لندن ـ 'القدس العربي': يتوقع المراقبون بعد إعلان نتائج الانتخابات العراقية يوم الجمعة الماضية ان يطول امد تشكيل الحكومة العراقية المقبلة التي لا يعرف أحد طبيعتها في ظل التهديدات التي تلوح بها الاطراف الخاسرة، خاصة دولة القانون التي يتزعمها نوري المالكي، رئيس الوزراء الحالي، كما ان اللاعبين في السياسة العراقية كثر وكل واحد سيحاول جلب الطرف الاخر لصالحه وتأميله بالنفوذ والمناصب الحكومية، مما يعني ان الانتخابات العراقية التي نظر اليها على انها محاولة للخروج من قمقم الطائفية والمحاصصة لا تزال في العمق طائفية واثنية وتتميز بعدم ثقة اي طرف بالآخر.
ومع ذلك ينظر الى عودة رئيس الوزراء المؤقت السابق اياد علاوي وقائمته الى المشهد السياسي وفوزها بفارق ضئيل على المالكي على انه تغير بسيط، ولكن علاوي فاز بسبب السنة الذين شاركوا بقوة في هذه الانتخابات، ومن هنا سيحاول كل من الاكراد والشيعة منع عودة السنة للسياسة عبر العراقية واستخدام كل ما لديهم من سلطات وقوة.
وفي هذا يتساءل باحث في مجموعة الازمات الدولية عن المسار الذي سيتخذه المالكي المهزوم، فالاخير شكك في الانتخابات التي اعترفت بها الامم المتحدة والولايات المتحدة واتهم مفوض الامين العام للامم المتحدة بالفشل في وقف ما أسماه المالكي التزوير. ولا يعرف المسار الذي سيتخذه المالكي بحسب الباحث ان كان عن طريق المعارضة البرلمانية او معارضة الشوارع، وعليه فعودة لجنة المساءلة والعدالة التي تتسم بالتسييس وتديرها شخصيات مرتبطة بالحكومة تمثل جزءا من محاولة البقاء في السلطة. وفي ظل التحالفات والتنوع داخل المشهد السياسي العراقي يتوقع ان يأخذ تشكيل الحكومة وقتا طويلا، تتغير فيه الولاءات ويستخدم فيه كل طرف المناصب والنفوذ لجلب الطرف الاخر الى دعمه ومن هنا لا يستبعد ان يلعب التيار الصدري دور المرجح في العملية الجديدة وهو الطرف الذي ندم على دعمه المالكي ضد مرشح المجلس الاسلامي الاعلى، عادل عبدالمهدي في انتخابات عام 2005.
ولدى كل من التيار الصدري والاكراد الذين تمثل أصواتهم مصالح في استبدال المالكي نظرا لضرب الاخير للصدريين في البصرة وبغداد وللعلاقة المتوترة مع الاكراد حول كركوك ومناطق الشمال التي يحاول الاكراد مد سلطتهم عليها.
ومن هنا يظل مصير الانتخابات التي جرت في ظل الوجود الامريكي مرهونا بارضاء الاطراف المهمشة في العملية السياسية، فمن ناحية اذا لم يتم استبعاد السنة وظل الطرف الخاسر يلوح بورقة البعث واجتثاثه فالاطراف السنية التي قبلت باللعبة السياسية هذه لن يكون لديها أي سبب للعودة الى السلاح، اما التيار الصدري المعارض للمالكي والذي فاز بأربعين مقعدا فسيظل دوره مرهونا بالطريقة التي سيتعامل معه المالكي، فالاخير صار في موضع من يرجو ويناشد الطرف الذي شرده ولاحق اتباعه في البصرة وبغداد عام 2008.
واشار تقرير في صحيفة 'الغارديان' الى ان جماعة المالكي سافرت الى قم، حيث يقيم مقتدى الصدر، بعد ان اساءت دولة القانون تقديراتها في الانتخابات، وبحسب مستشار للمالكي نقلت عنه قال ان الصدر رفع الفيتو عن الكتلة وعن المالكي نفسه وان الصدر غير قلبه تجاه الاخير. ولكن اتباع الصدر في العراق لا يصدقون ما تحدث عنه مستشار المالكي ويقولون انه يكذب وان مجرد موافقة الصدر على عودة نوري المالكي يعني تصديقا على الاحتلال الذي دفعه للخروج من العراق كما يقولون.
وقال مسؤول في مكتب الصدر ان مجرد عودة المالكي للمرة الثانية سيكون خداعا جديدا.
وفي الوقت نفسه فتحت العراقية حوارا مع اتباع التيار الصدري في محاولة للحصول على دعمهم.
ويقول مسؤولون في القائمة ان اي طرف يدعي ان القائمة الفائزة لا يحق لها تشكيل الحكومة، فانه يتصرف بطريقة طائفية وغير دستورية.
ويرى مراقبون ان المالكي سيحاول قدر المستطاع القيام بحملة يصور فيها نفسه انه المسؤول القادر على حل مشاكل البلاد، ويخشى هو ومؤيدوه ان يتراجع تأثيرهم ومعه تأثير ايران.
ولكن الانتخابات العراقية الاخيرة اظهرت تحولا في موقف الناخب العراقي تجاه رفض الشخصية التي لا يمكن تحديها والديكتاتورية التي مثلتها الحكومة، وكانت احتجاجا على الفساد والدولة العاجزة التي لا يزال ملايين من سكانها يعيشون في احياء الفقر والتشرد، وكان لافتا يوم انتهاء الحملات الانتخابية تشاجر سكان الاحياء الفقيرة على لوحات الاعلانات من اجل استخدامها لاصلاح بيوتهم. وكان المالكي يعتقد انه سيحقق أحسن مما حقق، لأنه يجلس على ميزانية 60 مليار دولار وبيده كل مقاليد السلطة ويتحكم في وظائف السكان لكن حكومته تميزت بالفساد، فلا خدمات كانت تقدم للمواطنين بدون ان ترفق بالرشوة.
وفي اطار اخر يقلل تحليل نشر في صحيفة 'اندبندنت أون صاندي' مما يراه المراقبون صعود القوى الوطنية الليبرالية لان الاحزاب الدينية لا زالت لديها اليد العليا في العراق ولا تزال تلاحق باعة الخمور كما يقول. فيما صورت الاحزاب الشيعية علاوي باعتباره دمية للسنة.
في النهاية ما سيجري في الايام القادمة في العراق لن يقرر داخل البلاد بل ستقرره الدول الاقليمية فمن ناحية ايران ستدعم ايران احزابها، أما حملة علاوي فقد مولتها السعودية وعدد اخر من الدول العربية.
والمشهد في العراق سيظل كما هو ممزقا ومتسما بالعنف، خاصة ان الامريكيين لم تصدر منهم اية اشارات عن تغيير خططهم للانسحاب وتخفيض قواتهم حسب الجدول الزمني.