء الهيئات التالية:
أ- المجلس الوطني للثورة الجزائرية وهو أعلى هيئة سياسية للثورة أوكلت له مهام الهيئة التشريعية التى تقرر الحرب والسلم، مكونة من 34 عضوا، 17 منهم دائمون و17 آخرون إضافيون.
ب - لجنة التنسيق والتنفيذ مكونة من 5 الى 14 عضوا وهي الجهاز التنفيذي للثورة.
وفي الجانب الإداري:
قسمت الجزائر إلى ست ولايات وكل ولاية إلى مناطق وكل منطقة إلى نواح وقسمت كل ناحية إلى قطاعات
- الولاية الأولى : أوراس - النمامشة
- الولاية الثانية: الشمال القسنطيني
- الولايـــة الـثالـثـة: الـقبـائـــل
- الولاية الرابعة : العاصمة وضواحيها الجزائر
- الولاية الخامسة: الغرب الجزائري
- الولاية السادسة: الصحراء .
وفي ميدان العمل السياسي: حددت المهام الرئيسية التالية:
- التنظيم وتوجيه الشعب
- الدعاية والإعلام
- الحرب النفسية: الإتصالات بالشعب والأقلية الأوربية وأسرى الحرب.
- التمويل والتموين
- الإدارة والمجالس الشعبية وتنتخب هذه المجالس الشعبية المكونة من 5 أعضاء بما فيهم الرئيس، وهي تتكفل بالأحوال المدنية والشؤون القضائية والدينية و المالية والإقتصادية والأمن.
وفي ميدان التنظيم العسكري: قرر المؤتمر أن يتكون الفوج من 11 جنديا من بينهم عريف وجنديين أوليين ونصف الفوج يضم 5 جنود من بينهم جندي أول. الفرقة وتتكون من 35 جنديا (ثلاثة أفواج وقائد الفرقة ونائبه). الكتيبة وتتكون من 110 جنود (ثلاثة فرق وخمس إطارات) الفيلق ويتكون من 350 جنديا (ثلاثة كتائب وعشرين إطارا).
الرتب: الجندي الأول (Caporal) وتميزه علامة V حمراء معكوسة توضع على الذراع الأيمن.
العريف (Sergent):علامتان V حمراوان معكوستان.
العريف الأول (Sergent Chef): ثلاثة علامات Vمعكوسة.
المساعد (Adjudant): علامة V تحتها خط أبيض
الملازم ( L'Aspirant) نجمة بيضاء
الملازم الثاني (Sous-lieutenant)
الضابط الأول (lieutenant): نجمة حمراء ونجمة بيضاء.
الضابط الثاني (Capitaine): نجمتان حمراوان.
الصاغ الأول (Commandant): نجمتان حمراوان ونجمة بيضاء.
الصاغ الثاني (Colonel): ثلاثة نجوم حمراء.
قائد الولاية: صاغ ثاني- ونوابه برتبة صاغ أول.
قائد المنطقة: ضابط ثاني ونوابه الثلاثة برتبة ضابط أول.
قائد الناحية: ملازم ثاني ونوابه الثلاثة برتبة ملازم
قائد القطاع: مساعد ونوابه الثلاثة برتبة عريف.
والإشارات تتمثل في نجمة وهلال لون أحمر توضع في القبعة.
مرحلة حرب الإبادة بعد 1958م
تعد هذه المرحلة من أصعب المراحل التي مرت بها الثورة الجزائرية إذ تواصلت العمليات العسكرية وتوسعت بشكل ضخم، وهذا بعد أن أسندت قيادة الجيش الفرنسي للجنرال شال الذي شرع في تطبيق المشروع العسكري الحامل لإسمه للقضاء على الثورة وذلك بإتباع الخطوات التالية:
- غلق الحدود الشرقية والغربية بواسطة الألغام والأسلاك الشائكة المكهربة.
- العمل على إبادة جيش التحرير الوطني في الجبال والأرياف.
- القيام بعمليات عسكرية جوية -برية- بحرية مكثفة لتمشيط البلاد والقضاء على المجاهدين.
- تجنيد المزيد من العملاء والحركة.
ومن أبرز العمليات التي تضمنها مخطط شال:
- عمليات الضباب في منطقة القبائل.
- عمليات التاج (لكورن) على جبال الونشريس.
-عمليات المجهر أو المنظار على جبال الشمال القسنطيني.
-عمليات الأحجار الكريمة على جبال الشمال القسنطيني.
-عمليات الشرارة على مناطق جبال الحضنة بقيادة الجنرال شال شخصيا.
وإلى جانب كل هذا لجأ الاستعمار إلى الإكثار من المحتشدات وتهجير السكان ليفصل بينهم وبين جيش التحرير الوطني. كما قام الجنرال ديغول بطرح مشروع قسنطينة الاقتصادي بهدف خنق الثورة على أساس أن أسبابها اقتصادية واجتماعية، فقرر الجنرال ديغول توزيع الأراضي الصالحة للزراعة على الجزائريين وإقامة مشاريع صناعية وسكنية وتعليمية. كما حاول القضاء على الثورة سياسيا بطرح فكرة "سلم الشجعان" وهو بكل بساطة العودة إلى الديار ورمي السلاح.
أما بالنسبة للثورة الجزائرية فقد تواصلت بكل قوة وازداد التلاحم الشعبي بها ومن أبرز الأدلة على ذلك ماحدث في 11 ديسمبر 1960م من مظاهرات شعبية عارمة، ولقد أعلن هذا الشعب عن رفضه المشروع عندما طلبت منه جبهة التحرير الوطني ذلك، ولمواجهة مشروع شال اعتمدت الثورة على أساليب عسكرية جديدة منها الإكثار من العمليات الفدائية داخل المدن والاعتماد على حرب الكمائن، ونقل العمليات الفدائية إلى قلب فرنسا نفسها بضرب المنشآت الاقتصادية والعسكرية ومما دعم ذلك وقوف المهاجرين الجزائريين في فرنسا إلى جانب الثورة ولعل أبرز مثال على ذلك هو ما حدث يوم 17 أكتوبر 1961م.
وفي هذه الأثناء كانت الثورة تستكمل بناء تنظيماتها وهياكلها فقامت في 19 سبتمبر 1958م بالإعلان رسميا عن تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي ترأسها فرحات عباس في البداية ثم خلفه يوسف بن خدة سنة 1961م وهذا بسبب اقتناع قيادة الثورة بأن التمثيل أصبح ضروريا في مثل هذا المستوى لحمل الدولة الفرنسية على تغيير سياستها تجاه الجزائر، ولاقتناع الثورة أيضا بأن التحضير للاستقلال صار ضروريا هو الآخر.
انعكاسات مؤتمر الصومام
مكن مؤتمر الصومام الثورة عبر التنظيم الجديد من تسهيل الاتصال بها من طرف الدول والتنظيمات الأجنبية. وهكذا بدأت الثورة من توسيع وتطوير علاقاتها مع مختلف دول العالم، الأمر الذي كان له انعكاسات معتبرة على موقف الدول الصديقة لفرنسا والتى أخذت تدريجيا تراجع سياستها تجاه الاستعمار بصورة عامة والاستعمار الفرنسي بصورة خاصة. وكرد من السلطات الفرنسية على كل ذلك استعملت مختلف الوسائل لتحقيق أي انتصار عسكري على الثورة الجزائرية منها:
- إنشاء مناطق محرمة في الأرياف الجزائرية.
- إتباع سياسة القمع والإيقاف الجماعي.
-إتباع سياسة التجويع الجماعي وإخضاع المواد الغذائية للتقنين.
- إنشاء مكاتب الفرق الإدارية لاصاص (SAS).
- عزل الجزائر عن العالم الخارجي بخطين مكهربين على طول الحدود الفاصلة بين الجزائر ويعرف باسم خط موريس؛ ويدعم هذا الخط بآخر بعد وصول الجنرال ديغول إلى السلطة سنة 1958 ويعرف باسم خط شال على الحدود الجزائرية المغربية. ويعد هذا العمل من أخطر ما أنتجته المخابر الاستعمارية. وكان عرضه يتراوح بين 20 مترا وعدة كيلومترات وقوة تياره تصل إلى حوالي 20 ألف فولت بينما زرعت أرضه على امتداد العرض بألغام شديدة الحساسية. لكن جيش التحرير الوطني قابل كل ذلك بعزيمة قوية إذ تمكن من ابتكار الطرق الكفيلة باختراق الحدود المكهربة بأقل تضحية. وفي هذه المرحلة أيضا وقع حادث اختطاف الطائرة التي كان على متنها وفد جبهة التحرير الوطني في 22 أكتوبر 1956م وهو في طريقه من المغرب الأقصى إلى تونس كما شاركت فرنسا في عدوانها الثلاثي على مصر في أواخر شهر أكتوبر مدعية في ذلك أن ما يحدث في الجزائر لا يمكن القضاء عليه إلا بالقضاء على الرأس المدبرة والمفكرة له في مصر. ولقد شهدت هذه المرحلة ارتفاع حدة الهجوم الفرنسي المضاد للثورة من أجل القضاء عليها إلا أن الثورة ازدادت اشتعالا وعنفا بسبب تجاوب الشعب معها، فنشطت حركة الفدائيين في المدن وبالتالي جرت معركة الجزائر، التي تركزت بشكل كبير في حي القصبة، ومن أبرز صور هذه المعركة ذلك الإضراب الذي دعت إليه جبهة التحرير في 28 جانفي 1957م، وأخطر حدث يمكن لنا ذكره في ختام هذه المرحلة هو قيام الطيران الفرنسي يوم 8 فيفري 1958م بقصف قرية سيدي يوسف التونسية. وفي 13 ماي 1958م وقع انقلاب عسكري في الجزائر بعد تمرد الضباط الفرنسيون المتطرفين على سلطة الحكومة الفرنسية التي عجزت عجزا تاما في القضاء على الثورة، واستدعى هؤلاء الجنرال ديغول لينقذ الموقف وبما أنه عسكري بالدرجة الأولى فقد كان يؤمن بالانتصار العسكري.
وهنا تبدأ مرحلة جديدة من مراحل الثورة الجزائرية الكبرى.مرحلة التفاوض